العرائش: الأمين العام لحزب الاستقلال في زيارة عزاء لبيت "العتابي" عضو المجلس الوطني للحزب    رشاوى الكفاءة المهنية تدفع التنسيق النقابي الخماسي بجماعة الرباط إلى المطالبة بفتح تحقيق    الشيلي ترغب في تعزيز علاقاتها مع المغرب في ميدان البحث العلمي    بلينكن يشيد بالشراكة مع المغرب في مجال الذكاء الاصطناعي    هجوم ماغديبورغ.. الشرطة الألمانية تُعلن توجيه تهم ثقيلة للمشتبه به    ارتفاع حصيلة ضحايا الحرب في قطاع غزة إلى 45259 قتيلا    القافلة الوطنية رياضة بدون منشطات تحط الرحال بسيدي قاسم    نادي المغرب التطواني يقيل المدرب عزيز العامري من مهامه    توقعات أحوال الطقس اليوم الأحد    مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية    هذه أحوال الطقس لهذا اليوم الأحد بالمملكة    بيدرو سانشيز: إسبانيا تثمن عاليا جهود جلالة الملك من أجل الاستقرار الإقليمي    سمية زيوزيو جميلة عارضات الأزياء تشارك ببلجيكا في تنظيم أكبر الحفلات وفي حفل كعارضة أزياء    ترامب يهدد باستعادة السيطرة على قناة بنما على خلفية النفوذ الاقتصادي المتنامي للصين    الجيش الباكستاني يعلن مقتل 16 جنديا و8 مسلحين في اشتباكات شمال غرب البلاد    سويسرا تعتمد استراتيجية جديدة لإفريقيا على قاعدة تعزيز الأمن والديمقراطية    تفكيك أطروحة انفصال الصحراء.. المفاهيم القانونية والحقائق السياسية    مجموعة بريد المغرب تصدر طابعا بريديا خاصا بفن الملحون    الأستاذة لطيفة الكندوز الباحثة في علم التاريخ في ذمة الله    السعودية .. ضبط 20 ألفا و159 مخالفا لأنظمة الإقامة والعمل خلال أسبوع    المجلس الأعلى للدولة في ليبيا ينتقد بيان خارجية حكومة الوحدة ويصفه ب"التدخل غير المبرر"    الأمن في طنجة يواجه خروقات الدراجات النارية بحملات صارمة    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    إسرائيل تتهم البابا فرنسيس ب"ازدواجية المعايير" على خلفية انتقاده ضرباتها في غزة    أمسية فنية وتربوية لأبناء الأساتذة تنتصر لجدوى الموسيقى في التعليم    المغرب أتلتيك تطوان يتخذ قرارات هامة عقب سلسلة النتائج السلبية    وفاة الممثل محمد الخلفي عن 87 عاما    ال"كاف" تتحدث عن مزايا استضافة المملكة المغربية لنهائيات كأس إفريقيا 2025    الممثل القدير محمد الخلفي في ذمة الله    سابينتو يكشف سبب مغادرة الرجاء    التقلبات الجوية تفرج عن تساقطات مطرية وثلجية في مناطق بالمغرب    مدان ب 15 عاما.. فرنسا تبحث عن سجين هرب خلال موعد مع القنصلية المغربية    الدرك الملكي يضبط كمية من اللحوم الفاسدة الموجهة للاستهلاك بالعرائش    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    المديرية العامة للضرائب تنشر مذكرة تلخيصية بشأن التدابير الجبائية لقانون المالية 2025    توقيف شخص بالناظور يشتبه ارتباطه بشبكة إجرامية تنشط في ترويج المخدرات والفرار وتغيير معالم حادثة سير    جلسة نقاش: المناظرة الوطنية للجهوية المتقدمة.. الدعوة إلى تعزيز القدرات التمويلية للجهات    علوي تقر بعدم انخفاض أثمان المحروقات بالسوق المغربي رغم تراجع سعرها عالميا في 2024    نشرة إنذارية: تساقطات ثلجية على المرتفعات وهبات رياح قوية    بطولة انجلترا.. الإصابة تبعد البرتغالي دياش عن مانشستر سيتي حوالي 4 أسابيع    مهرجان ابن جرير للسينما يكرم محمد الخياري        دراسة: إدراج الصحة النفسية ضمن السياسات المتعلقة بالتكيف مع تغير المناخ ضرورة ملحة    اصطدامات قوية في ختام شطر ذهاب الدوري..    