بداية أود أن أتقدم بجزيل الشكر إلى الأستاذ أحمد صابر الذي دفعني بعد أن قرأت مقاله لقراءة مقال الدكتور رضوان السيد لأقارن، والحق أني بعد ذلك وجدت مولاي صابر يرسل الأحكام جزافا ويطوح تطويحا، وبيان ذلك مما يلي: _ نعيه على الدكتور رضوان السيد أن يرى أن ما يسمى'' بالعقلانيين'' يتحاملون على الإسلام، ثم يتحسر مولاي أحمد على تولية الظهر لمشاريعهم العقلانية وعن مغبة ذلك، منها مشروع محمد أرجون. وأنا أتساءل مع الأستاذ صابر هل تعتبر مشروع أرجون _إن كان له مشروعا_ يمكن أن يشكل منارة للشباب لفهم الإسلام بشكل عقلاني متنور، أخذا بعين الاعتبار أن أرجون في جل كتاباته لا يألو جهدا في محاولة النيل من قداسة القران الكريم، واعتباره نصا تاريخيا ، والخلط الممنهج بين القران والتوراة والإنجيل، وعلماء الإسلام والإكليروس الكنسي ، وأن القران يغطي على تاريخانيته ببراعة، حتى وإن كان مشروعه قائما على التفكيك والتشكيك والسخرية والتهكم، واعتماده في المصادر والمراجع في الغالب الأعم على الكتاب والباحثين المستشرقين، وحتى وكتاباته تحفل بالمغالطات التاريخية والأخطاء المنهجية، والإسقاطات المتعسقة، وحتى ولو اعتبر القصص القراني أساطيرا. كيف يا أستاذ صابر يكون أرجون في مقدمة من ننطلق من فكرهم لفهم الإسلام وهو يقول في كتابه القران من التفسير الموروث إلى تحليل الخطاب الديني ص 8_9 '' إن معظم الطلبة الذين قرأوا كتبي يشكون من صعوبة فهم الجهاز المفهومي أو المصطلحي الذي أستخدمه ......في الواقع إن تلك الصعوبة لا تعود إلى إتباعي لأسلوب معقد أو إلى كثرة المصطلحات الغريبة المعنى والنادرة الاستخدام، وإنما تعود إلى انعدام الأرضية المفهومية والمعرفية الخاصة بالعلوم الإنسانية والاجتماعية في اللغة العربية أي لغة التلقي التي ينقل إليها فكر الحداثة'' ما معنى قوله'' المصحف الرسمي المغلق'' في نفس الكتاب كيف يكون قدوة من يعتبر كتاب جارودي ''وعود الإسلام'' والظاهرة القرانية مالك بن نبي ، والقران والانجيل والتوراة كتب سطحية في نفس الوقت يشيد بكتب المستشرقين مثل '' اللاهوت والمجتمع في القرون الثلاثة الأولى للهجرة'' لجوزيف فان إبسإن أرجون ومن على شاكلته ومن لف لفه يخاطبهم الفيلسوف طه عبد الرحمان في كتابه تجديد المنهج في تقويم التراث :'' لقد أنزل كثير من هؤلاء أنفسهم من التراث المنزلة التي لا يستحقون، فتكلموا فيه بما لا يعرفون وتطاولوا على البت فيما لا يفقهون، مع إيجابهم على الناس قبول كلامهم فيه وترك ما يؤثر من خلافه. والحق أن قلة اطلاعهم على معارفه وضعف استئناسهم بمقاصده، لا ينازع فيهما إلا من هو أقل علما وأضعف أنسا. ولا أدل على ذلك من أمرين: قلق عبارتهم ونقص علمهم، أما قلق عبارتهم، فينطق به ما أنشأوا من أقوال لا تستقيم على أصول التبليغ العربي السليم، فكيف يصح إذن لمن لا يجيد لغة التراث أن يدعي لنفسه القدرة على تقويمه فمن أين يقع على حقيقة مضامينه وعلى كنه الياته وأما نقص عملهم، فينبئ عنه اتباعهم الشاذ والغريب من الأقوال، فلا يطلب الشاذ إلا من يريد الزيغ عن الحق والمروق، ولا يطلب الغريب إلا من يريد المخالفة والظهور. ولا أشذ ولا أغرب مما ينقلون عن غير أهل هذا التراث، متوسلين به عند النظر في معارف التراث، ومحتكمين إليه في الحسم في قضاياه ومما أبوا إلا التعلق والاحتجاج به من دون سواه أقوال المستشرقين، لكن المستشرق وإن زانه علم منبثق من أصول تراثه، وتطلع إلى أن يستخدم هذا العلم في الكشف عن غير تراثه، فلا يجوز أن يطمئن أصحاب هذا التراث إلى أحكامه، حتى يقوم الدليل القاطع على حصول أسباب هذا الاطمئنان. يضيف الأستاذ صابر متسائلا هل نعود إلى كتب الأقدمين، ألا تر معي أستاذي أن بعض كتب الأقدمين فيها من الكنوز المطمورة ما لايوجد في ملاين الكتب المعاصرة الملونة والموشحة بالورق الصقيل، هناك كتب لو أزلت أسماء أصحابها لخيل إليك أنها كتب معاصرة مقدمة ابن خلدون نموذجا، الموافقات للشاطبي حي بن يقظان بن طفيل ابو حيان التوحيدي الجاحظ وغيرهم كثير. ويقول الأستاذ الكريم هل نعرض عن كل دعوى تنادي بصوت العقل والعقلانية، عن أي عقلانية يتحدث الأستاذ ،العقلانية الفرنسية أو الألمانية والأمريكية، عقلانية ماكس فيبر أو كانط أم عقلانية فلاسفة مدرسة فرانكفورت أم عقلانية برتراند راسل. يتحدث الأستاذ كما لو كانت العقلانية وصفة جاهزة، في حين من قرأ كتاب العلم في منظوره الجديد لمؤلفاه روبرت أغروس ، وجورج ستانيسيو، وسؤال الأخلاق طه، وسؤال العمل، والعمل الديني وتجديد العقل لطه عبد الرحمان، وقراءة عماد الدين خليل في كتاب حدود العلم لسوليفان '' يتعذر عليه المجازفة بالتسرع لإطلاق وصف العقلانية على أي دعوة مهما كانت. _ قراءة النص الديني قراءة معرفية تنسجم مع المحيط الحضاري والكوني. دعوى الكونية : في هذا النقطة أستاذ صابر تعلم أن الظاهرة الإنسانية تختلف اختلافا جذريا عن الظاهرة الطبيعية ومن ثم يصعب الحديث عن الكونية'' يراجع في هذا السياق كتاب الفلسفة المادية وتفكيك الإنسان عبد الوهاب المسيري فصل إشكالية الطبيعي والإنساني'' وكذلك موسوعة التحيز التي بين فيها مركزية الفكر الغربي وتحيزاته الفجة وعنصريته البغيضة، دون أن ننسى مؤلفه القيم فكر حركة الاستنارة وتناقضاته. أما الدكتور طه الرحمان فقد أجاد وأفاد وأطال النفس في بيان قومية الفكر الفلسفي وقطريته وبطلان إدعاء الكونية في كتابه الحق العربي في الاختلاف الفكري. _ أما عن قولك '' باستحضار كل اليات المعرفة الحديثة'' فإن صاحب كتاب تجديد المنهج في تقويم التراث له مقال في القضية حيث يقول"كما أنه غلب على نقاد التراث التوسل بأدوات البحث التي اصطنعها المحدثون من مفاهيم ومناهج ونظريات، معتقدين أنهم، بهذا التقليد، قد استوفوا شرائط النظر العلمي الصحيح، أولم يدروا أنه ليس كل ما نقل من المحدثين بأولى بالثقة مما نقل من المتقدمين، ولا كل ما نسب إلى العلم الحديث بأقرب إلى الصواب مما نسب إلى العلم المتقدم، ولا الطريق الذي اتخذه العلم الحديث يلغي غيره من الطرق التي بقيت في ضمير الكون أو درست اثارها لغلبة هذا العلم؟ وحتى لو قدرنا أن المناهج الحديثة لا يضاهيها غيرها، ولا يبطلها مرور يسير الزمن عليها، فهل ملك هؤلاء المقلدون ناصية تقنياتها وتفننوا في استعمالها، حتى جاز لهم أن ينقلوها إلى غير أصولها، فيخرجون التراث على مقتضاها ويفتون بإلغائه أو بحصره؟ الواقع أن التمكن من هذه المناهج لم يكن من نصيبهم ولا التفنن في استخدامها كان طوع أيديهم. ص 10. _ مشكلة التطرف والطائفية والإقصاء وعدم قبول الأخر ليست مشكلات دينية تراثية ، ألم تتحول المذاهب المادية الفكرية المعاصرة إلى أطر مغلقة لها طقوسها وأقانيمها وطابوهاتها وطوائفها، '' ينظر كتاب الطيب بوعزة نقد اللبرالية عندما ناقش قضية الموقر والمقدس'' _ لم لم يأكل الدهر ويشرب ويطرب على تراث الغرب الذي ظل إلى يومنا هذا يمجده ولازالت أساطير اليونان لها حضورها في النسق الفكري الغربي '' الإليادة والأوديسة'' مثلا'' ينظر كتاب حكمة الغرب'' برتراند راسل _ من قولك فليس هناك أي مبرر ............إلى وهذه مهمة كبار المفكرين العقلانيين في العالم الإسلامي. كلام عام ، ولكن أتساءل من خلال هذه الفقرة التساؤلات الآتية : هل من الفكر الإنساني ثقافة الانبطاح والخنوع وتمييع الثوابت والسقوط في قبضة الصيرورة. هل من الإنسانية إلغاء الاخر وإقصاؤه ومصادرة رأيه باسم الكونية. لطالما استعملت مثل هذه الشعارات للنيل من الإسلام لأن أصحابها أدركوا أن المواجهة تقتضي البعد التكتيكي والاستراتيجي، ذلك أن المواجهة المباشرة تجعل أصحابها في العراء وتكشف عن طواياهم والمضمر في داخل نحائزهم، إنما هي أدوار يتبادلونها ومواقع يتحركون فيها. لماذا يجب أن نتحرر فقط من الكسب المعرفي الذي حققه المتقدمون دون المتأخرين، لأنه في نهاية المطاف تقليد، يقول الدكتور طه في روح الحداثة وزاد من رسوخ طبع التقليد في نفوسهم أنهم لا يرون في تقليد المحدثين تقليدا، بل يرون فيه، على العكس من ذلك، تجديدا يفتح لهم باب الدخول في الحداثة، والواقع أن ضرر هذا التقليد لا يقل عن ضرر تقليد المتقدمين، لأنه تقليد لما ليس أصله ولا تاريخه عندهم، فلا يمتلكون أسباب التصرف فيه حسب ظروفهم ومتطلباتهم، فضلا عن أنهم قد يتوهمون وجوب العمل به على وجهه، حتى صاروا يروضون عليه نفوسهم ويربون عليه أجيالهم، كل ذلك يدل على فهم سقيم لماهية روح الحداثة، على انتشار هذا الفهم بين أظهرهم. أستاذ صابر إن الأمم التي ليس لها تراث تقمش هنا وهناك، وتجمع أخلاطا من هنا وهناك لرتق تراث هجين مصطنع ليكون مصدر فخرها وعزها، وبعض الأمم تتحدث عن الحق في الذاكرة, فكيف بتراثنا الذي اعترف الباحثون والنقاد والمنقبون بدوره في الحضارة الغربية والنهضة الأوربية. وإذا كان تراثنا يستحق منا الجحود والنكران وأن نقطع معه إبستمولوجيا، فلماذ ياترى كل هذه الأبحاث حوله من طرف خصومه تشويها وتأويلا وتنكيلا؟ *أستاذ باحث في الفكر الإسلامي