أكد الدكتور إدريس لكريني، مدير مجموعة الأبحاث والدراسات الدولية حول إدارة الأزمات بجامعة القاضي عياض، أن "الاهتمام بقضايا حقوق الإنسان يشكل مدخلا مهما لإرساء دعائم دولة الحق والقانون وترسيخ الممارسة الديمقراطية"، مبرزا أن "طي صفحات الماضي ومصارحة الذات هو سبيل لحسم الصراعات، وتجاوز إكراهات الماضي". وأفاد لكريني، في محاضرة بعنوان "العدالة الانتقالية وأثرها في التحوّل الديمقراطي، مقاربة لنماذج عالمية في ضوء الحراك"، شارك بها أمس في أشغال المؤتمر السنوي الثالث للعلوم الاجتماعية والإنسانية المنعقد بتونس ما بين 20 و23 مارس الجاري، بأن المنطقة حاليا تحتاج إلى تأمين المرحلة، ويمكن للعدالة الانتقالية أن تلعب دورا هاما في هذا الشأن. وانطلق الباحث من ثلاث فرضيات، أولها أن الانفتاح على تجارب التحول الديمقراطي يعزز الانتقال، وثانيها أن القبول والتوافق بإعمال العدالة الانتقالية يدعم التحول السلس، وآخرها تنطلق من كون اعتماد آلية العدالة الانتقالية هو مدخل لتجاوز الارتباكات الحاصلة حاليا في دول الحراك. ورصد الباحث مجموعة من العوامل الداعمة للتحول في علاقتها بوجود إرادة سياسية، ووجود نخب وقيادات على قدر عال من الكفاءة والمشروعية، ووعي مجتمعي وتآكل الشرعية للأنظمة الحاكمة، مع التركيز على المشترك بين مختلف الفرقاء بدل الانشغال بالخلافات، إضافة إلى وجود تجارب ديمقراطية ضاغطة في الجوار و"مستفزة". واستطرد لكريني بأن "هناك تجارب دولية رائدة في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية وأوربا الشرقية، اقترن فيها التحول الديمقراطي بالعدالة الانتقالية، وهو ما يوفّر في اعتقاده تراكما غنيا يمكن أن يفيد دول الحراك على مستوى تجاوز حالة المخاض الراهن بأقل كلفة. واعتبر المحاضر في هذا الصدد أن "آليات العدالة الانتقالية تنطوي على أهمية كبرى بالنسبة للدول الخارجة للتّو من تجارب شمولية، باعتبارها وسيلة لإدارة الأزمات، وتمتين الانتقال وتجاوز مظاهر الانتقام والاحتقان والانقسام، وتوفير شروط التنمية". تجارب العدالة الانتقالية أما شروط إنجاح تجارب العدالة الانتقالية، فلخصها الباحث في وجود إرادة سياسية، واختيار اللحظة المناسبة، ووضع خطة إستراتيجية لتجاوز إكراهات الماضي، والحرص على استقلالية الهيئة المعنية بالعدالة الانتقالية، وإشراك الضحايا واستحضار التجارب الدولية، ثم متابعة التوصيات". ولاحظ الباحث أن دول "الربيع العربي" اعتمدت مبادرات متباينة تندرج ضمن آليات العدالة الانتقالية، غير أن هناك صعوبات تواجه هذه التجارب الوليدة، بفعل التضارب بين خياري المحاسبة والمصالحة، سواء في اليمن (إصرار بعض الضحايا على محاسبة المسؤولين) وليبيا(مشروع قانون العزل) وتونس (مشروع قانون تحصين الثورة) ومصر(وجود حالة استقطاب أثرت بالسّلب على مسار العدالة الانتقالية)، أما في المغرب فقد سمح الحراك بدسترة العديد من توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة. واعتبر الباحث أن خيار المحاسبة في ارتباطه بالعدالة التقليدية في هذه المرحلة قد يكون مكلفا في مجتمعات منقسمة، معتبرا أن المصالحة هي سعي نحو المشترك، وأسلوب عقلاني لإدارة الأزمات، وتحقيق الانتقال السّلس أقل كلفة، وهو ما تؤكده تجارب دولية رائدة في أمريكا اللاتينية (الأوروغواي والشيلي) وإفريقيا (جنوب إفريقيا وسيراليون) وآسيا (كامبوديا). وذكر لكريني بالتحديات التي تواجه تطبيق العدالة الانتقالية في المنطقة في المرحلة الراهنة في علاقتها بغياب إرادة سياسية؛ وهشاشة المجتمع المدني والأحزاب السياسية، وعدم بلورة ثقافة مجتمعية ووعي سياسي يدعمان اللجوء إلى هذه الآلية، علاوة على لصراعات السياسية والطائفية. وختم الباحث ورقته بالتأكيد على أن العدالة الانتقالية هي استثمار مربح من أجل المستقبل، وهي خيار تفرضه الارتباكات الراهنة، معتبرا أن "التلكؤ في تطبيقها سيفوت على دول الحراك فرصا حقيقية ويعقد عملية التحوّل أكثر".