بريد المغرب يحتفي بفن الملحون    العرض ما قبل الأول للفيلم الطويل "404.01" للمخرج يونس الركاب    جويطي: الرواية تُنقذ الإنسان البسيط من النسيان وتَكشف عن فظاعات الدكتاتوريين    كودار ينتقد تمركز القرار بيد الوزارات    مؤتمر "الترجمة والذكاء الاصطناعي"    البنك الدولي يدعم المغرب ب250 مليون دولار لمواجهة تغير المناخ    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    المستشفى الجامعي بطنجة يُسجل 5 حالات وفاة ب"بوحمرون"    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كي لا ننسى!!! شيء من ذاكرة التحرير الفلسطينية الحية
نشر في هسبريس يوم 17 - 05 - 2010

(على هامش ذكرى نكبة احتلال فلسطين)
تصدير عام:
للذاكرة معنى جليل، فهي الحقيقة التي لا تنمحي أبدا، وهي شاهد الماضي والحاضر والمستقبل، لا تستطيع أن تحرف حقائقها، وهي تفضح المتلاعبين بالألفاظ والمصطلحات والهوية والآمال والمبادئ والحقوق، هكذا هي الذاكرة ساطعة في كل لحظة، صارخة في كل آن، نافضة غبار التناسي، فاضحة منطق الغصب والتزوير والزيف.
هذه الذاكرة هي أساس بناء الوعي التاريخي الذي يربط الماضي بالحاضر ويؤسس إرادة للمستقبل بخلفية تاريخية موصولة زمانا و وقائعا، وحينما تهمل الذاكرة يقل الارتباط بالتاريخ وتحدث خصومة معه، ويصبح واقع الحال هو المحدد في المواقف والتطلعات، فالذاكرة تمتن الهوية بما هي تعبير عن شخصية و إرادة المجتمع والأمة، وتقوي الاعتزاز بها،
عاشت الأمة العربية والإسلامية أياما من عمرها تفاعلت فيها شعوبها وكياناتها مع مجريات التحولات والمستجدات التي شهدتها، من انتصارات و إخفاقات و استدراجات نحو التطبيع مع الكيان الصهيوني المعتدي على مقدسات هذه الأمة وعلى جزء من أراضيها الطاهرة.
والمقال هذا محاولة للحفر في بعض من ذاكرة هذه الأمة، والغاية من ذلك هو نفض الغبار على بعض الوقائع الكبرى، واستدعائها حاضرا محاولة لفهم مجريات ما يدور من داخل هذه الأمة، خصوصا فيما يتعلق بالقضية المركزية التي ارتبطت بها أفئدة أغلب الشعوب العربية والإسلامية وكل أحرار العالم-قضية فلسطين-، وهو استدعاء أيضا لفهم سياقات الوضع الداخلي الفلسطيني، والتمكن من تسليط الضوء على الأخطاء والانحرافات والعلل، التي بسببها وصل الوضع الفلسطيني إلى ما هو عليه،
إن من متطلبات المرحلة ثقافيا المزيد من التسلح بهذه الذاكرة الحية التي تنعش الآمال المتناسية من جديد، وتفعمها بروح الصمود والاستمرارية. فعفوا إن بدت سطور هذا المقال سطورا في ترديد وقائع مضت ومواقف سلفت، فليس ذلك إلا محاولة لفهم ما جرى وما يجري، أتقدم بها للقراء والمهتمين وكل شرفاء هذه الأمة وكل أحرار العالم.
