من مقامات مفجوع الزمان الجوعاني : "" حدثنا مفجوع الزمان الجوعاني ، وهو من ضحايا القمع المجاني ، فقال : عشية اليوم الوطني للإعلامْ ، اقتنيت ثلة من الجرائد المشهورة هذه الأيامْ ، قصد الإطلاع على ما يجري في البلد بشكل عامّْ ، فلما تصفحت أوراقها الواحدة تلو الأخرَى ، خاب رجائي في اقتناص الفائدة الكبرَى ، وعدت منها بخف تسوء كل ذكرَى ، إذ لم أجد في سطورها إلا البكاء على الأطلالْ ، ولم ألفي لديها غير المرافعة عن حرية مكبلة بالقيود والأغلالْ ، ولم أقرأ فيها سوى غرائب ما بعد الإستقلالْ ، فلم وجدتها تركن بالإكراه إلى السوادْ ، خرجت من كوخي الشاهد على بكاء الأهل والأولادْ ، الساخط على وضعية الأرق والسهادْ ، وتوجهت نحو مجمع خلي ابن أبي الرعايهْ ، صاحب الألف حكاية وحكايهْ ، فوجدته كالعادة منهمكا في بيع ما لذ وطاب من قص وروايهْ ، يستفز هذا بنثر منظومْ ، ويمدح ذاك بكل رحيق مختومْ ، ويستجدي عطف الكل بذكرى أبيه المرحومْ ، وقبل أن ينهي مجلسه الفريد من نوعهْ ، ذكرت له بأسلوب من صنعهْ ، قصتي مع الإعلام الوطني ووضعهْ ، فاسود وجهه حتى كأني به عنه انفصلْ ، وجلس القرفصاء وبحروف الجرأة اكتحلْ ، ثم قال بعدما أثنى عن كل شهم وبطلْ ، : وإذا الموؤودة سئلتْ ، بأي ذنب قتلتْ ، فقل في كلمات لنا نُسِبتْ ، إنها آمنت بالاستقلال عهدا جديدَا ، وصدقت أن للحق في بلدي صرحا تليدَا ، ونست أن إبليس كان وسيظل شيطانا مريدَا ، ... قتلت بسيف الحرية المزعومهْ ، وطعنت برمح الديموقراطية المفهومهْ ، وذبحت بسكين الوطنية المعلومهْ ، فوا أسفاه عليها وعلينَا ، سنرجع بدونها للوراء مهما بنينَا ، وسنبقى متخلفين بغيابها مهما ارتقينَا ، ... وإليك عني يا مفجوعْ ، فالشعارات لا تسمن ولا تغني من جوعْ ، والموتى لا ينفعهم بكاء ولا تحييهم الدموعْ ، والميت هنا يا سادتي الأعزاءْ ، موؤودة سميت في وطن الغرباء والتعساءْ ، بالصحافة المستقلة وأنعم بدور هذه الأسماءْ ، قتلها غدرا حماة العهد المتأخرْ ، لما رأوها لحمولة الأباطيل تبعثرْ ، ولما أدركوا وإدراكهم للخسران يفجِّرْ ، أنها تسعى بجد لامتلاك سلطة على أرض الواقعْ ، أساسها كلمة قحة عن المظلومين تدافعْ ، ورأسمالها أقلام حرة للأوضاع تحلل وتراجعْ ، وغايتها تنوير شعب للعدالة الشريفة ما وجدْ ، لكن هيهات هيهات يا أيها الوالد ويا أيها الولدْ ، فمثل هذه الصحافة في مثل هكذا بلدْ ، محكوم عليها بالموت منذ البدايهْ ، وهكذا كان والكل يعرف الحكايهْ ، فقد وضعت منصات الإعدام لهذه الغايهْ ، وتحرك حماة العهد المتأخر من كل جانبْ ، وأجمعوا أمرهم على تأديب من لنهجهم يجانبْ ، وعزموا على تصفية من لحربهم هذه يحاربْ ، فسخروا لذلك أصناف الشرطة ومسالك القضاءْ ، وفتحوا لتحقيق مرادهم سجون البلاء والابتلاءْ ، ووضعوا أمام الصحافيين الخطوط الحمراءْ ، فمن تجاوزها عن غير قصدْ ، حكموا عليه