بحلول 3 مارس 2010 يكون قد مر سبعة وثلاثون سنة عن أحداث خنيفرة مولاي بوعزة ، مع ما أعقب تلك الأحداث من نتائج كانت سلبية على مجمل العمل السياسي بالمغرب . وللإشارة فان الهدف من هذه الدراسة ليس أعضاء الكومندو أو عددهم الذي لم يكن بالحجم الثقيل لما تم التخطيط له ، لان هذا معروف وتم استهلاكه سواء أثناء جبر الضرر ، أو عند تحضير لوائح المعتقلين التي كانت تنشر بالخارج ، أو الأسماء التي قدمت إلى المحاكمة وصدرت بحقها أحكام وصلت إلى الإعدام الذي نفد في بعضهم وعلى رأسهم عمر دهكون الذي لم يعد احد يتذكره من رفاق الدرب . إن ما هو أهم من هذا هو دراسة المحتوى الإيديولوجي للمشروع الذي جاء قافزا على الواقع، نحو رؤى غارقة في الأحلام التي تبخرت منذ اليوم الأول لتحرك المجموعة. أي طبيعة الدولة التي كانت المجموعة الصغيرة تعمل لإحلالها محل الملكية، وهي الدولة البرجوازية الصغيرة التي ظلت حلما طالما راود العديد من الجماعات التي لم تستطع تجاوزه بفعل غربتها عن المجتمع التي تدعي الدفاع عنه. وللإشارة فان هذا النموذج من ( الثورة) و( الدولة) كان متأثرا بالنماذج الجاهزة في المشرق العربي ( البعث + الناصرية ) وبتجربة نظام برجوازية الدولة في الجزائر بلد ( ثورة المليون فار وبوم ) خاصة تجربة ( احمد بن بلة والهواري بومدين ) . إن هذه النماذج لم تعط للوطن العربي غير المشاكل حيث كانت سببا في ضياع الأراضي العربية التي تحتلها إسرائيل اليوم ، وكانت سببا في دخول جحافل المار ينز إلى الخليج العربي الفارسي بعد الحرب العبثية بين نظام البعث وإيران بدافع وتشجيع من الغرب ودول الخليج ، وبسبب الغزو العراقي للكويت الذي تسبب في كارثة لا تزال الأمة العربية تعاني ويلاتها إلى الآن . وهنا لا ننسى انه في خضم الحرب العراقية البعثية ضد إيران ، وانشغال الجميع بها ، وجدت إسرائيل الفرصة سانحة للانقضاض على لبنان في سنة 1982 ومحاصرة بيروت أمام أنظار العرب الذين ظلوا وسيظلون عاجزين عن مواجهة التحدي الذي تفرضه إسرائيل بالمنطقة ، كما لعبت تلك النماذج من الحكم دورا في قمع الحريات وممارسة التصفيات وفتح السجون بدعوى الدفاع عن قضية فلسطين البريئة منهم ومن أفعالهم . وقبل الغوص في الموضوع لا بد من إثارة بعض الملاحظات الدالة التي أحاطت بالحدث، وجعلت التفسيرات تختلف بشأنه. -1إن حركة 3 مارس تعرضت لقمع شديد أجهضها في المهد، وهذا ليس بفعل المشروع الذي لم تروج له بين الشعب، بل بسبب أن الدولة اعتبرتها امتدادا للانقلاب العسكري الذي دبره الجنرال محمد أفقير ضد الطائرة الملكية في غشت 1972. ومما ينبغي التأكيد عليه أن الجناح البلانكي المسلح في حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية ، وعلى رأسه الفقيه محمد البصري شارك أفقير في انقلاب الطائرة . وهذا يظهر من خلال أحكام المحكمة التي أدانت ايت قدور ، كما يظهر من خلال رسالة الاعتراف التي نشرها الأستاذ عمر الشغروشني باسم الفقيه البصري في جريدة (le journal) وهو ما أثار إحراجا للأستاذ عبد الرحمان اليوسفي وللقيادة الاتحادية المشاركة في الحكومة ، كما أثار ضجة سياسية وصلت الى حد منع الجريدة من الصدور إلى جانب جرائد أخرى نشرت الرسالة . يلاحظ ان العلاقة بين البصري