لم تستسغ الجزائر العناية التي حف بها الملك محمد السادس مئات التجانيين الذين اختتم اجتماعهم الثالث، أمس السبت، بمدينة فاس، ودعوته الصريحة لجميع تجانيي العالم في رسالة خاصة بأن يجعلوا من المغرب مقرا، ويتخذوه "قبلة لهم في الورد والصدر، أسوة بمؤسس الطريقة الشيخ أحمد التجاني". ولم تكن اعتباطا تلك الإشارات التي ضجت بها الرسالة الملكية للمنتسبين إلى التجانية، ومنها تذكيره بأن "العاصمة الروحية للمملكة مدينة فاس هي التي تحتضن ضريح العارف بالله سيدي أحمد التجاني المؤسس لهذه الطريقة"، وقوله "اختيار التجاني لهذه المدينة دارا لإقامته، ومقرا رئيسيا لزاويته ومركز إشعاع لطريقته، لم مصادفة". تجانيو الجزائر اعتبروا هذه الدعوات والإشارات الصادرة من العاهل المغربي محاولة لاختطاف الطريقة التجانية، باعتبار أن الخلافة العامة للطريقة الصوفية توجد بالجزائر وليس في المغرب، وهو ما يعكس صراعا قديما يتجدد كل مرة بين المغرب والجزائر حول امتلاك هذه الزاوية الروحية. ويتكرس الصراع بين الطرفين باستعداد الجزائر لاستقبال في الفترة الحالية أكثر من 250 من المنتسبين للطريقة التجانية من دول، مثل السينغال وغامبيا وموريتانيا ودول أخرى، "لتجديد التمسك والولاء لعهد الشيخ أحمد التجاني وأحفاده بعين ماضي" وفق تعبير بلاغ صدر عن الزاوية التجانية بالجزائر. وكثف الشيخ علي التجاني، الذي يقدم نفسه على أنه الخليفة العام للطريقة التجانية بعين ماضي بالأغواط، من تصريحاته التي ينتقد فيها بشدة مسعى المغرب إقامة ملتقى دولي حول الطريقة التجانية، بمدينة فاس تحت رعاية الملك، معتبرا "إقامة أي نشاطات دون استشارة الخلافة العامة لا يعنيها في شيء". الكنبوري: بين مشروعية الميلاد والمنهج وقال إدريس الكنبوري، الباحث في الجماعات الإسلامية والمسألة الدينية، إن الخلاف بين المغرب والجزائر حول مشروعية تمثيل الطريقة التيجانية هو خلاف قديم يتجدد باستمرار، ويعكس اختلاف أدوات الصراع بين البلدين، بين ما هو ديني وما هو اقتصادي وسياسي وعسكري". وأبرز الكنبوري، في تصريحات لهسبيرس، أنه باعتبار أن النظام في المغرب يستمد شرعيته السياسية من الدين، فإن طموح الجزائر هو قطع تلك الامتدادات الدينية والروحية القوية التي أقامها المغرب في القارة الإفريقية. ولفت المحلل إلى أن النظام في الجزائر لم يستثمر بشكل كبير في الجانب الديني في العقود الماضية، حيث أدار ظهره طويلا للزوايا والطرق الصوفية بشكل خاص في مرحلة التوجه نحو الخيار الاشتراكي، خلافا للمغرب الذي ظل متشبثا بهذا المجال بالنظر إلى العمق الديني للدولة ولمؤسسة إمارة المؤمنين". وزاد المتحدث ذاته بأن الاستثمار في الدين لم يحصل إلا في السنوات القليلة الماضية بشكل واضح وملموس، خاصة بعد حصول العديد من التحولات الإقليمية والعالمية التي جعلت الدين موضع رهان سياسي وعنصر صراع في المنطقة. وأفاد الكنبوري بأن "الجزائر تنازع المغرب شرعية احتضان التيجانية بدعوى أن أحمد التيجاني من مواليد بلدة الأغواط في الجزائر، والمغرب يرى أنه الأحق بهذا التمثيل لأن التيجاني دفين فاس". وحول رأيه بخصوص من له الأحقية في تمثيل التجانية، أكد الكنبوري بأن تاريخ التصوف يقول إن العمدة في الانتساب لبلد الاستقرار والوفاة لا بلد الولادة، لأن الفترة الأخيرة في حياة أي مؤسس هي مرحلة النضج واكتمال المنهج، فالجزائر إذن تمتلك مشروعية الميلاد، لكن المغرب يمتلك مشروعية المنهج". ويرى الكنبوري أن "ما يفسر هجوم الجزائر على المغرب بمناسبة انعقاد الملتقى الدولي الثالث للتيجانيين بفاس، وتعيين شيخ جزائري للطريقة، يرتبط أساسا بالقلق الجزائري من الحضور المغربي في إفريقيا، ودوره في النزاع بمالي، بعد الجولة الملكية الأخيرة في القارة الإفريقية". وكان بلاغ لمشيخة الطريقة التجانية بالمغرب، التي تنظم الملتقى الدولي الثالث للتجانيين برعاية من الملك محمد السادس، قد أفاد أن اللقاء يأتي بمناسبة مرور مائتي عام على وفاة الشيخ أحمد التجاني، وبعد لقاءين سابقين عقدا سنتي 2007 و2009.