يعتبر اللاتمركز الاداري أحد الرهانات الكبرى وأحد الخيارات الاستراتيجية لتأهيل بلادنا لمواجهة التحديات التي تفرضها إكراهات الظرفية الاقتصادية والاجتماعية. والاستجابة لمتطلبات وتطلعات المواطنات والمواطنين. وتتجلى أهم الاكراهات في التحديات التالية: اولا:التحدي السياسي الذي يهدف إلى بناء دولة الحق والقانون وإرساء المؤسسات الديمقراطية ، وجعل الادارة كجهاز موضوع رهن إشارة الحكومة، يساهم في الحفاظ على حقوق المواطنين والمرتفقين ويعمل دائما على تقديم خدمات تتوفر فيها مواصفات الجودة والاستمرارية الملائمة لصالح المواطنين دون تمييز. ثانيا :التحدي الاجتماعي الذي يطالب الادارة ، إلى جانب الفعاليات الاجتماعية والاقتصادية، بالمساهمة بكيفية فعالة في إرساء آليات كفيلة بالحفاظ على تماسك النسيج الاجتماعي ومحاربة الفوارق الاجتماعية وتأهيل الفئات المهمشة ، كما يستوجب الأمر تفعيل دور الادارة لمحاربة آثار البطالة والأمية والفقر والهشاشة والتهميش والاقصاء. ثالثا :التحدي الثقافي الذي يقتضيه تدبير الشأن العام استنادا إلى ثقافة متجددة مبنية على المفهوم الجديد للسلطة والمتمثل في الاصغاء والانصات والتواصل وتفعيل ثقافة المساءلة وربط المسؤولية بالمحاسبة، والتدبير بالأهداف والنتائج واعتماد أسلوب الاستحقاق في تقلد مناصب المسؤولية. رابعا :التحدي الاقتصادي والذي يتجسد في التحكم في كلفة وكتلة الاجور والحفاظ على التوازنات الماكرواقتصادية وترشيد وعقلنة الإنفاق العمومي وتوفير محيط قانوني ومؤسساتي ومالي يساعد على تنمية الاستثمار ومحاربة الاقتصاد غير المهيكل واقتصاد الريع وتقديم خدمات ذات جودة عالية. خامسا:التحدي التكنولوجي سيما في ميدان الاتصال والتواصل الذي يفرض على الادارة تقديم الخدمات العمومية بكلفة أقل بوتيرة عمل أسرع وتسخير التكنولوجيات الحديثة للإعلام والاتصال لتفادي القطيعة الرقمية واعتمادها من طرف الادارات، سواء على مستوى التنظيم الداخلي أو في علاقاتها مع محيطها الاقتصادي والاجتماعي. إن ربح رهان التحديات الخمسة المذكورة أعلاه لمن شأنه وضع حد لمظاهر قصور الجهاز الاداري التي تتمثل في غياب رؤية موحدة ومشتركة لبرنامج الاصلاح الاداري وتردي وضعية الادارة وتنامي مظاهر الفساد والإفساد وسوء توزيع الموارد وعدم التوفر على قاعدة صلبة للمعطيات وتعقيد المساطر والإجراءات الادارية وتشتت المسالك وعدم وضوحها لدى المرتفقين وعدم انسجام بعض مقتضيات النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية مع التطورات التي عرفتها الادارة وعدم عدالة منظومة الأجور وغياب منظومة وطنية للتكوين المستمر، ومحدودية توظيف التكنولوجيات الحديثة في التدبير الاداري، وغياب ثقافة المساءلة وتقييم الاداء في تدبير الشأن العام، وعدم التوفر على منظور شمولي لتحسين علاقة الادارة بالمرتفقين وتجسيد سياسة القرب بالإضافة إلى تضخم أعداد البنيات الادارية والتمركز المفرط للمصالح والسلطات والوسائل ، وضعف الامكانات والمردودية للمصالح الخارجية. فالنظام الاداري الحالي يتميز بالاحتفاظ على المستوى المركزي بأهم الاختصاصات والسلط التقريرية والوسائل والموارد المالية والبشرية . كما يوجد