أصدر الباحثان المغربيان، إلياس بلكا ومحمد حراز، أخيرا كتابا حاولا من خلاله ملامسة قضية الهوية والتعدد اللغوي بالمغرب، وجاء موسوما بعنوان "إشكالية الهوية والتعدد اللغوي بالمغرب العربي، المغرب نموذجا". بلكا، الأستاذ بجامعتي فاس وزايد، وحراز، الأستاذ بمركز مهن التربية والتكوين بتازة، رميا من خلال الكتاب الجديد إلى رصد العلاقة بين الهوية واللغة في المغرب الكبير، وآثار ذلك على التربية والتعليم، حيث إن المدرسة هي المحضن الرئيس لأي محاولة نهضوية حقيقية. وجاءت فصول الكتاب موزعة على العديد من المشاغل، فالفصل الأول خصصه الكاتبان للقضية الهوية، مع تركيز خاص على هوية المغرب الأقصى ومكوناتها وخصوصياتها، مثلما تم تخصيص الفصل الرابع لسياسة فرض اللغة الفرنسية، أو الفرنكفونية، فتم التعريف بهذه السياسة وأساليبها وآثارها.. وذهب الكتاب إلى أنه بالرغم من محاربة الاستعمار الفرنسي للعربية، ومن تعثر سياسة التعريب في التعليم المغربي بعد الاستقلال، ومن سياسة الفرنكفونية اليوم، فإنها ما زالت قادرة على أداء وظائفها الحضارية الثلاث: الوظيفة العقدية، والوحدوية، ثم الرسمية في الإدارة والإعلام، وفي كل مؤسسات الدولة. ونبه الكتاب إلى كون الوضعية الحالية للفصحى بالمغرب تمر بأزمة حقيقية جراء احتكار اللغة الفرنسية، خاصة لمختلف المجالات الحيوية في التعليم والإدارة والمؤسسات المالية والإعلام، وهذا ما تسبب في ضعف أدائها الوظيفي في الحياة العامة. موردا عناصر خطة وطنية فاعلة للسياسة اللغوية للنهوض العلمي والحضاري بالعربية، حيث كان كل هذا موضوعا للفصل الثاني للكتاب. أما الفصل الثالث فجاء ليعرض موضوع اقتراح العامية الدارجة باعتبارها بديلا للعربية الفصحى، حيث حاول أصحاب هذه الدعوة التنظير لها والتأصيل اللساني لاستخدامها، فيزعمون أن العربية الفصحى لغة وافدة، بينما الدارجة هي اللغة الوطنية الحقيقية، كما أنها لغة قائمة لذاتها منفصلة عن الفصحى" يقول المؤلفان. الفصل الخامس تطرق إلى القضية الأمازيغية، فقد طرأ طارئ على الساحة المغاربية، وهو تبلور حركة سياسية وثقافية جعلت من الأمازيغية محور نشاطها وأساس مطالبها. هذه الحركة تحاول بناء نوع من "القومية الأمازيغية"، وهو نوع غير متضح الملامح إلى حدّ الآن، لكن المؤكد أن اللغة الأمازيغية تشكل أساسه الأكبر، بل روحه حقا. أما الفصل الأخير فكان عن إشكالية لغة التدريس في المدرسة المغربية، فقد اتضح أن العربية الفصحى لا ينبغي أن تخضع للمنافسة من جراء التعدد اللسني، على اعتبار أن العامية تظل لغة داعمة للغة العربية الفصحى، عبر الوظائف الحياتية والوجدانية فقط، ولا يمكن لها أن تكون لغة المضامين العالية المرتبطة بالدين والفكر والعلم والتقنية والثقافة. واعتبر المؤلفان أنه ليس بمقدور الأمازيغية أن تقوم بالدور الوظائفي الذي تقوم به الفصحى، لكون الأمازيغية توظف فقط في ملاسنة الاتصال في إطار محيط اجتماعي معين بحسب الجهة الجغرافية، كما أن الثنائية اللغوية بين العربية والفرنسية أدت إلى نتائج سلبية، ورسخت ازدواجية غير متكافئة في الفرص والإمكانيات". واقترح الكتاب بدل ذلك نموذجا رائدا، يتمثل في التعريب المدعوم بالتعدد اللغوي، مما يعين على وضع أسس متينة لاستقرار لساني متكامل، تحتل فيه العربية الفصحى موقعها المناسب، وتكون فيه اللغات الأمازيغية، أو اللغة الواحدة الممعيرة، لغات وطنية تُدرس وتُطور، وتكون فيه أيضا اللغات الأجنبية لغات للدراسة لا للتدريس، مع ضمان هامش مهم من التعبير والتواصل الشفهي باللهجات العامية". وخلص المؤلفان أن غاية كتابهما "المساهمة في حلّ مشكلة الهوية في صلتها بظاهرة الصراع اللغوي في المغرب، ووضع معالم سياسة لغوية رشيدة لا تمزّق النسيج الاجتماعي المغربي الذي تكوّن عبر قرون، كما لا تكون سببا في الفشل المدرسي واللغوي بكثرة اللغات وتصادمها".