كانت بداية هذه الاستدراجات مع الحلقات الأولى لما يسمى بتدشين "مسلسل السلام"، مع بعض الاعترافات الرسمية العربية بالكيان الصهيوني، وإقامة علاقات دبلوماسية معه، وحق وجوده ضدا على جريمة اغتصابه للأرض الفلسطينية الحبيبة، ثم مع توالي الاعترافات تترى، على شاكلة ما صوره الشاعر الكبير أحمد مطر في قصيدته "فرار الثور"، مرورا بانطلاق مسلسل مفاوضات السلام العلنية، التي توازت معها مفاوضات سرية أفضت في الأخير إلى توقيع "اتفاق أوسلو"، أو ما قد سمي آنذاك ب"اتفاق غزة أريحا أولا"، هذا الاتفاق الذي بموجبه تم الإعلان عن منح حكم ذاتي للفلسطينيين داخل "بقعة" من الأراضي المحتلة، حكم ذاتي اقتصر فقط على منح بعض الصلاحيات التدبيرية لإدارة الحكم الذاتي، المتمثلة فيما أراد أن يسميه أصحاب أوسلو ب"السلطة الوطنية الفلسطينية
بالمقابل لهذا المسلسل الاستسلامي الرسمي التراجعي، كان هناك خط آخر يرسمه الشعب الفلسطيني والمقاومون على الأرض المحتلة، وتسجل وقائعه البطولية بأحرف من ذهب ودم، وبالتالي كان كل هذا المسلسل التفاوضي الميئوس منه، يزاحم بمسلسل مقاوم مفعم بآمال تحرير الأرض من الاحتلال، تلك الآمال التي ظلت مستمرة وموصولة جيلا بعد جيل، منذ اقتراف الصهاينة والمتواطئين معهم جريمة اغتصاب الأرض، عاشت الأمة ذلك مع بطولات المجاهدين الفلسطينيين الأوائل في ثورات العشرينيات والثلاثينيات والأربعينات والخمسينيات، ضد الهجرة اليهودية للأراضي الفلسطينية، و ضد مؤامرة الانتداب البريطاني لإنفاذ وعد بلفور المشؤوم، و ضد محاولات اقتحام المسجد الأقصى من طرف الصهاينة اليهود، ثم مع تصاعد نوع عمليات الكفاح المسلح الذي قادته فصائل المقاومة تحت مظلة منظمة التحرير مع عقود الستينيات والسبعينيات، التي تأسست بهدف تحرير فلسطين عبر الكفاح المسلح على قاعدة الميثاق الوطني الفلسطيني باعتباره البرنامج الاستراتيجي الشرعي الوحيد لتحرير فلسطين كل فلسطين.
ذاكرة الميثاق الوطني الفلسطيني المنسية
هكذا وبآمال موصولة بما سبقها من همم عالية متشبثة بتحرير الأرض الفلسطينية، صار الميثاق الوطني الفلسطيني يسطرها ببنود عريضة، نقرأ هذا في مادته التاسعة التي تقر بأن: "الكفاح المسلح هو الطريق الوحيد لتحرير فلسطين ..."، وفي مادته التاسعة عشرة التي تعري باطلية الاحتلال ولا شرعية وجوده فتصرح: " تقسيم فلسطين الذي جرى عام 1947 وقيام إسرائيل باطل من أساسه مهما طال عليه الزمن..."، وما تلاها من المادة عشرين التي أقرت ببطلان صك الانتداب ووعد بلفور المشؤوم، وفي مادته الخامسة التي تعلن عدم التنازل على فلسطينية كل من كان يقيم إقامة عادية حتى 1947، وفي هذا إقرار بأن عودة اللاجئين الفلسطينيين مطلب استراتيجي لا يجوز التنازل عليه باعتبار حقهم المشروع في العودة إلى موطنهم الأصلي،
ذاكرة الميثاق الوطني الفلسطيني الموؤود
ومن أراد أن يكتشف "خبايا" هذا الميثاق الوطني الفلسطيني الذي على أساسه انطلقت منظمة التحرير الفلسطينية معلنة تحرير فلسطين كل فلسطين هدفها الرئيسي، فما عليه إلا أن يقلب أوراق "أٍرشيف التحرير" الفلسطينية، ليقرأ بأم عينه ويتأمل بقلب حزين، المواد التي ألغيت أو عدلت والتي كانت تشير إلى الكفاح المسلح أو تحرير فلسطين كل فلسطين أو لا شرعية الاحتلال الصهيوني، وليقرأ من داخلها مجمل هذه التحولات التي جرت على الساحة الفلسطينية، ويعتبرها أساسا في تقييم المواقف وفهم السياقات، وكذا حتى الانقسامات الجارية التي تجري على ساحة فلسطين الحبيبة.
