لم تسنح لي الفرصة لمتابعة برنامج "خواطر" الذي بث على شاشة العديد من القنوات الفضائية العربية خلال شهر رمضان المنصرم، و لكن لحسن الحظ تمكنت من ذلك أخيرا بفضل موقع يوتوب الذي يمكنك بكل اختصار أن تجد من خلاله كل شيء.. خصصت وقتا كبيرا لمشاهدة كل الحلقات.. و يا ليتني لم أفعل .. البرنامج بكل بساطة عبارة عن تقارير مصورة بدولة اليابان تسلط الضوء على هذا الشعب بالذات الذي اختاره القائمون على البرنامج لأنه شعب تفوق على كل الشعوب بما فيها أمريكا و أوروبا و شعوبنا (المسلمة) بطبيعة الحال.. فالفكرة نابعة من تحديد أسرار هذا التفوق و مكامنه.. هل تركيبة اليابانيين مختلفة عنا؟ هل هم أذكى منا؟ هل يملكون وصفة سحرية تضمن لهم هذا التفوق؟ من هذا المنطلق سافر مقدم البرنامج إلى اليابان و قدم لنا في كل حلقة مقارنة لسلوكيات اليابانيين و الشعوب (المسلمة) فكانت الخلاصات مثيرة للعجب و للحسرة في آن.. إذا تكلمنا عن الخصوصيات الجسمانية لليابانيين، فهم أناس قصار القامة أجسامهم نحيفة و مصفرة كأن بهم سوء تغذية، فإذا أخذنا بعين الاعتبار هذا الجانب ستكون لنا الغلبة حتما، فكما تعلمون فشعوبنا العربية و(الإسلامية) لا تذخر جهدا في هذا المجال، و ما عليكم إلا إلقاء نظرة على بطون السواد الأعظم من شعوبنا للتأكد من ذلك.. (ما شاء الله .. اللهم لا حسد..). أما إذا تكلمنا عن القدرات العقلية و مستوى الذكاء، فقد تبث بأن المغاربة هم أذكى شعوب العالم – على الأقل حسب برنامج قناة أبو ظبي "وزنك ذهب" – فقد طرح في آخر حلقة من هذا البرنامج على مشارك مصري سؤال الحسم التالي: من هو أذكى شعب في العالم؟ المغرب أم اليابان؟ فضحك المتباري المصري وقال له طبعا اليابان .. قال له مقدم البرنامج: "الجواب خطأ.. المغرب يا أخي.." فتعجبت من الإجابة ! كيف للمغرب الذي يعيش فيه قرابة 80 في المائة من الشعب تحت وطأة الفقر و أكثر من 60 في المائة تعيش أزمة الجهل أن يكون هو أذكى شعب في العالم ؟ ! لكن الواقع يؤكد ذلك، فمن خلال دراسة أجريت على فئات من البشر تبين بأن المغاربة نبغوا في تعلم اللغات و العلوم الرياضية و غير ذلك و أثبتوا تفوقا جليا على غيرهم بل و على اليابانيين أنفسهم، أمر محير فعلا ! نحن الأقوى جسمانيا و الأضخم جثة، و الأذكى بشهادة الخبراء، لكن في نفس الوقت نحتل مراتب متأخرة عالميا في كل الميادين و نعاني التخلف و الجهل و الأمية.. مفارقة عجيبة غريبة ! لكن طلاسمها فكت من خلال برنامج "خواطر" و عرفنا من خلاله وصفة اليابانيين السحرية.. اليابانيون شعب رائع، تطور و تقدم مع الاحتفاظ بعاداته و تقاليده، فقد عادوا من الصفر بعد مخلفات حرب عالمية مريرة لم تزدهم إلا إصرارا على المضي قدما في حرب جديدة، حرب ضد الجهل و الفقر و التخلف.. ذات الصفر الذي بقي ملتصقا بشعوبنا نحن حتى أصبح يتوج رؤوسهم بل تضاعف ليصبح هذا الصفر صفرين... يكمن سر تفوق اليابانيين في التزامهم بأخلاق ديننا الحنيف، نعم .. رغم عدم وعيهم بذلك، أخلاق الأمانة و الكرم وحب الخير للآخر والتواضع و التفاني في العمل وغير ذلك من الصفات الحميدة التي تعتبر من جوهر المعاملات في الإسلام و التي حث عليها سيد الخلق، لكن للأسف نحفظها عن ظهر قلب فتبقى حبيسة اللسان دون أن نعمل بها على أرض الواقع، فماذا تقول عن أناس يعتبرون التحية أمرا مقدسا، فمن المستحيل أن تمر بأحدهم دون أن يحييك تحية رائعة منحنيا و مبتسما.. بينما تجد في المقابل ببلداننا (الإسلامية) من لا يكلف نفسه حتى عناء النظر إليك إن أنت ألقيت عليه التحية.. هذا إن لم يجبك بوابل من الشتائم ! من الأمور التي أعجبتني كثيرا .. كيف أن اليابانيين يخصصون مدة خمسة عشر دقيقة لنظافة الفصول يوميا وبصفة رسمية، ليس اقتصادا في المستخدمين، و لكن لغرس روح التضامن و التواضع في أجيالها منذ الصغر، فأين نحن من ذلك؟ ! أطفال أبرياء فعلا .. لا أقارنهم أبدا بغالبية أطفالنا للأسف الشديد، فالفرق الوحيد أن أطفالنا متفوقون .. نعم متفوقون.. من خلال امتلاكهم لقاموس غني و متنوع من الكلمات النابية و الساقطة التي يشنفون بها أسماعنا في الشوارع و الأزقة منذ نعومة أظافرهم .. فأين نحن من أدب الحديث والكلم الطيب المنبثق من روح الإسلام ؟ البعض قد يعتبر هذه المقارنة ظالمة.. وغير عادلة.. مدعيا بأنه من غير المعقول مقارنة اليابان كقوة اقتصادية عظمى بشعوبنا المتخلفة أو السائرة على طريق النمو كما يحلو للبعض تسميتها.. لكن إذا أردنا السمو و الرقي بذواتنا فإنه من الأفضل و الأنجع التطلع لمن هم أحسن منا حالا ومحاولة إيجاد مكامن قوتهم و تفوقهم والأخذ بما يفيد و ترك ما لا فائدة منه، لا الأخذ بالقشور من قبيل تتبع آخر صرخات الموضة.. حتى أصبحنا لا نفرق بين متشرد تائه في دروب المدينة و شاب يظن نفسه يرتدي آخر صيحات الموضة.. نفس المواصفات: (شعر منكوش.. سروال مثقوب و ممزق.. قميص مهترئ ...). هذه دعوة لمشاهدة برنامج "خواطر" ، فكما يقال: "ليس من رأى كمن سمع"، و إلى ذلك الحين، يبقى الأمل معقودا على الجيل القادم لعله يتمكن من صناعة مكوك فضائي وقوده الحكمة و محركه الأخلاق النبيلة والقيم الثابتة ليحملنا جميعا إلى كوكب اليابان الذي يبعد عنا حاليا بملايين السنوات الضوئية.. لأننا فعلا و للأسف نعيش في كوكب آخر !