وبين أفقير ترجع إلى ما قبل أحداث 16 يوليوز 1963 عندما تم كشف خلايا ثورية من منظمتين مسلحتين في سنة 1963 ( واحدة يرأسها الفقيه محمد البصري )( والثانية تابعة لشيخ العرب المسمى احمد اجوليز ) حيث كان المهدي بن بركة ينسق بينهما ويقدم لهما التغطية السياسية . بعد اعتقال المجموعتين وبعد الأحكام التي وصلت بالنسبة للفقيه وآخرين الى الإعدام ، وبالنسبة لليوسفي وآخرين سنتين سجن موقوفة التنفيذ ، أطلق سراح البصري بأمر من أفقير الذي مده بجواز سفر مغربي ، فغادر سنة 1964الى باريس التي كان يستقبله بمطارها ( انطوان لوبيز ) الذي مكنه من شقة بشارع ( champs Elysée) وليعلن في 29 أكتوبر 1965 عن اختطاف المهدي بن بركة . وهو ما يفسر ان الصراع كان على أشده بين الفقيه البصري، شيخ العرب ، المهدي بن بركة وبين أفقير لمن يحض بشرف السبق للسيطرة على الحكم ، فكان ان ذهب المهدي ضحية هذا الصراع ، حيث كان الكل يطالب برأس الملك . -2يلاحظ ان حركة 3 مارس اعتمدت على التضخيم الإعلامي من خلال صوت التحرير بليبيا ، ومن خلال الأبعاد السياسية التي أعطيت لها ، والتي كانت تتجاوز طاقتها وإمكانياتها بكثير . وهنا فان الفكرة تم التخطيط لها قبل انقلاب الطائرة ، وعندما فشل الانقلاب تسرع البصري الخطوات للدفع بالتنظيم الى خطوات لم تكن محسوبة النتائج ، حيث تم تضخيم الذات ، خاصة سيطرة الغرور على الحركيين عندما اعتقدوا ان أجواء الثورة تخيم على المغرب، وان الشعب سيهب للانخراط في العمل المسلح بمجرد سماع صوت التخرير من ليبيا ، او سيهب لنجدتهم اذا تعطل العمل بسبب خطا تنظيمي . لكن الذي حصل ان هذه التصورات ظلت في واد والشعب في آخر ، حيث لم يعرهم أدنى اهتمام خاصة عندما تكالبت على المعتقلين الصعاب والشدائد . ان المشروع كان فوقيا مغامراتيا ، وكانت النتيجة المزيد من التصدع الذي أفضى بعقد المؤتمر الاستثنائي في سنة 1975 الذي قطع مع الخط البلانكي ، وقطع مع الخط الراديكالي للاتحاد منذ خروجه عن حزب الاستقلال في سنة 1959 . -3بعد الفشل ، دب الخلاف بين الحركيين في الخارج الذين ظل الكثير منهم وفيا للتنظيم ، حيث سيعلنون قطع العلاقات التنظيمية مع الاتحاد الاشتراكي ، وسيؤسسون حركة الاختيار الثوري التي ظلت إطار حركيا يوحد الرؤى ويعمل لتجاوز الإخفاق . ان هذا الخروج الذي كان إدانة لمقررات المؤتمر الاستثنائي ، سيتطور باتجاه عكسي لما بدا الفقيه البصري يتنصل من التزاماته الحركية من خلال اللعب على التناقضات بين الأنظمة العربية وأجهزة مخابراتها، ومن خلال تعامله مع جميع الكيانات السياسية رغم تناقضاتها السياسية والإيديولوجية ( الإخوان ، إيران ، البعث ، ليبيا والجزائر .. ) وهو ما حدا بالتنظيم ( مناضلي 3 مارس ) والاختيار الثوري الى إصدار قرار يقضي بطرد الفقيه من التنظيم . يلاحظ انه بعض القرار هذا التف البصري على التنظيم وعلى الحركيين عندما أعلن ان سبب خروجه من التنظيم ( ينكر ويتجاهل قرار الطرد ) سببه اختلافه مع الرفاق بخصوص مستقبل حركة الاختيار الثوري . ان الإخوان يريدون ان تكون الحركة تنظيما ، في حين ان البصري يريدها فقط إطارا للتفكير. -4 يلاحظ ان الخلافات بين البصري والحركيين لم تقف عند هذا الحد ، بل وصلت درجة من الخطورة