ولي العهد الأمير مولاي الحسن يستقبل الرئيس الصيني    وفاة شخصين وأضرار مادية جسيمة إثر مرور عاصفة شمال غرب الولايات المتحدة    جامعة عبد الملك السعدي تبرم اتفاقية تعاون مع جامعة جيانغشي للعلوم والتكنولوجيا    سفير ألمانيا في الرباط يبسُط أمام طلبة مغاربة فرصا واعدة للاندماج المهني    بوريطة: المقاربات الملكية وراء مبادرات رائدة في مجال تعزيز حقوق الإنسان    ولي العهد الأمير الحسن يستقبل الرئيس الصيني بالدار البيضاء الذي يقوم بزيارة قصيرة للمغرب    تحطم طائرة تدريب يودي بحياة ضابطين بالقوات الجوية الملكية    متابعة موظفين وسماسرة ومسيري شركات في حالة سراح في قضية التلاعب في تعشير السيارات    هل يؤثر قرار اعتقال نتنياهو في مسار المفاوضات؟    عشر سنوات سجنا وغرامة 20 مليون سنتيما... عقوبات قصوى ضد كل من مس بتراث المغرب    رسميا: الشروع في اعتماد 'بطاقة الملاعب'        أبناء "ملايرية" مشهورين يتورطون في اغتصاب مواطنة فرنسية واختطاف صديقها في الدار البيضاء    الصحراء: الممكن من المستحيل في فتح قنصلية الصين..    المغرب التطواني يقاطع الإجتماعات التنظيمية مستنكرا حرمانه من مساندة جماهيره        أول دبلوم في طب القلب الرياضي بالمغرب.. خطوة استراتيجية لكرة القدم والرياضات ذات الأداء العالي    مجلس الحكومة يصادق على مشروع مرسوم بوقف استيفاء رسم الاستيراد المفروض على الأبقار والأغنام الأليفة    الحزب الحاكم في البرازيل يؤكد أن المخطط المغربي للحكم الذاتي في الصحراء يرتكز على مبادئ الحوار والقانون الدولي ومصالح السكان    تعيينات بمناصب عليا بمجلس الحكومة    "بتكوين" تقترب من 100 ألف دولار مواصلة قفزاتها بعد فوز ترامب    الرباط : ندوة حول « المرأة المغربية الصحراوية» و» الكتابة النسائية بالمغرب»    بعد غياب طويل.. سعاد صابر تعلن اعتزالها احترامًا لكرامتها ومسيرتها الفنية    المنتدى الوطني للتراث الحساني ينظم الدورة الثالثة لمهرجان خيمة الثقافة الحسانية بالرباط    استطلاع: 39% من الأطفال في المغرب يواجهون صعوبة التمدرس بالقرى    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    بإذن من الملك محمد السادس.. المجلس العلمي الأعلى يعقد دورته العادية ال 34    المغربيات حاضرات بقوة في جوائز الكاف 2024    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    الاستئناف يرفع عقوبة رئيس ورزازات    المركز السينمائي المغربي يقصي الناظور مجدداً .. الفشل يلاحق ممثلي الإقليم    مؤشر الحوافز.. المغرب يواصل جذب الإنتاجات السينمائية العالمية بفضل نظام استرداد 30% من النفقات    طنجة.. توقيف شخصين بحوزتهما 116 كيلوغرام من مخدر الشيرا    ميركل: ترامب يميل للقادة السلطويين    لأول مرة.. روسيا تطلق صاروخا باليستيا عابر للقارات على أوكرانيا    زكية الدريوش: قطاع الصيد البحري يحقق نموًا قياسيًا ويواجه تحديات مناخية تتطلب تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص    ارتفاع أسعار الذهب مع تصاعد الطلب على أصول الملاذ الآمن    وزارة الإقتصاد والمالية…زيادة في مداخيل الضريبة        رودري: ميسي هو الأفضل في التاريخ    ارتفاع أسعار النفط وسط قلق بشأن الإمدادات جراء التوترات الجيوسياسية    أنفوغرافيك | يتحسن ببطئ.. تموقع المغرب وفق مؤشرات الحوكمة الإفريقية 2024    