هكذا ألغيت المادة السادسة التي أقرت بعدم اعتراف ضمني لكل اليهود الذين هاجروا بعد الغزو الصهيوني إلى فلسطين وباعتراف صريح بفلسطينية اليهود الذين كانوا يقيمون في فلسطين قبل الغزو الصهيوني، وألغيت المادة السابعة التي أكدت على ضرورة تنشئة الفرد الفلسطيني على ثقافة التحرير وتأهيله على الكفاح المسلح، وألغيت المادة الثامنة التي تنبذ كل انقسام فلسطيني على حساب استقواء العدو الصهيوني، وتعتبر أن التناقض الرئيسي هو مع الاحتلال الصهيوني وتؤكد على ضرورة توحيد الجبهة الوطنية من أجل تحرير الأرض، وألغيت المادتين التاسعة والعاشرة اللتان أقرتا صراحة بأن الكفاح المسلح هو الطريق الوحيد لتحرير فلسطين، وألغيت المادة الخامسة عشرة التي نصت على وجوب تصفية الوجود الصهيوني في فلسطين، فاعتبرت ذلك واجب قومي عربي، وألغيت المادتين التاسعة عشرة و العشرون، اللتان أكدتا على باطلية وعد بلفور وصك الانتداب وعلى باطلية الكيان الصهيوني وعلى باطلية تقسيم فلسطين بموجب القرار الأممي لسنة 1947، وألغيت المادة الواحد والعشرون التي رفضت بالواضح كل الحلول البديلة على تحرير فلسطين تحريرا كاملا، وألغيت المادة الثاني والعشرون والمادة الثالث والعشرون اللتان أقرتا بعنصرية وعدوانية الحركة الصهيونية، وأن إسرائيل هي أداة الحركة الصهيونية، وضرورة عدم الاعتراف بها من لدن كل الأمم المحبة للسلام والأمن، وألغيت المادة الثلاثون التي اعترفت صراحة بمكانة المناضلين بالسلاح في معركة التحرير،
وبعد، هذه هي "الضمانات" التي قدمها أصحاب أوسلو من أجل اتفاق أوسلو و ملحقاته، ضمانات تغيرت بها الهوية التحريرية لأصحابها، وأصبح الميثاق الجديد الذي أقره "المجلس الوطني الفلسطيني لمنظمة التحرير" في تركيبته لسنة 1998 بعدما قرر ذلك مجلسها الوطني في سنة 1996، وأقر التعديلات في سنة 1998، ميثاقا لهذه المؤسسة "المجلس الوطني الفلسطيني"، وليس ميثاقا لكل الفلسطينيين كما أقرته النسخة الأصلية للميثاق.[1].
