مع علال الفاسي في وصيته بمناسبة مرور أربعين سنة على وفاته (2) الأفكار والاجتهاد في اقتناصها وإبداعها وإعطائها القالب الملائم سمة من سمات الإبداع والمبدعين، وميزة خاصة بأصحاب المواهب الكبرى والروح الساعية إلى تطوير الإنسان، والانتقال به من حالة السكون إلى حركة دائبة، وسعي متواصل نحو الكمال الإنساني الذي يرتفع بالإنسان إلى مستوى التكريم الإلهي لهذا الإنسان. وقد كانت هذه الحركة الابداعية منسجمة مع ما جاء به الإسلام من أن الإنسان إنما يكسب ما يكسبه من رفعة ومكانة في الكدح المتواصل "يأيها الإنسان انك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه". وكان هذا السعي الدائم والمتواصل مما اختص وامتاز به طائفة من الناس، وانشغل الباحثون والدارسون لالتماس هؤلاء في كل مراحل التاريخ سيرا مع ما ورد من أن الله يبعث على رأس كل مائة سنة لهذه الأمة من يجدد لها دينها أو أمر دينها، وعلى أي حال فإن هؤلاء المجددين يمتازون بالشجاعة والصدق والفراسة الثاقبة حيث ينظرون بنور الله هذا النور الذي اكتسبوه من الإيمان، هذا الإيمان الذي له صفات وخصائص من بينها أو أسها العمل. والعلاقة بين الإيمان والعمل هو ما عالجه واحد من هؤلاء الرجال المجتهدين المبدعين المؤمنين طيلة حياتهم المليئة بالنشاط والحيوية. وفي هذا الحديث نلتقي معه في هذه المعالجة الإيمانية والداعية إلى ضرورة اقتران الإيمان بالعمل إنها الوصية الواردة في الدرس الذي ألقاه بعنوان: (مثل المدهن في حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا في سفينة..). الحديث ليلا يختلط الأمر تحدثنا في القسم الأول من هذه المحاولة لدراسة وتحليل ما اعتبرناه وصية للمرحوم الأستاذ علال الفاسي هذه الوصية (الدرس) الذي يمكن اعتباره إجمالا وخلاصة لرأيه وموقفه في قضية مهمة من القضايا الشائكة في الفكر الإسلامي وهي قضية علاقات الحاكمين بالمحكومين ودور المجتمع في مراقبة المسؤولين فيه وعنه في مختلف الأمور الدينية والدنيوية، وذلك حتى يكون الأمر واضحا وجليا في نفس الآن لدى الناس جميعا ولا يختلط الأمر بينهم بأي شكل من الأشكال وحتى لا يلجأ أي واحد من المسؤولين أو غيرهم إلى أساليب ملتوية وحجج واهية يفي به تصرفاته ومواقفه التي لا تسجم مع أوامر الشرع ونواهيه، ولاسيما في الظروف الصعبة التي تعيشها الأمة الإسلامية حين إلقائه لذلك الدرس، والتي زاد أمرها تعقيدا بعد هذه المدة أي واحد وأربعين عاما تقريبا، فالأمة الإسلامية منذ ذلك التاريخ لم تتقدم في سلم الانسجام بين الحاكمين والمحكومين، ولا في مجال التحرر من التبعية للأجنبي في التشريع والاقتصاد، ولا في مجال الاقتراب من العودة إلى الشريعة والاستظلال بطلها والاستهداء بهديها. المصطلح القرآني وقد أسلفنا في الحديث الأول من هذه الأحاديث التي خصصناها لتناول "الوصية" الإشارة إلى ضرورة استعمال المصطلح القرآني في محله ووفق مقاصد الشرع الكريم وما يريده للناس من أجل صلاحهم في معاشهم ومعادهم، ولكن الناس يسعون كل من موقعه لتوجيه النصوص وتأويلها لعلها تتفق أو تنحو منحى معينا يحقق عن طريق هذا التأويل غير البرئ لدى البعض، والمبني على الجهل بما ينبغي استعماله من الآلات العلمية من لغوية وغيرها لفهم مضامين النصوص عن طريق تقصي المعنى الصحيح والأقرب إلى روح التشريع ومقاصد الشارع. الدقة في التعبير ولذلك فإن "علال" باعتباره فقيها وأصوليا مقاصديا اعتنى بهذا الأمر عناية خاصة فجعل من مدخل الدرس وتقديمه مدخلا تناول فيه معاني الألفاظ ودلالاتها كما اشرنا إلى ذلك في القسم الأول ونزيد الأمر بعض التوضيح في هذا الحديث. والنموذج الذي قدمناه والذي يتناول فيه القصة والأسطورة والمثل ويختم عرضه في هذا الموضوع بقوله: «وقد أدى النقاش في هذا الموضوع إلى بحث القصص القرآني طبيعته ومصدره فأصبح جزء من علوم القرآن، أفردت له مؤلفات نافعة وأبحاث قيمة وهو على كل حال جزء من الارتباط بين الله والإنسان» (ص.242 الدروس الحسنية). ارتباط الإنسان بالله بهذه الخلاصة يدخل الأستاذ في موضوع العلاقة أو الارتباط بين الله وبين الإنسان في هذا الموضوع يستعين بأهم بحث في موضوع دلالة الرؤية القرآنية للإنسان وهو موضوع تناوله باحث ياباني ونشر في السنوات الأخيرة في كتاب بعنوان «الله والإنسان في القرآن» تأليف (توشيهو كوايزو ايزوتسو) ونقله إلى العربية (د. هلال محمد الجهاد) ونشرته المنظمة العربية للترجمة عام (2007). التفاهم يقول الزعيم علال:وهذا الارتباط يعني في مجمله التفاهم بين الله وبين الإنسان، ويتم هذا التفاهم كما قال الكاتب الياباني (توشيهو كواير وتسو) بنحوين أحدهما لغوي أو شفاهي: ووسيلته اللغة البشرية المشتركة بين الطرفين والآخر غير شفاهي و وسيلته من طرف الله (الآيات الطبيعية، ومن طرف الإنسان التكيف والتحرك بشكل معين، والابتكار والابتداء في الحالتين طبعا بيد الله، والطرف الإنساني في هذا الارتباط له أساسا ميزة "رد الفعل". الجزء البارز ويقول (توشيهو) أن الوحي الذي يكون الجزء البارز من الارتباط اللغوي بين الله والإنسان ما هو إلا جزء من المظاهر العامة التي بمجموعها تكون طرفا من مفهوم أوسع للارتباط بين الله والإنسان، ولهذا السبب يطلق الله كلمة (الآيات) على الكلمات الموحاة ولا يفرق بينهما وبين الآيات غير اللغوية. ويمضي الكاتب معتمدا على أن الآيات اللغوية أو الشفاهية تشكل مجموعة خاصة ينطبق عليها المفهوم الفني للوحي أكثر من غيرها وكذا فإنها من جوانب معينة ماهية وتركيبا من الآيات غير اللغوية، ويبني على ذلك أننا نستطيع أن نفصل كلمة الوحي ونبحثها بشكل مستقل». ومن بعد هذا التوضيح الذي قدمه في درسه واستعمال هذه المحاولة من طرف هذا الباحث المتخصص في علم اللغة الحديث وعلم الدلالات يقول علال محللا كلام الباحث: الرمز الشفاهي وغيره إن الآيات القرآنية تعبر في المفهوم القرآني عن الآيات والرموز الشفاهية وغير الشفاهية، والنوع الشفاهي أدق من النوع الآخر باعتبار أنه إدراكي أو تصوري، فهي تعبر عن الإرادة الإلاهية بشكل منفصل محض، أي أن ما يريد أن يقدمه الله للعقل البشري ينجلي بصورة تحليلية متعاقبة قد روعيت فيها الدقة الإدراكية الممكنة، في الإلقاء، بينما تنجلي الإرادة الإلاهية في الارتباط غير الشفاهي بصورة كلية لا بشكل تحليلي. توضيح الاصطلاح إن تحليل وفهم معنى الآية يتوقف على توضيح هذا الاصطلاح في حقل معرفة المعنى حيث ينبغي معرفة المراد من هذا الاصطلاح الأساس والاصطلاحات المرتبطة به، وبعبارة أخرى ينبغي التحقيق في الكلمات التي لها أهمية قطعية والتي تحيط الكلمة المركزية (الآية) حيث تعتبر مفتاحا لها، ولذلك فالأهم هو التوجه إلى رد فعل الإنسان تجاه الآيات الالاهية شفاهية أو غير شفاهية لأنه إما تصديق أو تكذيب. وبالاختصار يمكن