بعد تأهلهم ل"الكان" على حساب الجزائر.. مدرب الشبان يشيد بالمستوى الجيد للاعبين    8.5 ملايين من المغاربة لا يستفيدون من التأمين الإجباري الأساسي عن المرض    مدرب ريال سوسيداد يقرر إراحة أكرد    انطلاق الدورة الثانية للمعرض الدولي "رحلات تصويرية" بالدار البيضاء    الشرطة الإسبانية تفكك عصابة خطيرة تجند القاصرين لتنفيذ عمليات اغتيال مأجورة    من شنغهاي إلى الدار البيضاء.. إنجاز طبي مغربي تاريخي    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    شي جين بينغ ولولا دا سيلفا يعلنان تعزيز العلاقات بين الصين والبرازيل    جائزة "صُنع في قطر" تشعل تنافس 5 أفلام بمهرجان "أجيال السينمائي"    تفاصيل قضية تلوث معلبات التونة بالزئبق..    دراسة: المواظبة على استهلاك الفستق تحافظ على البصر    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ضعف إسرائيل في قوتها
نشر في هسبريس يوم 08 - 06 - 2010


التقييم الموضوعي لضعف الكيان الصهيوني
ما لا يدركه التيار العربي الذي خلد إلى هزيمته، أن المقاومة لم تأت لكي تحلّ محلّ الجيوش العربية. وذلك لسبب بسيط، أن هذا لم يكن في يوم من الأيام هو دور المقاومة ولا وظيفتها ولا جزء من فلسفتها. ومن هنا لا قيمة أن نتحدث بالمفهومات التي لا تصح في المقام ؛ أي أن إسرائيل لها كيت وكيت من أسلحة الدمار وماذا في جعبة المقاومة؟! وسيكون أهل الاعتدال من عرباننا صادقون فقط حينما يعترفون بأن القضية الفلسطينية أصبحت عبئا عليهم ، وهم في انتظار أي مخرج لتصفيتها ولو بأسوأ الصفقات. الاعتدال هو تضليل وليس موقفا استراتيجيا. كثير من دول الاعتدال على أتم الاستعداد لخوض حروب استعلائية و وحشية ضد جيرانهم وشعوبهم و أقلياتهم متى طلب منهم ذلك في سياق الحروب القذرة. سنصدقها فقط حينما تمسي وتصبح ديمقراطية بالفعل. تتواطأ دول الاعتدال مع المعادلة الهيمنية على أساس أن الديمقراطية في المجتمعات العربية هي خطر على إسرائيل فقط حينما تكون ديمقراطية عربية. ولذلك هم يسعون لتمييع واستغلال ديمقراطياتنا الناشئة وتحويلها ضد القضايا الإستراتيجية للأمة أو يستبدلونها بالاستبداد متى كانت ديمقراطياتنا تدفع في اتجاه الاستقلال والكرامة. ولا يكفي ها هنا الضوضاء الإعلامي، لأن التاريخ لا توقفه الثرثرة. فليس العرب هم وحدهم في تاريخ النوع من قاوم المحتل. ولكن هذا لا يعني أن المقاومة لا يمكنها أن تجبر الغازي على التراجع، ودائما كانت المقاومات عامل اندحار حتمي للاحتلال. والذين ينتظرون من المقاومة أن تنتصر بتدمير العدو مباشرة ، هم في أهون الحالات مغالطون ، لأن فعل المقاومة مستديم ويفرض إكراها زمنيا استنزافيا ضد العدو. إن المقاومة تراكم من أزمات العدو وتوصله إلى إعلان الانتحار. لقد سمعنا الكثير عن هزيمة الجيوش الكلاسيكية لكننا لم نسمع أن مقاومة ما انهزمت إلا إذا استدرج أصحابها في منتصف الطريق إلى حصد غنائم المعركة وقبلوا بأسوأ الصفقات مثل ما فعل إخوان أوسلو ولا زالوا يظنون خيرا بالرباعية حتى بعد أن رموا بالمبادرة العربية تحت الطاولة. فالذين لا زالوا يتفلسفون على المقاومة كانوا حتى فترة قصيرة يعتبرون ما حصل اليوم من إنجازاتها هو ضرب من أساطير وشعارات المقاومة. ولا أدري حقيقة لم نعتبر المقاومة حينما تكون عربية ثرثرة عربية ولكننا نعتبر أبواق الهزيمة العربية عقلاء ومعتدلين؟!
