1- عندما نتحدث عن الشباب المغربي بشكل سلبي، فهذا لا يعني أبدا، أننا نحمّله المسؤولية في ما آلت إليه أحواله، مهما بلغت درجة هذه الأحوال من السوء والتردّي. فهؤلاء الشباب على كل حال "لم يقطر بهم السقف"، ولم ينزلوا فجأة من السماء أو ينبتوا من الأرض، بل تربّوا، وترعرعوا داخل أسر، لا يتحمل كثير من أولياء أمورها مع الأسف مسؤوليتهم تجاه أبنائهم وبناتهم كما يجب، لذلك من اللازم أن نقْطر كثيرا من الشمع المنصهر داخل آذان هؤلاء الذين لا يتقنون شيئا آخر غير "بلّز وصيفْت للزنقة"! 2- وأول نقطة يجب أن ننطلق منها، هي مسألة تنظيم الأسرة، التي ما زال الكثيرون يعتبرونها ترفا، والحال أنها شيء ضروري للغاية، خصوصا بالنسبة لمجتمع متخلف مثل مجتمعنا، من أجل الحد من هذا النموّ الديمغرافي المهول الذي سيشكل بلا شك كارثة حقيقية على المجتمع المغربي في المستقبل القريب والبعيد، سواء من الجانب الاقتصادي أو الاجتماعي. فإذا كنا نعلم أن البطالة متفشية عندنا بدرجات كبيرة، حيث ينتهي المطاف بخريجي الجامعات وحتى الدكاترة وذوي الشهادات العليا في رحاب البطالة، فسوف نكتشف بأن مزيدا من النمو الديمغرافي هو بمثابة قنبلة موقوتة على هذا المجتمع. فعندما تلتقي البطالة والفقر ب"قلة التربية" داخل الأسرة والمدرسة والشارع، وأضفنا إليها كل أنواع المخدرات المتاحة أمام الشباب، فكل هذا يساوي، وبدون أدنى مبالغة، جيلا كاملا من اللصوص وقطاع الطرق والمجرمين! 3- وقد بدأنا نلاحظ أولى بوادر هذه النتيجة الحتميّة منذ الآن، حيث صارت أخبار الانتحارات التي تزيّن بها الصحافة صفحاتها صباح كل يوم شيئا عاديا، وصارت الجرائم التي يذهب ضحيتها ثلاثة أشخاص فما فوق دفعة واحدة على يد قاتل واحد تتضاعف، حتى أن هناك من لا يذهب بعيدا للبحث عن ضحايا لجنونه، ويضحّي بأمه وأبيه وأشقائه، كما حصل مؤخرا في الجريمة المروعة التي وقعت بالدار البيضاء، أما حوادث السرقة واعتراض السبيل فلم يعد أحد يتحدث عنها، ما دامت تحدث كل دقيقة وثانية، بعد أن صار اللصوص وقطاع الطرق أسيادا في الشوارع وداخل الحافلات وفي كل مكان. إن هذه الجرائم التي صرنا نطبّع معها علاقتنا بشكل غريب، لا تدل سوى على أن أسوأ الأيام، كما قال الشاعر، لم نعشْها بعد! 4- أنا أتساءل عن الهدف من إنجاب خمسة أو أربعة أو حتى ثلاثة أبناء من طرف زوج بسيط ليست لديه الإمكانيات المادية الكافية لإعالة كل هذا الجيش من الأبناء؟ هناك من يقول بأن الرسول صلى الله عليه وسلم أمرنا بذلك، انطلاقا من الحديث الشريف: "تزوّجوا الولود الودود فإني مفاخر بكم الأمم يوم القيامة". لكن هذا الحديث نزل في زمن خاص، وظروف خاصة جدا، حيث كان المسلمون وقتذاك قلّة قليلة، وكانت الحروب والغزوات التي يستشهدون فيها لا تتوقف، لذلك كان من الطبيعي أن يدعو الرسول المسلمين إلى التكاثر والتناسل والتوالد، أما اليوم، وفي ظل الأوضاع الاجتماعية الكارثية التي نعيش فيها، رغم كثرتنا، ونمونا الديمغرافي الذي ما فتئ يتصاعد، فالمطلوب هو أن يخفّض الناس من عدد المواليد، خصوصا من كان حاله ضعيفا، فالعبرة ليست بالكثرة، ولكن ب"الجودة". فأن يكون لديك ولد أو بنت بأخلاق عالية، وتربية حسنة، أفضل بألف مرة من أن يكون لديك عشرة أبناء وبنات بأخلاق فاسدة. ورحم الله من قال: "كْمشة ديال النحل احسن مْن الشواري ديال الدبّان"! 5- وإذا كنا نرى كيف أن الدول المتقدمة، كاليابان على سبيل المثال، تنادي، وتطالب مواطنيها بالإنجاب بكثرة، وتخصّص لهم مقابل ذلك مكافآت مادية وعطلا للأمهات الموظفات، ورغم ذلك يتعفف الناس هناك عن الإنجاب، ويكتفون بطفل واحد أو طفلين، رغم مستواهم الاجتماعي الراقي، فإن ما يجب أن يشعر به هؤلاء الآباء والأمهات عندنا، الذين ينجبون بلا توقف كما تنجب الأرانب، هو العار. الكثيرون لا يتوفرون على عمل قار، ولا على بيت صالح للسكن، ومع ذلك لا يكفّون عن الإنجاب إلا بعد أن يصلوا إلى خمسة أو ستة أو سبعة أبناء. ماذا أعدّوا لهم؟ لاشيء. لا سكن في المستوى، ولا تربية في المستوى، ولا تعليم في المستوى، ولا أكلا جيدا. الشيء الوحيد الذي سيجده هؤلاء الأطفال الأبرياء في انتظارهم عندما يكبرون هو نفس العذاب الدنيوي والمعاناة التي عاش فيها آباؤهم وأمهاتهم. إن الإنجاب بكثرة ليس من ورائه أي منفعة، بل هو كارثة حقيقية بعينها. الغريب في الأمر هو أن "المزاليط" هم الذين ينجبون بكثرة، بينما من لهم مستوى اجتماعي راق يفعلون العكس، وللتأكد من هذا الكلام يكفي أن تزور حيّا راقيا حيث يقطن الأغنياء، وسترى أنه من النادر أن تصادف طفلا يلعب في الشراع، أو صراخ الأطفال داخل حدائق الفلل، بينما تجد في الأحياء الشعبية عشرات الأطفال الأبرياء يلعبون في الشارع إلى ساعات متأخرة من الليل، دون مراقبة أو اهتمام من ذويهم. إن الشيء الوحيد الذي يحتاج إليه كثير من الأزواج عندنا بمجرد أن ينجبوا الطفل الأول أو الثاني هو أن يتمّ إخصاؤهم حتى يكفوا عن الإنجاب بصفة نهائية! 6- أعرف جيدا أن التهمة التي تُلفّق إلى كل من يدعو إلى تنظيم الأسرة هي أنه يقف ضد إرادة الله تعالى، بمبرر أن الأرزاق بيد الله. وهذا خطأ. صحيح أن لا أحد يستطيع أن ينكر بأن الله هو الرّزاق، ولكن، لا بد أيضا من الإقرار بأن أهمّ وأعظم نعمة وهبها الله للإنسان هي نعمة العقل، وانطلاقا من هذا الأمر يجب أن ندرك بأن هناك فرقا بين الإنسان وسائر الدواب الأخرى. وإذا كان الله تعالى يضمن الرزق للجميع: "وما من دابّة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرّها ومستودعها.."، فالإنسان يجب أن يعيش عيشة كريمة، من ناحية السكن والملبس والمأكل ومن جميع النواحي، ومن حقه أن يتلقى تربية جيدة وتعليما راقيا ورعاية صحية كاملة. فكيف يا ترى لأب وأم يعيشان حياة متواضعة أن يوفرا كل هذه الشروط لأبنائهم إذا قرروا أن ينجبوا أكثر من واحد أو اثنين؟ من المؤكد أنهم سيعجزون، خصوصا وأن المعيشة صارت تتمنّع أكثر فأكثر. أفليس من الأفضل إذن، أن يتمّ تنظيم الأسر من أجل ضمان حياة كريمة للأبناء؟ بلى. ما ينقص فقط هو تغيير جذري في العقليات، ما دام أن موانع الحمل متوفرة بكثرة. وإذا كان للوالدين حقوق على الأبناء، فعليهم أن يدركوا أيضا، أن لهؤلاء الأبناء حقوقا عظيمة عليهم، ومن الواجب عليهم مراعاتها. وإذا أردنا أن نتحدث بشكل صريح، سنقول بأن كثيرا من الآباء والأمهات مع الأسف لا يستحقون أن يحملوا لقب أولياء الأمور، حيتْ فيهم شي وْحدين حْتى هوما ما صالحين لوّالو! 7- إن مئات الآلاف من الشبان والشابات وحتى الأطفال المضطهدين داخل المعامل والمصانع والضيعات الفلاحية حيث يشتغلون كالعبيد بأجور بخسة وبدون ضمان اجتماعي أو تأمين، ما كان حالهم ليصير على ما هو عليه لو لم يكن لدينا هذا النموّ الديمغرافي المهول، حيث يفوق العرض الطلب بخصوص اليد العاملة في سوق الشغل. صحيح أن الدولة بإمكانها أن توفّر الحقوق للجميع لو أرادت، وبما أننا نعيش في بلد غير ديمقراطي، يجدر بنا أن نسعى إلى حماية أنفسنا بأنفسنا. الكارثة أن هؤلاء الشباب الذين يعيشون في هذا الوضع الكارثي، عندما يتزوّجون ينجبون بدورهم كالأرانب، ويكررون ارتكاب نفس الأخطاء التي ارتكبها في حقهم آباؤهم في حق أبنائهم. مشكلتنا الكبرى هي أننا نهمل أعظم نعمة وهبها الله للإنسان، وهي نعمة العقل، ونتصرف وكأننا نحمل في دواخل رؤوسنا كتلا من الطين وليس أمخاخا صالحة للتفكير. إذا كانت الدولة قد تخلّت عن كل مسؤوليتها تجاهنا، فيجب علينا ألا نسير كقطيع من الدوابّ. إذا كانت المدرسة لا تربّي، فبإمكان الأسرة أن تقوم بهذه المهمة، وإذا كانت الدولة لا تحمي حقوق الأطفال، فبإمكان الأسر أن تحمي أطفالها من الاستغلال.. و..و... المعيشة أيها السادة لا تكمن فقط في الأكل والشرب والنوم، الإنسان يجب أن يعيش عيشة كريمة. حيتْ يْلا بقات غير فالماكلة والشريب والنعاس، الحلّوف نّيت عْلى هادْ القبال راه عايْش! [email protected]