1) النسب النبوي وخصوصية الحضور الغيبي فيما يتعلق بالأساس الروحي للنبي صلى الله عليه وسلم فقد توجد هناك دلائل ونصوص تؤكد خصوصيته كنبي في عالم الغيب قبل عالم الشهادة،وذلك من خلال قوله صلى الله علي وسلم كما يروى :"كنت نبيا وآدم منجدل في طينته"أو "كنت نبيا وآدم بين الروح والجسد ". فهذه الأحاديث -إن صحت - قد تشير إلى حقيقة النبوة وشمولية نبوة ورسالة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم لجميع النبوات والرسالات من لدن آدم عليه السلام حتى بعثته،وهو ما قد اصطلح عليه عند الصوفية وغيرهم بالحقيقة المحمدية ، سبق وأن تناولناها بدقة علمية وعمق عقدي في كتابنا المتواضع :"التجديد في دراسة علم التوحيد". بيد أن الذي قد يهمنا هنا بالدرجة الأولى هو ارتباط هذه الحقيقة بالزمن الكوني ووعي الكائنات بحضوره وشعورها بخصوصية عصرها من خلال وجوده صلى الله عليه وسلم..يقول الله تعالى :"الله أعلم حيث جعل رسالاته". وفي صحيح البخاري لما سأل هرقل ملك الروم لأبي سفيان تلك الأسئلة عن صفاته عليه الصلاة والسلام،قال:كيف نسبه فيكم؟قال:هو فينا ذو نسب،قال:كذلك الرسل تبعث في أنساب قومها،يعني في أكرمها أحسابا وأكثرها قبيلة،صلوات الله عليهم أجمعين. فهو سيد ولد آدم وفخرهم في الدنيا والآخرة،أبو القاسم وأبو إبراهيم ،محمد وأحمد والماحي الذي يمحي به الكفر والعاقب الذي ما بعده نبي والحاشر الذي يحشر الناس على قدميه والمقفي و نبي الرحمة ونبي التوبة ونبي الملحمة وخاتم النبيين والفاتح وطه ويس وعبد الله. قال البيهقي:وزاد بعض العلماء فقال:سماه الله في القرآن رسولا،نبيا أميا شاهدا مبشرا نذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا ورءوفا رحيما ومذكرا،وجعله رحمة ونعمة وهاديا" . ولقد عبر النبي صل الله ليه وسلم عن مكانته في سلم الوجود بقوله:"أنا سيد ولد آدم يوم القامة ولا فخر". ومعلوم أن السيادة يوم القيامة قد تكون انعكاسا لما كان عليه الحال في الدنيا في باب الحق ...فإذا كان سيدا في الآخرة فهو سيد في الدنيا - و العكس صحيح - كما في قوله تعالى:"من كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا". كما أن في الحديث دلالة عقدية ينبغي أن يتفطن لهانوذلك بالتزام مقام العبودية والتي من أهم مظاهرها مبدأ :المولودية،ولهذا فقد عبر النبي صلى عليه وسلم بأنه:"سيد ولد آدم"وذلك للتذكير بأنه مهما ارتقى في مقامه فسيبقى عبدا مخلوقا ومولودا،أي أنه ليس بقديم ولا أزلي ولا يتقمص صورة من صور الألوهية التي من أخص صفاتها ما جمعته سورة الإخلاص في قول الله تعالى:"قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفؤا أحد". كما أنه قد لا يمكن أن يتساوى من وصفه المولودية بمن وصفه الأحدية والصمدية والغنى المطلق على سبيل الحلول أو الاتحاد - كما يزعم الحلولية - والذي قد ضل به اليهود والنصارى على حد سواء. لهذا فلقد جاء تعبير البوصيري رحمه الله تعالى في إطلاق العنان لمدح الرسول صلى الله عليه وسلم بليغا ولكن في مجال السيادة الخاصة به: دع ما ادعته النصارى في نبيهم واحكم بما شئت فيه مدحا واحتكم وانسب إلى ذاته ما شئت من عظم وانسب إلى قدره ما شئت من حكم كما أن سيادة الولادة هاته ستتشخص على مستوى التسلسل القويم في سلامة النسب وطهارة العرق والأصل،وهذا ما تدل عليه النصوص تضمينا وصراحة كما في قول النبي صلى الله عليه وسلم:"ولدت من نكاح غير سفاح"و"إني خرجت من نكاح ولم أخرج من سفاح". وتؤكد هذا التسلسل السليم لنسب النبي صلى الله عليه وسلم عدة آيات قرآنية وأحاديث قد تدل على خصوصيته وسمو حقيقته في الوجود،سواء فيما يتعلق بذاته الشريفة ونورانيتها أو ما يخص حالته الشخصية وواقعه الاجتماعي والتاريخي،في حين قد تنص تلك الآيات على حضور النبي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم عند كل تشريع قبله ووجوده بالقوة المباشرة للفعل في حالة وقوع استثناء ومفاجأة أو ظهور له في عهد رسول من الرسل والأنبياء،يقول الله تعالى:"وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه،قال:آقررتم وأخذتم على ذلكم إصري؟