الدور التركي في حدود العقل
وجب التذكير أن الاحتفال بأوردغان وهو يمثل الشريحة الاجتماعية الأكبر في تركيا اليوم لا يعني أن وضع تركيا هو على ما يرام. ولكن علينا أن لا نطلب من تركيا أن تنط بمواقف جذرية برمية واحدة. فهذا البلد الذي انخرط في رهانات سياسية وإستراتيجية مختلفة وعلاقات دقيقة مع إسرائيل منذ نشأتها يتطلب وقتا أطول لبتحرر من تلك السياسات. إن المواقف تطبخ وتتكامل داخل الجدل الداخلي الذي تخوضه تركيا بعد أن وجدت نفسها تلعب دور الشاويش في معادلة حلف الناتو دون أن يعترف هذا الأخير بها ككيان متطلع إلى الاتحاد الأوربي. أن تكون أوربيا ليست مسألة اختيار. ففي ذروة هذا الإصرار وجدت تركيا نفسها ترفض من قبل حلفائها الافتراضيين، لأسباب تتعلق بتاريخها الذي قطعت معه منذ الأتاتوركية ، كما تتعلق بثقافتها وتقاليدها وعرقها. ما الذي يطلبه الأوربيون من تركيا حتى تكون أوربية؟! فلقد فعل الأتراك منذ أتاتورك أكثر من لبس البرنيطة بدل الطربوش ومع ذلك كانوا ضحية ميز عنصري. فالغرب وقف مع اليونان دائما ضد تركيا. كما فجر مسألة الأكراد في تركيا أكثر من أي وقت مضى. وكلما سعت تركيا أكثر باتجاه الرهان الأوربي كلما أثيرت مسألة الأكراد وحقوق الإنسان في تركيا وملف الأرمن. هل نسينا كيف أصرت فرنسا على عدم القبول بتركيا في المنظومة الأوربية بكثير من الاستعلائية. وليس آخرا حينما وافق الكونغرس الأمريكي على قانون محاسبة تركيا بشأن الأرمن ، كما استهانت إسرائيل وأمريكا معا من الوساطة التركية مرة حينما استغلت إسرائيل تركيا كضامن لاستمرار الوساطة بين دمشق وتل أبيب في سياق المفاوضات غير المباشرة بين البلدين لإعلان حرب وحشية على غزّة ، ومرة حينما عارضت واشنطن وإسرائيل الوساطة التركية والبرازيلية بخصوص التبادل النووي الإيراني، وانتهاء بمجزرة أسطول الحرية الذي قتل فيه تسعة من الأتراك وجرح منه العشرات وتم انتهاك سيادة سفينة مرمر التركية التي ترفع العلم التركي في المياه الدولية. وعليه، فقد وجدت تركيا نفسها تخرج من إهانة إلى أخرى. وهذا قدرها الذي فرض عليها العودة تدريجيا إلى حضنها الطبيعي. إنها بالفعل لم تكن هي صانعة معادلة الممانعة ولكنها وجدت فيها ورقة ضغط ممتازة ، مما يؤكد على أن الأتراك يلعبون السياسة كما هي وبذكاء قلّما حصل له نظير عند دول الاعتدال العربي. إن ما تقوم به تركيا اليوم هو لحظة في مسار يجب أن تستمر عليه وتنتهي إلى نتائج ملموسة أقلها أن تضع حدّا لكل مستويات التعاون مع إسرائيل. ولا شك أن الحديث عن تأجيل المناورات والتداريب التي تتم في إطار الاتفاقية العسكرية بين تركيا وإسرائيل لم يعد لها معنى ولا يجدر الحديث عنها كما لو كان مجرد التوقف عنها يكفي. إن تركيا لا زالت مكبلة بالكثير من الاتفاقيات الدولية والإقليمية و تحديدا مع إسرائيل تحول دونها والمضي بعيدا