شبان وشابات يعدون بالمآت، وقفوا ذلك اليوم في تلك الساحة يرفعون عقيرتهم بالشجب والاستنكار، معبرين عن سخطهم وغضبهم وما يضطرم في أعماقهم من مشاعر الإهانة و"الحكرة".
زينب شاتيت...
إسم انبجس من جوف جحيم يرافقنا ويرانا ولكننا نأبى أن نراه.
صور فظيعة ترفع إلى السماء وكأنها ترفع ما تمثله من وحشية وبشاعة إلى الله ليراها في علاه.
وجه محرق بالحديد الأحمر ...جسد موشوم بسياط مصنوعة من خيوط الكهرباء...عضو تناسلي مسلوق بالزيت المغلى...
تنديد واستنكار من أجل أن يكون العار أكثر عارا...
" المجرمون محميون... وفين الحق والقانون؟"
"الجريمة ها هي... والعدالة فين هيا؟"
" ولادهم في النعيم ... ولاد الشعب في الجحيم..."
"واش من طفولة هادي...والتعذيب بلعلالي..."
" ياقاضي يا إرهابي...زينب فالفرابي..."
عمرها 11 سنة...
عمر الورود العطرة. غير أن جسمها مجرد هيكل عظمي تنعق فيه غربان الفناء...رأسها أملس حليق... وجسدها برمته كتلة مهترئة متقيحة...
تنحدر من قرية نائية مهمشة تختبئ بنواحي تازة... قرية ضائعة في ليالي البؤس المغربي الأصيل ... قرية سابتة في سبات المسؤولين العميق... قرية تسمى سبت باب الرملة...
خادمة صغيرة سلمها بؤس أبيها منذ خمسة أشهر خلت إلى أسرة قاض بواسطة سمسار متخصص في بيع الرقيق على الطريقة الحديثة، طريقة المتاجرة في طفولة الخادمات الصغيرات مقابل ثمن بخس يندى له الجبين...
إنها زينب... برعم لم يتفتح بعد، ولكنه يحمل معاناة بحجم الجبال...
زينب...طفولة مذبوحة بسكين دولة اللاقانون...
زينب...براءة مغتالة بسلاح اللاعقاب كآلاف البراعم الأخرى التي تفتحت والتي لم تتفتح بعد في هذا البلد "المتفتح السعيد..."
أسابيع ممددة من التعذيب الوحشي، خضع خلالها جسمها الصغير الطري الهش للصلب على الحيطان والزج به في المراحيض، مع ما صاحب ذلك من ضرب مبرح لا يفتر إلا ليسترسل من جديد...
وأخيرا جاء الخلاص...
جاء لما أطلقت الطفلة ساقيها للريح لتهرب بجسمها المحروق من جحيم الدنيا بعد أن آنست غفلة من لدن حراسها "الظرفاء الطيبين..".
وعثر عليها راعي من الرعاة على طريق بقرب ضفاف وادي إيسلي.
عثر عليها منهكة خائرة القوى، محروقة بالنار، مثخنة بالجراح.