راهن المغرب منذ الاستقلال على اقتصاد ليبرالي ارتكز على تشجيع المبادرة الخاصة و الاستثمارات الخارجية، و قد اعتمد في ذلك على سياسة تدخلية سعت إلى تأدية دور محرك للاقتصاد عبر المقاولات العمومية ، مع المحافظة على الأسس الاجتماعية للنظام السياسي . و انخرط المغرب في هذا التوجه الليبرالي مع تبني سياسات اقتصادية و اجتماعية طموحة ، مع تدبير عشوائي مما ادخل البلاد في بداية الثمانينات في أزمة بنيوية أفضت إلى تبني برنامج التقويم الهيكلي ، و ما رافقه من إصلاح تدريجي للإطار المؤسساتي ورفع الاحتكار العمومي وتراجع الدولة و تبني الخوصصة كحل للازمة. فرضت المؤسسات النقدية الدولية تعليمات صارمة على الدولة المقترضة تمثلت في التقويم الهيكلي الذي يرتكز على تراجع الدولة و الخوصصة كمشرع اجتماعي يسعى إلى تحقيق مرور البلاد من رأسمالية الدولة إلى اقتصاد السوق . فهل مكنت الخوصصة من إصلاح الاقتصاد المغربي و المساهمة في تنمية اجتماعية ؟ مر تدخل الدولة المغربية في الاقتصاد بثلاث مراحل : المرحلة الأولى اتسمت بانتشار القطاع العام قصد ملء الفراغ الناتج عن انسحاب فروع المؤسسات الفرنسية و بسط نفوذ الدولة على مجموع مرافق البلاد، و قد امتدت هذه المرحلة من بداية الاستقلال إلى سنة 1963. المرحلة الثانية امتدت في فترة السبعينات توسع فيها القطاع العمومي، تميزت بالمغربة، و إنتاج فروع المقاولات العمومية التي تعود من الناحية المالية إلى ارتفاع عائدات الفوسفات، مع إتباع مخططات تنموية جد طموحة، لكن الاستثمارات اتجهت نحو مشاريع ذات طابع رفاهي و ليس بنيوي. المرحلة الثالثة اتسمت بتراجع الدولة في الثمانيات بسبب الأزمة- أزمة المديونية - و تبني، أو فرض برنامج التقويم الهيكلي . أزمة المديونية أدخلت البلاد في أزمة بنيوية جعلت القطاع العام محل انتقاد و مساءلة في إطار ما اصطلح عليه بأزمة القطاع العام و ضرورة إصلاحه ، خطاب الأزمة الذي هيمن على المجال العمومي يجد مرجعيته في تقارير المؤسسات المالية الدولية، خصوصا صندوق النقد الدولي ، الذي يرى أن جذور الأزمة في المغرب تعود إلى تدخل الدولة الذي يعيق الاشتغال الطبيعي لآليات السوق ويستنزف الموارد العمومية . الملاحظ أن صندوق النقد الدولي يفرض على الدول الخاضعة لبرنامجه تحديد دور الدولة بالتقليل من النفقات العمومية و تطبيق سياسات تقشفية قصد تسديد الديون و بالتالي عقلنة و إعادة النظر في سياستها الاجتماعية . تعتبر الخوصصة التي بدأ تطبيقها سنة 1993 لحظة مهمة في التاريخ الاقتصادي و الاجتماعي المغربي، كبديل عن السياسة التدخلية للدولة . و أثرت الخوصصة في دينامية السوق المالي و ساهمت في جلب الاستثمارات الخارجية . لكن، في المقابل أثارت الحصيلة الكيفية للخوصصة عدة نقاشات في المجال العمومي، حيث أفضت إلى تركيز أكثر للثروة مع إنتاج الثقافة الاقتصادية التقليدية في مظاهر الزبونية والمحاباة .لهذا لم تساهم عميلات الخوصصة في تنويع المشهد الاقتصادي و تكسير الاحتكارات و منطق الريع وظهور فاعلين جدد . و بالتالي أعادت الخوصصة إنتاج التمركز على مستوى الواقع. و يعود هذا الوضع إلى أن مختلف اللجان المكلفة بعمليات التحويل هيمنت عليها شخصيات معروفة في عالم الأعمال ، استغلت موقعها في هاته اللجان للاستفادة من عمليات الخوصصة . هكذا تشكل و تدعم مع الخوصصة مخزن اقتصادي، و تعد الشركات التي استفادت من الخوصصة ، وبالأخص اونيوم شمال إفريقيا و المجموعات العائلية نواته الصلبة . سياسة الخوصصة بالمغرب كنتيجة للازمة و تزايد الضغوطات الخارجية ، لم تأخذ في الحسبان تحسين وتعزيز نوعية الحياة للناس كافة من خلال إقامة مؤسسات ديمقراطية ، و احترام حقوق الإنسان و زيادة الفرص الاقتصادية و تكافؤها.إن الاستثمار في التنمية الاجتماعية يؤدي إلى خلق مجتمعات أكثر إنتاجية وتعزيز النمو الاقتصادي و توفير فرص العمل ومكافحة الإقصاء الاجتماعي و تخفيف حدة الفقر و تحقيق الحماية الاجتماعية و توفير الخدمات الاجتماعية الأساسية " التعليم الصحة .... " فرغم الاهتمام المتزايد بالمسألة الإجتماعية فالعجز الاجتماعي لا يزال متواصلا رغم ما يلاحظ على مستوى الإرادة السياسية المعلنة و تنوع المؤسسات التي تغطي الحقل الاجتماعي و ميزانيتها المرتفعة . بل و تفاقمت الأزمات الاجتماعية . يتعلق الأمر بإشكالية الحماية الاجتماعية للعمال و المسنين على ضوء ما وقع ببعض وحدات الإنتاج مؤخرا ) معمل روزامور .. (بالإضافة إلى تزايد تدني مستوى المعيشة وتدهور القدرة الشرائية للمواطنين و معضلة البطالة، الشيء الذي أدى إلى ظهور تنسيقيات لمناهضة الغلاء وحركات الاحتجاج الاجتماعي خارج نطاق التأطير النقابي . و في هذا الاتجاه احتدمت إشكالية الفقر والهشاشة و تجدرت بالخصوص في القرى . السياسة الاقتصادية بالمغرب يجب أن تأخذ بعين الاعتبار بعد التنمية الاجتماعية و أن تتجاوز النظرة الذاتية لطبقة أو لوبي استفاد و لازال يستفيد من امتيازات خارج مؤسسات ديمقراطية . فمنظور التنمية منظور شمولي يستلزم وضع السياسة الاجتماعية في صلب الإستراتيجية الوطنية عوض نهج سياسات ترقيعية معزولة و فورية . وبالتالي من المفروض خلق توازن بين التنمية الاقتصادية و التنمية الاجتماعية ، كسياسيتين متكاملتين يستحيل تحقيق احدهما دون الأخرى. فهل تأسيس المجلس الاقتصادي و الاجتماعي بالمغرب يؤسس لرؤية جديدة و إرادة حقيقية لدخول البلاد في مرحلة متقدمة لخلق قطيعة مع العقلية القديمة و إرساء دعائم لدولة تحترم التزاماتها و قبل ذلك، مواطنيها .