".....ظهور جديد للقاعدة في جزيرة العرب يُعيدها لمسرح الأحداث والأضواء مرة اخري منذ الهجوم الأخير علي المدمرة الأمريكية كول في أكتوبر 2000م الحدث الذي كان يُوصَف بالأقوى في تاريخ القاعدة هناك ،إلا أن معاودة ظهور القاعدة في اليمن في هذا التوقيت بالذات قد ساعد في صرف الأنظار عن الأماكن الملتهبة _بدءا من أفغانستان مرورا بباكستان إنتهائاً بالعراق والصومال _صَوب اليمن الذي انفجرت بداخلة الأحداث فجأة وبدون إنذار. اطمأن المراقبون للداخل اليمني بمقتل "أبوعلي الحارثي" زعيم التنظيم آنذاك في نوفمبر عام 2002م شمال صنعاء ,ورأوا انه بداية مؤكدة لنهاية التنظيم إلا أن اعتقال الشاب النيجيري "عمر فاروق عبد المطلب"الذي حاول من خلال تجربة فاشلة تفجير طائرة أمريكية كانت تقوم برحلة من أمستردام إلي ديترويت في 25 من ديسمبر الماضي،قد كشف عن صورة مغايرة لما في مخيلاتنا وماتتضمنه تحليلاتنا التي تعاني في الغالب من استقراءات ناقصة وقصور في تقدير قوة التنظيم الحقيقية باليمن و بالرغم من التعاون الإستخباراتي بين الحكومة اليمنية والولاياتالمتحدةالأمريكية إلا أن ذلك لم يحد من نشاطه ولم ينل من قوته بل تطور بشكل لافت ليصل لمرحلة التجنيد والتدريب وإطلاق المهام من داخل اليمن خاصة بعد توحده في يناير من العام المنصرم تحت قيادة واحدة بين أبناء التنظيم في اليمن والسعودية بقيادة عبد الكريم الوحشي اليمني ومحمد العكمي السعودي والذين أطلقوا علي التنظيم الوحدوي الوليد اسم " تنظيم القاعدة في الجزيرة العربية". وهو ما أكدته التحقيقات الجارية مع الشاب النيجيري التي كشفت النقاب عن تلقيه تدريبات جادة ومكثفة أكثر خطورة في اليمن بدءا من التدريب العسكري إنتهائا إلي صناعة المتفجرات والقيام بعمليات نوعية كالقيام باختطاف طائرات وما شابه ...الأمر الذي أعاد القاعدة في اليمن إلي الواجهة مرة أخري. تزامنت تلك الأحداث مع الظهور القوي لقادة القاعدة في الجنوب اليمني إبان تشييع قتلي غارات الطائرات اليمنية علي قري جنوبية يشتبه بأنها مراكز لإيواء أعداد كبيرة لناشطي القاعدة ومحور تمركزهم في الرابع والعشرين من الشهر الفائت،تلك الضربات الجوية التي نجحت في القضاء علي أسماء قيادية تابعة للقاعدة علي رأسهم سعد القحطاني دفعت أبناء التنظيم إلي أن يكشروا عن أنيابهم ويحققوا ظهورا علنياً جديداً لأول مره، بل يندفع "محمد العمير" احد القيادات إلي الإعلان من خلال مكبر الصوت أنهم ليسوا في مواجهة مع الجيش اليمني وإنما مع الولاياتالمتحدة وعملائها في المنطقة ،هذا الظهور الذي يعكس حجم الأرضية الصلبة التي يرتكز عليها التنظيم ولولاها لما غامر بالظهور. جاء الحضور القوي واللافت للقاعدة في جزيرة العرب في خِضم مشهد سياسي مضطرب اثر محاولات جادة وحثيثة لما يسمي بالحراك الجنوبي نحو الانفصال عن الشمال ,وحرب طاحنة تشنها القوات الحكومية علي جيوب الحوثيين في المناطق الجبلية الوعرة في صعده وما حولها،ناهيك عن مشاكل الفقر والتهميش السياسي لأحزاب المعارضة في البلاد والتي تأتي بأكملها في صالح القاعدة التي تراهن بكل قوة علي هذه الظروف والواقع المضطرب واستياء قطاع عريض من اليمنيين لتلك الأحداث مما يؤهل التنظيم لاستقطاب وتجنيد المزيد من الشباب الراغب في التغيير ناهيك عن طريقته وأيديولوجيته. المحاولة الفاشلة لتفجير الطائرة والتي أدت إلي اعتقال الشاب النيجيري أعادت لأذهان