وقلة المروءة لما تنكر البصري للتنظيم ، وتنصل من المسؤولية الكاملة عما حدث ، حيث قال انه في الوقت الذي حصلت فيه الأحداث كان هو يوجد في المشرق العربي ، وان لا علاقة له بما حصل . ثم زاد قائلا " ان الرفاق بعد ان ضاقت بهم الأرض في الجزائر بسبب ضغط المخابرات الجزائرية ، قرروا الدخول طواعية الى المغرب والموت فيه عوض الانتظار ( لاحظوا لم يقل يستشهدوا فيه) . وهنا فان درجة الخطورة حين يتهكم على الأموات ومن بقي من الحركيين على قيد الحياة ، فيصفهم بالمختلين الذين لا يميزون ولا يستشرفون الخطر ، فقرروا بمحض إرادتهم مثل قطعان الماشية المجيء طواعية الى المجزرة للذبح. -5تسببت أحداث 3مارس في انعكاسات سلبية على الوضع التنظيمي لحزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية ، حيث سيتم منع فرع الرباط الذي كان من ابرز قادته عمر بن جلون وعبد الرحيم بوعبيد رحمهما الله والأستاذ عبد الرحمان اليوسفي ، حيث كان هذا التيار ميالا الى التغيير ، لكن بواسطة القوى الشعبية المغيب الرئيسي في مشاريع تلك التيارات . وفرع الدارالبيضاء بقيادة الأستاذ عبد الله إبراهيم رحمه الله ، وكان يمثل الجناح النقابي الذي كان ضد دمج العمل النقابي بالعمل السياسي ، الأمر الذي كان يرفضه الجناح التقدمي الذي كان يراهن على تسييس العمل النقابي كرافد أساسي في التغيير . وبينما تم حل جناح الرباط بعد الأحداث مباشرة ، ظل جناح الدارالبيضاء يشتغل طبقا لقانون الحريات العامة . وبينما كانت أكثرية الاتحاديين بجانب فرع الرباط ، ظل فرع الدارالبيضاء متقوقعا في إطار الاتحاد المغربي للشغل . وبالفعل أدت هذه الأحداث الى تغيير اسم الحزب ( فرع الرباط) من الاتحاد الوطني للقوات الشعبية الى الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية في سنة 1974 ، وفك الارتباط مع الاتحاد المغربي للشغل لما تم تأسيس الكن فدرالية الديمقراطية للشغل في سنة 1978 . -6تعتبر أحداث 3 مارس 73 ، وأحداث 16يوليوز63 وانقلاب الطائرة في سنة1972 قمة المواجهة بين الحزب وبين القصر ، حيث كان الحزب الى جانب اليسار الماركسي السبعيني يطرح مسالة الحكم من مفهوم ثوري وليس إصلاحي . أي عبر العنف وليس عبر صناديق الاقتراع . في هذا الصدد يقول المهدي بن بركة رحمه الله " ان الاتحاد الوطني للقوات الشعبية لم يشارك في الانتخابات بهدف تكريس مصداقيتها ، ولكن مشاركته كانت بهدف تعرية زيفها وإقبارها في المهد .." تم قال " ان نوابنا لن يذهبوا لركوب السيارات الفخمة ولكن عملهم سينحصر في فضح الحكم المتعفن والمساهمة في القضاء عليه .." تم قال " ان أهم أهدافنا لن يتحقق عن طريق البرلمان ان كان هناك برلمان ، بل سيتم بحول الله خارج البرلمان ، وبفعل العمل المنظم الذي تقوم به الطبقة الكادحة والفلاحون والشباب والمثقفون .. " " وبذلك اختارت منظمتنا ان تخوض معركة جديدة داخل صفوف القوات الرجعية نفسها . وان قرارنا هذا لا يمكنه ان يترك مجالا ما دام الحزب هو المنظمة الثورية التي تواجه النظام الإقطاعي الفردي ، وما دام ان احد أهدافنا هو محو الإقطاع لكي تخلفه مؤسسات شعبية ..." . -7رغم مرور أكثر من سبعة وثلاثين سنة خلت عن تلك الأحداث ، فباستثناء ما نشرته يومية ( أخبار اليوم ) خلال المقابلة مع إبراهيم اوشلح ، فان لا احد من رفاق الدرب تذكر الأحداث او أشار إليها . ويستوي هنا حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي الذي انتسب اليه فريق مهم من حركة الاختيار الثوري التي ضمت أغلبية الفاعلين والمتضامنين مع حركة 3 مارس ، او من خلال العلاقات التي كانت تجمع ( يسار الاتحاد الاشتراكي معارضي المكتب السياسي الذي كان يتجسد في مجموعة اللجنة الإدارية او فصيلهم رفاق الشهداء ) او من جانب المكتب السياسي للاتحاد الذي رغم انه تنكر لتلك الأحداث وأدانها ، فان محاميه وعلى رأسهم كرامويل ( عبد الرحيم بوعبيد ) رحمه الله كانوا يتطوعون للدفاع عنهم أثناء المحاكمة . وللإشارة ان ما نشره إبراهيم اوشلح مؤخرا( فلان ، علان ، مسدس ، قواعد للتنظيم ، أسماء حركية ، رشاش .. ) ليس بالشيء الجديد ، فهو معروف عند الدرك ، الجيش ، الداخلية والنيابة العامة . عندما اندلعت أحداث 3 مارس 1973 كان حينها محركها الفقيه محمد البصري لا يزال ينتمي الى حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية . ونفس الشيء عندما وقع انقلاب الطائرة في 16 غشت 1972 ، ولم ينفصل البصري عن الحزب تنظيميا إلا بعد المؤتمر الاستثنائي في 11 يناير سنة 1975، حيث سيتهم الفقيه قيادة الحزب التي قرأت رسالة بعثها الى المؤتمر الأستاذ عبدا لرحمان اليوسفي ،ورفضت قراءة رسالته التي بعث بها من باريس ، بالانقلاب على خط الحزب ، ماضيه ومناضليه وتنكرا لأرواح من ضحوا من اجل مبادئ الثورة ، وتنكرا لمن يؤدي ضريبة السجن التي تسببت فيها تلك الأحداث . هكذا سيؤسس تنظيما مستقلا في الخارج عرف بحركة الاختيار الثوري . لقد عرت حركة 3مارس في حينها عن الوجه الحقيقي لدعاة الملكية الشكلية الذين كانوا يقدمون التغطية السياسية لدعاة الخط البلانكي الانقلابي ، أصحاب نظرية البؤرة الثورية . وكيف ما كانت التقييمات والتحليلات السياسية التي أجراها العديد من الفرقاء والمهتمين لتلك الأحداث ، فان الحركة جاءت في مضمونها متجاوزة للسياسات الإستراتيجية والقناعات الفلسفية والإيديولوجية التي كانت تعتقد بها جزء من الطبقة السياسية المغربية والتي تحدده كما يلي : ا – الخلاف هو حول مفهوم الملكية ( مستبدة ) ام ( شكلية ) يبقى فيها للملك فقد الدور الشكلي ، وتسند جميع سلطاته الدستورية الى الوزير الأول الذي سيصبح الرئيس الفعلي للجهاز التنفيذي ، وهو ما يعني في فكر أصحابه تحويل المغرب مؤقتا من ملكية تقليدية تؤسس سلطتها على الدين الى ملكية ( حداثية ) تنتفي فيها مرجعية الحكم التي أساسها إمارة أمير المؤمنين ، وهو ما يعني كذلك في فكر أصحابه التحضير للتغيير الجدري الذي يبدأ بتقسيم الحكم ، وينتهي بالاستيلاء عليه . ان التعبير الدال عن هذه الأطروحة تتلخص في مرحلة أولى في إضعاف الملكية لصالح الأحزاب ، وإضعاف الملك لصالح الوزير الأول . في انتظار ما سيأتي من تقلبات عبرت عنها حركة 3 مارس ، كما عبر عنها انقلاب الصخيرات وانقلاب الطائرة . لقد كانت هذه الأطروحة هي قناعة الجناح السياسي التقدمي الذي قاده في مرحلة معينة كل من الأستاذ عبدا لرحيم بوعبيد رحمه الله والأستاذ عبدا لرحمان اليوسفي، ومنظر الطبقة العاملة المغربية مهندس