كنتم من بين أربعة باحثين أعدوا التقرير السنوي حول الحرية الاقتصادية بالعالم العربي. كيف ترون مؤشر الحرية الاقتصادية في العالم العربي بصفة عامة. أولا، أريد أن أنوه إلى أن الأرقام والحقائق والمعلومات الواردة بالتقرير، التي عملنا عليها هي أرقام تعود لعام 2007. فالتقرير إذن يهم الوضع الاقتصادي في الدول العربية قبل عامين. في ذلك الوقت كانت هناك مؤشرات إيجابية كبيرة؛ إذ ارتفعت التجارة البينية نسبيا كما ارتفعت الاستثمارات الأجنبية والبينية و تحسن مناخ الفرص الاسثمارية الجديدة، لكن لازالت هناك مشاكل تهم بعض الدول العربية التي تقوم حكوماتها ببعض الممارسات التجارية وتقليص دور القطاع الخاص في هذا النشاط. ثم هناك المشكل الأكبر المتمثل في نقص مناصب الشغل والوظائف لأبناء الوطن مما يؤءي إلى هجرة كبيرة من أبناء الوطن إلى الدول المجاورة سواء كانت عربية أو غير عربية. هل يمكن القول أن الوضع - مع الأزمة الاقتصادية العالمية - قد ساء في العالم العربي منذ 2007 الى الآن؟ لا أستطيع أن أقول شيئا إلا بعد تجميع بيانات عامي 2008 و2009، وهذه البيانات لن نقوم بتحليلها إلا في عام 2010. في تقريركم اعتمدتم على مجموعة من المؤشرات(42 مؤشرا موزعة على خمسة ميادين)، ألا ترون أن هذه المؤشرات وهي تغفل بعض المجالات الأساسية مثل المجال السياسي تعمل لصالح بعض الدول وضد دول أخرى؟ لا أعتقد ذلك، فكل هذه المعايير تطبق بشكل متساو على كافة الدول، فلماذا تكون لصالح دول وفي غير صالح أخرى؟ استبعادكم لمجال مهم هو مجال الحريات السياسية مثلا يؤثر على التنقيط وبالتالي على الترتيب، إذ نجد دولا تعاني من فقر مدقع وملحوظ في مجال الحريات السياسية ومع ذلك نجدها في المقدمة في الجانب الاقتصادي المحض. نحن اختصاصنا هو تقييم المجال الاقتصادي وليس السياسي مثلا أو الإعلامي أو الشفافية أو الحكامة الجيدة، فهناك مؤسسات بحثية أخرى تقوم بهذا، إنما الأدلة الموجودة والأرقام الواردة تبين لنا أنه ليس بالإمكان القيام بإصلاحات اقتصادية دون التطرق إلى الإصلاحات السياسية والعكس صحيح. فإذا كانت الدولة ستركز على الإصلاحات السياسية قبل القيام بإصلاحات اقتصادية فإنها لن تنجح في ذلك، إذ أن الأعمدة السياسية سوف تقوم من غير أساس اقتصادي. ففي البداية يجب وضع أساس اقتصادي ثابت عن طريق المؤسسات الأهلية والقطاع الخاص ثم يجيء دور الإصلاحات السياسية، فحتى حين تجيء حكومة منتخبة من طرف الشعب ستساند هذه المؤسسات الأهلية للقطاع الخاص. من يقرأ التقرير الذي أعددتموه ومن يستمع لتدخلكم اليوم يفهم أن الليبرالية الاقتصادية هي المدخل الحقيقي للعدالة الاجتماعية. أكرر كلامي فأنا لست ليبراليا ولا شيوعيا ولا اشتراكيا، لكني أنظر إلى ما هو الأفضل لأبناء هذه الأمة العربية، فإذا كانت التدابير من منطلق اشتراكي مفيدة سوف أطبقها وإذا كانت الليبرالية مفيدة سوف أطبقها، فمرجعنا نحن هو كيف يمكن تحسين بيتنا، الذي هو الدول العربية. ومع ذلك إذا عدنا للأساس الفلسفي الذي يحكم هذا التقرير يمكن أن نفهم بأنه تبشير بالليبرالية الاقتصادية وباستقالة الدولة أكثر منه دعوة إلى تدخل الدولة. أتمنى ألا يُفهم كذلك، فأنا لا أطبل لليبرالية ولا للشيوعيين ولا للاشتراكيين، إنما أطبق نظام الحكومة النموذجية النظيفة في معاملاتها، كما ينبغي لها. فالقوة الاقتصادية لأي بلد والمحرك الاقتصادي الحقيقي هو القطاع الخاص. سواء كان هذا النظام إسلاميا أم ليبراليا أم دمقراطيا، هذا لا يهمني.. تقصدون بالنظام الإسلامي أو الليبرالي أو الدمقراطي، الغطاء السياسي للنظام؟ بالضبط و لكن العمق الاقتصادي يبقى -حسب المؤسسات التي أعدت التقرير- تبشيرا بالنظام الليبرالي إسمعوا، إن المؤسسة الوحيدة التي تعبر عن نفسها باعتبارها ليبرالية هي مؤسسة «فريدريك نيومان» وهي ليست لها أي علاقةبالدراسة. فالدراسة قمنا بها ما بين معهد «فريزر» (الكندي) و «المؤسسة الدولية للبحوث» (العمانية). ولكن معهد «فيرزير» نفسه لا يخفي ليبراليته. يجوز أنه في معهد «فريزر» يوجد مفكرون ليبراليون لكن هذا يرجع لهم وأنا لا أتحدث بلسانهم. طيب، هذا يقودنا إلى سؤال آخر يقلق المواطنين العاديين؛ مع حصول الأزمة الاقتصادية العالمية الأخيرة، حيث رأينا تدخلا من دول - تقول عن نفسها ليبرالية - من أجل إنقاذ مؤسسات مالية وبنوك من القطاع الخاص، أي أنها تستنجد بأساليب اشتراكية. أنا لا أتحدث عن الليبراليين، ومن المستحسن أن توجه هذا السؤال لواحد يعتبر نفسه ليبراليا. تحدثتم كثيرا عن العنصر البشري ،ماهي أهمية الإنسان في التنمية الاقتصادية في نظركم! أولا يجب أن نأخذ في الاعتبار أن الدول العربية لديها مقومات للتطوير الاقتصادي، فإذا كانت بعض الدول لديها النفط أو الماس أو الذهب أو غيره.. التي هي موارد طبيعية، فإن الدول العربية تملك ثروة بشرية هامة. ودليلنا على ذلك أن هذا الإنسان العربي، الذي يُحرم من فرصة الحرية الاقتصادية في بلاده، حين يهاجر إلى أوربا أو أمريكا فإنه يتميز في مجاله سواء الاقتصادي أو الرياضي أو غيره.. فلماذا نحرم هؤلاء الناس من حرية الممارسة في بلادهم. وأعطيك مثالا آخر؛ في الخمسينات قبل الاستقلال، كان دخل الفرد في كثير من الدول العربية أعلى من دخل الفرد في هوغ كونغ أو سنغافرورة.. لكن بعد الاستقلال وتأميم الشركات فإن دخل الفرد في هذه الدول تراجع بشكل كبير وأصبحت من أفقر الدول في العالم، أنظروا إلى ما وصلت إليه سنغافورة وهونغ كونغ الآن. لماذا في نظركم؟ لأنه كانت هناك حرية في المبادرة الاقتصادية وتطبيق القانون وفصل السلطات. هذا يعني أنه ينبغي البدء بالإصلاحات والحريات السياسية. البداية هي ايجاد مؤسسات ثابتة. التقرير الذي قدمناه اليوم يستند إلى خمسة مجالات وأنا برأيي يجب أن يكون أوسع عن هذه المجالات الخمسة. لقد تحدثت عن الاستثمار في الإنسان، الذي ينبغي أن يكون في المرتبة الأولى في قائمة الأولويات وكذا المساواة في المواطنة، فلا ينبغي مثلا أن أمنعك من الوظيفة لأن أصلك بربري أو هندي أو فارسي حتى لو كنت تحمل الجنسية المغربية... هل تعلم أنه عندنا في بعض الدول العربية مواطنين من أصول عربية ويعيشون منذ مئات السنوات لكنهم لايزالون إلى اليوم بدون هوية يسمونهم البدون ،فهذا جزء من المجتمع لا يستطيع أن يتفاعل ويقوم بتنمية البلاد لأنهم لا يتمتعون بحقوق متساوية مع الآخرين، هذا الأمر لم يفرضه علينا الفرنسيون أو البريطانيون، لكننا نحن الذين فرضناه على أنفسها. إذن بإمكانكم اقتراح إضافة هذه المؤشرات على المعايير التي تعتمدها مؤسسة «فريدريش نيومان» المشرفة على هذا التقرير. نحن دائما نتحدث معهم حول هذا الموضوع حتى تكون الصورة مكتملة وهم - والحق يقال - عبروا عن انفتاحهم لتلقي الاقتراحات والآراء الجديدة، ومثل هذه اللقاءات التي تجمع خبراء من الدول العربية ومن غير الدول العربية، تكون مناسبة لتبادل الأفكار.