الغرب والأمريكيين فاجعة حادثة الحادي عشر من سبتمبر الأمر الذي دفع "جون بيرنان"كبير مستشاري الرئيس الأمريكي لشئون مكافحة الإرهاب إلي أن يؤكد علي أن عناصر القاعدة في جزيرة العرب يمثلون تهديدا خطيرا لأمن المنطقة وجاءت تصريحات مسئولون غربيون لصحيفة وول ستريت جورنال بأن تنظيم القاعدة في الوقت الحالي يعيد توطين عناصره في اليمن نتيجة للضغوط العسكرية التي تتعرض لها الجماعات التابعة له في مناطق أخري مثل باكستان والعراق والسعودية ...إلا أن هذه الصورة التي يتداولها الخبراء ناقصة بعض الشيء لان القاعدة لم تغادر اليمن مطلقا ومن ثم عادت إليه من جديد وإنما هي أعين المحللين والخبراء التي نأت بنفسها عن تتبع تواجد خلايا القاعده في الجنوب اليمني خلال السنوات التسع الماضية .والتي أصبحت بمثابة مركز إلهام وإرشاد العديد من الخلايا الجهادية في جميع أنحاء العالم خاصة بعد فرض الطوق الأمني علي مناطق أفغانستانوباكستان وأكثر دليل علي ذلك حينما نعرف أن" أنور العولقي" إمام وخطيب مسجد دار الهجرة بولاية فيرجينيا السابق والذي غادر الولاياتالمتحدة في أعقاب تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر ومكث منذ هذه الفترة إلي الآن باليمن كان علي صله وثيقة بحادثتين هزتا البيت الأبيض والعالم اجمع هما حادث إطلاق النار من قِبل جندي مسلم يدعي "نضال حسن" في الخامس من نوفمبر الماضي داخل قاعدة فورت بولاية تكساس مما أسفر عن مقتل 13 شخص وإصابة 42 بجروح، والأخيرة وهي المحاولة الفاشلة من قبل الشاب النيجيري لتفجير الطائرة الأمريكية .. .العلاقة التي أكدها "جون بيرنان" بأن العولقي كان علي علاقة مسبقة بالجندي الأمريكي نضال، وذكر العولقي أيضا في تصريح له بأن الشاب نضال تطرق معه عام 2008م إلي كيفية قتل أمريكيين وأكد أن معرفته به ترجع إلي ما يقرب نحو تسع سنوات....وجاءت اعترافات الشاب النيجيري لتؤكد العلاقة مع الرجل نفسه مره أخري....مما تدفعنا هذه الشواهد إلي القول أن القاعدة في جزيرة العرب باتت العقل المدبر والجسد المخطط للعديد من العمليات الإرهابية الأخيرة في مناطق مختلفة في العالم.... علي الجانب الأخر الأكثر التصاقا بالقاعدة في جزيرة العرب كانت هناك مفاجأة من العيار الثقيل أطلقتها حركة الشباب الصومالية حينما قام الشيخ "مختار روبو ابو منصور" القيادي في حركة الشباب الموالية للقاعدة بمقديشو بالإعلان صراحة أمام وسائل الإعلام الغربية والعربية وغيرها استعداده الكامل والتام إرسال مقاتلين إلي اليمن لمحاربة أعداء الله علي حد وصفه....الدعوة التي أضافت بعدا جديدا وغريبا في تاريخ تنظيم القاعدة منذ تأسيسه في تسعينيات القرن الفائت إلي يومنا هذا " إلي ما يمكن تسميته نشوء "دول قاعدية وليدة" تدعوا في العلن وعلي مرئي ومسمع من العالم اجمع إلي الاستنفار والجهاد...لا تلجأ إلي الجبال خشية الفتك بها أو القضاء عليها..تظهر بشكل لافت في تجمعات ضخمة تعلوها لافتاتها وأعلامها وهتافاتها . القاعدة تتحول الآن بقوة نحو العلانية والظهور مما يؤكد علي حجم الخطر الحقيقي الذي تتشكل به القاعدة الآن.. فأين إذن علامات الأفول!!! فمابين الظهور والدعوات في الصومال وتجمعات القاعدة في الجنوب اليمني يدق ناقوس الخطر وتكسب القاعدة جولة أخري .