ونعتقد أن هذه الإصلاحات الدستورية لا يمكن أن تعتبر مجرد عملية روتينية أو موسمية، بل هي إصلاحات يفرضها التطور الحاصل خلال العقد الأخير، بالحفاظ على الدور الرائد للمؤسسة الملكية الضامن لاستمرارية الدولة المغربية بكل مكوناتها المادية ومقوماتها الحضارية والتراثية وتطلعاتها الحداثية وسط عالم متغير ومتطور ومؤثر. ليس هدفنا في هذه التأملات العامة، أن نبسط تفاصيل هذه الإصلاحات الدستورية، فهناك آليات وضوابط لتوضيح مفاهيم هذ الإصلاحات، ولكن مع ذلك نكتفي بالتأكيد على أن تضمن هذه الإصلاحات تأهيل المؤسسات الدستورية كلها، بالقيام بالأدوار المناطة بها في مجابهة كافة التحديات المطروحة على بلادنا، وذلك بتعزيز وتحديد الدور الرائد والمتميز للمؤسسة الملكية في التوجهات العامة والاضطلاع بالمجال المحفوظ والمدعم للوحدة الترابية والتلاحم الوطني باستقلال عن كل المؤثرات التي قد تسمح به الممارسة الديمقراطية المواطنة والمقررة في الإصلاحات الدستورية، بتعزيز دور ومكانة المؤسسة الحكومية ومنهجها الديمقراطي في التدبير اليومي للشؤون العامة الوطنية، وتحمل مسؤولياتها الحكومية أمام جلالة الملك والمؤسسة البرلمانية. على أساس أن تنبثق هذه الأخيرة عن انتخابات ديمقراطية نزيهة وشفافة، تعكس الخريطة السياسية الحقيقية للمشهد السياسي وتتوج بتطبيق فعلي وملموس المنهجية الديمقراطية. وتأهيل المؤسسات الدستورية يقتضي بالضرورة أيضا أن يتم التفكير في مراجعة تكوين المؤسسات المنتخبة على المستوى الوطني والمحلي، والعمل على أن نجعل من الانتخابات آلية ومناسبة لإقرار الديمقراطية التمثيلية الحقة وإرجاع الثقة في الانتخابات والمؤسسات المنبثقة عنها، وجعل حد لمظاهر العزوف واللامبالاة المقلقة التي أصبحت تطبع انتخاباتنا الوطنية والمحلية. ومع المؤسسات الدستورية لا يمكن أن ننسى مؤسسة السلطة القضائية، وأملنا أن يأتي الإصلاح المنتظر والمعلن عن تحضيره حاليا كتمهيد لدسترة مؤسسة القضاء، كسلطة قضائية، مكلفة بالحرص على احترام وتطبيق القانون والاستفادة من المكاسب التي نعتز بها في نظامنا القضائي ومجهودات القضاة النزهاء والأوفياء لمهمتهم السامية في إصلاح الاختلالات ورد الأمور الى نصابها؟ والإصلاحات الدستورية المنشودة تفرضها الحاجيات المتمثلة في إعادة النظر في مشكل ودور مجلسي البرلمان في أفاق إقرار برلمان واحد وليس برلمانيين اثنين من خلال الاختصاصات الحالية المخولة لكل من مجلس النواب ومجلس المستشارين. وتطوير المكتسبات والتطلعات الشرعية في مجال توسيع حقوق الانسان، وتطوير الجماعات المحلية وبالخصوص على المستوى الجهوي في إطار تعزيز الوحدة الترابية، والحفاظ على مكتسباتنا الوطنية في استرجاع أقاليمنا الجنوبية بمساندة دولية لطي هذا الملف وفتح المجال لبناء اتحاد مغرب كبير تجابهه تحديات العولمة والتكتلات الدولية. ثانيا، في انتظار الإصلاحات الدستورية: ضرورة تفعيل أكثر للمؤسسات الدستورية الحالية إن منجزات العشر السنوات الأخيرة، من خلال تقييم إجمالي لها، تفرض أن نجعل من الاستحقاقات التشريعية لانتخابات مجلس النواب في سنة 2012 محطة تاريخية وأساسية لإدخال الإصلاحات الدستورية المرجوة حيز التطبيق بانتخاب برلمان جديد في صيغة جديدة، نتمنى أن تأتي به الإصلاحات والمراجعة الدستورية المرجوة. ولن نكتفي بأن نقول بالإكتفاء بتطبيق منطوق ومضمون الدستور الحالي، دستور 1996، فقط من أجل فتح الأفاق الواعدة، بل