كثيرة هي الأسئلة المطروحة اليوم على الساحة المغربية دون أن تلوح لها في الأفق أجوبة مقنعة وكثيرة هي الأمور التي أصبحنا نحوم ونطوف حولها دون أن تكون لنا القدرة على لمسها أو الشجاعة لذكرها أو مناقشتها والسبب بطبيعة الحال يعود لدستور بلدنا، دستور لم نصغ ديباجياته، دستور لم نناقش مواده، دستور لم يشرح لنا محتواه، دستور لم نصوت لصالحه، دستور فرض علينا لنركع دهرا وننبطح أرضا. لكن للأمانة التاريخية يجب أن نعترف بأن هناك من المغاربة من صوت لصالح الدستور. وكانت نتيجة التصويت ب"نعم" 99،99 في المائة. ولايجب أن تقرأ النتيجة على أن 99،99 في المائة من المغاربة صوتوا ب"نعم" للدستور. لا ثم لا الدستور الحالي لن يصوت لصالحه حتى المصابون بأمراض عقلية. الدستور الحالي لو عرض على اللذين يعيشون في الأدغال بدون ملابس لرفضوه بالإجماع. النتيجة يجب أن تقرأ على الشكل التالي: 99،99 في المائة من المستفيدين من خيرات المغرب (10 في المائة من ساكنة المغرب التي تستحوذ على 90 في المائة من خيرات البلاد) هي التي صوتت لصالح الدستور. 99،99 في المائة من جبناء المغرب (الذين يخافون المقدم والقائد وكل رجل سلطة) هم الذين صوتوا لصالح المغرب. 99،99 في المائة من الانتهازيين المغاربة (الذين يقحمون اسم الملك في كل نقاش سياسي لإخافة الآخرين- الذين أطلقوا عدة ألقاب على الملك الحسن الثاني "الرياضي الأول، الفنان الأول، .......الأول- الذين يطلقون ألقاب لا معنى لها على الملك محمد السادس ) هم الذين صوتوا بنعم لصالح الدستور.99،99 في المائة من حملة السلاح (الذين لايصوتون في الانتخابات العادية) هم الذين صوتوا بنعم للدستور. هاته الفئة من الشعب المغربي (ونعني حملة السلاح) لم تصوت لصالح الدستور لأنها مستفيدة ولا لأنها خائفة أو انتهازية، بل لأنها لم تمنح سوى ورقة "نعم" واضطرت لوضعها في صندوق الإقتراع المكشوف لأنها مراقبة.إن إقحام هاته الفئة من الشعب في التصويت على الدستور بمنحها ورقة "نعم" فقط وأوامر لوضع الورقة في الصندوق المكشوف لدليل على نية من فصلوا مواد الدستور تفصيلا دقيقا. المغاربة الأحرار ،شرفاء هذا البلد لم يصوتوا لصالح هذا الدستور ولن يصوتوا لصالح مثل هذا الدستور ولو تم إعادة بناء تازمامارت من جديد. نحن الآن في حاجة إلى دستور جديد قبل بلوغ سنة 2012 ، دستور متوازن، دستور عادل، دستور يعترف بجميع المغاربة دون تمييز، دستور محددة فيه المسؤوليات وموضحة فيه الواجبات، دستور يقطع مع التعيينات ويؤرخ للانتخابات النزيهة. دستور تفصل وتفصل فيه السلط. دستور يؤرخ لقداسة القانون ويساوي بين البشر. هل لا يستحق المغاربة مثل هذا الدستور؟ ومن يحول دون تحقيق هذا المبتغى؟ المغاربة شعب كباقي الشعوب وبالتالي فهم يستحقون كل الخيرلكن هناك أسباب ذاتية وأخرى موضوعية تحول دون تحقيق مشروع الإقلاع؟ من بين الأسباب ما سبق ذكره ينضاف إليهم عدم الثقة بين الحاكم والمحكوم وخوف كل طرف من الآخر رغم أن أسباب الخوف لا وجود لها إلآ في مخيلة كل طرف. انتظارات مختلفة من كل طرف للطرف الآخر. الشعب ينتظر من الملك أن يضرب بقوة على أيدي المفسدين ويقطع مع الإفلات من العقاب و الملك ينتظر من الشعب أن يصل إلى مستوى وعي معين والتخلي عن الإتكال والتملق. وبين هذا وذاك يبقى المشروع مجمد وحتى قنوات الحوار المباشر غير موجودة. هناك قنوات غير مباشرة لكن تحوم حولها شكوك المصداقية والنزاهة. القنوات المباشرة و نعني بها الأحزاب والقنوات الغير مباشرة وهي المخابرات ورجال السلطة عموما. بالنسبة للأحزاب فالكل يعلم أن أي مشروع إصلاحي يمر من وعبر الأحزاب ولكن للأسف بلدنا مليء بأحزاب لاتمثل إلآ أمناؤها والقلة القليلة من منخرطيها وهي أحزاب الذل والعار التي أوصلتنا إلى هذا المستوى "الدرك الأسفل" وهناك أحزاب موصدة في وجهها الأبواب وشبه أحزاب يحاول بعض أفرادها الرقي بها إلى صنف الأحزاب. القنوات الغير مباشرة لازالت تعمل بعقلية قديمة والتي تتمثل في إخفاء الحقيقة والقول دائما بأن "العام زين" وهذه العقلية تقوم بذلك لتصرف عنها شغل إضافي متعب وهو البحث عن الأسباب والحلول. أما السؤال الجوهري الذي يطرح دائما لخلط الأوراق وهو هل الإصلاح الدستوري يعني الخروج من الأزمة التي نعيشها أو بعبارة أخرى هل هناك ضمانات لنتيجة تغيير الدستور؟ الحقيقة هي أنه ليست هناك أدنى ضمانة بأن تعديل الدستور سيؤدي لتغيير الأمور ولكن هناك أكثر من ضمانة إذا لم يتم تعديل الدستور الحالي تعديلا جذريا فإنه لن تكون في المغرب ديمقراطية ولن تكون هناك حرية للتعبير ولا تمثيلية للمهاجرين ولا حقوق للأمازيغ ولا لغير الأمازيغ. بالعكس سيزداد عدد الراكعيين والمنبطحين، سيكثر عدد الانتهازيين وستزداد الأمور سوءا لأن الأفواه ستقفل والعظام ستشل ولن يستطيع أي مغربي الوقوف على رجليه للمطالبة بحقوقه فما بالك المطالبة بحقوق الآخرين. وبوادر هشاشة العظام أصبحت بادية فماذا صنعنا لأصحاب رسالة إلى التاريخ الذين قطعت موارد رزقهم وعيالهم، ماذا قدمنا للنقيب مصطفى أديب والسيد محمد بن زيان وزهرة والصحافي مصطفى أريري وعلي المرابط والحقوقي شكيب الخياري ومدير نشر جريدةالمشعل ادريس شحتان والمدون البشير حزام ومعتقلو تاغجيجت، ومعتقلو القضية الأمازيغية،و معتقلو النهج الديموقراطي ومعتقلي جماعة العدل والإحسان ومعتقلي الشبيبة الإسلامية ومعتقلو سيدي إيفني . ماذا فعلنا لأخبار اليوم والجريدة الأولى ولوجورنال وإيكونومي أونتربريز ماذا قدمنا للذين دفنوا أحياءا كالسيد المرزوقي والسيد حشاد وكل من كان معهم في قبر تازمامارت، ماذا صنعنا للذين قضوا حتفهم والذين ينتظرون دورهم. هل سنقى في هاته الدنيا خالدين أم أن القبر ينتظرنا؟ ماذا سنقول لخالقنا؟ إننا كنا نعبد البشر ونخاف البشر ونركع للبشر. إن نداء تعديل الدستور المغربي قبل 2012 هو نداء لجميع المغاربة لبلورة وصياغة دستور جديد للبلد يأخذ بعين الاعتبار خصائص الجهوية والحكم الذاتي الموسع بمناطقنا الجنوبية والاعتراف بجميع المغاربة وثقافتهم المختلفة، ويلبي ما أشرنا إليه أعلاه.