الدكتور أحمد الريسوني الخبير الأول بمجمع الفقه الإسلامي الدولي بجدة : "" *من الغفلة العظيمة أن ننتظر فتوى في تحريم الربا *الربا تبقى ربا أين ما حلت وارتحلت فسواء حلت في الأضحية أو في الحج أو العمرة أو وفي أي مكان *الإسلام المغربي يتمثل أساسا في المذهب المالكي، أما حصره في الطربوش والسلهام والطاجين فهذه مجرد شعوذة سياسية. *يسعدني تقارب الاتحاد الاشتراكي والعدالة والتنمية اعتبر الدكتور أحمد الريسوني ردا على من يحتفظ بفتوى حول الربا مخافة إثارة بعد المشاكل، أن لا أحد في حاجة أصلا إلى انتظار فتوى لتحريم الربا أو الرشوة أو الكذب، ويرى الفقيه المقاصدي في هذا الحوار، أن كلها تدخل عند العلماء في باب المعلوم من الدين بالضرورة، والنزعة الاستهلاكية التي تشكل روح الفلسفة الرأسمالية تجعل من الإنسان كائنا استهلاكيا يستلهم أدواته من ذات الفلسفة التي لا تتوانى في أن تدوس على أي مسألة سواء كانت تحريما شرعيا أو قيمة أخلاقية أو اجتماعية، أما التمويلات البديلة فهي ليست استهلاكية وتقوم في التبادل المالي في الإسلام على التشارك في الغنم والغرم. وفيما يلي نص الحوار: هناك من يعتبر أن مسألة القرض من أجل أضحية العيد لا تدخل ضمن الربا المتحدث عنه في القرآن لكونها غير مبنية على استغلال ظروف اجتماعية لفئة معينة كحال القروض الاستهلاكية، ما قولكم في هذا فضيلة الدكتور؟ الربا هو الربا حيث ما حل وارتحل، فكل قرض يعود بزيادة بدون مقابل عن هذه الزيادة وبدون وساطة ولا إنتاج ولا خدمة فهو ربا، ولذلك فسواء حل في الأضحية أو حتى في الحج أو العمرة أو في البناء أو في أي مكان فالقرض بالنسبة للحكم الشرعي والحكم الفقهي ينظر إلى الفعل لا إلى مجاله. أما مسألة الاستغلال فقد تكون واردة وقد لا تكون واردة وقد تكون خفية، فالاستغلال هنا وارد بدون شك ولكن حتى لو فرضنا أنه خفي فإنه لا يغير من الحكم شيئا، ومن غريب ما قرأته مؤخراً كلام لبعض الجهات ولأحد المحسوبين على العلم يقول فيه إنه عندهم فتوى في قضية تحريم الربا ولكنهم يرون من المصلحة عدم نشرها لأن في ذلك ما فيه من مفسدة ومن ضرر، وأنا أقول بأن تحريم الربا لا يحتاج إلى فتوى فمن الغفلة العظيمة أن ننتظر فتوى في تحريم الربا، فهذا كمن ينتظر فتوى في تحريم الخمر وكمن ينتظر فتوى في تحريم الرشوة أو فتوى في تحريم الكذب، وهذا كله يدخله العلماء في باب المعلوم من الدين بالضرورة، ولذلك فلا أحد سينتظر هذه الفتوى ولا بأس بأن تبقى نائمة في أدراج أصحابها وفي عقولهم لأنه ليس هناك أحد أصلا في حاجة إلى فتوى لتحريم المعاملات الربوية الصريحة التي هي إعطاء مال وأخذ زيادة مقابل الإنظار والآجال فهذا هو الربا كيف ما كان تصريفها. أليس وراء هذه القروض وانتشارها والتسابق حولها ثقافة غربية تتغيا قتل شيء اسمه التكافل الاجتماعي والذي يجسده قوله تعالى "وأطعموا البائس الفقير"، بل إن الرسول عليه الصلاة والسلام نهى عن ادخار اللحوم أكثر من ثلاثة أيام؟ الاستهلاك عموما والنزعة الاستهلاكية هي فلسفة رأسمالية، هذا لا شك فيه، وصحيح أن الناس عندهم نزوع إلى الاستهلاك والتوسع ولكن عادة بحسب إمكاناتهم، إلا أن الجديد في الفلسفة الرأسمالية والفلسفة الاستهلاكية هو أنها ترغم الناس بأساليب متعددة بأن يستهلكوا ويستهلكوا ويستهلكوا، وبذلك يصبح الإنسان عبارة عن كائن مستهلك، وبالفعل فهذه فلسفة استهلاكية، ولكي تصل إلى أن تجعل الناس مستهلكين إلى أقصى حد ممكن فهي لا تتردد في أن تدوس أي شيء سواء كان تحريما شرعيا أو كانت قيمة أخلاقية اجتماعية، فما تفضلتم به صحيح، وصحيح أيضا أنها تفرض على الناس أن يوجبوا على أنفسهم ما ليس واجبا عليهم وتلزمهم بما لم يلزمهم به أحد ولا شرع ولا عقل وبالتالي يصبح هذا استهلاكا بطريقة جنونية ودفع الناس إلى التورط بكل السبل من أجل توفير هذا الاستهلاك، وهذه وللأسف ظاهرة اجتماعية سيئة تمحق عددا من الأخلاق والعادات والترتيبات العقلية، فالناس عادة يرتبون حاجاتهم حسب إمكاناتهم، إلا أن هذه الإغراءات تدفع الناس إلى العيش فوق مستواهم وفوق قدراتهم من أجل أن يتم ابتزازهم لفائدة المؤسسات الإنتاجية والمؤسسات الإقراضية. في الحديث النبوي الشريف المتعلق بالعيد نلحظ أن الصلاة مقدمة على الأضحية، فلماذا في نظركم يحرص الناس على الأضحية أكثر من حرصهم على الصلاة؟ ثم هل العيد هو الأضحية أم أنها جزء من أعمال العيد؟ هذا مشكل آخر وقديم، ولكن الآن يتم النفخ فيه بالأساليب الجديدة، وهو أن ما يتخذ شكل عادة اجتماعية وشكل تنافس اجتماعي وشكل مباهاة عند الناس، ففي هذا بطبيعة الحال، يكون الناس حريصين عليه أشد ما يكون حرصا، وهذه آفة من قديم السنين، وعدد من الدعاة والخطباء والعلماء يحاولون محاربتها ويعيدوا لأحكام الشرع وشعائره مراتبها وأولويتها، فأضحية العيد ليست فقط دون الصلاة بل لا يمكن أن تقاس بها بالمرة، فالصلاة هي الركن الأعظم وشعيرة العيد هي سنة أريد بها الإحساس بالعيد والإحساس بالعيد لا بد أن يصحبه نوع من الرفاهية ومن موجبات الفرحة والبهجة والتكافل بين الناس، ولذلك نجد في عيد الفطر زكاة الفطر وهي أيضا لإثارة البهجة والشعور بالعيد خاصة لدى المعوزين وفي عيد الأضحى نجد صيغة أخرى من صيغ التكافل هي أن من له القدرة يذبحون ويضحون ويوزعون اللحم حتى يأكله من لا يأكله ومن لا يستطيع أن يأكله إلا ناذرا، وهكذا يدخل الناس في فرحة وبهجة وتكافل وتحابب وتزاور، ثم أن الإنسان يستضيف دون حرج عليه لأن الخير موجود واللحم موجود إلى آخره، وهذا هو حدود أضحية العيد ولا يمكن أن تقاس بالصلاة، وهذا ضمن الكثير من الأولويات والترتيبات الشرعية التي تم قلبها وعكسها في سلوك الناس. ما موقع التمويلات البديلة ضمن هذه الإشكالات التي يتخبط فيها المواطنون بنوع من الحرج والإكراه،أو ما الإضافة التي ستقدمها القروض البديلة أو الإسلامية لو أحدثت؟ القروض البديلة أو التمويلات البديلة ليست من هذا القبيل لأنها ليست قروضا استهلاكية بل هي مشاركات لأن الاقتصاد الإسلامي والتبادل المالي في الإسلام يقوم بدرجة كبيرة وأساسية على التشارك في الغنم والغرم، فإذن فكرة البنوك الإسلامية وفكرة التمويلات الإسلامية تقوم على عنصر المشاركة بدل أن يقرضك فتعجز ثم يزيدك قرضا ثم يستولي على ممتلكاتك وعلى عقارك فهذه هي طريق الإفلاس وطريق الاستعباد والتي ذكرنا أنها جزء من الفلسفة الرأسمالية، أما التمويلات البديلة فتقوم على المشاركة ولذلك تكون القروض فيها محدودة وضئيلة ولا أتصور أن القروض البديلة المتحدث عنها في إطار البنوك والمعاملات البنكية يمكن أن تصل إلى هذا الحد، نعم هناك بعض البنوك الإسلامية التي تقرض بعض القروض بديلة شبيهة إلى حد ما بهذا، وهي قروض مثلا تمنح للطلبة الدارسين والذين قد يكونوا بحاجة إلى مبلغ مهم فيتم قرضه على أن يتم سداده بعد تخرجه بعد أن يمارس عمله أما القرض للاستهلاك اليومي وللأكل اليومي فهذا غير وارد في هذه التمويلات البديلة وهي مسألة بالمغرب ما زالت بين الموت والحياة بسبب ما فرض عليها من تضييقات مرهقة. أثارت فتواكم بخصوص مسألة عدم جواز الحج على نفقة الدولة عدداً من ردود الأفعال، هل من تقييم لها؟ وهل ما زلتم على نفس الموقف أم هناك مراجعة؟ وكيف تنظر إلى رأي سعد الدين العثماني الذي يخالف رأيك في المسألة ويقول بالجواز؟ أولاً، أنا لم أطلع على ردود ترفض هذه الفتوى برمتها، بل كل ما هنالك مجرد تعليقات تقول بأنه يجوز للدولة أن ترسل وفوداً ومبعوثين في موسم الحجيج، وأنا لم أعارض هذا.. إن كان سيرسل في مناسبة الحج موظف أو مسؤول أو وزير، للقيام بمهمة كالمهمة الطبية أو الإدارية أو السياسية أو الدبلوماسية أو المفاوضات أو مجرد ربط علاقات واستماع... فهذا لا بأس فيه، فإذا أرسل المبعوث على نفقة الدولة لمهمة يقوم بها وجاءت تناسب موسم الحج وتستثمر موسمه فهذا بطبيعة الحال لا حرج فيه، لكن أنا أتحدث عن إنسان يرسل من مال ومن مال المجتمع الذي هو بالدرجة الأولى مال الفقراء، لأن الأغنياء لهم أموالهم ولهم غناهم، فحينئذ نقول: بأي حق وبأي وجه يتم تحويل هذه الأموال التي ما جمعت لأجل الحج ولكي يحج بها آخرون. لأن ممتلكات الجموع وممتلكات الجماعات حينما يفوض أمر التصرف فيها للدولة وكذلك استثمار كنوز البلاد وثرواتها، فلا أحد يقول إننا نجمع هذه الأموال لنرسل الأغنياء والوزراء والأمراء والبرلمانيين لكي يؤدوا فريضة الحج، وبالنسبة لفريضة الحج فحتى الإنسان الفقير لا يجوز أن يحج من مال عام مخصص لمصالحة عامة، لأن الحج ليس بواجب عليه، لكن أنا ذكرت في هذه الفتوى أو في هذا المقال الفقهي أنه إذا كانت هناك أموال أرصدت من بدايتها أو أرصد جزء منها للحج بناء على توافق أصحابها ومستحقيها مثل الصناديق الخاصة كصندوق التقاعد أو غيره من الصناديق الاجتماعية، فهذه يكون قد تقرر في أصلها