قالوا:أقررنا.قال:فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين"وفي صحيح البخاري عن ابن عباس قال:"ما بعث الله نبيا إلا أخذ عليه الميثاق لئن بعث محمد وهم أحياء ليؤمنن به ولينصرنه وليتبعنه". فالآية وتفسيرها فيهما تأكيد على سمو النسب النبوي وخصوصية الوجود المحمدي في عالم شهادة،وذلك لأنه قد كان دائما في مقام التشريع ظاهرا وباطنا،وإذ أنه قبل ولادته قد كان باطنا فإنه بالضرورة سيكون حاميا لنسبه من السفاح بقوة التشريع الذي كان ينوب الأنبياء والرسل عنه فيه ظاهرا،ومن ثم فقد حفظ نسبه من كل شوب أو اختلال لمؤسسة الزواج والأسرة الشرعية على وجه الأرض.وذلك لأن مسألة النسب لها ارتباط بعقيدة التوحيد كما بيناها في كتابنا:"أحكام النسب لحماية الأسرة في الإسلام". إضافة إلى هذا فقد عبر النبي صلى الله عليه وسلم عن واقعه الظاهري والعناية الإلهية الغيبية بنسبه واتصال سنده حينما قال له أصحابه :"يا رسول الله أخبرنا عن نفسك،فقال:"دعوة أبي إبراهيم وبشرى عيسى،ورأت أمي حين حملت بي كأنه خرج منها نور أضاءت له قصور بصرى من أرض الشام"رواه ابن إسحاق ،قال ابن كثير:إسناده جيد. فدعوة إبراهيم قد تتجلى في قول الله تعالى :"ربنا وابعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياتك "الآية، أما بشرى عيسى فهي قوله تعالى:"وإذ قال عيسى بن مريم يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقا لما بين يدي من التوراة ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد،فلما جاءهم بالبيات قالوا هذا سحر مبين". وعلاقة الرسول سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بهذين الرسولين عليهما السلام لها دلالات ومعاني دقيقة وذات ارتباط بمسألة الولادة وتحققها في عالم الشهادة خاصة. إذ دعوة إبراهيم ستصبح شاملة في الاصطفاء لكل صلب يحمل بذرة النبي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم،وهي بهذا تؤسس للشرف الكامل لنسبه صلى الله عليه وسلم في الظاهر والباطن،وذلك على شكل تسلسل متصل السند غير منقطع،قد يبدو في خصوصية عامة لقومه لكنها في الحقيقة خصوصية فردية متعلقة بالنبي صلى الله عليه وسلم لأنه هو المقصد بهذا الاختصاص وليس غيره،لكن فضله سيعم كل من جاوره أو ارتبط به أي ارتباط على مستوى الإيجاب أو التقدير. ففي صحيح مسلم أن رسول الله صلى عليه وسلم قال:"إن الله اصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل واصطفى من بني إسماعيل بني كنانة واصطفى من بني كنانة قريشا واصطفى من قريش بني هاشم واصطفاني من بني هاشم". بمعنى أن الاصطفاء من لدن إسماعيل حتى بني هاشم قد كان له بعد رئيسي ومحوري وهو: تأمين خروج النبي صلى الله عليه وسلم إلى عالم الشهادة على وتيرة اتصال النسب ووحدته وسلامته من الانقطاع أو الاختلاط،وذلك لخصوصية النورانية النبوية المحمدية في تأسيس مبدأ المشروعية لتحديد العلاقات الإنسانية وارتباطها بالحكم الإلهي الضامن لسلامتها واستمراريتها . ولقد شخص هذا المعنى شعرا فيما قد ينسب إلى عمه العباس بن عبد المطلب أو الصحابي حسان بن ثابت كما يقول: من قبلها طبت في الظلال وفي مستودع حيث يخصف الورق ثم هبطت البلاد لا بشر أنت ولا مضغة ولا علق بل نطفة تركب السفين وقد ألجم نسرا وأهله الغرق تنقل من صلب إلى رحم إذا مضى عالم بدا طبق حتى احتوى بيتك المهيمن من خِنذف علياء تحتها النُّطق