التقريري الإيديولوجي في المؤتمر الاستثنائي عمر بن جلون رحمه الله ، رغم انه كشعار كان متجاوزا من طرف القواعد والتيارات التي ظلت مرتبطة بحركة المقاومة وبجيش التحرير في الجنوب . لقد تسببت هذه الازدواجية في العمل السياسي الى بلورة قناعات سياسية جديدة ، أدت الى انسحابات من الحزب والى تشقق في بناءه التنظيمي ، حيث أضعفت الحزب وعطلت من قدرته على تحقيق برامجه الراديكالية . ب – العنف سيؤدي الى التدخل الأجنبي ، والحل هو المائدة المستديرة بين القوى التقدمية الوطنية . وكانت هذه هي أطروحة الأستاذ على يعته رحمه الله بسبب ضعف الحزب الذي يرأسه بالمقارنة مع حزب الاتحاد الوطني / الاشتراكي للقوات الشعبية . ج – ضرورة التعبئة الجماهيرية والتنظيم المحكم و الخطة المرحلية . و كانت هذه أطروحة الأستاذ عبدا لله إبراهيم رحمه الله ، حتى يلجم اندفاع حماس العناصر التي كانت ترفع شعارات إستراتيجية لحرق المراحل والانقلاب من فوق . ورغم الحسم مع فرع الدارالبيضاء لحزب الاتحاد الوطني في سنة 1972، وخاصة بعد أحداث 3مارس ،فان الحزب ( الاتحاد الوطني) ظل أكثر التصقا بالعمل في نقابة الاتحاد المغربي للشغل ، أكثر منه في العمل السياسي الذي احتكره جناح الرباط الذي سيعرف في سنة 1974 بالاتحاد ( الاشتراكي للقوات الشعبية). ومن خلال البحث في جذور حركة 3 مارس والخط العام الذي سارت عليه ، يتبين ان ظهور الحركة داخل حزب الاتحاد لا يعتبر في حد ذاته قفزة نوعية في تطور الحركة الاتحادية الراديكالية ، لكنه كان امتدادا لمؤامرة 16 يوليوز 1963 ، وكان كذلك امتداد للانقلاب العسكري للجنرال محمد أفقير في 16 غشت 1972. لقد كانت الحركة بذلك استرسالا لنفس الممارسات منذ الانشقاق عن حزب الاستقلال في سنة 1959 مع ما رافق ذلك من تصريحات من قبل قيادة الحزب التاريخية وعلى رأسهم المهدي بن بركة والفقيه محمد البصري ، حيث كانت كاشفة للتناقضات السياسية والمذهبية التي سادت الاتحاد منذ بداية النصف الأول من الستينات والتي من أهم وابرز تجلياتها، المحاولات المتكررة لإسقاط النظام بالعنف ( المنظمة المسلحة لشيخ العرب ومومن الديوري ) ( ومنظمة الفقيه محمد البصري ) ،ومن جهة أخرى ترك العمل الجماهيري ظاهريا في حدوده الإصلاحية ( الملكية الشكلية للمهدي بن بركة ودون حرق المراحل التي تستوجبها الثورة ) . لقد أعلنت حركة 3 مارس عن نفسها كجبهة وطنية ثورية لما قدمت برنامجا أدنى يلبي بعض القضايا الاستراتيجي مثل إقامة جمهورية برجوازية برلمانية انتخابية ( التأثر بنماذج الدولة البرجوازية في الشرق العربي ، البعث + الناصرية ) وبالنموذج الجزائري الذي أقامته جبهة التحرير الوطنية الجزائرية ( بن بلة + الهواري بومدين ) ، واعتمدت في ذلك على عفوية الكفاح المسلح الفوقي ( التآمر ) للسيطرة على الحكم ، ولم تعتمد على الحزب الطليعي الثوري الذي يعتمد الجماهير من عمال وفلاحين وطلبة في العملية التغييرية . وللإشارة فان خط حركة 3 مارس من الناحية الإيديولوجية وليس التنظيمية استمر داخل الاتحاد الاشتراكي بعد المؤتمر الوطني الثالث من خلال إفرازات 8 ماي 1983 ( اللجنة الإدارية الوطنية ) من خلال الخطابات التي كانت تروج لها في الجامعة لائحة رفاق الشهداء او رفاق