نحن ، شباب اليوم ، أطفال الأمس ، مواليد السبعينيات و الثمانينيات ، ارتوت أجسامنا بألبان أمهاتنا أو من تنوب عنهن عند الضرورة ؛ أما أنفسنا و عقولنا فقد تخطفتها المدرسة و التلفاز تاركتان الفتات للأسر المسكينة ضحيةِ الجهل و الفقر ... غير أن التلفاز، رغم وحدانيته المطلقة و قلة ساعات بثه آنذاك ، بخلاف ما هو عليه الأمر حاليا ، كان له سحر خاص سلب ألبابنا و عقولنا ، أو احتكرها على الأصح ..؛ فكان بحق الأب الروحي الذي زودنا بالأفكار و القيم التي وجهت سلوكاتنا زمنا ليس باليسير سيطر على المراحل الأساسية التي يقر علماء النفس أنها الحاسمة في تكوين الشخصية . مالت طفولتنا بمختلف مراحلها إلى الرسوم المتحركة و الأفلام العربية و الغربية ، و برامج ضيافة النجوم العظام حيث نصغي بشغف نحن العطشى في ذلك السن لمن نقتدي به إلى سِيَر الفنانين العظام قدوتنا بدون منازع ... منهم تعلمنا الكثير الكثير ؛ علمونا كيف نلبس ، و نأكل ، و نشرب ، و نبكي ، و نضحك ، و نصيح ، و نتكلم ، و نتزوج ، و نفكر .... علمونا تقريبا كل شيء ، أي شيء ... من منا لم يكن ينتظر بلهفة و شوق المواعيد التي كانت تضربها لنا تلفزتنا الوطنية لعرض الأفلام المصرية و الأمريكية ... كنا نعيش قلبا و قالبا في صحبة ممثلين و ممثلات نقتبس منهم نورا نستضيء به في معترك حياتنا الطفولية ، نزيح به عنا ظلمات جهلنا و جهل أبائنا أو غفلتهم عنا ..، حتى كنا خير صاحب لخير مصحوب ... من شدة صحبتنا ، كان لنا هؤلاء ، إلى حد الآن ، و لو بشكل خفي في شيء من الحنين اللذيذ إلى الطفولة ، مرشدون روحيون ... بأسلوب سهل لذيذ علمونا كل شيء ... علمونا في جو من القدسية الثورية و الهيبة و المرح كذلك أنه يجب أن يثور الفتى و تثور الفتات على تقاليد الأجداد البالية الخرقاء المثيرة للسخرية أو الغيض ..، و علمونا كيف نكسر القيود و الأغلال المسماة حشمة و حياء و هذا حلال و هذا حرام ... علمونا بإخلاص أنَّ تعانق العشاق الحار أمام الجمهور شيء عادي ..؛ و أن التقاء الشفاه و سقوطها على الخدود شيء عادي ..؛ و أن السقوط في الحب و الغرام مع المواعيد خلسة سنة مؤكدة لا بد أن تسبق الخطبة و عقد القران ... أعلمونا بالأماكن الأليق بلقاءات الأحباب : إنها المقاهي و المطاعم ، و الحدائق و على رمال الشطآن الساحرة ، و لما لا في الحانات و المراقص الليلية و كل ما جد من أماكن اللهو النهارية و الليلية ... ... علمونا أن الأكل بالسكينة يمنة و الشوكة يسرة من رموز رقي الحضارات ... علمونا كيف ننادي بابا و ماما ... علمونا كيف نشكر بأن نقول Merci ..، و كيف نقسم بأن نقول بحياتك يا حبيبي ... علمونا كيف يجب أن نلبس و ماذا يجب أن نلبس بالبيت و العمل و الشاطئ و الحفلات ... إنه لم يكن لنا و لا لأوليائنا ذاك الفكر الثاقب لنخبة المفكرين الحداثيين الكبار رواد الثورة على التقاليد البالية الموروثة ..، الرواد العظام الذين بشرونا بجنة التحديث و العصرنة ..، الرسل المرسلة ... تكسرت جهودهم التبشيرية على صخور أفهامنا المتحجرة الصلبة .. و ضاعت صيحاتهم و صرخاتهم المسجلة في كتبهم و صحفهم سدى ... مجتمع أُميٌّ أنَّى له أن يفهم !!. لكن ، والفضل للممثلين و الممثلات ، الآن فهمنا ، و استوعبنا ، و آن الآن للمبشرين الرواد و هم في تربتهم أن يرتاحوا ، فقد أثمرت الجهود ، و ها نحن كما يرى الجميع نرقى و نرقى في الدرجات ..، أية درجات ...الآن تشهد أسرنا و شوارعنا و مدارسنا و مقرات عملنا و مقرات لهونا بهذا الفضل العظيم ... وتستمر الرسالة النبيلة التي بدأها الرواد ، و يحمل شعلتها الخلف الصالح في كل بلد ، و قد اتسعت دائرة الممثلين و الممثلات ، وها قد أصبح مغربنا العزيز بدوره ورشا كبيرا للإنتاج ، للإبداع ، للفن ..، ليساهم هو الآخر بقوة أكثر في المشروع الكبير للمبشرين ... لقد أضاءت أرض المغرب ، كما استضاءت مصر و غيرها ، بالنجوم اللامعات ... و تستمر الثورة على الأخلاق الباليات ..، و يستمر الرقي و الرقي في الدرجات ... وبأسلوب سهل لذيذ يعلمون أبناءنا كل شيء .. أي شيء ... [email protected] mailto:[email protected]