و أرضا جديدة مما عكس قدرة التنظيم علي الحفاظ ليس علي بقائه فقط بل ونموه وتنميته وتطوير أيدلوجيته. هذا الشكل الجديد من دعوات الاستنفار في صفوف حركة الشباب الصومالية لمؤازرة القاعدة في جزيرة العرب من شانه أن يعزز من دور وتواجد القاعدة في القرن الإفريقي مما يجعله تهديدا حقيقيا لأمن المنطقة بأكملها في هذه البقعة الأكثر حساسية وأشد ارتباكا, فالحركة ترسل من الصومال رسالة إلي القاعدة في الجزيرة رسالة مفادها أننا ظهركم الواقي ومددكم وعونكم في مواجهتكم الحتمية القادمة مع الحكومة اليمنية وداعميها من التحالف الغربي بقيادة الولاياتالمتحدةالأمريكية الأمر الذي يؤكده "خليل عناني"المتخصص في حركات الإسلام السياسي بقوله أن اليمن والصومال أصبحت مركز التجنيد والتعبئة الجديدة ويسوق دليلا علي ذلك وهو أن الشاب النيجيري المعتقل ذهب الي اليمن قبل شهور قليله من محاولته البائسة وحصل علي تدريبات عسكرية ضمن معسكرات التدريب التابعة للقاعدة هناك...وأضاف نحن إزاء تطور نوعي في أداء تنظيم القاعدة في قاعدته الجديدة في اليمن التي لم تعد مجرد مركزا للتجنيد والتعبئة وإنما أيضا للتخطيط والتنفيذ يستعد اليمن الآن لخوض مرحلة جديدة هي الأصعب في تاريخه الذي اقترب أن يفتك به شبح الانقسام والذي يري أن تنظيم القاعدة في جزيرة العرب هو الأكثر خطرا علي بقائه واستقرار أمنه وبالرغم من قيام الحكومة اليمنية المدعومة من الغرب وأمريكا لوجيستياً وعسكرياً بحملة عسكرية شامله ضد التنظيم إلا أن هذا لم يقف حائلاً دون تحدي التنظيم وبشكل علني لهذه الحملة ومن يقف ورائها بل تعدي ذلك إلي الوعيد من قِبل قادة التنظيم للنظام اليمني وحكومته وداعميه مما يعكس القوة الحقيقية للتنظيم الذي استفاد من السنوات الهادئة الماضية وأعاد ترتيب أوراقه من جديد مما يجعله يقدم بذلك اختراقا غير مسبوق علي مستوي الخريطة الجهادية العالمية وتدشين نفسه وريثا رسميا لتنظيم القاعدة الأم في أفغانستان...تثير هذه الشواهد أن الحديث عن أفول القاعدة واختلال بنيتها التنظيمية واحتراقها في الهواء استقراء مزيف لواقع أنشطه القاعدة ليس في منطقة القرن الأفريقي فحسب وإنما في العالم اجمع ,فلا زال خطر القاعدة قائم ويتمدد أكثر فأكثر بفعل التصرفات الحمقاء للإدارات الأمريكية المتعاقبة والتي تصب في صالح القاعدة في نهاية المطاف. وصرح رئيس الاستخبارات الأمريكية "دنيس بلير" بان هناك صعوبة في إحباط المخططات التالية للقاعدة وان القاعدة والمنظمات التابعة لها راقبت دفاعاتنا وتعمل حاليا علي تصميم هجمات مستقبليه تتجاوز ما نعول عليه من إجراءاتنا الوقائية...وأضاف هذه الهجمات تتصف بالحذاقه وتتميز بأنها بالغه الصعوبة في الكشف عن هويتها أو تفسيرها أو إحلالها. إذن منطقة القرن الإفريقي علي موعد مع الشيطان وهو ما نستطيع أن نستقرأه من خلال دعوة رئيس الوزراء البريطاني "غوردن راون" إلي عقد اجتماع دولي حول اليمن وتأكيد الرئيس الأمريكي "أوباما" علي أن بلاده ستأخذ كل الإجراءات الضرورية لمحاربة القاعدة ...وتعهدت واشنطن ولندن بتمويل إنشاء وحده أمنية لمكافحة الإرهاب باليمن. الظهور العلني للقاعدة في هذه المنطقة يعطي بعدا استراتيجيا جديدا لها فهي قد خرجت من الكهوف والأكواخ الي العلن ففكرة تصدير الدولة القاعدية القادرة علي تشكيل حدودها و الحفاظ عليها خرجت من عالم الخيالات الي الواقع المحسوس ,مما يسوقنا الي رؤية اكثر وضوحا للواقع الفعلي للقاعده الذي انطلق من فكرة الأفول التي طرحناها إلي واقع التمدد التي رأيناها.