"لماذا يعادي المسلمون غيرهم؟"..هو السؤال المركزي الذي حاول الدكتور محمد أجواو مقاربته ملتمسا إيجاد أجوبة شافية له، فتطرق إلى نظرية "الولاء والبراء" المنتشرة أوساط المسلمين، كما أنها "حصلت على مكانة لها في البنية الاعتقادية للكثير منهم، وقد تفسر خلفية الموقف السلبي تجاه غير المسلمين". وأفاد الباحث الهولندي من أصل مغربي، ورئيس هيئة العناية الروحية الإسلامية في وزارة العدل الهولندية، في مقال خص به هسبريس، أن هناك تفسيرين لمفهوم "الولاء والبراء"، تفسير إقصائي وتفسير احتوائي"، مبرزا أن هذا المفهوم "يحدد شعوريا أو لا شعوريا موقف أغلب المسلمين اتجاه غيرهم". وهذا نص مقال محمد أجواو كما ورد إلى هسبريس: أفادت دراسة مقارنة قام بها رود كوبمانس، السوسيولوجي الهولندي في مركز برلين للدراسات العلمية، أواخر 2013 بأن أغلب المسلمين القاطنين في أروبا الغربية "متطرفون". وحتى فئة الشباب الذين وُلِدُوا وترعرعوا في التربة الغربية لم تنجو من هذه الآفة حسب قوله. المقارنة كانت بين المسلمين والمسيحيين بالضبط. أما النتيجة فهي أن المسلمين وصلوا إلى قمة سلم التطرف، بينما المسيحيون نزلوا إلى الدرجات السفلى من هذا السلم. وقد اعتمد الباحث على مؤشرات للتطرف صُنفت على أنها "علمية" لقياس درجة التطرف الديني كما هو متعارف عليه في المحيط المسيحي الغربي. أهم هذه المؤشرات هي الرجوع إلى السلف، القراءة أو الفهم الحَرفِي للكتاب المقدس والقرآن الكريم وكذلك معاداة الغير الذي لا ينتمي إلى نفس المعتقد الديني. وجاءت الفجوة بين الطرفين كالتالي: 58 % من المُسلِمِين يريدون الرجوع إلى السلف (بما في ذالك تطبيق الشريعة) فيما عبرت 20 % من المسيحيين عن الرغبة في الإقتداء بالسَلَفِ. 74 % من المسلمين تُؤيد الفهم الحَرفِي للقرآن مع الرغبة في إلزام غيرهم بالقراءة الحَرفِيَة بينما 17% من المسيحيين فقط لهم نفس التوجه. حوالي 64 % من المسلمين يُؤمنون بسمو القانون الإلهي وأفضلية تطبيق الشريعة على اتباع القانون الوضعي الديمقراطي مقابل حوالي 12 % من المسيحيين تفضل القانون الديني. فيما يخص معاداة الآخر أقر 67 % من المسلمين بعدم الرغبة في صداقةٍ مع المثليين الجنسيين مقابل 11 % من المسيحيين، وأٌقَر 45 % من المسلمين بعدم الثقة باليهود مقابل 8 % من المسيحيين وأخيرًا تبين من خلال الاستجواب أن 52 % من المسلمين يؤمنون بأن الغَرب يهدف إلى تحطيم الإسلام وأن 22 % من المسيحيين يرون في الإسلام خطرًا على الغرب. وبناءا على هذا الاستِقصَاءٍ الذي أُجرِيَ عَبرَ الهَاتِف مَعَ آلاَف مِنَ المسلمين والمسيحيين من ست دُوَلٍ من بينهم هولندا يَخلُصُ الكاتب في مقال له إلى استنتاج مَفَادُه أن عدد المسلمين الذين يعادون غيرهم مرتفع إلى درجة مقلقة ولذا: "يَجِبُ عَلَى السياسيين وزعماء وممثلي المسلمين في الغرب أن يَتَنَاوَلوا بِجديةٍ مسألةَ التطرف الديني وما يَدُورُ في فَلَكه من معاداة السامية، معاداة المثلية الجنسية ومعاداة الفكر الغَربِي في شموليته. بطبيعة الحال، لا ينبغي أن نساوى بين التطرف الديني و الإنخراط الفعلي أو حتى مجرد الإستعداد لدَعمِ العنف الذي تحركه دوافع دينية. ولكن نظرا للعلاقَةِ القَوِية للتطرف الديني بمعاداة الغير فمن المرجح جدًا أن تؤدي هذه العلاقة إلى تغذية التطرف أكثر" يقول الباحث. بغض النظر عما إذا كانت ردود فعل المستجوبين المسلمين تصب بالضرورة في خانة