أن نقول: 1 – إن الله ينزل الآية 2 – إن رد فعل الإنسان إما أن يكون تصديقا أو تكذيبا 3 – التصديق يؤدي إلى الإيمان والتكذيب إلى الكفر الارتباط ورد الفعل ومعنى هذا أن الارتباط اللغوي بالله محتاج إلى رد الفعل عند الإنسان، ورد الفعل لا يكون إلا بالتصور والإدراك الذين لا صدفة معهما. فإذا لم يدرك الإنسان معنى الآية أو الخطاب الالاهي لم يكن لهذه الآية فائدة في الواقع بالنسبة للإنسان لذلك قال الله تعالى: (قد بينا لكم الآيات إن كنتم تعقلون) فالآخر الايجابي للآية إنما يظهر عند تفهم الإنسان العميق لها، ومن هنا يكون الجانب البشري موضوع البداية، وقابلية البشر في أداء الأعمال المختلفة التي بينها القرآن هي المعبرة عن الجوانب المختلفة للفهم، ومنبع هذه الأعمال في التعبير القرآني هو الفهم الإنساني في قابلية نفسه وهو ما يطلق عليه اسم اللب أو القلب. وخلاصة النص الأصلي هذه خلاصة مركز لفصل طويل من كتاب الله والإنسان في القرآن الكريم الذي نشره صاحبه بالانجليزية عام 1963. وإذا عدنا إلى الأصل المترجم إلى العربية نجد الكاتب يقول: والآن، وكما عرفنا مما قيل في الفصل الأول من هذا الكتاب عن المبادئ المنهجية لعلم الدلالة، فإن التحليل الدلالي لمفهوم "الآية" في القرآن سيكمن في محاولتنا فهم ما يعنيه في إطار "الحقل الدلالي" الذي تشكله هذه الكلمة –المركز حول نفسها، وعلينا بتعبير آخر أن ندرس الكلمات ذات الأهمية القصوى أو الكلمات المفتاحية التي تحيط بها في السياقات القرآنية. الاستجابة الممكنة ويحلل الكاتب الاستجابة الممكنة فيقول:ومن أجل هذا الغرض، فإن الحقيقة الأكثر أهمية التي تجدر ملاحظتها هي ان الاستجابة الممكنة الوحيدة تجاه الآيات الإلهية سواء أكانت لفظية أم غير لفظية- هي وفقا للقرآن، إما "القبول" أو "الرفض": "التصديق" حرفيا: اعتبارها صادق وإقرارها، أو "التكذيب" حرفيا: اعتبارها " كاذبة". والإنسان إما أن يقبل "الآيات" ك"حق" أو يرفضها ك"باطل" ليس لها واقع وراءها أو مجرد نتاج للوهم والخيال الذي لا أساس له. ولا ريب في أن "التصديق" هو الخطوة إلى "الإيمان"، وأن" التكذيب" هو الأساس الحقيقي ل "الكفر". والفرق الوحيد هو أن الثنائي الأول (تصديق- تكذيب) أكثر واقعية ووضوحا في الإدراك من الثنائي (إيمان- كفر) الذي يمثل درجة أرقى في سلم التجريد. إننا نرى "التصديق" و"التكذيب" في القرآن، مبداين متضادين داخلين في معركة حياة أو موت مفهومية ضارية أحدهما مع الآخر، وهذا واحد من التضدادات الأساسية التي تشترك، كما قلت آنفا، في تكوين ذلك التوتر الدرامي الحاد الذي يهيمن على رؤية القرآن للعامل. وبهذا الفهم، فإن العلاقة بين " التصديق" و"التكذيب" يجب أن تعد المحور الحقيقي الذي يدور حوله الحقل الدلالي كله، والذي لهذا يعين لكل واحد من المصطلحات المفتاحية موقعه الخاص في هذا النظام المفهومي. وكل هذا ينبغي أن يدرس الآن بتفصيل أكثر. البنية المفهومية دعوني ابدأ بتقديم البنية المفهومية العامة للحقل الدلالي الشامل ل " الآية" في شكل مجدول ولا نورد هنا الجدول اختصارا ولكن ننتقل مباشرة إلى الاستنتاج المستخرج من الجدول. إن بداية الأمر كله هو الفعل الإلهي (تنزيل) الآيات، ومن دون هذا الفعل المبدئي من جانب الله، لا يمكن أن يكون ثمة دين بالمعنى الإسلامي للكلمة. الإنسان الفاهم إلا أن هذا الفعل الإلهي على أية حال سيظل غير مثمر أو مؤثر إذا لم يكن ثمة إنسان يفهم معناه العميق، كما يقرأ القرآن:«قد بينا لكم الآيات إن كنت تعقلون».