ورش إصلاح الإدارة في المغرب من الأوراش التي ظلت مفتوحة لعقود من الزمن والسبب في ذلك غالبا ما يرتبط إما بسبب بطء تنزيل الإصلاح من طرف الحكومات المتعاقبة وإما بفعل المقاومات التي تتعرض لها مشاريع الإصلاح من قبل جيوب للمقاومة " البيروقراطية الإدارية" لا تجد مصالحها وامتيازاتها وسلطويتها ونفوذها في ورش تطوير الإدارة المغربية وإصلاح أعطابها المتعددة التي كانت موضوع عدة لقاءات ومناظرات وطنية.. يجمع الباحثون على أن هناك سبع بوابات للإصلاح الإداري شكلت دوما المنطلق الرئيسي للتأهيل الإداري ببلادنا تتمثل في: 1 دعم اللاتركيز الإداري وإعادة تحديد مهام الإدارة، 2 دعم الأخلاقيات بالمرفق العام، 3 تحسين علاقة الإدارة بالمتعاملين معها، 4 تدبير وتأهيل الموارد البشرية، 5 تبسيط المساطر والإجراءات الإدارية، 6 إصلاح منظومة الأجور في الوظيفة العمومية، 7 تنمية استعمال تكنولوجيا المعلوميات والإتصال. مراجعة ما أنجزته الحكومات المتعاقبة على تدبير الشأن العام في المغرب، في الشق المتعلق بالإصلاح الإداري، مند عقد المناظرة الوطنية الأولى للإصلاح الإداري المنظمة من قبل وزارة الوظيفة العمومية والإصلاح الإداري يومي 7 و 8 ماي 2002 إلى غاية اليوم، عملية ستفضي مما لا شك في ذلك، إلى الوقوف عند حصيلة الحكومات المتعاقبة في مجال الإصلاح الإداري، وهي الحصيلة التي يعتبرها عدد من الباحثين المتخصصين في الشأن الإداري بالمغرب بالمحدودة، بالنظر، إلى البطء الذي صاحب تفعيل عدد من الإجراءات ذات الصلة بدعم مبدأ اللاتركيز وإعادة تحديد مهام الإدارة على ضوء الدور الجديد للدولة، أو تلك التي لها علاقة بدعم الأخلاقيات بالمرفق العام كمقاربة شمولية وكجسر أساسي لانجاز مختلف المبادرات والبرامج الإصلاحية، و تبسيط المساطر وتحسين علاقة الإدارة بالموظفين والمرتفقين، وتأهيل الموارد البشرية وتطوير أساليب تدبيرها، وإصلاح شامل وبنيوي وعميق لمنظومة الأجور حتى يتحقق مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص بين جميع الفئات، وهنا لا بد من استحضار الحيف الحكومي الذي تعاني منه فئة المتصرفين، وهو الحيف الذي يخل بقواعد العدالة وبالمساواة وتكافؤ الفرص كمبدأين دستوريين ما لبثت حكومة ابن كيران أن استعملتهما كسلاح في مواجهة الأطر العليا المعطلة الباحثة عن الشغل، مع العلم أن الحكومة السابقة التزمت مع هؤلاء الأطر، بموجب محضر قانوني على ضرورة توظيفهم دون مباراة، وهو الأمر الذي أكدته أحكام القضاء الإداري لم يعد في مغرب اليوم مطلوبا من الحكومات تشخيص واقع الإدارة المغربية، لأن هناك ما يكفي من الأبحاث والدراسات واللقاءات والمناظرات، التي سلطت الضوء على هذا الواقع، وقدمت مئات التوصيات للخروج بالإدارة المغربية من عنق الزجاجة، بعد أن نخرها الفساد، وتكالب عليها جيش عرمرم من الأشباح، والمفسدين الذين تعاملوا معها كبقرة حلوب وحولوها إلى سوق مفتوحة للارتزاق والاغتناء غير المشروع.. انتظارات المواطنين المتعاملين مع الإدارة المغربية، والنقابات التي تعد بمثابة الشريك الاستراتيجي للدولة في موضوع الإصلاح، كانت كبيرة جدا، لكن للأسف الشديد، عندما يرفع رئيس الحكومة شعار عفا الله عما سلف ومن عاد فلينتم منه الله، يكون قد أعطى نفسا جديدا للمافيات الإدارية التي نهبت واختلست وعطلت و عرقلت وقاومت كل مشاريع الإصلاح البنيوي للإدارة المغربية من عقود خلت. كما أن لجوء الحكومة إلى تعطيل الحوار الاجتماعي ونهج أسلوب شد الحبل مع النقابات وعدم إعارة أي اهتمام للمطالب العادلة والمشروعة لفئات مهمة في الجسم الإداري المغربي كما هو شأن "المتصرفين والتقنيين" في مقابل تحسين وضعية فئات أخرى" رجال القوات المساعدة، والقضاة وموظفي وزارة العدل" وعدم التعاطي بالجدية المطلوبة مع كل التقارير الصادرة عن المجلس الأعلى للحسابات والتي وقف فيها قضاة هذا المجلس على عدد من الاختلالات التي شابت تدبير وتسيير عدة مرافق إدارية للدولة في عدة قطاعات حكومية...