وأنت لما ولدت أشرقت الأرض وضاءت بنورك الأفق فنحن في ذلك الضياء وفي النور وسبل الرشاد نخترق 2) المولد النبوي وحصانة الانتقال الوراثي ولنا وقفة مع الحضور النبوي على مستوى وعي الأنبياء والرسل الذين بشروا به صلى الله عليه وسلم وذلك من تفسير ذوقي -إن صح التعبير - وإدراك للمناسبة بين هذا الحضور ومظاهر الواقع. فمن آدم حتى إسماعيل عليهما السلام قد كان تسلسل بذرة النبي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم،وفيه سيعرف هؤلاء الأنبياء أحداثا وبلاءات،كلها ستتسم بالنجاح والحفظ والتكريم. فأولهم آدم عليه السلام وتكريمه بالسجود له من طرف الملائكة ،وامتناع إبليس عن ذلك واستكباره ثم لجوئه إلى غواية آدم و زوجه حواء من أجل الأكل من الشجرة المنهي عنها والتي بها قد وقعا في عصيان أمر الله تعالى ومن بعدها توبة آدم وقبولها. بعد آدم سيأتي دور نوح عليه السلام عند السفينة والطوفان ثم النجاة والعودة إلى بر الأمان ،إلى أن يأتي زمن إبراهيم عليه السلام حيث الفيصل بين مسالك النبوة والرسالة والسير في خط متوازي بين نبوة الظاهر ونبوة الباطن والتي كان بطلها هو سيدنا محمد صلى الله عله وسلم. بحيث أن النبوة الظاهرة قد بقت مستمرة في ولد إسحاق إلى أن انتهت إلى مريم بنت عمران وابنها عيسى عليهما السلام،في حين أن النبوة الباطنة ستبقى حاضرة من لدن إسماعيل عليه السلام،و الذي قد كانت نبوته ظاهرة حتى ظهور سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بجمعه بين نبوة الظاهر والباطن وهو الذي قال قسما:"والله لو كان موسى حيا ما وسعه إلا أن يتبعني"،كما أن انتهاء نبوة بني إسرائيل عند سيدنا عيسى عليه السلام ينبغي التأمل فيها جيدا واستخلاص العبر الدقيقة منها. فالنبوة من حيث النسب الذكوري الصلبي قد انتهت عند يحيى بن زكرياء عليهما السلام والذي من جهة قد كان سيدا و حصورا، أي لا يقرب النسا،ومن ثم فقد كان من الضروري انقطاع نسله بصورة عادية ،لكن اليهود قد استعجلوا الأمر فسعوا إلى قتله ظلما وعدوانا. بحيث سيكون هذا الاعتداء على مقام سيدنا يحيى عليه السلام إيذانا بانتهاء النبوة في سلسلة بني إسرائيل حيث قطعوا ظاهر النبوة عن عمد وسبق إصرار وقصدوا إطفاء شعلتها الباطنية. لكنهم نسوا أو تناسوا بأن النبوة لها ارتباط بالتخصيص الإلهي وأن أصلها هو ذالك العنصر الباطني الذي حمل لواءه نور سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الذي قد لا ينطفئ أبدا. من هنا فإن النبوة ستنتقل من صلب الرجال إلى حمايتها في أرحام النساء، لأنهن لم يكن مقصد الإتلاف أو موضع الحسد من طرف الرجال ونظرتهم إليهن على سبيل الاستنقاص والدونية،ومن ثم فلم يخطر ببال بني إسرائيل قتل امرأة أو اعتقاد النبوة فيها،خاصة وأنها بحسب العادة قد كانت معزولة عن الاعتكاف في الكنائس والأديرة:وليست خصائص الذكر كالأنثى من كل الوجوه كما يقول الله تعالى:"إذ قالت امرأة عمران رب إني نذرت لك ما في بطني محررا فتقبل مني إنك أنت السميع العليم فلما وضعتها قالت :رب إني وضعتها أنثى والله أعلم بما وضعت وليس الذكر كالأنثى وإني سميتها مريم وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم،فتقبلها ربها بقبول حسن وكفلها زكرياء كلما دخل عليها زكرياء المحراب وجد عندها رزقا قال يا مريم أنى لك هذا قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب" . فعند هذه السيدة العذراء سيقف مسار النبوات لدى بني إسرائيل كما سيتزامن مع النزعة اليهودية المتطرفة في قتل الأنبياء والرسل بصورة شاملة،وذلك بعدما استولوا على العقول والنفوس وموهوا على الناس بامتلاك ناصية الدين والتقرير فيه كما يشاءون ،وذلك لطغيان النزعة المادية على عقيدتهم ولاستغلال موقعهم من الأنبياء