في الضغط على إسرائيل. وكل هذا رهين اليوم بموقف الشعب التركي وحده القادر على الضغط على قياداته وحماية الموقف الأردغاني من أن يستوعب ضمن استراتيجيا تركية خاصة ، لا سيما وأن الولايات المتحدة الأمريكية تدرك أن الموقف التركي مهم لإجبار الحكومة اليمينية في تل أبيب على الخضوع للموقف الأمريكي ؛ موقف أمريكا لا يقدم حلاّ حقيقيا للقضية الفلسطينية ولكنه يقدم حلاّ يرضي المصالح الأمريكية وضمن الحلول الواقعية التي يطالب بها اليسار الإسرائيلي نفسه. كيف تستطيع أمريكا إنقاذ إسرائيل من رعونة ومغامرات اليمين الصهيوني؟ تلك هي الحكاية. وهذا يعني أن وظيفة الضغط التركي ستنتهي وينبغي لها أمريكيا أن تنتهي بمجرد أن تحقق نتائجها. وحينها يبدأ العد العكسي في الضغط على تركيا، حيث يتطلب الأمر القضاء على حكومة أردوغان. الأمر الذي يتطلب يقظة من القاعدة الجماهيرية التركية الداعمة لحزب العدالة والتنمية التركي. وهي المعركة الناعمة التي تنتظر تركيا ضد كل من أمريكا وإسرائيل. وطبعا سيكون عرب الاعتدال جاهزين للانخراط في الأجندة المقبلة ك"كومبارس" يملأ الفضاء بالضجيج. ذلك لأن الإحراج التركي لعرب الاعتدال لا يمكن أن يفجّر على الأقل في المدى القريب ردود فعل عربية ضد تركيا ، لأنهم ليسوا في الوضع الذي يسمح لهم بمواجهة عملاقين في المنطقة ، بل ستتصدى أمريكا وإسرائيل عبر ضغوطها ضد تركيا فيما يتكفل إعلام عرب الاعتدال في الهذيان الإيرانوفوبي حتى إشعار آخر. وعلى هذا الأساس، فالمعول عليه في دحر إسرائيل وصدها عن مغامراتها هو بتفعيل المقاومة. إن الذي احتوى تركيا هو قوة المقاومة والممانعة. فالدور التركي هو داعم للمقاومة وليس هو العامل الوحيد المعول عليه ، على الأقل حتى الآن. ومن هنا علينا أن لا ننسى أن إسرائيل تخشى من استقواء المقاومة بالموقف التركي. فالموقف التركي منح المقاومة نفسا جديدا وساند موقفها. وعلى تركيا أن تجتهد أكثر لتحقيق التماهي مع هذا الموقف بالخروج من تناقضات وضعها السياسي والاستراتيجي على أهميته. فلو ظل أداء تركيا في هذا المستوى يمكن أن يصبح رافدا جديدا ومختلفا للقضية الفلسطينية. لكن الخوف يكمن في مدى قدرة الأتراك على مواصلة هذا الدور أمام الضغوط الممكن أن تبدأ حينما يحصل بعض الهدوء في المنطقة. الدور التركي إضافة إلى الدور الإيراني والسوري في المنطقة يشكل قبة حماية المقاومة تفوق الأهمية الإستراتيجية لقبة صدّ الصواريخ التي تزمع إسرائيل على إنشائها. وهو ما يؤكد على أن إسرائيل لا زالت لم تنخرط في مناخ المعادلة الجديدة التي بموجبها لم يعد السلاح ينفع مع الاندحار المستمر في المعنويات الإسرائيلية فضلا عن خسرانها كل أرصدتها السياسية والأخلاقية أمام العالم. إن إسرائيل بعد أسطول الحرية ليست هي إسرائيل قبل أسطول الحرية. العالم تغير والمعادلة تحبك بأسلوب مختلف.