المهدي وعمر . لكن الذي يلاحظ من الناحية الفنية ان برنامج 8 ماي لم يكن قادرا على تحمل أعباء مشروع حركة 3 مارس ، وإنها لم تكن تستطع الانتقال الى أساليب عمل هجومية بسبب القمع الذي لحقها من طرف جماعة المكتب السياسي التي تحالفت مع إدريس البصري في قمعها ، فكانت النتيجة دخول أصحاب 8 ماي السجن وعلى رأسهم الأستاذ عبدا لرحمان بنعمرو والأستاذ احمد بنجلون ، في حين دخلت مجموعة المكتب السياسي للحزب إلى البرلمان والحكومة وليس إلى الحكم . لقد قامت حركة 3 مارس بتقييم مغلوط للوضع السياسي بالمغرب ، فتوصلت إلى أن الظرف السياسي قد اكتملت فيه شروط الأزمة العامة لإعلان الثورة المسلحة ، وان الجماهير المغيب الرئيسي في برامج الحركة وبرامج الأحزاب ، ستهب للثورة بمجرد سماعها طلقة الرصاصة الأولى ، وهو ما لم يحصل حيث ظلت الأحداث في واد والجماهير في آخر ، ولم تعلم بما حصل إلا عن طريق الإذاعة والتلفزة، وبعد اعتقال جميع أعضاء الكوماندو . ومن أهم ما جاء في تقييم الحركة للوضع السياسي بالمملكة: 1-إن النظام الملكي في المغرب أصبح غير قادر على الاستمرار في الوجود بفعل التناقضات الداخلية والخارجية . فداخليا نمت التناقضات داخل مؤسسات النظام( الجيش ) و أسفرت عن انقلابين عسكريين بينما الوضع الاقتصادي ينمو في اتجاه الأزمة العامة ويزداد معه تعفن جهاز الدولة وتضارب المصالح بين الفئات السائدة المساندة للنظام ، وبالتالي سقوط هيبة الدولة والنظام في أعين الجماهير وتبلور وعيها بإمكانية إسقاط الحكم الملكي وإقامة آخر جمهوري محله . أما خارجيا فقد تنامت التناقضات بين حلفاء النظام فرنسا وأمريكا ، وفقدان ثقة المستثمرين الأجانب وزيادة حجم الديون والارتهان للابناك وللمؤسسات المالية الأجنبية ، وهو الوضع الذي ينبئ بإمكانية المراهنة على الحصول على تزكية دولية للتغيير الجدري بإحلال نظام جمهوري برجوازي قوي مكان نظام ملكي ضعيف وهش وقابل للسقوط في كل وقت وحين . 2-اتساع نطاق الحركة الجماهيرية والمطلبية ، واستعداد الجماهير للدخول في أي عملية ثورية ضد الحكم . 3-تردد القوى الإصلاحية التقليدية ( المرجئة الجدد ) واقتصارها على مطالبها الدستورية والمؤسساتية من اجل التحالف ظرفيا مع الحكم ، وذلك لتجنب المصير المجهول الذي ينتظرها في حالة نجاح الجيش في السيطرة على الحكم ،ثم عجز هذه الأحزاب البرجوازية الصغيرة في تنظيم الجماهير وترويضها للدفع بها نحو الثورة . يلاحظ ان هذا التقييم المغلوط للوضع لا يختلف عن التقييم المغلوط الذي قامت به الحركة الماركسية اللينينية المغربية حين اعتبرت أن النظام في المغرب مشدود بخيط عنكبوت ، وان مصدر الخطر هو في كيفية التحضير والاستعداد لمواجهة التدخل الأجنبي خاصة الفرنسي لانقاد النظام . لكن تبين من بعد ، ان الذي كان مشدودا بخيط عنكبوت هو البرنامج البرجوازي الصغير لحركة 3 مارس ، والبرنامج الماركسي للمنظمات الماركسية المغربية . أما الدولة فكانت تمسك بزمام المبادرة ، وبلغت من القوة درجة جعلتها تحدد مربع تحرك الخصم الذي أذعن لرغباتها عند طرح قضية استرجاع الصحراء المغربية ، حيث لم يعد النظام هو العدو الرئيسي ، بل أصبح العدو يتمثل في أعداء الوحدة الترابية للمملكة ، أي خارجيا الأمر