والرسل السابقين بدعوى القرب والنسب والوصاية وما إلى ذلك. فسيقتلون النبي يحيى عليه السلام كضربة استباقية حتى لا يستمر تسلسل الأنبياء والرسل على هذا الخط من بني إسرائيل رغم علم اليهود بأنه قد كان حصورا ولا يلد،ومن ثم فقد كان ينبغي في تصورهم الفاسد أن يقضوا عليه قبل أن يلد نبيا آخر يحمل نور النبوة ويبشر بأصلها وحقيقتها المتجلية في سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم. إذ ولادة يحيى عليه السلام قد كانت معجزة سيدنا زكرياء عليه السلام بعدما بلغ من الكبر عتيا وحينما أصبحت زوجته في حكم العاقر،ومن هنا فلن يأمن اليهود أن يتحول السيد الحصور يوما ما إلى زوج وأب ومن ثم استرسال نسله في ظل النبوة. وبعدما تخلصوا من يحيى سيأتي دور عيسى عليه السلام -ابن خالته التي ولدته من غير أب - وهذه أيضا معجزة،وقد كان بدوره لا يقرب النساء ولم يتزوج،ومن ثم فقد لا يؤمن منه أن يخالف المسار العام لحياته ويتزوج ويلد. فكانت النزعة حينئذ إلى قتله من أجل إطفاء نور النبوة عن الاسترسال في الزمان والتاريخ والمكان. لكن بما أنه قد كان عليه السلام هو آخر الأنبياء من بني إسرائيل من جهة الأم فقط فقد حاول اليهود بذريعة أنه ليس إسرائيليا نسبا ذكوريا أن يقتلوه،بل قد افتروا عليه حتى في نسبه وصاغوا له أبا وهميا،كل ذلك كان لخوف خروج النبوة من دائرتهم وتوهمهم بأنها مقصورة عليهم باستحقاق وامتياز عنصري ذاتي وليس بتخصيص إلهي محض. هذا مع العلم بأن المسيح عليه السلام قد بشر بنبوة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم،كما حدد اسمه وصفته وخروجه عن دائرة بني إسرائيل،ومن ثم فقد كانت نزعتهم أكثر تطرفا في محاولة قتل المبشِّر والمبشَّر به معا. وحيث أن عيسى عليه السلام قد كان يحمل سر البشارة ونورها المحمدي فإن الله تعالى قد حماه من شر أعدائه ورفعه إليه حتى يرى البشارة بأم عينيه ويستظل بظلها وتحت لوائها كرامة له،كما سيشهد ضدا على الضالين من زاعمي اتباعه بعد نزوله في زمن أمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم. يقول الله تعالى عن هذا المآل :"وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم يا عيسى بن مريم إني متوفيك ورافعك إلي ومطهرك من الذين كفروا...". بهذا فقد حظي عيسى عليه السلام بحظوتين لم ينلهما نبي قبله وهما:النبوة والولاية . فهو نبي في أمته وولي في أمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم،ومؤكد تحقيقي لبشارته التي عبر عنها وأوحي إليه بها في طور نبوته،إذ جمالية البشارة وكمالها هو أن تكون عن قرب شديد بالمبشر به.يقول الله تعالى :"ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون الذين آمنوا وكانوا يتقون لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة لا تبديل لكلمات الله"الآية.إذ البشرى قد جاءت للأولياء عن قرب مما هم فيه من الحياة الدنيوية والتي فيها دلائل الاستمرارية في الحياة الأخرى،إذ الفصل هنا قد كان في المظاهر محطات السفر والوصل في الحقيقة والمقامات الثابتة عند حضرة رب الأرض والسماوات... فكان سيدنا عيسى عليه السلام بهذا هو الحلقة التي انتقلت بعدها النبوة من عالم الغيب إلى عالم الشهادة،ومن هنا فقد كان التقارب كبيرا بين سيدنا محمد صلى عليه وسلم وسيدنا عيسى عليه السلام في الصفات والأحكام الروحية والخلقية من أهمها:الحلم والمحبة. لأن معدن النبوة واحد وكمالها وتمامها في ملكية سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم،ومن ثم فقد كانت له الولاية على عيسى عليه السلام بهذه الشمولية في الوجود بين نبوة الظاهر والباطن. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أنا أولى الناس بعيسى بن مريم في الدنيا والآخرة،والأنبياء إخوة لعلات،أمهاتهم شتى ودينهم واحد" . فالحديث يذكر نسب الأنبياء وقوته عند الأمهات وليس الآباء بالدرجة الأولى،لأنهن مستأمنات على اتصال النسب وطهارة العرق وحفظه الذي هو من خصوصية الأنبياء سلوكا وتشريعا وعلى رأسهم سيدنا محمد صلى الله عيه وسلم الذي أكد القاعد بقوله:"ولدت نكاحا ولم أولد سفاحا". كما أن الحديث يشير إلى خصوصية ولادة سيدنا عيسى عليه السلام واختياره كنبي من الحضرة الإلهية ليس لسبب عرقي أو مجتمعي شعوبي وإنما لخصوصية اختصه الله بها وجعل أمه مقرا طاهرا لإبرازها،فكان بهذا مظهرا قويا لمعجزة الحياة والموت والولادة والكلام في المهد وغير ذلك مما ظهرت عليه معجزاته عليه السلام،قد حير معها الأنام وتحدى بها الزمان والمكان وأظهر قدرة الله تعالى على فعل ما يشاء وخلق ما يريد "لا يسأل عما يفعل وهم يسألون". فالمسيح عليه السلام هو من جهة مخلوق وعبد مولود،ولدته أمه العذراء من غير أب،وهذه معجزة وأكثر دلالة على افتقاره إلى العناية الإلهية وأشد بيانا على ضعفه عن أن يكون له حول أو قوة ذاتية تميزه عن سائر المخلوقات. فجاء خلقه عن ضعف من ضعف وعجز عن عجز،وبذلك فقد كان أكثر الأنبياء معجزة في باب الافتقار والقدرة،ولا علاقة له وجودا وذاتا وقدرة وحكما عقليا عقديا بمزاعم الأبوة الإلهية له كما ضل به النصارى وقبلهم اليهود بخصوص العزير . ولقد بين لنا القرآن الكريم مستوى العجز المعجز لوجود المسيح عليه اللام وخصوصيته في الولادة بقول الله تعالى:"إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون". كما قد يمكن لنا في هذا الربط أن نستشف نهاية التسلسل النبوي على مستوى النيابة من آدم حتى عيسى عليهما السلام وذلك لكي يأتي دور خاتم النبيين سيدنا محمد صلى الله عله وسلم فيتم بذلك الدين ويشهد على السابقين واللاحقين بعد رفع المسيح عليه السلام. من هنا فقد جاءت مرحلة دخول النبوة بصورة شاملة في عالم الباطن والكمون واستئثار سيدنا محمد بحمل لوائها،ولكن مع هذا فقد كانت توجد إرهاصات قائمة في الظاهر من خلال ما ذكرته الكتب السماوية ضمنا أو صراحة وخاصة التوراة ومن خلال ما بشر به عن قرب سيدنا عيسى عليه السلام وحدد من خلال بشارته هذه اسمه وصفته ومباشرته الظاهرية لنبوته من دون وسائط أو اشتباه إذ قد عبر ب:"مبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد". وكلمة من بعدي فيها دلالة على تقارب كبير بين مرحلة نبوة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وزمن رفع عيسى عليه السلام "وقد قال غير واحد من العلماء :إن الله تعالى لم يبعث بعد إسماعيل نبيا في العرب إلا محمدا صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء الذي دعا به إبراهيم الخليل باني الكعبة المكرمة التي جعلها الله قبلة لأهل الأرض شرعا وبشرت به الأنبياء لقومهم حتى كان آخر من بشر به عيسى عليه السلام " . في حين أن دعوة سيدنا إبراهيم عليه السلام هي دعوة محققة ومستجابة لا شك فيها،وحيث هي بهذا الوصف فقد كان حضورها مبدئيا قائما منذ أن دعا بها،وهذا ما يمكن من خلاله تفسر توزع أنوار النبوة المحمدية على العالم بصورة مكثفة قد ظهرت وتجسدت بكثرة الأنبياء والرسل وتوزعهم على سائر الأمم لكل قوم نبي:"وإن من أمة إلا خلا فها نذير"إلى أن جاء صاحب هذه الشمولية والجامع لكل الأمم في خطاب واحد ودعوة عامة"وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين". وكأن هذا التوزيع قد كان إيذانا بقوة التجميع والاشتمال وعودة الطاقة إلى مركزها في إطار ختم النبوة وظهور نور المصطفى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم . إن ما كان يخشاه اليهود قد وقع رغم تربصهم بالأنبياء والرسل عليم السلام وحرصهم على ألا تخرج