من اللازم أن يقتنع الجميع بضرورة تأكيد العهد الجديد بإصلاحات دستورية جديدة، لن ندخل في التفاصيل، لكن في انتظار هذه الإصلاحات، ونتمنى أن لايقول انتظارها، من اللازم أن نقف عند سير المؤسسات الدستورية الحالي لتكون الفترة المباشرة القادمة أكثر فعالية وأكثر عقلانية في التدبير، وأنجع مردودية في النتائج. الأمر يتطلب أن نقرأ قراءة جيدة ومتطورة وحداثية لمختلف مواد الدستور المتعلقة بمكانة ودور المؤسسة الملكية، وتأكيد أهمية المسؤولية الرائدة التي يضطلع بها جلالة الملك في القيادة العليا للدولة والتمثيلية السامية للأمة وإمارة المؤمنين، وضمان استقلال البلاد والسهر على احترام الدستور وصيانة الحقوق والحريات. كل ذلك يؤكد ويعزز الحضور الفاعل والمتميز للمؤسسة الملكية والموجه والمشرف على حسن سير وفعالية باقي المؤسسات الدستورية في احترامها للمشروعية التأسيسية والشرعية التدبيرية. وانطلاقا من الدستور الحالي لسنة 1996، نرى أن تفعيل المؤسسات الدستورية الأخرى يحتاج إلى تفعيل أكثر، وحرص على تطبيق الدستور في شكله ومضمونه. للأسف نلاحظ غياب مؤسسة دستورية تم النص عليها دستوريا منذ دستور 9 أكتوبر 1992 في فصوله 91 و92 و93، ووقع تأكيدها في الدستور الحالي دستور 7 أكتوبر 1996 في الفصول 93 و94 و95، وهي المجلس الاقتصادي والاجتماعي. ولقد سبق لنا أن نبهنا غير ما مرة إلى هذا الغياب في صيغة: البحث عن متغيب، ونرى أنه لو خرج هذا المجلس إلى الوجود بعد صدور المراجعة الدستورية لسنة 1992 لظهرت تجربته الأولى ولأعطانا تصورا جديدا لطبيعة وتكوين مجلس المستشارين المحدث والمضاف في دستور 1996. ولابد أن نسجل أنه سبق لجلالة الملك محمد السادس أن أكد على ضرورة إخراج المجلس الاقتصادي والاجتماعي إلى الوجود عدة مرات وبالخصوص في خطاب العرش ليوم 30 يوليوز 2000. ونعتقد أن إخراج المجلس الاقتصادي والاجتماعي إلى الوجود لن يكون إلا إيجابيا للقيام بالأدوار التي يمكنه أن تخول له بالنظر إلى مختلف التجارب الأجنبية الإيجابية التي أظهرتها مثل هذه المؤسسة. بالنسبة للمؤسسة الحكومية: لايمكن لأي كان أن يشكك أو يقلل من الدور الدستوري المقدم إلى الحكومة، بكل مكوناتها، من الوزير الأول إلى باقي الوزراء بمختلف درجاتهم. بطبيعة الحال، من اللازم تدقيق بعض الجوانب في دور الحكومة ومهامها وعلاقتها بباقي المؤسسات الدستورية. وفي هذا المجال، لاشيء دستوريا يمنع من أن تقوم الحكومة بفعالية بالسلطات المخولة لها دستوريا تحت القيادة والتوجيهات الرشيدة لجلالة الملك. فما الذي يمنع الوزير الأول من أن يكون حاضرا أكثر في البرلمان وخارجه، وبالخصوص في مجلس النواب لتقديم التصريحات اللازمة والمنتظمة. ولمَ لا الإجابة عن بعض أسئلة البرلمانيين التي تهم الحكومة ككل. ولا نرى أيضا ما يمنع مجلس الحكومة من اتخاذ القرارات اللازمة والضرروية التي لاتستوجب اتخاذها من قبل مجلس الوزراء. فكم من مرة نسجل في بلاغات مجلس الحكومة أن هذا الأخير يدرس مجموعة من المراسيم ويعلن دخولها حيز التنفيذ بعد إقرارها والمصادقة عليها في مجلس وزاري قادم، مع العلم أن الفصل (65) من الدستور الحالي يحدد طبيعة المراسيم التي« تحال على المجلس الوزاري،.. قبل البت فيها» وهي: - المراسيم التنظيمية - المراسيم المشار إليها في الفصول 40 و41 و45 و55 من الدستور الحالي. ونسجل هنا، أنه بالفعل تم أخيرا، نشر مراسيم تمت المصادقة عليها في اجتماع مجلس