على أرض الواقع فارق مهم بين المهام المزاولة حاليا من طرف المصالح الخارجية للوزارات وتلك التي يجب إسنادها إليها في إطار سياسة فعلية ل «اللاتمركز الاداري». وقد حددت الرسالة الملكية الموجهة إلى الوزير الاول بتاريخ 9 يناير2002 حول التدبير اللامتمركز للإستثمار بشكل ضمني مظاهر القصور التي تطال سياسة اللاتمركز الاداري ، حيث أكدت على دعوة الحكومة لاعداد إصلاح لهيكلة المندوبيات الجهوية للوزارات بقصد التقليص من المرافق وتجميعها للمزيد من التفاعل والتناسق والتناغم والتقريب فيما بينها، ووضع نظام أساسي خاص بموظفي الادارة الترابية لجعله أكثر تحفيزا لأكفأ العناصر في الادارة على اختيار مزاولة عملهم في جهات المملكة وليس فقط في الادارات المركزية.وعلى هذا الاساس أرست الرسالة الملكية أسس اللاتمركز الاداري ووحدت التفويضات الضرورية من المصالح المركزية للوزارات على مصالحها الخارجية. كما صدر مرسوم للوزير الاول عدد 12/2001 بتاريخ 25 دجنبر 2001 حول ملاءمة برمجة ميزانية الدولة وتنفيذها مع اللاتركيز الاداري ، يقضي بشمولية الاعتمادات المالية المفوضة كأداة هامة من شأنها إعطاء دينامية لتحديث تدبير المالية العمومية وكآلية تمكن المصالح اللاممركزة من اعتماد مقاربة أفقية فعلية لتدبير النفقات العمومية ، لأنها تسمح بتفويض سلطة تدبير الاعتمادات الموضوعة رهن إشارة هذه المصالح للمسؤول الترابي عنها. وعن دواعي الاصلاح الاداري فإنها تتنوع وتتعدد حسب المكان والزمان والظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تعيش تحت ظلها أي دولة. ويواكب تعدد هذه الدوافع تعدد في المجالات والمحاور التي ينصب حولها الجهد الاصلاحي وكذا الشروط المطلوبة لتحقيقها. وفي هذا الاطار يمكن التمييز بين دوافع داخلية وأخرى خارجية .فالدوافع الداخلية للإصلاح قد تكون اقتصادية، فعلى سبيل المثال في النموذج الامريكي، نجد أن مختلف جوانب الحياة الاقتصادية والاجتماعية قد عرفت تطورا هائلا فاق مستوى تطور الادارة الحكومية .وهكذا أسهم أصحاب المال والاعمال ودافعو الضرائب بالضغط على الادارة الامريكية لكي تحذو حذو الادارة في القطاع الخاص والهيئات الخاصة في اعتماد الاساليب العلمية الحديثة في مجال الادارة والقيادة الادارية والاقتصادية والمالية الكبرى ،والتحكم في مستويات التضخم والبطالة وكذا جلب الاستثمارات الخارجية وتشجيع الاستثمار الداخلي، كلها عوامل ضغطت على صناع القرار السياسي لتبني إجراءات تصحيحية والقيام بمحاولات لاصلاح الادارة وتأهيلها لمواجهة التحديات الاقتصادية. وقد تكون الدوافع اجتماعية كارتفاع وتيرة الاحتجاجات للمطالبة بالحد من الفوارق الاجتماعية والقضاء على البطالة، خاصة بالنسبة لحاملي الشواهد والدبلومات، وكذا توفير الاحتياجات الاساسية للمواطن من تعليم وتطبيب وأمن وغيره...