ذاكرة الانتفاضة الفلسطينية الأولى والحصاد البئيس لعمقها في أوسلو
ثم تأتي الانتفاضة الفلسطينية الأولى (1987)، و التي انطلقت بقادة وفصائل جدد وبانتعاش لآمال التحرير، حتى أن قادة الصهاينة سئموا من يوميات هذه الانتفاضة المستمرة، فاشتهرت مقولة أحدهم: " أتمنى أن أصحو يوماً وأرى غزّةَ وقد ابتلعها البحر"، فكانت السياسة الصهيونية لتهشيم عظام الأطفال والشباب الفلسطينيين المنتفضين، قصد ترهيب كل من يحمل حجرا يضرب به جيش العدو، و بالموازاة لذلك كان مسلسل أوسلو يهيأ في فنادق أوروبا، بدءا بمؤتمر مدريد للسلام، ثم مرورا بالمفاوضات العلنية والسرية بالنرويج ، وكان ذلك الاستثمار السيئ و البئيس لحصاد الانتفاضة، واستمرت الانتفاضة تقض مضاجع العدو الصهيوني يوميا وطيلة سبع سنوات، وكادت أن تثمر خيرا وتحريرا لولا التوظيف السيئ لحصادها، بعد انطلاق ما يسمى ب"مسلسل السلام".
لقد كان المسار النضالي الفلسطيني بالخارج قد أعلن عن بداية تقهقره بتغيير -أصحابه الذين قبلوا بمسلسل السلام- للميثاق الوطني الفلسطيني رأسا على عقب، و بتقزيم استراتيجية التحرير الشاملة إلى استراتيجية تفاوضية مفروغة من أي عمق شعبي مقاوم على الساحة، فكانت النتيجة مقابل ذلك التغيير الرخيص، اتفاق أوسلو وملحقاته فماذا أتانا به هذا المسلسل التفاوضي وبماذا أقرت اتفاقيات أوسلو؟
لقد مهد هذا الاتفاق الاعتراف بحق الاحتلال الصهيوني في تواجده على أرض فلسطين و بالإقرار بنظامه ومؤسساته وبالتالي الدخول معه في مسلسل تفاوضي ليس باعتباره عدوا محتلا ولكن باعتباره:
"-1طرفا قابلا للتعايش السلمي"، من خلال منطوق نصه الذي يقول: " تتفق حكومة إسرائيل والفريق الفلسطيني (في الوفد الأردني الفلسطيني المشترك إلى مؤتمر السلام حول الشرق الأوسط)، ممثل الشعب الفلسطيني، أنه آن الأوان لوضع حد لعقود من المواجهات والصراع والاعتراف المتبادل لحقوقهما السياسية والشرعية ولتحقيق تعايش سلمي وكرامة وأمن متبادلين والوصول إلى تسوية سلمية عادلة وشاملة ودائمة ومصالحة تاريخية من خلال العملية السياسية المتفق عليها..."
-2و"شريكا صالحا" للتعاون في المجالات الأمنية والاقتصادية و التنموية، من خلال منطوق بنده الحادي عشر الذي يقول منطوقه: "التعاون الإسرائيلي- الفلسطيني في المجالات الاقتصادية: "اعترافاً بالمنفعة المتبادلة للتعاون بتشجيع تطوير الضفة الغربية وقطاع غزة وإسرائيل، وفور دخول إعلان المبادئ هذا حيز التنفيذ، سيتم تشكيل لجنة تعاون اقتصادية فلسطينية إسرائيلية من أجل تطوير وتطبيق ضمن روح تعاونية، البرامج المشار إليها في البروتوكولات المرفقة كالملحق الثالث والملحق الرابع.."، وكذا ملحقه الثالث الذي يحدد مجالات التعاون في الماء و الكهرباء والمال والطاقة والتجارة والصناعة والعمل و في المسائل المتعلقة بالضمان الاجتماعي والبيئة وتنمية الطاقات البشرية والنقل والاتصالات والإعلام،
-3و"سلطة عليا" تندرج ضمنها سلطات "الحكم الذاتي" المحدودة التي منحها الاتفاق للفلسطينيين، من مثيل التعليم والثقافة والصحة والشؤون الاجتماعية والضرائب المباشرة والسياحة، وكذا بناء قوة الشرطة الفلسطينية، كما هو منطوق الاتفاق في بنده السادس الخاص بنقل الصلاحيات والمسؤوليات التمهيدية.