هل حقّا إسرائيل قوية؟
أضاف حادث الاعتداء على أسطول الحرية إلى سجل الجنون الإسرائيلي مثالا آخر أكثر دلالة ووضوحا. واليوم لا يحسن عقلاء هذا الكيان عقلاء من حيث أنهم يفكرون في حمايته من الانتحار بيد يمينييه سوى التذكير بأن مصير إسرائيل هو اليوم رهين بكيفية تدبير القوة التي تورّمت لديها حتى غزت عقلها السياسي ودخلت في دوامة الانتحار. إن الشيء إذا زاد عن حدّه انقلب إلى ضده. وليست إسرائيل هي أولى الكيانات التي انتحرت بيد أبنائها. قبل أيام كتب عاموس عوز الكاتب الإسرائيلي مقالا في نيويورك تايمز حول "القوة الإسرائيلية ، بلا هدف في البحر". الملفت في المقال المذكور أن الكاتب والروائي الإسرائيلي تحدث عن أن اليهود أدركوا منذ ألفي عام القوة وقوتها من خلال ضربات السياط التي نزلت على ظهورهم. بينما فقط خلال عقود مارسوا هذه القوة المفرطة ضد الآخرين بصورة أضرت بكيانهم. لقد ظنت إسرائيل منذ قيامها أنها قادرة على حلّ مشكلاتها مع العرب بالقوة . وكان هذا اعتقاد جماعة إرغون القومية المتطرفة. هذا ما يقوله عاموس ، مع أننا لا نرى إن كان بإمكان قيام إسرائيل من دون تطرف وعقيدة متطرفة. وهذه هي المفارقة التي يقع فيها إن لم نقل تفضح منطق أهل الاعتدال منهم كما يظهر من حديث الكاتب. لكنه كشف عن أن إسرائيل منذ 1967م جعلت من القوة والحسم العسكري ركيزة سياستها تجاه العرب. إنها حسب المثل الذي يورده عاموس عوز " بالنسبة إلى رجل يملك مطرقة كبيرة تبدو كل مشكلة وكأنها مسامير". ويتحدث عاموس عن أن المقاومة وتحديدا حماس ليست منظمة بل هي فكرة. وحيث لم يتم القضاء على أي فكرة في التاريخ اعتمادا على القوة العسكرية ، ما كان أمام إسرائيل إلا أن تسلك منطق التاريخ ، وهو أن القضاء على أي فكرة لا يتم إلا بوجود فكرة أفضل. وتقديري إن كان هذا صحيحا من منظور الفكر المجرد إلاّ أنه لا ينطبق على إسرائيل. ما يؤكد أن عاموس عوز وكل الذين يسعون إلى إنقاذ إسرائيل من نفسها يفعلون كما يفعل أي فاعل خير لمنع شخص محبط ويائس من الانتحار. يتطلب الأمر من فاعل الخير أن يجتهد وسعه في خلق الحد الأعلى من المفارقات والمشاعر الطيبة. ذلك لأن إسرائيل عاجزة عن تقديم أي فكرة أفضل. لأن المسألة لا تنتهي عند وقف المستوطنات فحسب ولا حتى برفع الحصار عن غزّة. إن إسرائيل هي في حد ذاتها أسوأ فكرة قدمها الفكر الصهيوني. يلفت عاموس أيضا أن إسرائيل حتما ستخسر بهذه السياسات. لأنها تبدو له اليوم محاصرة مثل غزّة تماما. باعتبار أنه لا الفلسطينيون هم اليوم وحدهم ولا الإسرائيليون هم وحدهم. عاموس إذن ينصح إسرائيل وهو لا يستهين بقوتها ، بل إنه يولول على إسرائيل إن كانت لا تملك قوة تدافع بها عن نفسها. وإذا كان قد صدق في قوله أن تلك القوة يجب أن تكون دفاعا عن النفس لا محاولة لسحق الأفكار وحلّ المشكلات، فإنه غاب عنه أن إسرائيل في ذاتها مشكلة وهي فكرة سيئة فرضت على المنطقة بالقوة. وليس