لا تكاد تخلو قاعة تحرير في المؤسسات الإعلامية المغربية من مقص الرقيب، لذلك يختار صحفيون ممارسة الرقابة الذاتية، خشية إلقاء مقالاتهم في سلة المهملات، ويحاول آخرون توسيع هامش الحرية بالصراع مع الخطوط الحمراء. رقابة جذرية "كنت أعمل في جريدة حزبية في أول عهدي بالصحافة. تعرضت بعض مقالاتي للرقابة الجذرية، أي تم رفض نشرها، رغم أن إدارة التحرير وافقت على الفكرة وطريقة تنفيذها". هكذا يحكي منير أبو المعالي، الصحافي بمجلة "الآن" ل"هنا صوتك" موضحا أن المبررات كانت تنحصر في الأثر السياسي للتقرير:" كانوا يعتقدون أن النشر قد يسبب لهم متاعب مع المكتب السياسي للحزب، مالك الجريدة أو مع حزب آخر"، يضيف أبو المعالي. مقص الرقيب يقول منير: "مرة، نجا حوار بصعوبة من الرقابة، كنا أجريناه مع السياسي عبد الله القادري، وتحدث فيه عن تحكم وزارة الداخلية في الخارطة السياسية. لكن ما حصل بعدها كان مرعبا: أصدر الحزب المالك للجريدة بيانا عنيفا ضد الصحيفة يتبرأ فيه من الحوار". ويضيف منير: "كانت تلك أولى الاحتكاكات المباشرة مع الرقابة، وتشكل في ذهني أن المقص قد يعيث فسادا في أي شيء، وليس فقط فيما كنت أعتقده موجبا للرقابة". خرق الخطوط الحمراء عامر شعبان، الذي يعمل الآن مراسلا لقناة بي بي سي العربية بالرباط، حكى ل"هنا صوتك" عن تجاوزه الخطوط الحمراء المتعارف عليها في المؤسسات الإعلامية بالمغرب، وهي الملكية والدين الإسلامي ووحدة الوطن،عن طريق الخطأ. يقول: "كنت أقدم نشرة الأخبار على إذاعة خاصة، فقلت: "الصحراء الغربية"، وهي التسمية التي تطلقها الأممالمتحدة على منطقة الصحراء المتنازع عليها بين المغرب والبوليساريو، بينما تطلق عليها وسائل الإعلام المغربية "الصحراء المغربية". أنبتني رئيسة التحرير وصرخت في وجهي: واش باغي تخرج عليا؟ أي: هل تريد أن تفقدني منصبي؟". إذاعات خاصة.. بأخبار رسمية ويعتبر رئيس تحرير سابق في إذاعة خاصة، رفض الكشف عن هويته، أن الرقابة "أمر طبيعي في وسائل الإعلام المغربية، حتى تلك التي توصف منها بالمستقلة". ويضيف: "في خضم انتفاضات الربيع العربي، تلقيت أوامر من المدير العام بعدم تناول مظاهرات حركة 20 فبراير في نشرات الأخبار، إلا وفق ما تنقله وكالة الأنباء الرسمية، وبعد اعتقال الصحفي علي أنوزلا بتهمة التحريض على الإرهاب، أعددت تقريرا متوازنا يضم مختلف الآراء حول الموضوع، فتلقيت أمرا من الإدارة بعدم بث التقرير أو تناول الموضوع نهائيا". رقابة ذاتية وبعد مغادرته الجريدة الحزبية، يقول الصحفي منير أبو المعالي إنه لم يعد يتعرض لرقابة كبيرة: "تجربتي الأولى أتاحت لي تقدير موقف مُلاك أو مديري الصحف من قضايا معينة، فانتقلت إلى ممارسة نوع من الرقابة الذاتية". ويضيف "الإشهار (الإعلانات) والعلاقات الشخصية يضيفان عبئا زائدا بشأن الرقابة، ومواجهته تستنزف عقل الصحافي وأعصابه." *ينشر بالاتفاق مع موقع هنا صوتك