من مقامات مفجوع الزمان الجوعاني : حدثنا مفجوع الزمان الجوعاني، وهو من ضحايا القمع المجاني، فقال: حدثني من أثق بروايتهْ ، و لا أشك في مقالتهْ ، فقال : << في بلد تسرق فيه قصور السلطانْ ، ويباع فيه الضمير بأبخس الأثمانْ ، ويصلب فيه المظلوم بالزور و البهتانْ ، ويبشر فيه المبشرون بغد العفاف والكفاف والغنى والظرافةْ ، و يؤكد فيه الوضع على آستمرار الوهم و الخرافهْ ، وتقل فيه الأمطار لتزيد الحالة قحطا و جفافاَ ، في هذا البلد الغني بمواردهْ ، المشهور بالكرم على موائدهْ ، المعروف بالجود على وافدهْ ، جرت واقعة خطيرة الأبعادْ ، فقد صب البنزين على الأجسادْ ، و أشعلت النيران فوق رؤوس العبادْ ، لتعلن حالة طوارئ في العاصمة الرباطْ ، و ليحتشد المخزن بالعصي و السياطْ ، درءا لأي خطر قد يلحق بمحيط البلاطْ ، و إليكم الواقعة دون فخر أو إعتزازْ ، ولكم الحكم عليها من غير إنحيازْ ، فأقول و الله المستعان على ما جرى من نشازْ ، : ولدت الأمم العظيمة العظماءْ ، و تخرج من الجامعات الكبرى الكبراءْ ، و احترم بمنطق العلم العلماءْ ، و نحن و لأننا في المغرب الأقصىَ ، كان حتما علينا أن نقصى َ، و لا تسأل عن عدد المقصيين متى يحصَى، فأمتنا على الجهل ما زالت حريصةْ ، و جامعاتها ذات المشاكل العويصةْ ، لا تنتج إلا الشواهد الرخيصةْ، و أصحاب هذه الشهادات واحسرتاهْ ، كل واحد منهم يصيح واخيبتاهْ ، فقد ضاع الحلم الجميل وكممت الأفواهْ ، و بما أننا في مغرب العهد الجديدْ مغرب الشعارات المسموعة من بعيد ْ ، المنادية بطي صفحة الماضي الأسود العتيدْ ، فقد إختار حملة الشواهدْ ، الإنخراط في جمعيات هدفها واحدْ ، ألا و هو التوظيف للغائب منهم و الشاهدْ ، فتكتلوا فيها وهم في عز الشبابْ، و توجهوا بسلم لطرق الأبوابْ ، أملا منهم ان تنشرح لهم الصدور و الألبابْ ، فرفعوا الشعار تلو الشعارْ ، و طلبوا الحوار بالليل و النهارْ ، و صاموا عن الطعام و الناس في إفطارْ ، شعارهم: لا لأنصاف الحلولْ ، و سلاحهم شواهد تعبت في تحصيلها العقولْ ، ولسان حالهم يقولْ : "" أخي جاوز الظالمون المدى = فحق النضال و حق الفدى بحت أصواتهم و لا من مجيبْ ، وذاقوا قسوة البعيد والقريبْ ، فصاروا لبعضهم البعض الطبيب و الحبيبْ ، و حدث ان عقدوا مع المسؤولين الجلسات الطوالْ ، فلما كان التماطل هو الفصل في المقالْ ، قرروا تصعيد أشكال النضالْ ، فتوجهوا بادئ الأمرْ ، برسالة كتابية للقصرْ ، و ما وصلت الرسالة إلى ذوي الأمرْ ، فساروا بقلوب بئيسةْ ، نحو باب الكنيسةْ ، لعرض أحوالهم التعيسةْ ، فكانت العصا لهم ترحابَا ، و كان التنكر لهم جوابَا ، و ما زادهم رد الأسقف إلا عذابَا ، فقرروا الإعتصام أمام البرلمانْ ، حتى يزيلوا الصمم عن الآذانْ ، و حتى يزحزَحوا عن خانة البؤس و الحرمانْ ، فزلزلوا بالمخزن زلزالا عظيمَا ، و قسِّمت ظهورهم تقسيمَا ، و حطمت صفوفهم تحطيمَا ، فعادوا مرة أخرى للظهورْ ، و لم تشف بعد منهم الظهورْ ، ولم تجبر لهم كل الكسورْ ، وكتبوا بدمائهم عريضة طويلةْ ، تحمل أسماءهم و آمالهم الجميلةْ ، فما ترجلوا إلا قليلاَ ، حتى مزقوا تمزيقَا، وفرِّقوا تفريقَا ، كأن لم يكونوا فريقَا ، و كلما صعّدوا تصعيد التصعيدْ ، بادرت حكومة العهد الجديدْ ، إلى تحويل المظاهرة لمرحومة و فقيدْ ... و تمضي الأيام و الأعوامْ ، و حملة الشواهد العليا بين إضراب و إعتصامْ ، اقتحموا أبواب الإدرات فسلخوا، وصعدوا سطوح الوزارات فمُسخوا ، وصرخوا و الكل يعرف أنهم صرخوا ، لكن من ذا الذي يجيب الآهات و الصراخْ ، ومن ذا الذي يدرأ عنهم المؤامرات والفخاخْ ، في زمن حكومات الإنبطاح و الإنسلاخ؟؟؟ هذا هو السؤال الذي طرحوهْ ، و هذا هو الواقع الذي فضحوهْ ، ولو أنهم وظِّفوا لأصلحوهْ ...و يدب اليأس إلى نفوسهم رويدا رويدَا، و يقتحم قلوبهم فردا فردَا ، فيعلنون لأنفسهم عهدَا،...اشتروا بنزينا رفعت له الأسعارْ ، و عزموا الدخول في سياسة الإنتحارْ ، فأضرموا في أجسادهم نارا على ألف نارْ ، وكل واحد منهم يقولْ ، موت وهم يزولْ ، ولا عيش ذل يطولْ . و هكذا يا مفجوعْ ، ذاب الجسد المقموعْ ، وانتهى زمن الحق فإلى الله الرجوع ْ >> ... قال مفجوع الزمان الجوعاني : فلما انتهى صاحبي من مقالته القاتمةْ ، خرجت و إياه للتجول في شوارع العاصمةْ ، فألفينا حالة الطوارئ فيها قائمةْ ، فهؤلاء حملة رسائل السلطانْ ، تحولوا إلى شهب من النيرانْ ، و هؤلاء معاقون في ركن من الأركانْ ، تنهال عليهم العصي العمياءْ ، وهؤلاء دكاترة يعتريك منهم الحياءْ ، يسلخون سلخة البهيمة البكماءْ ، وهؤلاء مكفوفون لا يرون شيئَا ، جعلوا لهم القمع غنيمة و فيئَا ، و لم يفعلوا و الله شيئَا ، ... فقلت لصاحبي و قد صرنا كالمجانينْ ، لشدة وهول ما تتلقفه جماعة المعطلينْ ، في أي عهد نعيش يا طالب الحق المبينْ ، ؟؟؟ فقال : << هذا عهد الإنتحار الجماعي ، هذا عهد للحقوق لا يراعي ، هذا عهد لا تسمع و إن سمعت فقل لا أعرف شيئا عن السمع و السماع !!! >> .