ثم أن هذا الاتفاق أنجز اختراقا عمليا، حيث يسمح للصهاينة إحداث تلك القطيعة مع كيانهم من طرف العرب، وتدشين مسلسل التطبيع معه اقتصاديا، على اعتبار أنه مهد الطريق لتعاون شرق أوسطي في المجالات الاقتصادية والتنموية وفك العزلة على الكيان الصهيوني من خلال هذا التعاون الذي جره له، نجد ذلك مقرا به في ملحقاته وخاصة الملحق الرابع الخاص ببروتوكول التعاون الإسرائيلي - الفلسطيني في مجال برامج التنمية في المنطقة، والذي نص على أن الجانبان يطلبان " من مجموعة السبع أن تسعى إلى مشاركة دول أخرى مهتمة مثل الدول الأعضاء في منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي والدول العربية في المنطقة ومؤسسات عربية إضافة إلى القطاع الخاص...." هذا التعاون الذي أراده الصهاينة يهم برنامج التنمية الاقتصادية للمنطقة ومنه: "(1) تأسيس "صندوق للتنمية في الشرق الأوسط" كخطوة أولى و"بنك للتنمية في الشرق الأوسط" كخطوة ثانية. (2) وضع "برنامج إسرائيلي - فلسطيني - أردني" مشترك لتنسيق استثمار منطقة البحر الميت. (3) البحر المتوسط (غزة) - قناة البحر الميت. (4) مشاريع في المنطقة لتحلية المياه ومشاريع أخرى لتنمية الموارد المائية.(5) برنامج إقليمي لتنمية الزراعة بما في ذلك القيام بتحرك إقليمي للوقاية من التصحر.(6) ربط الشبكات الكهربائية.(7) تعاون إقليمي لنقل وتوزيع الغاز والنفط وموارد الطاقة الأخرى واستغلالها صناعياً.(8) " برنامج إقليمي للسياحة والنقل والاتصالات".(9) "تعاون إقليمي" في مجالات أخرى..."، كما نصت على ذلك الفقرة ب من الملحق الرابع للاتفاق. ناهيك على أن هذا الاتفاق مهد ضمنيا لبداية التعاون الأمني المشترك من خلال "تشكل لجنة تعاون وتنسيق فلسطينية إسرائيلية مشتركة لأهداف أمنية متبادلة." كما نص على ذلك الاتفاق في ملحقه الثاني الفقرة ه.
)انظر نص اتفاق إعلان المبادئ بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل الذي عرف باتفاق أوسلو أو اتفاق غزة – أريحا للحكم الذاتي الفلسطيني، نقلا عن موقع وكالة الأخبار الإسلامية
http://www.islamicnews.net وكذا انظر موقع منظمة التحرير الفلسطينية- دائرة شؤون اللاجئين http://www.plord.org )
لسنا هنا بصدد تعداد الثغرات الكثيرة والكبيرة للاتفاق، ولا بصدد تقديم قراءة نقدية في بنوده ومضامينه، أو حتى الحديث عن مدى جدية الطرف الملتزم بتنفيذ ما عليه فيه، إنما كانت الخلفية في نظرنا واضحة وهي التأكيد على أن هذا الاتفاق ومهازل بنوده وبرتوكولاته، هو درس للأجيال وللأمة في أن إعلانات إسقاط خيار المقاومة، و الاعتراف بحق المحتل في الوجود، والمفاوضات سبيلا استراتيجيا أوحدا للتحرير، لم ولن تكون كلفتها هي التحرير بل المزيد من الانبطاح، هذا الانبطاح الذي بلغ قمته في أن هذا الاتفاق المهزلة ظل على ورق، ولم ينسحب الصهاينة من قطاع غزة ومنطقة أريحا فور التوقيع على هذا الاتفاق كما هو منصوص بثناياه، (وفرق بين الانسحاب وإعادة الانتشار)، وبالنتيجة لم تنطلق مفاوضات الحل النهائي في بداية العام الثالث من مرحلة الخمس سنوات الانتقالية التي تبدأ حسب الاتفاق حال الانسحاب المفترض للصهاينة من قطاع غزة ومنطقة أريحا.