وفي أصل جمع أموالها وفي قانون صرفها أن يخصص قسط منها لإرسال بعض المحتاجين إلى الحج، وأقول المحتاجين، فهذا لا بأس به. لكن الذي يقع الآن هو إرسال من ليسوا بحاجة إلى المال ولا إلى الحج ولكنه ترفه واستهلاك لأموال الغير بدون حق. ومن قال هذا حق فليبين لنا من أعطاه هذا الحق. هل لك من رأي أو تعليق حول حديث بدا يروج في الآونة الأخيرة حول دعوات من الطرفين تتحدث عن إمكانية التحالف بين حزب العدالة والتنمية والاتحاد الاشتراكي؟ من الناحية المبدئية، كل تقارب وتفاهم وتعاون وتحالف بين أطراف الساحة الوطنية من سياسيين ودعاة ومسؤولين وحكومة ومعارضة، فهو مكسب إيجابي لهذه الأطراف وللبلد بصفة عامة. إذن يسعدني أن يتحالف أي حزب مع حزب آخر للدفاع عن مصالح وتثبيت قواعد متينة لبنائنا السياسي وليس التحالف من أجل المغانم أو الصراعات أو نفي الآخر أو ما سوى ذلك. لكن من الناحية الواقعية، هذا أمر دونه صعوبات ومحاذير جمة لا بد من أخذها بعين الاعتبار طلباً لطموح أكثر واقعية، فهناك اختلافات ليست بالهيِّنة، وهناك رصيد من عدم الثقة يمكن أن ينفجر ويعطي أثره السلبي في أي لحظة. ولكن إذا تحقق أي إنجاز، ولو كان محدودا أو عرضياً على فهو شيء إيجابي نسعد به. منذ مغادرتكم المغرب عرف الحقل السياسي المغربي عدداً من المتغيرات والتفاعلات المتسارعة، منها خروج أحد رجال الداخلية وتأسيسه لحزب، ثم محاولة ابتلاع خمسة أحزاب والدخول في تحالفات برلمانية أوصلته إلى الفريق الأول عددياً بمجلس النواب، كما قال بأنه خرج لمواجهة المد الإسلامي وخاصة حزب العدالة والتنمية، وأنتم ممن تواصل مع هذا الفاعل في لحظة لم يكن له تواصل علني، ما قراءتكم لهذه التغيرات؟ قلت سابقاً إني أرحب بأن يخرج أحد رجال الدولة من معقله وقلعته وسلطاته ليخوض المعارك ويواجه من يظنهم خصومه في الساحة والميدان وأمام الشعب عبر الانتخابات والمهرجانات والنقاشات.. إلى آخره. فهذا أمر جيد وحدث، على كل حال، يجسد أسلوبا جديدا ستكشف الأيام مدى صدقيته وحقيقته. ما تعليقكم على قوله إن في المغرب إسلاميين وليس إسلام واحد، وصرح بأنه يمثل إسلام "الطاجين والطربوش والجلابة" وليس إسلام أفغانستان وباكستان؟ إذا جاز أن نتحدث بهذا الوصف "الإسلام المغربي" فحتى على الصعيد الرسمي الذي سطره ويصوغه العلماء والمختصون ف"الإسلام المغربي" أو الخصوصية المغربية تتمثل بالدرجة الأولى في المذهب المالكي الذي صاغ تاريخ المغرب وصاغ العقلية المغربية والعادات المغربية والقوانين المغربية والقضاء المغربي...، فنحن نرضى أن نحتكم إلى المذهب المالكي. ونحتكم إليه في السياسة والاقتصاد والأموال والربا والزكاة والأخلاق والخمر وفي كل شيء.. وإذا كان المذهب المالكي هو الذي صاغ تاريخنا كما قلت فعن أي إسلام مغربي يتحدث؟ أما حصر "الإسلام المغربي" في الطربوش والكسكس والسلهام والطاجين... فهذه شعوذة سياسية وليست بالإسلام المغربي.