تجدد الغارات الإسرائيلية على ضاحية بيروت الجنوبية عقب إنذارات للسكان بالإخلاء    البحرين تشيد بالدور الرئيسي للمغرب في تعزيز حقوق الإنسان    السلطات الجزائرية توقف الكاتب بوعلام صنصال إثر تصريحات تمس بالوحدة الترابية لبلده    أنفوغرافيك | صناعة محلية أو مستوردة.. المغرب جنة الأسعار الباهضة للأدوية        بنما تعلق الاعتراف ب "الجمهورية الوهمية"    توقعات أحوال الطقس لليوم الجمعة    الولايات المتحدة.. ترامب يعين بام بوندي وزيرة للعدل بعد انسحاب مات غيتز    ولي العهد الأمير مولاي الحسن يستقبل الرئيس الصيني بالدار البيضاء    ضربة جديدة لنظام العسكر الجزائري.. بنما تقرر تعليق علاقاتها الدبلوماسية مع "الجمهورية الصحراوية" الوهمية    تفكيك خلية إرهابية لتنظيم "داعش" بالساحل في عملية مشتركة بين المغرب وإسبانيا    جنايات طنجة تدين المتهمين في ملف فتاة الكورنيش ب 12 سنة سجنا نافذا    وفاة شخصين وأضرار مادية جسيمة إثر مرور عاصفة شمال غرب الولايات المتحدة    ولي العهد الأمير مولاي الحسن يستقبل الرئيس الصيني    جامعة عبد الملك السعدي تبرم اتفاقية تعاون مع جامعة جيانغشي للعلوم والتكنولوجيا    سفير ألمانيا في الرباط يبسُط أمام طلبة مغاربة فرصا واعدة للاندماج المهني    بوريطة: المقاربات الملكية وراء مبادرات رائدة في مجال تعزيز حقوق الإنسان    تحطم طائرة تدريب يودي بحياة ضابطين بالقوات الجوية الملكية    متابعة موظفين وسماسرة ومسيري شركات في حالة سراح في قضية التلاعب في تعشير السيارات    هل يؤثر قرار اعتقال نتنياهو في مسار المفاوضات؟    عشر سنوات سجنا وغرامة 20 مليون سنتيما... عقوبات قصوى ضد كل من مس بتراث المغرب        رسميا: الشروع في اعتماد 'بطاقة الملاعب'        الصحراء: الممكن من المستحيل في فتح قنصلية الصين..    المغرب التطواني يقاطع الإجتماعات التنظيمية مستنكرا حرمانه من مساندة جماهيره    أول دبلوم في طب القلب الرياضي بالمغرب.. خطوة استراتيجية لكرة القدم والرياضات ذات الأداء العالي    مجلس الحكومة يصادق على مشروع مرسوم بوقف استيفاء رسم الاستيراد المفروض على الأبقار والأغنام الأليفة    "بتكوين" تقترب من 100 ألف دولار مواصلة قفزاتها بعد فوز ترامب    الرباط : ندوة حول « المرأة المغربية الصحراوية» و» الكتابة النسائية بالمغرب»    بعد غياب طويل.. سعاد صابر تعلن اعتزالها احترامًا لكرامتها ومسيرتها الفنية    المنتدى الوطني للتراث الحساني ينظم الدورة الثالثة لمهرجان خيمة الثقافة الحسانية بالرباط    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    المغربيات حاضرات بقوة في جوائز الكاف 2024    المركز السينمائي المغربي يقصي الناظور مجدداً .. الفشل يلاحق ممثلي الإقليم    مؤشر الحوافز.. المغرب يواصل جذب الإنتاجات السينمائية العالمية بفضل نظام استرداد 30% من النفقات    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    الاستئناف يرفع عقوبة رئيس ورزازات    زكية الدريوش: قطاع الصيد البحري يحقق نموًا قياسيًا ويواجه تحديات مناخية تتطلب تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص    ارتفاع أسعار الذهب مع تصاعد الطلب على أصول الملاذ الآمن    وزارة الإقتصاد والمالية…زيادة في مداخيل الضريبة        أنفوغرافيك | يتحسن ببطئ.. تموقع المغرب وفق مؤشرات الحوكمة الإفريقية 2024    بعد تأهلهم ل"الكان" على حساب الجزائر.. مدرب الشبان يشيد بالمستوى الجيد للاعبين    رودري: ميسي هو الأفضل في التاريخ    من شنغهاي إلى الدار البيضاء.. إنجاز طبي مغربي تاريخي    انطلاق الدورة الثانية للمعرض الدولي "رحلات تصويرية" بالدار البيضاء    مدرب ريال سوسيداد يقرر إراحة أكرد    8.5 ملايين من المغاربة لا يستفيدون من التأمين الإجباري الأساسي عن المرض    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    جائزة "صُنع في قطر" تشعل تنافس 5 أفلام بمهرجان "أجيال السينمائي"    تفاصيل قضية تلوث معلبات التونة بالزئبق..    دراسة: المواظبة على استهلاك الفستق تحافظ على البصر    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدين أفيون الشعوب أم فيتامين المستضعفين؟
نشر في هسبريس يوم 27 - 04 - 2010

اندلعت في الآونة الأخيرة مجادلة قوية حول الفتوى . وقد تصدى لهذه القضية نفر من الفاعلين السياسيين والإعلاميين , في حين اكتفى آخرون بالمتابعة والفرجة , دون أن يثير ذلك نقاشا عاما أو عموميا . أما المفكرون أو ما يسمى بالمثقفين , فإنهم لا ينخرطون في هذا النوع من القضايا إما طلبا للسلامة , أو حرصا على " الرزانة الأكاديمية " , وكأنه لم يكن هناك فيلسوف اسمه سارتر كتب من المؤلفات الفلسفية الموجهة للخاصة الشيء الكثير , دون أن ينسى التعبير عن مواقفه من قضايا الساعة , أو كأنه لم يكن هناك مفكر بلغ من الثقل المعرفي باعا طويلا اسمه فوكو , ولم يمنعه ذلك من إجراء استطلاعات سياسية ميدانية لفائدة جريدة لوموند إبان الثورة الإيرانية . ما يرفع الحرج عن أهل القلم أن العروي قد دبج مؤلفا له أكثر من علاقة بالمجال العام الذي تندرج ضمنه الفتوى , اقصد كتابه الموسوم بالسنة والإصلاح .
لنعد إلى اهتمام الإعلاميين والسياسيين بالفتوى . لقد انقسم هؤلاء إلى فريقين , فريق فيه من يكتفي برفض هذا النوع من الفتاوى , وفيه من يرفض الفتوى ككل . وهناك فريق آخر يدافع عن الفتوى عامة وعن هذه الفتاوى خاصة . ما هي مؤاخذات الفريق الأول , وما هي مبررات الفريق الثاني ؟
تتمثل أهم المؤاخذات التي يقدمها من يستهجنون هذه الفتاوى , سواء تلك التي ظهرت في جريدة التجديد هنا في المغرب أو تلك التي تظهر في المشرق في النقط الآتية :
1-إن هذه الفتاوى ضد المنطق وضد التاريخ .
-2 إن هذه الفتاوى تخلق مشاكل ذات صبغة قانونية واجتماعية , بما لها من تأثير على سلوك الناس وعلى عيشهم المشترك .
-3 إن هذه الفتاوى تشكل خطرا على التقدم والديمقراطية ككل , وليس فقط على المؤمنين بها أو على من له علاقة بهؤلاء .
أما الجهة التي تنشر هذه الفتاوى فهي ترى أن ذلك لا يشكل خطرا على أي جهة للاعتبارات الآتية :
1-إن نشر الفتوى هو مجرد استجابة لطلب القارئ الذي يتقدم باستشارة فقهية , مثلما يتقدم غيره بطلب استشارة قانونية أو نفسية .