عاموس وحده من عبر عن تلك الحقيقة المتعلقة بسوء تدبير إسرائيل لقوتها، هناك نيكولاس كريستوف يكتب في الجريدة نفسها عن إنقاذ إسرائيل من نفسها. فهي أي إسرائيل كانت قد أضرّت بنفسها بل بالموقف الأمريكي أيضا. ويصف هذا الضرر بأنه قوض الأهداف الإستراتيجية بعيدة المدى. يشير نيكولاس إلى ما ذكره بينارت من تراجع قوة الارتباط بين شباب اليهود الأمريكي وإسرائيل . حيث يشير إلى رفض المجلس الأعلى للطلاب بجامعة برانديز قرار إحياء الذكرى الستين لإقامة إسرائيل. والأمر حسب نيكولاس لا يقف عند هذا الحد ، فبناء على تصريح سابق لباتريوس ، فإن السياسة المتشددة ، يقول نيكولاس " تستنزف رأس المال السياسي الدولي لأمريكا ناهيك عن رأس المال السياسي الخص بها". الأمر الذي دفع برئيس الموساد مير داغان إلى القول :" تتحول إسرائيل تدريجيا من كونها مصدر قوة للولايات المتحدة الأمريكية إلى عبئ عليها". ليس مؤدى مقال نيكولاس حثّ أوباما على منع إسرائيل من الإضرار بنفسها فحسب بل يجب منعها من الإضرار بأمريكا أيضا.
من الضعف ما قتل
أقصد من الضعف هنا، الضعف الذي تنتجه العوامل الموضوعية. وهو ضعف لا تقبل به الإرادات وتجتهد للخروج من منه؛ إنها إرادة الحياة وإرادة التفوق. فرصيد كل مجتمع من الإرادة يحول الضعف قوة ويبدع من صورها ما لا يحصى. أجل، لا يقاس ضعف الأمم بمقاييس الاقتدار المادي فحسب، مهما بدت أهميته إلى جانب الاقتدار المعنوي. فثمة دول هي من أرقى أمم الأرض من ناحية التفوق الاقتصادي لكنها منزوعة السلاح لا تملك قرارا في مصيرها الاستراتيجي مثل اليابان. وثمة دول صغيرة تقيم فوق جزر مجهرية وليس لها نفوذ مادي كبير لكنها تتمتع بهيبة إقليمية و دولية يضرب لها حساب ، مثل كوبا. لا نتحدث عن النماذج ولا عن السياسات ولا حتى عن الأيديولوجيات، وإنما نتحدث عن واحدة من الشروط الموضوعية لقوة الدول ومكانتها في اللعبة السياسية؛ أي عن إرادة الأمم. والذي يحرك تاريخ العلاقات الدولية فضلا عن العوامل الموضوعية التي تشكل شرطا خارجيا لتفاعل الإرادات الداخلية هو إرادة الأمم وحدها التي تفسر لنا ليس الفرق بين دولة تملك تلك الإرادة وأخرى لا تملكها فحسب ، بل بين حال دول بنفسها عاشت تاريخين مختلفين بدت في أحدهما بمثابة حقل كازينوهات للدول العظمى وفي الثاني انقلبت إلى جحيم ضد نفوذهم. ذلك هو وضع كوبا كاسترو وسورية حافظ الأسد وإيران الخميني وفنزويلا تشافيز وتركيا أردوغان وبالمقابل ذاك هو وضع مصر السادات ومبارك بعد رحيل عبد الناصر. وعليه بات واضحا أن حكاية القوة والضعف بمدلولهما الاستراتيجي مفهومان معقدان ومتجددان نظرا لخصوصيتهما. فثمة إمبراطوريات سقطت بتناقضاتها دون أن تمتد إليها يد الغزاة. بل كما لا يخفى على مؤرخ من ابن خلدون في المقدمة إلى شبينغلر في انحطاط الحضارة الغربية إلى مونتيسكيو في روح القوانين ، أن قدر الإمبراطوريات أن تسقط بعوامل داخلية، لأن أفتك عوامل