ومهما بلغت دعوات الله للبشر إلى الطريق الصحيح من خلال تبيين "الآية" بعد "الآية" لهم، فإنها لن تكون مؤثرة إذا لم يكونوا قادرين على فهم معانيها، كالكفار الذين هم (بكم عمي فهم لا يعقلون). إن «الآيات» تبدأ بتوضيح تأثيرها الإيجابي فحسب عندما يبدي الإنسان من جانبه فهما عميقا. وهنا يبدأ الجانب الإنساني من الموضوع. ويعبر عن هذه الفعالية الإنسانية ذات الأهمية القصوى بعدد من الأفعال التي تدل على أوجه متنوعة من "الفهم". اللب والفهم ووفقا للقرآن، فإن لهذا الفعل الإنساني –الفهم مصدره في القدرة النفسية، وهو يدعى "اللب" أو "القلب"، إن كل النشاطات العقلية المذكورة ليست سوى تظاهرات متعينة لهذه القدرة أو المبدأ العقلي الأساس. فال "القلب" هو الشيء الحقيقي الذي يمكن الإنسان من فهم معنى "الآيات" الإلهية. وعليه، فإن هذا المبدأ إذا ختم أو غطي، ولم يقم بوظيفته على وجه التحديد، فلن يستطيع الإنسان إبداء أي فهم البتة:(وطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون)هذه الآية ينتهي الكاتب الباحث الياباني هذه الفقرة من بحثه حول علاقة الإنسان بالله. المدهن والقائم وبعد هذه الجولة مع الأستاذ علال والكاتب الياباني في فهم النص ودلالته والارتباط الذي ينشأ عن ذلك بين الله والإنسان والذي ينتج التصديق أي الإيمان أو التكذيب أي الكفر ومعنى هذه أن الإيمان يقتضي الامتثال وأن عدم الامتثال يؤدي إلى عكس ما هو مطلوب من المصدق والمومن، ينطلق علال في تحليل الدرس حيث يبدأ بذكر ما ورد في عنوان الدرس والحديث النبوي موضوع الدرس قائلا: بداية الحديث ويبتديء الحديث بذكر الممثل له وهو المدهن أي المنافق الساكت عما يرى من منكر فلا ينهي عنه ويعامل أصحابه بنفس ما يعاملونه به وهو مثل قوله تعالى: في سورة نون: (ودوا لو تدهن فيدهنون)، أي تمنى المشركون ان يراعيهم النبي ويسكت عن أعمالهم فيقابلونه بمثل ذلك من المداهنة والسكوت على ما يدعو إليه من دين أو يقيمه من شعائر، وهذا نوع من ما مثل له اما النوع الثاني فهو الذي يقع في حدود الله بانتهاكها وخرق حرماتها فهو يحاول خرق السفينة وإغراقها مثلا وذلك تجاور للحدود ومساس بحق جيرانه وتعريض بالنفس وبالآخرين للهلاك، والممثل به هو هذا النقر الذي يعمله احد المشاركين في السفينة وموقف الآخرين منه فإن ضربوا على يديه نجا ونجوا وإلا هلك وهلكوا. ضرورة التضامن وإذن فالفكرة التي تقوم عليها الأقصوصة هي ضرورة التضامن بين الناس لصلاح مجتمعهم، ووجوب الضمان الاجتماعي الذي يتجلى في تغيير المنكر ومنع الناس من ارتكابه وعدم إقرارهم عليه لو ارتكبوه، وأثناء عرض الفكرة يبدوا المثل جليا واضحا يتضمن أحكاما شرعية وينتهي بالنتيجة التي هي الفكرة التي بنيت عليها الأقصوصة، فالأساس المقصود اثنان: الأول: الوقوف عندما حده الله وشرعه وعدم الوقوع فيه وانتهاكه. الثاني: ضرورة المصارحة بتغيير المنكر وعدم الادهان للذين لا يقفون عن الحد ويقعون في انتهاكه. دين الأنبياء واحد لقد جاء الإسلام عقيدة وشريعة و أوجب علينا أن نومن بعقيدته دون ان نلحد فيها أو نخرج عن جزء من أجزائها فالله واحد احد فرد صمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفؤا أحد. وهذا الاعتقاد هو نتيجة الإرادة الإلهية