بالغرامة والجلدْ ، واتهموه بتهم لا يحصرها العدّ والجردْ ، ومن تجاوزها مع سبق الترصد والإصرارْ ، سلطوا عليه كل طاغية جبارْ ، ليمحو ما تبقى لحياته من آثار وأخبارْ ، فتحول الصحافي ما بين ليلة وضحاهَا ، إلى مجرم خطير يروع أمن البلاد ورعاياهَا ، وأصبحت الصحافة المستقلة ومن يرعاهَا ، متهمة في كل الأرجاءْ ، تجرجر نساؤها في المحاكم دون استحياءْ ، ويزج برجالها في المعتقلات صبح مساءْ ، لا تجد في أخبارها إلا مواعيد المحاكماتْ ، ولا تقرأ بين ثناياها إلا أرقاما خيالية للغراماتْ ، ولا تسمع عنها أو منها إلا مرارة الآهاتْ ، وآه ثم آه لو يعلم " الحماة " ماذا يصنعونْ ، إنهم للبنات الدولة يخربونْ ، ولحروف الحرية يحرفونْ ، وحتما سيأتي اليوم الذي فيه سيندمونْ ، فالبلد يا سادتي بدون صحافة مستقلة حرة ومسؤولهْ ، لن يتجه إلا صوب وجهة مجهولهْ ، ولن ينتج إلا فئات تكون بنهب ما تبقى من خيراتنا مشغولهْ ، ولأجل ذلك هم يجتهدونْ ، وفي هذا الإجتهاد هم ينفردونْ ، فلا تصدق ما يروجون أو يرددونْ ، وانظر معي بعيدا عن الغيوم والضبابْ ، هل تجد للحق تحقيقا في أي باب من الأبوابْ ، واسأل معي إن كان يعتريك من قولي شك أو ارتيابْ ، عن كرامة المواطن العادي لماذا تهانْ ، وعن كرامتهم لماذا وبماذا تصانْ ، وبأي حق هم يحترمون ونحن ندانْ ، ؟؟؟ فإن قلت بأن القانون وضع ليكون فوق الكلِّ ، يكفل للرعية حق العيش بعيدا عن الذلِّ ، ويضمن لها المساواة على الأقلِّ ، فأجبني بلا لف ولا دورانْ ، عن سبب تأخرنا المخزي عن باقي البلدانْ ، وعن سر تربعنا على عروش التقهقر والنقصانْ ، وعن مغزى ومعنى حقوق الإنسانْ ، وأجبني بصريح العباراتْ ، من المسؤول عما نراه في مغربنا من مفارقاتْ ، ومن يخلق في وطننا كل هذه التناقضاتْ ؟؟؟ ... إن قانونا وضع فقط لخدمة الأسيادْ ، ووجد ليطبق على الضعفاء من العبادْ ، وفصِّل لقمع الحرية بأبشع سلاح وعتادْ ، هو قانون للغاب ينتمِي ، وهو قانون حتما بالظلم يحتمِي ، وهو قانون نحو الغضب عليه يرتمِي ، ... فإذا تفقهت في كنه الجوابْ ، فابحث معي عن عين الصوابْ ، ولا تتعجل زمن الهلاك والخرابْ ، بل قم فأصلح ما يمكنه الإصلاحْ ، ونقب عمن يبتغي لبلده الخير والفلاحْ ، واشترك معه في صناعة الإزدهار والنجاحْ ، فالبلاد لجهود الجميع تنتظرْ ، صحافة ومواطنا وأميرا ومن بأمره يأتمرْ ، و "إنما أكلت يوم أكل الثور المغرور المفتخِرْ " ، ذا مثل متصرف فيه بعيدا عن الغلطْ ، يحتاج لمن يفهم كنهه بمنأى عن اللغطْ ، و " إنما السيل اجتماع النقطْ " ، ذا مثل آخر منه تستلهم كل الخططْ ، و إذا الموؤودة سئلتْ ، بأي ذنب قتلتْ ، ذي آية تنطبق معانيها على صحافة في عصرنا حقوقها اغتصبتْ ، ولولا صمتنا لما كان ما كانْ ، واللبيب من بالإشارة يفهم ما بعد العنوانْ ، وآخر الكلام يا مفجوع الزمانْ ، تحية نضالية للإعلاميين الأحرار في كل مكانْ .