وهو ليس بأمر جديد هو حلم راود عدد كبير من المغاربة منذ صياغة الدستور الأول سنة 1962 كما أنه يهم جميع المغاربة ولا ينحصر على فئة دون الأخرى. إنه نداء المرحلة، نداء وطني يجب أن يساهم فيه الجميع ولا يحق لأي مغربي أن يختبأ منه. فالنداء مفتوح حتى على الذين يعارضون التغيير. كثير من الناس ترفض التغيير لأنها تخاف التغيير أو لأنها تحب ما ألفت به وماوجدت آباؤها عليه. وهذا النوع ينطبق عليه نكتة الطفل الفقير الذي سأل والده قائلا: من هو أفضل وأحسن الفقر أم الغنى؟ فكان جواب والده: الذي تعرفه أحسن من الذي لا تعرفه. إن التاريخ سيحاسبنا كما حاسب أصحاب الملحمات الحسنية الذين تغنوا بالديمقراطية الحسنية وأطلقوا عدة ألقاب على الملك الحسن الثاني وفي الأخير انكشفت كل الأمور وسقطت أوراق التوت عن عورة المتملقين. اليوم التاريخ يعيد نفسه والمتلقون لايملكون وجها يستحيون عليه يطلقون لقب لا معنى له على الملك محمد السادس "ملك الفقراء" هل الملك فقير أم ليست له سلطة سوى على الفقراء أم أن الملك عنصري يحب الفقراء ولا يحب الأغنياء؟ هذا اللقب لا معنى له فهو يسيء للملك ولا يفيده في شيء. لأنه لاينطبق على الملك وهو من صنع واختراع المتملقين الذي يطلقون ألقابا في الهواء لا معنى لها. تقدم المغرب يرتكز أساسا على بناء الثقة بين الملك والشعب وذلك من خلال دستور عادل وواضح. دستور يقطع مع سلبيات الماضي. دستور يساوي فعلا وحقيقة بين جميع المغاربة ليقطع الطريق على الإنتهازيين والمتملقين الذين أوصلونا إلى هذا المستوى المتدني في جميع الميادين. فالمرأة المغربية متهمة في شرفها والسياحة المغربية مشتبه بها والمهرجانات تحوم حولها الشكوك. الرشوة في تزايد واستغلال السلطة والنفوذ قد تجاوزوا الحدود. الخونة أصبحوا مفضلين عن المقاومون الوطنيون. أبناء العاهرات تسلقوا مراكز عليا في الدولة وسلطوا على الأبرياء. وحتى لا يصبح المغرب سودانا ثانيا مهدد بالإنقسام. وعلى ذكر الإنقسام فإن المنتظم الدولي يرفض رفضا قاطعا أن ينضاف كيانا جديدا ضعيفا بين المغرب وموريتانيا و لكن وجب التنبيه أيضا بأن الصحراويون يرفضون الانضمام إلى المغرب لأنهم يعتبروننا في معتقل ويرفضون المجيء للمعتقل وهم بذلك يشيرون إلى الدستور الحالي الذي يضع كل السلط بيد الملك ويعتبره مقدسا. تعديل الدستور سيفسح المجال لعدد كبير إن لم أقل كل الصحراويون بالالتحاق بالمغرب. وأيضا حتى لايصبح المغرب صومالا آخر أو يمنا آخر، على جميع المغاربة أن ينكبوا ويساهموا في التغيير. فالطريق طويل وشاق والتغيير لا يعني فقط تعديل الدستور. تعديل الدستور هو الأول هو الأساس والبداية لكنه قطعا ليس هو النهاية أو الخاتمة. فعلى بركة الله تنطلق سفينة التغيير وبالتوفيق للجميع إن شاء الله. [email protected] mailto:[email protected]