التطرف، فإن ما يسميه الباحث هنا ب "معاداة الغير" من لَدُنِ المسلمين يذكرنا بما يعرف في الإسلام بنظرية الولاء والبراء. وهي النظرية التي أود أن أعرضها هنا للنقاش. فمَازَالَت نَظَرِيَةُ "الولاء والبراء" تجد إلى يومنا هذا صدى لها بين المسلمين كما أنها حصلت على مكانة لها في البنية الإعتقادية للكثير منهم، وربما تفسر خلفية الموقف السلبي تجاه غير المسلمين كما كشفت الدراسة المذكورةِ أعلاَه. الوَلاَءُ فِي حَقِيقَةِ الأمرِ مَفهُومٌ قُرآنِي وَيَهُم العَلاَقَةَ بَينَ المُسلِمِينِ فِيمَا بَينَهُم وَفِيمَا بَينَهُم وَ غَيرِ المُسلِمِين. لكن نوعية هذه العلاقة تأخذ شكلها حسب تفسير كلمة "الوَلاَء". ويمكن القول عموما أن هناك تفسيرين لِمَفهومِ" الولاء" لدى المسلمين: تفسير إقصائي وتفسير احتوائي حيث يبدو أن التفسير الإقصائي هو الطاغي. سأحاول توضيح هذين المفهومين من خلال الاستعانة باثنين من الكُتاب القلائل الذين تعاطوا لهذه القضية: جمال البنا و محمد ابن سعيد القحطاني. بالنسبة للتفسير الإقصائي فإننا نجده في الأعمال والأبحاث الإسلامية الكلاسيكية ويُوسَمُ هذا التفسير برؤية سلبية إذا جاز التعبير لمفهوم الولاء، حيث يتم التأكيد على الربط غير القابل للانفصام مع "البراء" وبهذا تكونت فكرة "الولاء والبراء" كنظرية عَقَدِيَة استكملت شكلها المتماسك مع ابن تيمية وَبَعدَهُ مَعَ مُحَمد بن عبد الوهاب وَصَارَت أحَد الأسُسِ التي تقوم عليها الوهابية، كما يقول جمال البنا في كتابه "نعم للولاء..ولا للبراء". ويُعتبرُ كِتَاب "الولاء والبراء" لصاحبه سعيد القحطاني أحد المراجع التي طُرحت فيه معالم هذه النظرية بشكل مُفصل. يَقُومُ جَوهَرُ عَقِيدَة الولاء والبراء على أن المسلم لا يكون مخلصا لِجماعته إلا إذا عادى وأبغض الآخرين (غير المسلمين). يجب على المسلم أن يكون مخلصا للمسلم ومعاديا وغير موالٍ لِغَير المسلم، سَوَاء أكَان َهَذا الأخير فَردا ، جماعة أو دولةً . استند أصحاب هَذه النظرية للولاء على الآيات القرآنية التالية: "المُؤمِنُون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض" (التوبة 71)، "يَا أيُهَا الذِين آمَنُوا لاَ تَتَخِذُوا آبَاءَكُم وَإِخوَانَكُم أولِيَاء إن استَحَبُوا الكُفرَ عَلَى الإيمَان وَمَن يَتوَلَهُم مِنكُم فَأولَئِكَ هُمُ الظَالِمُون" (التوبة 23) و"يَا أيُهَا الذِين آمَنُوا لاَ تَتَخِذُوا اليَهُود والنَصَارى أوليَاء بَعضِهم أولِياءُ بَعض، وَمَن يَتولهُم مِنكم فَإنَه مِنهُم إن الله لا يَهدِي القوم الظالمين" (المائدة 51). فُسرت كلمة "الولاء" طبقا لهذه الآيات على أساس أنها تدل على ضرورة انتماء الفرد للجماعة لكي يحظى بالقبول و الرضى، كما تدل على الألفة، الحميمية والصداقة وهذا ما لا يمكن حسب هؤلاء أن ينطبق على من وَرَدَ ذِكرُهُم في الآية 22 من سورة المجادلة: " لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ". وِفقًا لعقيدة "الولاء والبراء" فليس لِلكُفَارِ أَو المُؤمنين مِن أتبَاع الديانات أخرى إلا الكراهية والعداوة، ويَجِدُ هَذَا الطَرح سنداً آخر في الآية: "قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برآء منكم ومِمَا تَعبُدُون من دون الله، كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدآ حتى تؤمنوا بالله وحده" (الممتحنة 4). وِفقا لِجَمال البنا فإن نظرية "الولاء والبراء" تتلخصُ فِي