ويستمر النفس المقاوم بالرغم من محاولات اغتيال الذاكرة
هذه هي التذكرة التي ينبغي أن يدندن حولها في كل حين، وما أبلغها من تذكرة، تذكرة ابتدأت بحكاية شعب اغتصبت أراضيه، وشرعن احتلالها عبر قرار التقسيم الأممي الجائر، وتوهجت أشكال مقاومة هذا المحتل عبر أيام وسنين اغتصابه للأرض، وكانت الغاية العادلة والمشروعة من هذه المقاومة إزالة هذا الاحتلال الظالم، تنظمت فصائل المقاومة والتفت حول هذا الهدف، ورفضت الخنوع والخضوع للأمر الواقع الذي حاول المجتمع الدولي الظالم أن يفرضه بالقوة وبالتحايل وراء دعاوى نبذ العنف والإرهاب والسلام العادل والشامل وضرورة التعايش السلمي، وكان من نتائج ذلك أن حاول بعض المخترقين والمستسلمين لهذا الأمر الواقع من داخل الأمة ومن داخل الفلسطينيين، أن يؤسسوا لمفاهيم انبطاحية ضدا على حقيقة الاحتلال وحقيقة التاريخ والذاكرة، فساروا على نهج المنتفعين أياما ودراهم ودولارات وسلطات محدودات معدودات، وعوض أن تستمر بنادقهم وخططهم وأقلامهم موجهة ضد العدو مقاومة له، حولوا وجهتها نحو شرفاء المقاومة فكان التنكيل والاعتقال والمحاصرة والتآمر ضدهم وضد التطلعات التحريرية للشعب الفلسطيني المحتل، فكان الانقسام الفلسطيني انقساما بين صف لازال قابضا على جمر استراتيجية التحرير الشاملة مقاومة ومفاوضة وسياسة ثقافة، وصف قزمها إلى استراتيجية تفاوضية متسلسلة بدون نهاية وبدون نتائج وبدون لاجئين وبدون قدس وبدون دولة وبدون تحرير.
هكذا إذن تستمر المقاومة، ويتوازى معها خط الانبطاح، قدر هذه الأمة والشعب الفلسطيني، حتى يتبين له وللأمة ولجميع شرفاء وأحرار العالم الخط المقاوم من الخط المستسلم من فجر التحرير، تستمر انتصارات المقاومة على ميدان التدافع وفوق أرض المعركة، وما الصمود البطولي للمقاومة في غزة ببعيد عنا زمنيا، وما محاولات الابتزاز المستمرة التي تعرض لها الشعب الفلسطيني لثنيه على المقاومة ودعمها ببعيد أيضا عنا.