التي لا ترضى لعباده سبحانه الكفر (ولا يرضى لعباده الكفر) وهي واحدة في كل الأديان السماوية التي أرسل الله بها رسله للناس مبشرين ومنذرين، وقد ورد في الصحيحين عن النبي ص أنه قال: (أنا معشر الأنبياء ديننا واحد، والدين هو الاستسلام لله وحده قال تعالى: "ما كان إبراهيم يهويا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما. وما كان من المشركين). العقيدة والشريعة ويواصل علال التحليل:وتستتبع العقيدة الشريعة التي هي حقيقة الإسلام فلا يتصور الاستسلام إلا بطاعة الله فيما أمر به. ونهى عنه، والشريعة مختلفة بالنسبة للأنبياء وأن اتحدوا في العقيدة. قال تعالى: (ولكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا) فكل امة ملزمة بإتباع شريعة نبيها. الالتزام بالطاعة ويوضح علال الفاسي ضرورة ووجود الالتزام بالطاعة فيقول:ونحن في الأحرى ملزمون كذلك بطاعة الله ورسوله في الشريعة الإسلامية قال تعالى: (ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها، ولا تتبع أهواء الذين لا يؤمنون، أنهم لن يغنوا عنك من الله شيئا وان الظالمين بعضهم أولياء بعض والله ولي المتقين). والشريعة هي الإسلام كما قلنا، وهي علانية بخلاف الإيمان الذي هو باطني، عن أنس عن النبي (ص) قال: (الإسلام علانية والإيمان في القلب) رواه أحمد في مسنده، وفي حديث جبريل الطويل المشهور سؤال عن الإيمان والإسلام والإحسان، وقال النبي بعد أجوبته أن هذا جبريل جاء يعلمكم دينكم، قال أبو عبد الله البخاري يجعل ذلك كله دينا. الظاهر والباطن ويحلل علال العلاقة الموجودة بين الإيمان والعمل ويرى أن الظاهر دال على الباطن وكيفية التصرف على أساس الانسجام بين الظاهر والباطن على أساس ان العمل جزء من الإيمان فيقول:«وبما ان الظاهر علامة الباطن فمن لم يقم بشرائع الإسلام علانية لم يتحقق أمر إيمانه الباطني، لأن الإيمان كما يقولون: إقرار بالجنان ونطق باللسان وعمل بالأركان. ولم يجب الإيمان ولا ما يترتب عليه من شريعة وإسلام الا بعد ان بعث الله الرسل ليبلغوا للناس رسالات ربهم ولعلهم يهتدون قال تعالى: (إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده، وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل ويعقوب والأسباط وعيسى وأيوب ويونس وهارون وسليمان وآتينا داوود زبورا، ورسلا قصصناهم عليك من قبل، ورسلا لم نقصصهم عليك، وكلم الله موسى تكليما، رسلا مبشرين ومنذرين ليلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل)، وقد جعل الله أتباع هذه الأوامر وطاعة الرسل سبيلا لنجاة الأفراد والشعوب كما جعل عصيانهم موجبا لهلاكها وعقابها في الدنيا والآخرة، قال تعالى: (وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث في أمها رسولا يتلوا عليهم آياتنا). الالتزام بالحدود وأم القرى هي مكةالمكرمة وقد بعث الله فيها رسولا يتلوا على الناس آيات الله فوجب عليهم الإيمان بأنه الرسول من عند الله ووجب عليهم أن يطيعوه فيما أمر به أو نهى، سواء كان ذلك من لفظ الخطاب الالاهي الذي هو القرآن أو من حديث الرسول الذي هو البيان الملزم والذي لا يتم فهم الخطاب الالاهي إلا به، وهذه الشريعة التي وجب إتباعها ذات حدود وقواعد وأحكام ولا يجوز أبدا خرق الحدود أو الاعتداء عليها، قال تعالى: (ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه) وقال: (تلك حدود الله فلا تعتدوها، ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون). الآيات الثلاث: ويعود المرحوم علال الفاسي هنا إلى ما سبق تقديمه من ربط التصديق بالإيمان والعمل وغيره بالنكوص عن الإيمان والعمل وهكذا يورد الآيات الثلاثة التي تشكل أساس المقولات التي شغلت الناس منذ أمد بعيد ولا تزال فيقول: وبنى المعاملات بين الناس والحكم الذي يقع في أمرها على ما شرعه الشارع وحدده، قال تعالى: "ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون"، وقال تعالى: "ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون"، وقال تعالى: "ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون" فالعدول عن الحكم بالشريعة يعد في القرآن كفرا وظلما وفسقا، هو كفر لأن رد الفعل الإنساني لأمر الله هو القبول أو الرد الأول هو الطاعة ومآلها الإيمان، والثاني العصيان ومآله الكفر، وهو ظلم لأن العدل هو ما جعله الشارع عدلا، ولو صادف الحكم بالرأي العدل لكان في الواقع ظلما لأنه تطبيق على المحكوم له أو عليه قانون غير القانوني الذي يومن به وتخضع له نفسه، وهو فسق لأنه خروج عن أوامر الله من قولهم فسقت النواة من الثمرة إذا خرجت، ولذلك اعتبر القرآن الحكم بغير ما أنزل طاغوتا وجبروتا، قال تعالى: "ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليه وما أنزل من قبلك، يريدون ان يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا، وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله والى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا). الشرك في الربوبية ويحلل علال الفاسي موضوع استعمال القوانين غير القوانين المستمدة من شرع الله والتي لا تلتزم بأوامره ويرد موقف القرآن منها على النحو التالي: وقد اعتبر القرآن أتباع القانون الخارج عن الشريعة شركا فقال: (أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله) والمقصود بالشرك هنا الشرك في الربوبية لأن التشريع من وظيفة الرب سبحانه يربي به عباده، وهو قسيم الشرع في الالوهية الذي يعتبر اتخاذ الإله مع الله، وقد قال تعالى في حق أهل الكتاب: (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح بن مريم) وقد فسر ابن عباس الآية على معنى ان أولئك النصارى واليهود اتخذوا أحبارهم ورهبانهم مشرعين لهم من عند أنفسهم فكانوا يحلون لهم الحرام فيطيعونهم، ويحرمون عليهم الحلال فيطيعونهم. الإتباع في التحليل والتحريم فاعتبر الله سبحانه تلك الطاعة في التحليل والتحريم عبادة لهم، وإلا فهم لم يعبدوهم بمعنى اتخاذ الشركاء للرب يشرعون ما لم يأذن به الله وطاعتهم في ذلك مشاقة لله وللرسول كما قال تعالى: ( ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وسادت مصيرا) وقال تعالى: (ومن يشاقق الله ورسوله فإن الله شديد العقاب) وقال تعالى: (إن الذين يحادون الله ورسوله أولئك في الاذلين) وقال تعالى: (ألم يعلموا انه من يحادد الله ورسوله فإن له نار جهنم خالدا فيها ذلك الخزي العظيم) والخروج عن الشريعة الإسلامية يعتبر بمثابة البغي والحرابة وقد قال تعالى في ذلك: (إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا في الأرض، ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم). وفي الحديث المقبل نواصل القراءة في الوصية. - أستاذ الفكر الإسلامي