تَقسِيم الناس إلى فئتين متنافرتين وهما الفئة المؤمنة المسلمة وفئةُ ما عدا ذلك. أما الموقف الذي يجب أن يتخذه المسلم من الجانبين حسب هذه النظرية فهو الولاء والمحبة لأفراد و جماعة الفئة الأولى (المسلمين) وإن كانوا أشرارًا و البراء من أفراد و جماعة الفئة الأخرى ومعاداتهم وإن كانوا طيبين وحِلوي المعشر. كَمَا يَجِبُ على البراء المتجسد في كراهية وبُغض غير المسلمين أن يكون مصحوبًا بالرغبة في دعوتهم إلى الإسلام، وَطَالَمَا بَقوا على كُفرِهم وَجَبَ تجاهلهم وعدم تحيتهم بتحية الإسلام (السلام عليكم) وعدم الدعاء لهم و محاربتم إذا لَزم الأمر ذلك، وهذا ينطبق على الأفراد والجماعات كما ينطبق على الدول. إن مَفهُوم البراء كجزء من عقيدة "الولاء والبراء" ليس حِكرا على المذهب السني وَلكن الشيعة ينتهجونه أيضا ويستغل بعضهم موسم الحج لتطبيق مَرَاِسيم البراء حيث يَصُبُونَ جَام غضبهم على "الدولتين الكافرتين": الولاياتالمتحدةالأمريكية وإسرائيل. ويمطرون كلتا الدولتين بوابل من اللعنات. كلمة إسرائيل تأخذنا إلى سياق آخر ألا وهو مفهوم "اليهودي" والذي له إلى جانب النصراني نصيب مهم في عقيدة الولاء والبراء. وَعَلَى الرغم من الآيات الكثيرة التي ذُكر فيها اليهود والنصارى "أهل الكتاب" على نحو إيجابي فإن لِلآية "وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ" (البقرة 120) تأثيرا كبيرا على تَمَثُل المسلم للعلاقة والنظرة التي يجب أن تكون له عن أتباع الديانات الأخرى. وهناك من يري أن تجليات معاداة غير المسلمين تظهر في بَعضِ خُطَبِ الجمعة في شكل أدعية من قبيل: "اللهم أعز المسلمين وأذل المشركين" وما شابه ذلك. أما الكاتب جمال البنا فقد تطرق في كتابه "نعم للولاء، لا للبراء. قضية الآخر" إلى مسألة "الولاء والبراء" من زاوية مُعَاكِسَة حيث قال إن الطابع الشمولي الاقصائي لنظرية الولاء والبراء لا سند قرآني لها بل هي ظهرت للوجود تحت تأثير أحداث تاريخية وأن الآيات القرآنية المُتَطَرقة للموضوع فُسرت وفُهمت بشكل أحادي. وقد استدل على قرائته بثلاث عوامل:1:تأثير الخوارج في بداية الإسلام ، 2: تأثير الامبراطوريات الإسلامية التي أعطت "الولاء والبراء" حمولة سياسية أدت إلى جملة من الأمور من بينها الفصل الشائع للعالم بين دار الإسلام، دار الحرب و دار العقد. ومن نافلة القول ذِكرُ أن من ينتمي للفئتين الأخيرتين يعتبر إما عدوا أو عدوا محتملاً 3: اعتماد الرؤية الوهابية كما جاء تفسيرها في الكتاب المذكور أعلاه" الولاء والبراء" لكاتبه ابن سعيد القحطاني. يوضح البنا في نظريته الشاملة أن الولاء للجماعة بمعناه الاحتوائي (كمقابل للمعنى الإقصائي) لا يُوجب بالضرورة عدم الولاء للآخر ومعاداته. ولتدعيم طرحه يشير إلى الأمر القرآني بِتَقَبُلِ الآخر كيفما كانت مرجعيته وفلسفة حياته: "هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن" (التغابن 2) وهو بذلك يدعو إلى نبذ مفهوم "عدم الولاء" لغير المسلمين وإلى إقامة صداقات وعلاقات المحبة مع الآخر وتقبله.. هذا الرد الحاسم للبنا على نظرية "الولاء والبراء"وما رافقه من نقاش حاد على العموم يُبين أن مفهوم" البراء والولاء" متجدر في بنية العقيدة الإسلامية، وبالتالي له أهمية كبرى في تحديد علاقة المسلم مع الآخر-غير المسلم- وربما يحدد شعوريا أو لا شعوريا موقف أغلب المسلمين كما جاء في دراسة السوسيولوجي المذكور أعلاه.