لقد ابتدأ هذا المسلسل الابتزازي الإجرامي المقيت، منذ أن حدد هذا الشعب الفلسطيني اختياراته السياسية في انتخابات حرة ونزيهة شهد العالم كله بذلك لها، كان العدو الصهيوني ومن والاه يريد لهذه الانتخابات أن تجري وفق حدود وضوابط اتفاقات أوسلو، فتكون هذه "السلطة الوطنية الفلسطينية" المفرزة، طيعة لمستلزمات هذه الاتفاقات، أي أن تكون سلطة تخاصم المقاومة وتحاصرها وتعمل على كبح جماحها، تحت دعاوى أمنية واهية، فكان أن حولت المقاومة هذه الانتخابات إلى انتزاع لشرعيتها جماهيريا و إلى مزاحمة المفسدين والمطبعين ومحاصرة مشاريعهم، وإلى "تثوير اتفاق أوسلو" من داخله، فأضحت هذه السلطة المكتسبة جماهيريا إلى سلطة تحتضن المقاومة وتدعمها ضدا على خطط " اتفاقات أوسلو وملحقاته"، وهذا ما لم يرق أعداء التحرير من الصهاينة ومن والاهم، فكان أن انطلق مسلسل "العقاب الجماعي" لهذه الاختيارات الحرة وأهلها في فلسطين، و شهد العالم مسلسل الحصار المالي ضد الفلسطينيين وحكومتهم المنتخبة، وما خلفه من آثار اجتماعية على هذا الشعب، ومسلسل الحصار الاقتصادي من منع تدفق المواد الغذائية وكل ضروريات العيش والأدوية على غزة وحتى التضييق على مرور الحجاج الفلسطينيين، و محاولات لزرع وكلاء الصهاينة بغزة عبر التحكم في الملف الأمني من خلال مخطط أمني محكم أشرف عليه جنرال أمريكي لتدريب كوادر أمنية قادرة على مواجهة المقاومة من الداخل وكبح جماحها، تلك المحاولات التي فشلت بعدما تم تخليص منطقة غزة من هذه العناصر الخيانية التي خططت لزرع الفتنة من الداخل.
كل هذا المسلسل الابتزازي كان الهدف الوحيد منه هو اقتلاع جذور المقاومة و تركيع الشعب الفلسطيني، وجر العناصر الطيعة من ما يسمى "السلطة الفلسطينية" للقبول بحلول نهائية مذلة، ولقد سمعنا آنذاك ولازلنا نسمع عن المراهنات الأمريكية على دولة فلسطينية مؤقتة بدون قدس بدون عودة لاجئين بدون الإفراج على أكثر من عشرة آلاف معتقل، بدون أراضي 67 ولا أراضي 48، أرادوا بأفعالهم الإجرامية وحصارهم الظالم و ابتزازا تهم المتكررة وخططهم الأمنية أن يوجهوا رسالة لهذا الشعب وكأني بلسان حالهم يخاطب هذا الشعب وأهل غزة خصوصا قائلا "هذا ما جناه عليكم اختياركم الحر"، وحق قولهم ولو أجرموا وأبادوا وقتلوا، فالاختيار الحر للفلسطينيين أربك حسابات الصهاينة ومن والاهم، و انفضحت شعارات الديمقراطية بعدما أفرزت ما لم تشتهيه مخططات الأعداء، فكان الانقلاب على هذه الشرعية، من خلال محاصرتها والتضييق عليها وعدم الاعتراف بها، وعجبا لمن يقلب الحقائق فينسى أو يتناسى أن الانقلاب الحقيقي على الشرعية كان ممن تشدقت أدبياتهم وأقلامهم وإعلامهم وتصريحاتهم في الغرب وعند الولايات المتحدة الأمريكية بمقولات الديمقراطية.
عذرا على هذه "الأرتودوكسية التاريخية المغالية"، عذرا !!! لأن الذاكرة قد تخون أحيانا فتفقد البوصلة في تحليل المواقف وتقييمها، لذلك فأجدني مضطرا إلى أن أنبش فيها تواصلا مع كل هذه الأجيال التي ولدت بعد الانتفاضة الفلسطينية الأولى في 1987 ، والتي تنظر بشغف وحب إلى حلم التحرير والتي عاشت انتفاضة الأقصى والحرب الصهيونية على غزة، ونظرت باستغراب إلى هذا "الانقسام الفلسطيني" الذي يجري، وإلى هذه الحرب الكلامية مع التلاعب بالمصطلحات وتوظيف شعارات التحرير من أجل المزيد من الانبطاحات والتنازلات المضرة بمسلسل التحرير الذي ينبغي أن يستمر، هذه هي الحكاية ومن اختلطت عليه وقائع الحال فلينظر إلى الذاكرة الحية فهي حتما ترشده وتنير له طريق المآل.
****
[1]- انظر نصوص الميثاق الوطني الفلسطيني ومواده الملغاة والمعدلة في موقع الرئاسة الفلسطينية http://www.presidency.ps


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.