الشيء الذي لا يمكن تحقيقه بفعالية مقبولة إلا بمراجعة شاملة وجذرية لآليات وأساليب عمل الادارات العمومية. وقد تكون السياسة عاملا رئيسيا في الدفع بالإصلاح مثل الحركة السياسية والاجتماعية القوية التي شهدها المغرب في النصف الثاني من تسعينيات القرن الماضي، والتي أدت إلى بروز خطاب إصلاحي وضمنه مشروع إصلاح الادارة العمومية كمكمل للإصلاح الاقتصادي والسياسي والدستوري ، على اعتبار أن هناك ترابطا حتميا بين ما هو اقتصادي وسياسي وإداري ، حيث أعيد في خضم التحولات السياسية التي عرفها المغرب في عقد التسعينيات، الحديث عن إصلاح الادارة وتأهيلها للإستحقاقات التنموية وبعث ثقافة تنظيمية وأخلاقية جديدة عبر تبني ميثاق حسن التدبير وتخليق الحياة العامة وخاصة تخليق الادارة. أو مثل الحركات الاجتماعية من خارج المنظمات النقابية والاحزاب السياسية كما هو الشأن بالنسبة لحركة 20 فبراير، التي انطلقت من مطالب اجتماعية تنامت إلى مطالب اقتصادية وسياسية بل ودستورية حتى أججت الحراك الاجتماعي في ظل ربيع عربي أسفر عن تحريك عجلة الاصلاحات الدستورية بالمغرب وتنظيم انتخابات تشريعية سابقة لاوانها أسفرت عن خريطة سياسية بمعالم جديدة تضع أحزاب الاغلبية في المحك لبلورة الخطاب السياسي والبرامج الانتخابية على مستوى الواقع، وبالتالي احتواء حالات الاحتقان الاجتماعي الذي يعرف تناميا مطردا أدى في أحايين كثيرة إلى انفلاتات هددت بحق أمن وأمان المواطنين. أما العوامل الخارجية فترتبط أساسا بالتحولات التي عرفها المجتمع الدولي، حيث تم الانتقال من الحديث عن الثنائية القطبية إلى الحديث عن نظام عالمي جديد قام بإقرار ما يعرف بالعولمة كظاهرة صاحبها ظهور عدة مفاهيم جديدة كالمواطن العالمي،الشفافية، دولة الحق والقانون ،الدمقرطة....وهي مفاهيم تم فرضها على أغلب دول المعمور تارة بالترغيب وتارة أخرى بالترهيب أو بهما معا. ولم تستثن الادارة المغربية من ذلك، حيث ظهر خطاب جديد يلح على دمقرطة الادارة وعلى تطوير نفسها بشكل مواز للتحولات الدولية من أجل احتلال مكانة متميزة داخل المنتظم الدولي حتى تتكيف مع الواقع الاقتصادي الدولي وبالتالي تصبح الإدارة فعالة تعمل بأقل تكلفة منفتحة على محيطها الوطني والدولي وقادرة على المنافسة وقريبة من المواطن من خلال انتهاج أسلوب اللاتمركز الاداري .هذا الاخير الذي يفترض أن يشكل أحد المحاور ذات الاولوية في البرنامج الوطني لتحديث وتطوير القدرات التدبيرية للإدارة المغربية من أجل إرساء مرامي وأبعاد الحكامة الجيدة. (*) باحث في تدبير الادارة المحلية إلى ذلك يتساءل الرأي العام بإقليمي جرادة و فجيج عما آلت إليه الأوضاع الأمنية بمدن بعينها في شرق المملكة خاصة عين بني مطهر و تندرارة التي تأوي مافيات تهريب المخدرات و العملة الصعبة على ضوء ما يجري من تناغم بين المافيا الدولية لتهريب المخدرات و التهجير البشري من جانب و تنظيمي البوليساريو و القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي من جانب آخر ! و تعتبر جريمة قتل المواطن عبد الجبار عزاوي بعين بني مطهر في نهاية العام 2007 بواسطة سلاح ناري أحد مظاهر و أوجه الفلتان الأمني الذي تشهده المنطقة الحدودية في ظل فشل الأجهزة المعنية في وضع يدها على المجرم المحترف الذي استعمل سلاحا أوتوماتيكيا باحترافية كبيرة عجز الطب الشرعي عن كشف نوع الخرتوشة و صنف العيار المستعمل إلى يومنا هذا.. ألا يبدو أن حادث مصرع المرحوم عبد الجبار عزاوي رميا بالرصاص له علاقة و ارتباط بالمافيا الدولية لتهريب المخدرات؟