عوامل ولدت إحباطا كبيرا لدى فئات واسعة من المغاربة صدقت بالفعل أن صوتها الانتخابي فرصة للقضاء على الفساد والاستبداد في انتخابات يوم 25 نونبر 2011 التي امتصت الحراك في المغرب. إصلاح الإدارة وتخليقها وضمان استمرار خدماتها، لا يمكن اختزاله في ضبط مسطرة التغيب غير المشروع عن العمل في إطار تفعيل منشور رئيس الحكومة رقم 2012/26 الذي لا ينبغي تجزيء معانيه خارج إطار سياقه العام الذي يظل مرتبطا بما ورد في دستور 2011 الذي نص على ضرورة إخضاع المرافق العمومية لمعايير الجودة والشفافية والمحاسبة والمسؤولية.. كيف يمكن ضبط الغياب بطرق آلية إذا لم تكن هناك إرادة حقيقية وصادقة تربط المسؤولية بالمحاسبة وتجعل من الجميع سواسية أمام القانون؟ كيف يمكن ضبط الغياب في ظل استمرار ظاهرة الموظفين الأشباح في عدد من القطاعات الحكومية والجماعات المحلية؟ كيف يمكن ضبط الغياب في ظل إصرار عدد من الإدارات على رفض نشر لوائح الموظفين الفعليين فيها على مواقعها الإلكترونية؟ كيف يمكن ضبط الغياب في ظل وجود عقلية داخل الإدارة تريد تطبيق القانون على فئة من الموظفين دون آخرين؟ أين نحن من المساواة في تطبيق القانون؟ هذه الأسئلة وغيرها تحيل على وجود مشاكل كبيرة في عدد من الإدارات العمومية تحول دون تنزيل القوانين وتطبيق المساطر القانونية بشكل فعال وخال من الشطط والتعسف في استعمال الحق. في بعض الإدارات هناك فئة من الموظفين يصعب على الإنسان تصنيفها إداريا. هل هم موظفون أشباح؟ هل هم موظفون في حالة ترك الوظيفة؟ هل هم موظفون في حالة انقطاع عن العمل؟ هل هم موظفون في حالة استيداع؟ هل هم موظفون في وضعية رهن الإشارة؟ لهذا، اعتقد بأن الإدارات المغربية بدون استثناء، مطالبة بنشر قوائم موظفيها الفعليين، و قوائم الموظفين الذين يوجدون في وضعية رهن الإشارة، والموظفين الذين يوجدون في وضعية الإلحاق، والموظفين الموجودين في حالة الاستيداع، والموظفين المستفيدين من رخص المرض الطويلة والمتوسطة الأمد، والموظفين الذين يستفيدون من رخصة الدراسة، حتى تتحقق العدالة والمساواة في تنزيل القوانين وتطبيق المساطر الإدارية بالشكل الذي يتم فيه ربط المسؤولية بالمحاسبة.. كثير من المسؤولين الإداريين على تدبير الموارد البشرية في عدد من القطاعات الحكومية، وجدوا في منشور رئيس الحكومة، فرصة مواتية، إما لتضييق الخناق على موظفين لا ينظرون لمواقفهم ولمبادئهم ولقيمهم بعين الرضا، وإما كوسيلة لعقد صفقات جديدة مدرة للربح، في العلاقة مع شركات أو مقاولات خاصة، وهنا لا بد من التساؤل عن السبب مثلا الذي يدفع بعض الإدارات باستبدال أنظمة مراقبتها الآلية القديمة لضبط الغياب بأخرى جديدة. أليس في هذا الأمر إهدارا للمال العام في ظل ظرفية اقتصادية ومالية تصفها الحكومة بالصعبة؟ ما الذي تعنيه دفاتر التحملات إذا كانت بعض الشركات لا تحترم بنودها في تعاملها مع الإدارة؟ أي مسؤولية للإدارة عندما يستغرق مشروع ما أربع سنوات دون أن تستفيد الإدارة من خدماته؟ ضبط الغياب غير المشروع عن العمل إجراء حكومي مهم، لا يمكن التعامل معه كما لو أنه صفقة إدارية مدرة للربح...بل على العكس تماما من هذا التصور الانتهازي الذي ينبغي القطع معه داخل الإدارة المغربية، ينبغي التعامل مع هذا الإجراء كما ورد في منشور السيد رئيس الحكومة، كوسيلة من وسائل تيسير أسباب استفادة المواطنين والمواطنات من مختلف الخدمات العمومية على قدم المساواة، وكوسيلة أيضا لضمان استمرارية المرفق العمومي وتجويد خدماته وتمكين المواطنين والمواطنات من الاستفادة منها.. نعم، الإدارة مطالبة بضبط الغياب حتى يكون لقاعدة العمل مقابل الأجر معنى حقوقي وقانوني صرف، لكن، بموازاة هذا الإجراء لا ينبغي اختزال تدبير الموارد البشرية في هذا الأمر فقط دون استحضار أمور أخرى. هناك أمور كثيرة ينبغي التدقيق فيها داخل الإدارة المغربية حتى تتحقق مبادئ العدالة والحق والمساواة ويتم احترام تكافؤ الفرص. من هذا المنطلق، لا أرى أي معنى للتشدد في ضبط مسطرة الغياب في العلاقة مع أي موظف دون حسم عدد من الإشكالات ذات الصلة بعلاقة موظفين آخرين بالإدارة ألفوا الاستفادة من الغياب بدون مبرر كريع إداري ممننوح لهم خارج إطار أي نص قانوني. ما معنى وجود موظفين داخل بعض الإدارات لا يمارسون أي مهام؟ ما معنى صرف تعويضات لموظفين لا هم فعليين ولا هم موضوعين رهن الإشارة لسنوات عدة؟ هل هناك من فساد وتسيب إداري أكثر من هذا؟ ما الفرق بين موظف شبح؟ وموظف يحضر باستمرار للإدارة دون أن يمارس أي مهمة تذكر؟ ما الفرق بين موظف ينجز مهامه طيلة سنة كاملة دون أن يحصل على أي تحفيز إداري أو مالي وآخرين تصرف لهم الادارة امتيازات مالية وإدارية لا حصر لها مقابل مهامهم أو بدون مقابل كما هو حال التعويضات التي تصرف لبعض الموظفين في عدد من القطاعات الوزارية في متم السنة المالية من الأموال المتبقية من ميزانية التسيير عوض إرجاعها لخزينة الدولة؟ كيف يمكن للإدارة أن تتشدد في التعامل إداريا مع موظف بسبب التغيب غير المشروع مثلا في الوقت الذي تتسامح فيه نفس الإدارة مع موظفين يدفعونها إلى اتخاذ قرارات خاطئة، أو يرتكبون هفوات وأخطاء جسيمة، لا يسائلهم أي أحد عنها رغم أنها تكلف مالية الدولة لمجرد أنهم يجيدون فن التسلق والتملق.. ورش الإصلاح الإداري في المغرب من الأوراش الصعبة التي لا ينبغي للحكومة الحالية أن تتعاط معها بإجراءات إدارية جافة ....بل انه ورش يستدعي تعزيز الآليات الرقابية لإنجاحه. كما أن عملية تنزيل الإصلاحات المرتبطة به، عملية تقتضي من جانب آخر، إعطاء الأهمية للجانب المتعلق بتطبيق المبدأ الدستوري الذي يربط بين المسؤولية والمحاسبة، وهذا لن يتم دون تعزيز دور المفتشيات العامة للقطاعات الحكومية، و إعطاء أهمية أكبر لتقارير قضاة المجلس الأعلى للحسابات من خلال إحالتها على القضاء للبث فيها، ومنح هامش كبير لاستقلالية المفتشيات العامة للوزارات حتى تقوم بدورها الحقيقي في مجال الرقابة والتقييم والتتبع...دون هذه الإجراءات لا تستطيع أي حكومة تنزيل الإصلاح بشكل مثالي في ظل وجود بيروقراطية إدارية وجيوب مقاومة تنتصر لمصالحها الضيقة دون أن تعير أي اهتمام لتطوير الإدارة وتعزيز الأخلاقيات فيها.. ورش الإصلاح الإداري في المغرب يفتقد لأسس الحكامة الجيدة التي تقتضي حسن التدبير، والإشراك، والتشارك، والتوافق والفعالية، وجودة الخدمات والتواصل... والتي ستفصل فيها في مقال لاحق إن شاء الله