يعد الحمار في المغرب كما في الدول العربية الأخرى رمزا للغباء والاحتقار وتوجيه الإهانات، غير أن هذه النظرة بدأت تتغير تدريجا من خلال مبادرات أبرزها كرنفال سنوي للحمير وإطلاق علامات تجارية تحمل اسم هذا الحيوان الصبور. "" احتضنت بلدة بني عمار زرهون في الوسط الشمالي للمغرب مؤخرا الكرنفال السنوي للحمير. الكرنفال بدأ سنة 2003 من خلال "جمعية قدماء تلاميذ بني عمار"، كان وراء الفكرة شاعر مغربي من الجيل الجديد، هو الشاعر محمد بلمو. يتذكر هذا الشاعر بداية حبه لهذا الحيوان الذي يكن له المغاربة احتقارا كبيرا، "ابتليت بالشعر في صغري في فضاء قصب بني عمار زرهون وأنا محاط بالحمير". ويضيف في لقاء مع دويتشه فيله: "طيلة طفولتي وخلال حياتي الدراسية كان الحمار أنيسي وصديقي". لما انتقل الشاعر إلى العاصمة الرباط، بدأ فيها صحافيا، لكنه ظل مرتبطا بقريته. وخلال أحد اجتماعات المكتب التنفيذي لجمعية قدماء تلاميذ بني عمار، اقترح فكرة رد الاعتبار إلى الحيوان الذي ساعد كثيرا إنسان تلك القرية، من خلال مسابقة للحمير. كما كان أول المدافعين عنها في اجتماع مطول عرف جدلا حادا حول الفكرة التي تلقاها البعض بالرفض المحكوم بالأفكار التحقيرية الجاهزة حول هذا الكائن، بالإضافة إلى خوف السكان من أن تصبح منطقهم عرضة للسخرية والاستهزاء. كرنفال بين الرفض والقبول الشاعر محمد بلمو، صاحب فكرة كرنفال الحمير، يقدم هدية للحمار نوفل الفائز بجائزة أجمل حمار في كرنفال الصيف الفائت ويرى خالد، أحد أبناء "بني عمار زرهون" المقيم حاليا في العاصمة الرباط، أن ربط المنطقة بكرنفال للحمير يحمل إهانة لسكانها، والسبب "أن الحمار مرتبط لدى المغاربة بالغباء". غير أن معارضة كهذه ليست بالمقلقة للمشرفين على التظاهرة التي تتضمن سباقا خاصا بالحمير، لاسيما وأن السكان تقبلوه سنة بعد سنة وانخرط عدد منهم فيه . وقد كسب الكرنفال صيتا وطنيا وعالميا، أضحى يحظى بمواكبة إعلامية كبيرة، بينما ظل أمثال خالد وقلة قليلة من رجالات السلطة المحلية يتهربون من الكرنفال ويرفضونه كما يرفضون الظهور في توزيع الجوائز على الحمير الفائزة. ويشهد الكرنفال مشاركة كتاب وفرق موسيقية وفنانين، ومن أشهر المشاركين في دوراته السابقة مجموعة ناس الغيوان الغنائية ومجموعة جيل جلالة والممثل النجم محمد الجم والكتاب رضوان أفندي وصلاح الوديع وعبد الرحمان بن زيدان. مساءلة "الأفكار المغلوطة" يسعى الشاعر محمد بلمو إلى جعل ما يسميه "الأفكار المغلوطة" موضع السؤال، في مجتمع يجتاز تحولات عميقة كالمجتمع المغربي. من بين هذه الأفكار تحقير الحمار. الشاعر يرى أن "الأفكار السائدة في المجتمع المغربي والعربي على العموم حول الحمار هي أفكار مغلوطة، ولا تستند على أي أساس علمي. وهي أفكار مهزوزة وجاحدة على اعتبار أن الحمار لعب ولا زال يلعب دورا مهما في حياة هذه المجتمعات"، كما ينتقد احتقار هذا الحيوان وتعذيبه وتجويعه والاستغلال الفاحش والظالم له. وبموازاة الكرنفال نظمت الجمعية السالفة الذكر موائد مستديرة في محاولة لتحسين صورة الحمير لدى المغاربة، فكانت ندوة حول موضوع "الحمار، الكائن والممكن". نتائج غير منتظرة لهذه الندوة، فالحمار، حسب الباحثين "هو أذكى حيوان بعد القرد، فهو المهندس الأول للطرقات، وعلى ظهره بنيت صروح وحضارات، كما أنه في الرتبة الثانية بعد المها في جمال عينيه". راهن هذا الشاعر على رد الاعتبار للحمير، مواجها ما سماه "حملة مسعورة من الشتائم وكل أنواع التبخيس والاستهزاء، سواء في الأحاديث الخاصة أو في الصحافة والانترنت"، لكنه حظي بدعم مثقفين وفنانين. الحمار "فلسفة" وعلامة تجارية خمس سنوات بعد إطلاق الشاعر لكرنفاله الذي ينتهي بتوزيع جوائز على أسرع حمار وأجمل حمار، سيطلق ثلاثة شباب من الدارالبيضاء ومراكش ماركة من الملابس أسموها "حمار وبخير". ثلاثة لهم وضع اجتماعي لا بأس به سينخرطون في هذا المشروع وهم محمد المهندس محمد السميج والمدير الفني أشرف الكوهن والمصمم أمين بندرويوش. هؤلاء اختاروا، عكس الشاعر بلمو، أن يثوروا على المجتمع، فلجوئهم إلى الحمار له علاقة بثورتهم على المجتمع وقيمه البالية. "نريد أن نضع أخطائنا أمامنا"، يقول محمد السميج، ويضيف "لهذا الغرض اخترنا "حمار وبيخير". لفهم أعمق لما يسميه "بالفلسفة الحميرية" كما يطلقون على أنفسهم "حمار" دون أدنى حرج، يجب العودة إلى المسار التعليمي لصاحب الفكرة وهو المهندس محمد السميج، فهذا الشاب خريج شعبة الصناعة الهندسية، غادر وظيفة محترمة بإحدى الشركات المشهورة في المغرب، إنه يقر أنه لم يختر ما يحبه طيلة حياته، بعد أن أصبح كادرا في شركة الطيران، أحس بفراغ مميت فاتخذ من الحمار مادة للتفكير والإبداع، بل أضحى شبيها لصاحب أنكر الأصوات "قلت مع نفسي إنني حمار" يشرح المهندس محمد لدويتشه فيله بأنه أراد أن يثور على "قالب أعد لي سلفا، أي قالب الدراسة فالوظيفة ثم السيارة فالزواج". يقول الثلاثة إن فلسفتهم "الحميرية" مبنية على ثلاثة مبادئ، لخصوها في "ضرورة معرفة الفرد لقيمته" و"يجب أن نجرب ونعاود الكرة" والمبدأ الثالث هو "تواضع واعمل". لتحقيق إشعاع لفلسفتهم، طرح الشباب الثلاث قمصان كتب عليها "حمار وبيخير" أو "حماري". الثلاثة انفصلوا أخيرا، ويؤكد محمد أن الفلسفة الحميرية مستمرة، لكن هذه المرة بشعار جديد وهو "اسكت" في إدانة للصمت داخل المجتمع. إذاعة دويتشه فيله