القرارات المتوقعة عن مؤتمر فتح المتعلقة بعدم الاعتراف بإسرائيل على أنها دولة الشعب اليهودي، والرفض السعودي للقيام بخطوات تطبيع تبني الثقة نحو إسرائيل، والجدل في القوانين والتوجيهات في قضية «النكبة» – كل هذا متصل بالذكرى السنوية التي حلت قبل يومين. في الخامس من غشت 1948، قبل 61 سنة من اليوم، حدثت أول ظاهرة معلنة لمصطلح «النكبة» في سياق النزاع الإسرائيلي الفلسطيني. في ذلك التاريخ نشرت لأول مرة الأقوال التي كتبها قسطنطين زريق، نائب رئيس الجامعة الأمريكية في بيروت قبل ذلك بأكثر من شهر ونصف، في أوج أول وقف إطلاق للنار في حرب الاستقلال. قال زريق: «ليست هزيمة العرب في فلسطين مجرد إخفاق أو شر عابر. هذه نكبة بكامل معنى الكلمة وإحدى أصعب النكبات التي ألمت بالعرب في أثناء تاريخهم الطويل. تعلن سبع دول عربية الحرب على الصيهونية في فلسطين، وتقف عاجزة مرتدة على دحرها. تريد سبع دول إلغاء التقسيم والقضاء على الصهيونية، لكنها تترك المعركة بعد أن خسرت جزءا كبيرا من أرض فلسطين، حتى ذلك الجزء الذي أعطي للعرب. إنها تضطر إلى قبول الهدنة التي لا يوجد فيها لا ميزة ولا مكسب من جهتها». كما قلنا كانت «النكبة» مع ولادتها للعرب عامة، لا للعرب الذين سكنوا داخل فلسطين الانتدابية وسموا بعد ذلك فلسطينيين. إن من وضع المصطلح لم يربطه بهرب السكان العرب من يافا وحيفا الذي تم بمبادرتهم، ولا بطرد السكان العرب من اللد والرملة، وإخفاق الدول العربية في حربها على الصهيونية ولإلغاء قرار التقسيم. في تلك الفترة كان ذلك ما يزال إخفاقا جزئيا. فقد كان أكثر من نصف المساحة التي خصصت للدولة اليهودية – من جنوبي شارع مجدل – بيت جبرين إلى إيلات – مفصولا عنها خاضعا في أكثره لسيطرة الجيش المصري. تم الانتقال إلى القدس اليهودية من طريق بورما فقط. عسكرت الفيالق الأردنية على مبعدة صغيرة من غوش دان. ومكثت قوات عراقية كبيرة في السامرة وسيطرت على محور الحركة في وادي عارة. لكن زريق، وهو مواطن لبناني، كان شديد خيبة الأمل لعدم قدرة الدول العربية الغازية على الامتناع من إعلان أول هدنة تحت رعاية الأممالمتحدة، ورأى أن هذا دليل ساطع على «نكبة»، وأن الإخفاق الجزئي في النضال العربي العام للصهيونية سيصبح إخفاقا تاما. لا شك حقيقة أن زريق الذي «أبدع» مصطلح «النكبة» لم تمنحه ملكيته ولم تلغ توسيع استعماله. مثل «الصهيونية» – وهي مصطلح وضعه المفكر نتان بيرنبويم في 1890، قبل عقد من تحوله إلى معارض شديد للحركة الصهيونية كان للنكبة حياة تخصها أيضا. يوجد حتى أساس لافتراض أن كثيرا من الساسة العرب في إسرائيل الذين يتحدثون باسمها لا يعرفون شيئا عن زريق. من السهل أيضا أن نفهم ربطهم بين الأحداث التي ورطت شعبهم في 1948 وبين تلك التي حدثت في 1967. ومع ذلك كله، يبدو أنه ليس فيهم ولا في القادة الفلسطينيين اليوم من يفكر في التعريف الأصلي. فنكبتهم أصلا لا تشتمل على اللاجئين الذين اقتلعوا من أراضيهم فقط بل على حقيقة إقامة دولة إسرائيل وسلب هذه الخطوة شرعيتها. ذرفت دموع كثيرة لفلسطينيين أبرياء في أيام حروب استقلالنا، لكن السطور التي نشرها قسطنطين زريق قبل 61 سنة ما زالت تذكر بالحقيقة نفسها.