جاء محمد المجتهد، مالك مطعم "la grillade" بالرباط، يحمل فواتيره و شكواه الى هسبريس و قد سدت في وجهه جميع الأبواب، وفقا لرواية الرجل السبعيني الذي يقف مطعمه على حافة الإفلاس بعدما رفضت الشركة الوطنية للإذاعة و التلفزة تسديد مبالغ تجاوزت قيمتها 180 ألف درهم حسب ما هو موثق في خمس عشرة فاتورة تتوفر هسبريس على نسخ منها. ربع قرن من التعامل تعود قصة العلاقة مع "دار البريهي"، حسب المشتكي، لسنة 1987 حيث اختارت الشركة مطعمه المتواجد بأحد الشوارع الرئيسية للعاصمة الرباط قصد تزويد العاملين بالإذاعة و التلفزة بوجبات سريعة في عدد من الأقسام و خلال عدة مناسبات كان مطبخ المطعم يزود فيها الفرق الصحفية و التقنية بوجبات الأكل في المباريات الرياضية و الاستحقاقات الانتخابية وكذلك الفريق المكلف بتغطية الأنشطة الملكية. العقود الماضية مر فيها كل شيء بسلام حيث كان العاملون يتوصلون بوجبات نظيفة و صحية و كان صاحب المطعم يتوصل بمستحقاته بشكل دوري وفق روايته. غير أن الأمور ستنقلب رأسا على عقب سنة 2011 و ستزداد تعقيدا خلال السنة الماضية عندما اعتقلت الفرقة الوطنية رئيس قسم المالية والحسابات بالتلفزة المغربية والذي سبق و أن أحيل على المحكمة بتهم إختلاس مبلغ 30 مليون و الإفراج عنه من جديد بعدما أدى المبلغ المختلس وفقا لما جاء في جريدة "الاتحاد الاشتراكي" عدد 10.556 المنشور على صدر الصفحة الاولى يومه الخميس 21 نونبر 2013. هنا بدأ التملص بشكل واضح، حسب رواية صاحب المطعم لهسبريس، حيث طرق باب مدير المديرية المركزية المالية و الإدارية بالشركة الوطنية و الذي أحاله بدوره على المدير المالي بعد الاطلاع عل كل الفواتير و الإنصات لطبيعة المشكل و تبعاته. قضى محمد المجتهد أياما يتنقل بين المديريات و فهم، حسب تعبيره، من المدير المالي "أن لا إرادة داخل الشركة لحل مشكله" قبل أن يعود صوب المدير المركزي والإداري الذي نصحه بالتوجه صوب مديرة مديرية الشؤون القانونية والمنازعات، داخل نفس الدار،حيث نصحته الأخيرة بالتوجه صوب المحكمة. كرة اللهب "فهمت أن فواتيري تحولت الى ما يشبه كرة لهب يتقاذفها المسؤولون وأن لا أحد منهم يريد تحمل مسؤولية ملفي أو إيجاد حل لما أعانيه.." يقول الشيخ السبعيني الذي اشتعل رأسه شيبا، في حديثه لهسبريس، بلغة فرنسية سليمة خالية من كل الشوائب. إختار محمد المجتهد التوجه صوب محمد عياد، المدير العام للشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة و الذي استقبل الرجل و استمع لمظلمته قبل أن يحيله، من جديد، على مدير مديرية الصفقات، الذي استقبل صاحب المطعم استقبالا لائقا لمرات عدة قبل أن يبدأ في التهرب من لقائه من خلال "الأعذار" التي تقدمها المكلفة بالاستقبال لصاحب المطعم والتي تتأرجح بين السفر و المرض و الاجتماعات المارطونية التي لا تنتهي، وفق رواية المشتكي، أو "عجرفة" عناصر الأمن الخاص الذين يقفون سدا منيعا أمام ولوج الرجل للمؤسسة. فَهِمَ محمد المجتهد انه تحول الى عبء على مسؤولين، "هم في الأصل سبب أعبائي.." يقول، استفاد موظفوهم من وجبات مطعمه السريعة لسنوات طوال قبل أن يرمى هو وفواتيره سريعا، حسب تعبيره، و يضيع في سراديب الشركة الوطنية للإذاعة و التلفزة لثلاث سنوات باحثا عن مسؤول يتحمل المسؤولية في ما وصلت إليه وضعية المطعم و صاحب المطعم. Droit dans le mur ".. Je vais droit dans le mur" هكذا عبر الشيخ عن ثقل كبير متمثل في مبلغ 200 ألف درهم، عبارة عن مستحقات سنة و نصف لصندوق الضمان الاجتماعي، و التي لا يستطيع أداءها بسبب تأخر مسؤولي الاذاعة و التلفزة في أداء ما بذمتهم و سومة تسعة أشهر من الكراء حيث بدأت شركة الكراء في إرسال إنذارات متتالية الى عنوانه بالإضافة الى مراجعة ضريبة ثقيلة "ستؤدي بمطعمي الى الإفلاس لا محالة.." يقول محمد المجتهد. Droit dans le mur.. قد يصلح عنوانا أيضا لوضعية الشركة الوطنية للإذاعة و التلفزة، خلال الفترة التي كان يحاول فيها صاحب المطعم إيجاد حل لأزمته، تعيش أزمات حادة تمثلت أساسا في خلافات حادة بين مدراء مديريات رفع بشأنها تقرير للمدير العام و كذلك عمليات تنقيل و تغيير على رأس الأقسام و المديريات بالإضافة الى أزمة مالية حادة أمام الديون المتراكمة للشركة عند المؤسسات البنكية و التعثرات التي يشهدها توقيع العقد البرنامج حيث تم الحفاظ عل الميزانية التي كانت تقدم لدار البريهي و البالغ قيمتها 800 مليون درهم فضلا عن المخصصات التي يتم تحصيلها عبر صندوق النهوض بالمشهد السمعي البصري و الذي تكلفت الدولة بتحمل الفارق المالي في السنتين الماضيتين و الناجم عن تراجع في المداخيل بلغ 50 بالمائة سنة 2013.