النبوة من دائرة بني إسرائيل كنسب وكنزعة احتكارية تشمل المجال الروحي والمادي على حد سواء،هذا مع زعمهم الموهم بأن إبراهيم عليه السلام قد كان على دينهم المحرف والذي رد عليه القرآن الكرم مفندا:"ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين". وهذا فيه تأكيد على ربط النبوة المحمدية نسبا وعقيدة بسيدنا إبراهيم عليه السلام وأنه قد كان أقرب إليه من سائر الأنبياء والرسل في عالم الباطن والغيب والحقيقة،لأن دعوته له بتحقيق النبوة في الظاهر قد كانت قبل تسلسل النبوة والرسالة في بني إسرائيل،ومن ثم فهو أرقى روحانية وحضورا في الوعي الكوني والوجودي – إ ن صح التعبير- من سائر النبوات،ولهذا فعلاقة سيدنا إبراهيم عليه السلام بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم قد كانت جد قوية حتى على مستوى التشابه الجسدي،بل إنها تفسر بصورة روحانية دقيقة وتؤول عندها الأحداث والوقائع بحسب الأذواق والمشارب. إذ نجاة إبراهيم عليه السلام من النار رغم إلقائه فيه قد كان فيه حماية لأصل النبوة وسرها وكمالها التوحيدي بالمعنى المحمدي كما في قول الله تعالى:"قالوا حرقوه وانصروا آلهتكم إن كنتم فاعلين،قلنا :يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم" فإبراهيم عليه السلام قد كان حينئذ يحمل في صلبه نواة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم النورانية،ومحال أن تحرق النار النور الذي هو أصلها. إذن فلن يصاب إبراهيم عليه السلام بمكروه أو أذى ولن ينقطع نسله أبدا،لأنه من جهة نبي ورسول ومن جهة أخرى مرسخ عقيدة التوحد والحنيفية السمحة التي هي محور النبوات وملخصها والغاية من وجودها،في حين ،وهذا مربط الفرس في حديثنا وتحليلنا،قد كان يحمل بذرة سيد الكائنات والأنبياء والرسل جميعا. وهو بعدما امتحن في ذاته سيمتحن في ابنه إسماعيل الذي قد أصبح هو المتولي لأمانة حمل البذرة المحمدية ونورانيتها وذلك على شكل حب وعاطفة جياشة نحوه لا تقاوم. من هنا فقد جاء الامتحان الأصعب والبلاء الأعظم وذلك في تخييره بين أن يقف عند الوسائط في حبه أم أنه ينبغي أن يتخطى المقام إلى التعلق الكلي والفناء في الأحدية التي هي المحدد لخصوصية النبوة وحقيقتها في الوجود،هذا الفناء هو الذي يمكن تفسيره بالخلة أي أن إبراهيم قد أصبح خليل الرحمن ونَجيَّه في كل وقت وحين. فكان البلاء وجاء الفداء،وكتب للحقيقة المحمدية بالبقاء كما ورد في الحديث وصفه لنفسه صلى الله عليه وسلم:"أنا ابن الذبيحين"أي إسماعيل عليه السلام وعبد الله بن عبد المطلب والد الرسول المباشر لظهوره في عالم الشهادة. والتعبير بالذبيحين فيه دلالة على أن العملية قد كانت محققة لكن الحقيقة المحمدية قد كانت أقوى حضورا وإصرارا على البقاء الذي هو سر الوجود ومكنون عقيدة التوحيد الخالص لله تعالى. 3) المولد النبوي وسر التوحيد والتوحد عند الكعبة ولهذا فقد كان مُقام إبراهيم بإسماعيل عند أول بيت وضع للناس وهو الكعبة بيت الله الحرام حيث ينبغي أن يتوجه كل الخلق كقبلة لعبادة الواحد الأحد. وعلى هذا البيت ستتسلط الوثنيات وعبادة الأصنام لتضليل الناس عن عقيدة التوحيد الخالص،وعنده أي البيت سيولد سيد الموحدين محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم وسيبعث متحديا ورافعا صوته ب"قولوا لا إله إلا الله تفلحوا". وعند هذه الولادة سيرنُّ إبليس كتعبير عن فشله في إيقاف ظهور نور نبوة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ظاهرا بعدما رفض السجود لآدم وهو يحمله باطنا،كما يحكي السهيلي عن تفسير بقي بن مخلد الحافظ:أن إبليس رن أربع رنات:حين لعن ،وحين أهبط ،وحين ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم،وحين أنزلت الفاتحة" . كما سيرن اليهود وسيضطربون كتعبير عن فشلهم في إيقاف وإقبار النبوة في مهدها كي لا تخرج عن دائرة بني إسرائيل،فيما تروي كتب السير عن ذلك اليهودي الذي علم بمولد النبي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم لعلامات كونية كان يترقبها ولما كشفوا له:"عن ظهره رأى تلك الشامة –أي خاتم النبوة- فوقع اليهودي مغشيا عليه،فلما أفاق قالوا له:مالك ويلك؟