الذي كون وحدة وطنية وراء النظام اجتمعت فيه جميع الحركات والمنظمات المعارضة ، أي بما فيها حركة الفقيه البصري . إن هذا التقييم المغلوط للوضع السياسي الذي قامت به حركة 3مارس او ما يسمى بالجناح المسلح البلانكي في الحزب ، والطريقة المبسطة التي ناهجتها في تشخيص أسباب الأزمة العامة ، هو الذي دفع بها الى طرح بدائل الكفاح المسلح والبؤرة الثورية لإقامة جمهورية انتخابية برجوازية وبرلمانية تسود فيها البرجوازية الوطنية والبرجوازية المافوق متوسطة والصغيرة وتحتكر لوحدها الحكم ، ومن ثم قمع باقي الطبقات التي يتكون منها المجتمع المغربي وعلى رأسها الطبقة العاملة والفلاحين المغربية وباقي الطبقات التي تكون لها برامج متناقضة مع برنامج الحركة . واختصارا ان الطبيعة التكوينية لحركة 3 مارس تبين أنها انبثقت عن التناقضات الأساسية لحزب الاتحاد الوطني / الاشتراكي للقوات الشعبية التي عجزت في التوفيق بين خطين أساسيين متعارضين احدهما يتبنى ظرفيا وتكتيكيا الخط العمل الإصلاحي ، والآخر متعجل انقلابي جمهوري يريد السيطرة على الحكم بكل السبل والطرق . اذا كان التغيير يبدأ بفكرة جنينية تكون من وحي احد حكماء التنظيم ، ثم يعرضها للنقاش على الأشخاص الذين يكون لهم استعداد لتقبلها والعمل على ضوئها ، ثم بعد ذلك تسريبها وسط القطاعات والمنتديات التي تكون لها رغبة في التغيير وتبديل الوضع بآخر ، حتى عندما يحصل تعريض القاعدة آ نذاك يمكن الشروع في الثورة ، فان جميع البرامج والمشاريع العامة التي عرفها المغرب كانت مستوردة من الخارج ، أي كانت فوقية . لقد تأثرت حركة 3مارس بالحركة البعثية وبالناصرية وبتجربة الحزب الوحيد في الجزائر ، كما تأثرت الحركة الماركسية اللينينية المغربية باليسار الجدري في اوربة خاصة 8 ماي 1968 ، وتأثرت حركة الإسلام السياسي في سبعينات القرن الماضي بالثورة الإسلامية في إيران . ولم تكن المشاريع منبثقة من دراسة معمقة للوضع الداخلي ، فكان ان فشلت جميع تلك المشاريع ، وكان ان كانت الغلبة والنصر للقصر والنظام الملكي . أي انتصار المشروعية على المغامرات المختلفة التي عرفها الصراع على الحكم. لقد رجع الفقيه محمد البصري الى المغرب أيام الحسن الثاني رحمه الله ، وحظي باستقبال جلالة الملك محمد السادس ،بعد ان تحول من الثورية الى نقيضها ، حيث أصبح يعتبر إن مشكلة المغرب ليست سياسية تتمثل في الكتلة التاريخية الثورية او الجبهة الوطنية التقدمية ، ولكنها في الحقيقة مشكلة وطنية تهم جميع المغاربة ملكا وشعبا . وبخلاف السيد إبراهيم اوشلح الذي يعتبر المخرج في كرامويل الانجليزي ( الملكية الشكلية ) ، فان الفقيه محمد البصري اعتبر الحل في بسمارك الألماني . ان وضع المغرب الذي يتميز بخصوصية يمليها تاريخ تشكل الدولة ، و يمليها الحق في الاختلاف ، وباعتبار ان الاختلاف رحمة ، يبقى مصيره السياسي والإيديولوجي في نجاح نموذج بيسمارك القوي وليس كرامويل الضعيف، أي الملك القوي والملكية القوية ووحدة الأمة والدولة .ومن خلال الرجوع إلى مختلف الثورات التي عرفها المغرب يتبين ان القبائل المغربية لم يسبق ان ثارت ضد الوحدة الترابية للمملكة ، او ضد الدولة العلوية ، بل كانت تثور ضد الملك الضعيف وضد المخزن الضعيف .