سقوط الإمبراطوريات هو الفساد والاختلال الداخلي . وحيث كان لا بد من السقوط الحتمي للإمبراطوريات فلا طريق أمام هذه الحتمية إلى تراكم تناقضات الإمبراطورية الداخلية. وثمة كيانات صغيرة تمسكت بالبقاء لم تحزحها كبرى الإمبراطوريات الغازية ، صمدت بمنسوبها الروحي وقانون إرادة الأمم. في ضوء هذه الحقائق وجب معالجة جدلية القوة والضعف بين إسرائيل والعرب؛ ما هي حقيقة ضعف العرب وما هي حقيقة قوة إسرائيل؟
ضعف العرب مكون لقوة إسرائيل
شكل ضعف العرب الذاتي والموضوعي معا مكونا رئيسيا في تشكل القوة الإسرائيلية التي عاشت على فتور وغياب ورهاب العرب. فإسرائيل لا يمكنها أن تحافظ على قوتها متى خرج العرب عن الفتور وسجلوا حضورهم المكثف ومزقوا جدار الخوف الذي صنعت منه إسرائيل أسطورتها في المنطقة. استندت إسرائيل في بناء قوتها إذن على ضعف العرب. كان العرب حتى قبل الهزيمة شبه دول لم تكتمل استقلالاتها. وبعضها كان لا يزال يرزح تحت نير الاحتلال الأوربي. تشكل جيش إسرائيل قبل أن تتشكل الجيوش العربية نفسها. واكتسب من خبرات دول الشتات اليهودي ما لم يتح للعرب. هذا هو الشرط الموضوعي لضعف العرب. إن الكيان الصهيوني تكون واشتد عوده قبل اشتداد عود الدول العربية. هذه هي اللعبة الأخطر في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي ودور القوى العظمى في تكريسه على أساس تفوق الكيان الصهيوني. فعلى الرغم من أن هذا الكيان فضل أن يظهر بمظهر الدولة الليبرالية ليشكل عنصر استقطاب للهجرات اليهودية باعتبار إسرائيل واحة ديمقراطية حرة في منطقة الاستبدادات الكبرى والظلام الشرق الأوسطي، فإن الشرط الموضوعي لإسرائيل فرض عليها أن تخفي وجهها الحقيقي ، من حيث كونها دولة قدرها أن تكون عسكرية. ولكنها دولة عسكرية ناعمة بالمعنى الذي فرض عليها أن تراعي الحراك المدني، لأنها تقوم على عنصر استقطاب يهود الخارج. فهل ننتظر تصاعد الضغط وبلوغ ذروة الصدام بين المدنيين والمؤسسة العسكرية لنشهد تراجعا في الهجرات إن لم نقل بداية عصر الهجرات المعكوسة لأبناء الكيان الإسرائيلي؟! ومن هنا لم يكن أمام الكيان الصهيوني سوى أن يناور من داخل المجتمع المدني بتشكيل موالين له من داخل اليمين اليهودي المتعصب وتعزيز شكل من الأصوليات التي ترفع سقف مطالبها التلموذية ولاستمرار تأثيرها على معنويات الجيش. وستجد إسرائيل نفسها أمام ضغط داخلي ، مما يدفعا إلى مزيد من التعصب الذي يحتاج إلى وجود حاضن اجتماعي لهذا التعصب وهو وجود قواعد متطرفة داخل هذا الكيان. وهو الأمر الذي سينقلب على إسرائيل في شكل تمزقات داخلية وسيحول إسرائيل إلى دولة متشددة. في مقابل ذلك ستجد إسرائيل نفسها أمام تجاذبين. هناك يهود أوربيون جاؤوا إلى إسرائيل لكي يعيشوا وضعا أفضل من الميز الأوربي ولكن لا يريدون وضعا أسوء من الاستقرار والفرص الأوربية. وهم يحملون ثقافة ليبرالية وينتظرون من الدولة الصهيونية أن تحقق لهم حلمهم الذي لا يتناغم مع أحلام بن غوريون ولا مع الايدولوجيا الصهيونية الصلبة التي لم تعد تشكل عنصر إغراء أو إقناع للجيل اليهودي الجديد . إن أقل ما ينتظر إسرائيل في الحد الأدنى هو انطلاق هجرات معكوسة حتى لا يحتاج الأمر إلى حروب كلاسيكية . فالمقاومة بإمكانها تحقيق هذا الهدف. وبما أن قسما كبيرا من اليهود ربما لن تتاح لهم فرصة هذه الهجرات لأسباب تتعلق بإمكانات مادية أو نظرا لوجود تدابير مستقبلية بتواطؤ منع الكيان الصهيوني نفسه لمنع التأشيرات وتعسير أمر الإقامات والجنسيات على اليهود المهاجرين من إسرائيل ، فان الأمر سيدفع إلى ضرب من الصراع الاجتماعي الداخلي وهو من أسوأ ما يتهدد إسرائيل بالزوال. إن زوال إسرائيل والنظام العنصري الصهيوني ليس مسألة عسكرية بالضرورة. فتصاعد أصوات أهل الاعتدال الصهيوني هو مؤشر على هذا المستقبل المظلم إن استمرت القيادة الصهيونية على مواصلة هذا النهج. فهؤلاء بالأحرى يعملون على حماية إسرائيل من مجانينها. لكن يخفى عليها أيضا أن هذا الجنون هو قدر إسرائيل وليس اختارا.
دولة عنكبوتية
يقولون أن أكثر الخيوط قوة هو خيط بيت العنكبوت. لكن المشكلة أن البيت برمته أهون البيوت. تستطيع العنكبوت أن تفرز أكثر الخيوط قوة ولكنها لا تستطيع أن تبني بها كيانا صامدا أمام أدنى عامل خارجي. حتى فرائسها تهد البيت هدّا فتضطر إلى إعادة بنائه من جديد. وتستطيع هذه الخيوط أن تصمد متى كان خصوم إسرائيل في وضع الحشرات التي تمكن العنكبوت منها. تستطيع العنكبوت أن تمد خيوطها إلى أبعد مدى لكنها لا تملك أن تصونها من قوة الرياح. لا تستطيع العنكبوت أن تبني بيتا إلا في الجحور والأكواخ القديمة والخرائب والأطلال وحيث يخيم الصمت الموحش ، ولكنها غير قادرة على بناء بيتها في مكان يكتظ بالحياة وفي مجال لا يفتر فيه التصدي والمقاومة. إن إسرائيل أتت هنا لتضمن وجودها الأفضل. فإذا كانت الجيوش العربية لم تملك أن تحرمها من هذا الوجود فإن وظيفة المقاومة أن لا تسمح لها بالوجود الأفضل. لأن إسرائيل كما أنها لا تتحمل هزيمة واحدة أو عدم ربح حرب حتى لو لم تهزم، فإنها لن تتحمل مجرد الوجود غير الأفضل. فهي هنا قد رهنت نفسها بأن تكون ثكنة متقدمة وحامية لمصالح الغرب ؛ فهي تطمح دائما إلى الوجود الأفضل والمتفوق. بل إن استعمالها للقوة المفرطة رسالة مستمرة للغرب بأنها لا زالت قادرة على الهيمنة على المنطقة. فإسرائيل تحمل همين: أن ترعب العرب بقوتها وتطمئن الغرب على أنها الأقوى. لكن ماذا لو برهنت المقاومة على أن إسرائيل تتآكل من الداخل وبأنها لم تعد قادرة على الهيمنة على المنطقة ولا قادرة على حماية المصالح الغربية. إن وجودها العادي حينئذ معناه إيقاف التحيز اللاّمشروط لإسرائيل. ولنتذكر أن هينتنغتون نفسه أقرّ بأن الولايات المتحدة الأمريكية لا يمكنها أن تستمر دائما في دعم إسرائيل.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.