قال:قد ذهبت والله النبوة من بني إسرائيل...!" ،هذا مع أنهم قد كانوا يستفتحون على الذين كفروا بقرب ظهور خاتم النبيين والمرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم "فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم،وإن فريقا منهم يكتمون الحق وهم يعلمون" صدق الله العظيم. إذن فالتناسب قائم بقوة بين الدورة الكونية وسر وجوده وظهوره صلى الله عليه وسلم،كما أنه قد كان بارزا عند الأحداث العظام والوقائع الكبيرة التي تذهل فيها الألباب وتتحير فيكون حاضرا بهمته ونوره الذي جعله الله تعالى سر كمال الوجود وجماله واستمراره. فمن مسألة محاولة الكفار حرق إبراهيم عليه السلام ونجاته من النار إلى نجاة ابنه إسماعيل عليه السلام من الذبح،ثم بعدها ستخفت الأحداث وسيستمر وجوده بهدوء واستبطان ينتقل بين الأصلاب من صلب إلى صلب في صمت عن دعاوى النبوة وابتلاءاتها ومعجزاتها وتحدياتها الظاهرية،حتى جاءت حادثة محاولة ذبح والده عبد الله بن عبد المطلب بسب نذر جده عبد المطلب"حين لقي من قرش ما لقي عند حفر زمزم لئن ولد له عشرة نفر ثم بلغوا معه حتى يمنعوه ليذبحن أحدهم لله عند الكعبة. فلما تكامل بنوه عشرة وعرف أنهم سيمنعونه،وهم:الحارث والزبير وحجل وضرار والمقوم وأبو لهب والعباس وحمزة وأبو طالب وعبد اللهولما جاء يستقسم بالأقداح عند هبل خرج القدح على ابنه عبد الله وكان أصغر ولده وأحبهم إليه،فأخذ عبد المطلب بابنه عبد الله وأخذ الشفرة ثم أقبل به إلى إساف ونائلة ليذبحه،فقامت قريش من أنديتها فقالوا ما تريد يا عبد المطلب؟قال:أذبحه،فقالت له قريش وبنوه إخوة عبد الله:والله لا تذبحه أبدا حتى تعذر فيه،لئن فعلت هذا لا يزال الرجل يجيء بابنه حتى يذبحه،فما بقاء الناس على هذا ؟" . بعد هذا الاعتراض سيلجأ كما يذكر المؤرخون إلى مسألة الضرب بالقداح كما أمرتهم العرافة سُجاح وخروجها لمرات عديدة على عبد الله وفي النهاية على الإبل،وبهذا نجا من الذبح. المهم عندنا في هذه الحادثة هو النقطة الأساسية في التناقض بين العواطف والمواقف،وأن العواطف قد تغلبت على المواقف من خلال عنصر الحب وجمال النور المحمدي الجاذب لكل من اقترب منه ولو لم يره.لأنه مبدئيا قد كان حبيب الله وهو مقام أعلى من خليل الله،وهو بالحب قد تغلب على كل العوارض وأنواع البلاء. فسيدنا إبراهيم عليه السلام قد كان حبه شديدا لابنه إسماعيل،ومن ثم جاء الموقف والامتثال للرؤيا بذبحه شديدا على نفسه وهذا فيه عذاب وبلاء ما بعده من بلاء استحق بعده أن يخلد في التشريع والتاريخ كعيد للدلالة على التضحية بالحب والعاطفة في مقابل اتباع الحق والأمر الإلهي. أما عبد المطلب فقد كان له أيضا نفس الشغف بابنه عبد الله للسبب ذاته أي حمله بذرة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم،كما أنه قد كان من أصغر أولاده وأحبهم إليه ،زيادة على هذا فقد كان من أجملهم،فكان بمثابة انبعاث وإشعاع باطني لجمال سيدنا محمد صلى الله عله وسلم الذي حيثما حل وارتحل إلا وكان موطنه نورا وجمالا فياضا،لم تر العيون قبله ولا بعده مثله صلى الله عليه وسلم كما وصفه من عاصره وصاحبه .