-2 إن الفتوى لا تمتع بالقوة الإلزامية التي يتمتع بها القانون , لأنها مجرد رأي فردي .
-3 إن الفتاوى التي تنشرها الجريدة تتعلق بالقضايا الفردية التي تعترض الإفراد من القراء , أما القضايا العامة فالإفتاء فيها من اختصاص الهيئات الرسمية للإفتاء .
هذه إذن هي مستندات كل فريق . فما هي الاستنتاجات التي يمكن أن نخرج بها من هذه "المنازلة "؟
-2-
نلاحظ أن المعترض على هذه الفتاوى يربط ذلك بما لها من اثر سلبي على العيش المشترك , وما لها من اثر على مستقبل الجماعة البشرية التي يعيش ضمنها طالبوا الفتوى . أما أنصار الفتاوى فيقللون من ذلك , ويعتبرون أن هذه الفتاوى لا علاقة لها بالمجال العام بل ترتبط بالمجال الخاص بمن طلبها , إضافة إلى أنها غير صادرة عن جهة رسمية من اختصاصها أن تفتي في القضايا العامة , أي القضايا التي ترهن المجال العمومي . نحن إذن أمام تصورين , واحد يعمل جاهدا لتحصين المجال العام من الفتاوى " السيئة" , وآخر يطمئن من هو في حاجة إلى الاطمئنان , إلى أن هذه الفتاوى تتعلق بالمجال الخاص أو الشخصي للأفراد الذين طلبوا الفتوى , بل ويزيد في الطمأنة عندما قول انه يرفض أحيانا نشر فتاوى تتعارض مع منطق التيسير ومنطق , أو ينشرها مع نشر رد قوي عليها , على أساس إن الفتوى تعبر عن رأي من تقدم بها ولا تعبر بالضرورة دائما عن رأي الجريدة .
ليست غايتي في هذا المقال أن انتصر لهاذ الفريق أو ذاك , غايتي هي أن أثير الانتباه إلى أن هذه "المعركة" تمس قضية جوهرية في مجتمعنا , ألا وهي مكانة الدين بين المجال العمومي والمجال الخصوصي . إن هذه هي القضية المسكوت عنها لاشعوريا , أو القضية التي تستغفل وعينا وانتباهنا ويقظتنا .
قد يعتبر البعض أن المنقذ من " ضلال" الفتاوى ( الضلال المدني ) ومن الدولة الشمولية التي تقود إليها فتاوى الإسلاميين هو الديمقراطية العلمانية التي تحترم التعددية الدينية والفكرية والسياسية واللغوية والثقافية . سؤالي هو : إذا كانت الديمقراطية العلمانية تحمي التعدد الديني , فما هو المجال الذي تجعل حضور الدين فيه مقبولا ؟ هل هو المجال الخاص أم المجال العام ؟ افترض أن الجواب هو المجال الخاص . إذا كان الأمر هكذا , أليست الفتاوى استشارة تهم الحياة الشخصية لبعض الأفراد ؟ هل تتسع الديمقراطية العلمانية للفتاوى التي تتعلق بالحياة الخاصة للناس ؟ صحيح أن الحياة الخاصة تقع أحيانا على تخوم الحياة العامة , وان الحدود بينها دقيقة كالشعرة . في هذه الحال ألا يمكن القول انه يجب علينا أن نبدع بشكل لا نعتدي على المجال الخاص للأفراد , مع الحرص على ألا يكون ما هو خاص ضارا بما هو عام وبما هو مشترك , خصوصا إذا كان للخاص آثار على العام ؟ كيف نفرغ الخاص من إمكانات الإساءة إلى العام ؟ إن الحل البسيط والسهل و "الكسول "هو أن ندير الظهر للمسالة الدينية , وان نلغي "الظمأ الديني " بأحكام عامة , فيها من الصواب القدر الكبير , لكنها تعطل التفكير والإبداع . إن من اكبر الدروس التي تقدمها فلسفة الأنوار هو عدم تخلي مفكري هذا التيار عن الاهتمام بالدين . إن اكبر الفلاسفة الانواريين لم يقفوا من الدين موقف اللامبالاة . يكفي الرجوع إلى ذلكم الفيلسوف الذي وضع تعريف الأنوار , أي كانط , لنرى اهتمامه الكبير بالدين. يكفي الرجوع كذلك إلى القرن السابع عشر لنرى كيف كان طوماس هوبز "الملحد" على المستوى الميتافيزيقي ينازع الكنيسة في تأويل الدين , بل كيف كان , وهو الملحد, مؤمنا على المستوى السياسي العملي . إن الدين قضية جدية ,يخلق إهماله الكثير من الكوارث . لقد أصبح من الضروري أن نقطع مع القراءة اليعقوبية التي قدمتها الثورة الفرنسية للأنوار, فجعلتها خصما للدين . يجب القطع كذلك مع تلكم العبارة الشهيرة التي تقول إن " الدين أفيون الشعوب " وذلك لان الدين قد يصير أحيانا عبارة عن " فيتامين المستضعفين " . إن من مهام كل ديمقراطي وحداثي حقيقي أن يعمل على أن يكون الدين رافعة للدمقرطة والتحديث , وان يكون مكلفا للاستبداد والتخلف , لا أن يهجره فيلتقطه من يوظفه لإدامة القرون الوسطى فكرا وسياسة وثقافة . خلاصة القول أن السؤال حول مكانة الدين بين العام والخاص يفرض نفسه ويفرض إبداعا فيه نوع من الوصل والفصل مع "معروف" هذه الجماعة الإنسانية التي تعيش في هذه الرقعة من الأرض المسماة المغرب .
إن الفريق الذي لا يرى خطرا في الفتاوى موضوع النزاع , قد أصبح لزام عليه هو أيضا أن يجيب عن إشكالية طبيعة حضور الدين في الفضاء العام والخاص . لقد لاحظنا أن الانتقادات التي وجهت لهذا الفريق قد فرضت عليه أن يقوم بعمل توضيحي وتفسيري , كي لا نقول عملا تبريريا أو تسويغيا . اضطر هذا الفريق إلى الانسحاب بالفتاوى إلى دائرة الخاص والفردي . من المعلوم أن هذا الفريق يعتبر انه ينبغي أن يكون للدين مكانة ودورا في المجال العام ,لكننا هنا نراه قد انكفأ إلى المجال الخاص , وقدم الفتوى على أنها مجرد رأي فردي يمس الحياة الشخصية للمستفتين . ربما كان يعتبر أن الفتاوى التي تمس القضايا العامة تجسد حضور الدين في المجال العمومي . إن ما يمكن أن نستنتجه انطلاقا من "تفسيرات "هذا الفريق للفتاوى موضوع النزاع , هو إقراره بان الدين يحضر في مجالات خاصة , لا يمكن أن تمثل معيارا أو مقياسا نشرع على ضوئه للجماعة ككل . هناك إذن حالات يكون الدين فيها محصورا داخل مجال خاص . هذا المستجد يدفعنا إلى القول إن سؤال الخاص والعام مطروح كذلك على الإسلاميين . فإذا كنا أعلاه قد قلنا إن على التيار" العلماني" أن يتأمل حضور الدين في المجال العام اليومي , فإننا نقول هنا إن على الإسلاميين أن يتأملوا حدود حضور الدين في هذا المجال العمومي . إذا قلنا " للعلمانيين" أن بإمكان الدين أن يكون "فيتامين المستضعفين" , فإننا نقول للإسلاميين انه بإمكان البعض احي أن يجعل الدين " فيتامين المستبدين " .
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.