الحكومة ليوم 13 ماي 2009، لكنها لم تنشر في الجريدة الرسمية إلا بتاريخ 18 يونيو 2009، وهي مؤرخة يوم 11 يونيو 2009 ولأنها ليست مراسيم تنظيمية. كما أننا لانرى أن الدستور يمنع الوزراء من القيام بمهامهم المنوطة بهم في الظهير المعين للحكومة وبالنصوص التشريعية والتنظيمية التي تفرض عليهم مهامهم وتحددها بتنسيق بينهم من قبل الوزير الأول في إطار التوجيهات السامية والعامة لجلالة الملك. آثار المؤسسة البرلمانية: فمنطوق الدستور يحدد مهامها وعلاقة البرلمان بمجلسيه بباقي المؤسسات. وفي انتظار مراجعة دستورية بشأن شكل واختصاصات البرلمان، نرى من الضروري تفعيل مجلسي البرلمان الحاليين بشكل يعطي الفعالية والنجاعة أكثر لسير المؤسسة البرلمانية. لكن مع ذلك نرى من اللازم، في انتظار المراجعة الدستورية، أن تتم إعادة النظر في بعض مضامين النظامين الداخليين لكل من مجلس النواب ومجلس المستشارين بعقلنة سير المجلسين بدون المس بمضمون ومنطوق الدستور الحالي، ومن بين الإمكانيات الممكنة أن يعقلن بها عمل مجلسي البرلمان اتخاذ القرارات التالية في النظامين الداخليين للمجلسين وإدخالها حيز التطبيق بعد عرضها على المجلس الدستوري قصد إبراز عدم مخالفتها للدستور الحالي. إقرار اجتماع مجلس البرلمان في جلسة مشتركة، كما هو الأمر في افتتاحه يوم الجمعة الثانية من شهر أكتوبر تحت رئاسة جلالة الملك: ويمكن أن تتم هذه الاجتماعات المشتركة مثلا في: تقديم البرنامج الحكومي بعد تعيين الحكومة من قبل جلالة الملك. تقديم التصاريح الحكومية من قبل الوزير الأول. وعلى العموم في جميع القضايا العامة المشتركة التي لا تستوجب تصويتا على نص مشروع قانون أو ملتمس رقابة، أو تنبيه للحكومة. كذلك لماذا لا يدرس مجلس البرلمان في جلسة مشتركة الأسئلة الشفهية المقدمة إلى الحكومة، حتى لا يتم التكرار، وبطبيعة الحال، يمكن تحديد تقنيات التشارك أو التشاور في رئاسة تلك الجلسات المشتركة بين الهيئات المختصة و الممثلة لكلا المجلسين. من جهة أخرى، يعتبر بث جلستي الأسئلة الشفوية لمجلس المستشارين يوم الثلاثاء ويوم الاربعاء لمجلس النواب مكسبا سيتعزز ترشيده وتوفير أركان أخرى للاشتغال لكل من أعضاء البرلمان بمجلسيه ولأعضاء الحكومة. ولقد حاولت الأنظمة الداخلية لمجلس البرلمان ترشيد وتنظيم الوقت المخصص للأسئلة الشفهية، ونتساءل في هذا التوجه، لماذا يضيع كثير من الوقت في سرد مواضيع الأسئلة من قبل رئاسة الجلسة، مع العلم أن واضعي هذه الأسئلة هم المكلفون بطرح مضامينها، ومن جهة أخرى فهل من الضروري أن يعاقب البرلمانيون والمتتبعون بسرد أسماء قوائم واضعي السؤال، هل هو إشهار لأسمائهم أو إيهاما بحضورهم العقلي. إن الفريق البرلماني منصوص عليه في الدستور. فلا يتعارض حضوره وتمثيله الفعلي للبرلمان، مع دور البرلماني كمنتخب، كنائب برلماني أو مستشار بمجلس المستشارين. من جهة أخرى هناك مؤسسات دستورية خرجت الى الوجود لابد أن نحيي هذا الوجود والحضور: المجلس الأعلى للتعليم، وكذلك نسجل ونحيي حضور وإحياء هيئات ومجالس استشارية بدأت تشتغل وتعطي نتائجها وعملها المستمر المنتظم، لا يمكنه إلا أن يعزز، بتفعيل المؤسسات بصفة عامة وبدعم عمل المؤسسات الدستورية. وتأهيل المؤسسات الدستورية، رغم أهميته لا يعني عدم تأهيل أكثر للمجال الاقتصادي والاجتماعي، وإنقاذ وتأهيل المجال السياسي من بعض البوادر المقلقة التي طفت في الاستحقاقات الانتخابية الأخيرة.