بحيث أن هذه المسألة قد يمكن تناولها من وجهة علم الوراثة ولكن على مستوى عال ودقيق مازالت البشرية بآلياتها وتحليلاتها المادية قاصرة عن فهم معانيها ورموزها التي تشير إلى إرث روحي متسامي قد يكون هو المحدد السليم والمركزي لمسار السعادة والنجاة عند كافة البشرية. من هنا فقد يتعلق الحب ضرورة بالجمال وأعظمه جمال النبوة ونورها،وهذا ما يمكن ربطه بجمال سيدنا يوسف عليه السلام الذي أوتي شطر الحسن كما دلت عليه الروايات وتعلق النسوة به لحد أن قطعن أيديهن "وقلن حاشا لله ما هذا بشرا إن هذا إلا ملك كريم "وفي هذا اعتراف من النسوة بأن جماله لم يكن مجرد صورة شهوية وإنما هو ذو خاصية نورانية ملكية أفنتهن عن إحساسهن الجسدي والشهوي المادي وأدخلتهن في مرحلة وحدة الشهود والفناء عن الذات والمحيط. غير أن المقارنة هنا بين حال إبراهيم وعبد المطلب هي أن الأول قد كان عمله وقراره بوحي من الله تعالى وابتلاء منه صريح وواضح الدلالة من خلال رؤيا النبوة،بينما إجراء عبد المطلب قد كان بدافع نفسي وحمية متناسبة مع واقع الفكر الجاهلي ورد الاعتبار أو الخوف من الشماتة و الاستنقاص الاجتماعي،لكنه مع هذا سيكون ابتلاء باطنيا غير واضح في دوافعه بالنسبة إلى عبد المطلب،لأنه ليس بنبي ولا موحى إليه،كما أنه لم يكن يدرك بعمله هذا أنه سيؤدي إلى قطع حبل سيد الموحى إليهم،وبالتالي صد أصل النبوة عن الظهور في عالم الشهادة و الحيلولة دون تحقيق كمال الدورة الوجودية كونيا وروحيا نبويا.وهذا ما لا يمكن أن يقف في طريقه وإنجازه أي مخلوق مهما قوي اعتراضه. هكذا إذن نجا عبد الله بن عبد المطلب من الذبح ،والذي كان كما أشرنا من أحب ولده إليه،ثم زوجه آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب وسنه ثماني عشرة سنة،وهو يومئذ من أفضل نساء قريش نسبا وموضعا،ولما دخل عليها حملت برسول الله صلى عليه وسلم ولم يلبث أبوه أن توفي بعد الحمل بشهرين ودفن بالمدينة عند أخواله بني عدي بن النجار" . فبهذا الزواج والتقاء هذين الفرعين على شجرة النسب الشريف قد تتحقق مسألة جد مهمة في توحد الشعوب وتكريس قوة عصبيتها وتعاطفها ألا وهي:وحدة الأمة العربية قبل أن تصبح إسلامية. فاتصال النسب النبوي تأريخا قد ينتهي إلى عدنان وفي ظل هذه الشجرة يلتقي نسب أبيه وأمه،ومن هنا فقد كان- كما يقول علماء السير والأنساب- أن:"جميع قبائل عرب الحجاز ينتهون إلى هذا النسب،ولهذا قال ابن عباس وغيره في قوله تعالى :"قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى "لم يكن بطن من بطون قريش إلا ولرسول الله صلى الله عليه وسلم نسب يتصل بهم . ويعلق ابن كثير على هذا بقوله:"وصدق ابن عباس رضي الله عنه فيما قال وأزيد مما قال،وذلك أن جميع قبائل العرب العدنانية تنتهي إليه بالآباء وكثير منها بالأمهات أيضا،كما ذكره محمد بن إسحاق وغيره في أمهاته وأمهات آبائه و أمهاتهم..." . وبهذا التوحد الإقليمي المتمحور حول الكعبة المشرفة و الناتج عن ولادته صلى الله عليه وسلم ومحورية نسبه في الجزيرة العربية سيصبح النبي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ممتلكا ناصية القضية الدينية والمتحكم في مسارها عالميا بالنسخ والتجديد والاحتواء، وستتشخص عمليا بعد بعثته من خلال استقطاب دعوته لكل الأعراق والشعوب من خلال عيناتها كصهيب الرومي وبلال الحبشي وسلمان الفارسي وغيرهم ممن اتبعوه ونصروه .كما ستتجسد هذه العالمية وتحديد المسار الديني من خلال المبادرة بالرسائل التي بعثها الرسول صلى الله عليه وسلم إلى أبرز حكام العالم في عصره ،قد كان من أهمهم حينئذ كسرى فارس وقيصر الروم و نجاشي الحبشة بلد الهجرة الأول للمسلمين ...والتي قد عبر فيها النبي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم صراحة وضمنا وحركة واقعية وبالتحدي المعجز عن امتلاكه لناصية الدين وتحكمه في مساره ظاهرا وباطنا ودولة وعقيدة وشريعة وحقيقة... [email protected] mailto:[email protected]