تعتبر مدينة ريكيافيك في إيسلندا أكثر المدن العالمية احتضانًا للفضاءات الخضراء، بما يفوق 400 متر مربع لكل ساكن. لكن، إذا كانت المدن تُقاس مساحاتها الخضراء بما تحتويه من حدائق ومنتزهات، فإن أخرى يُحتسب لها حجم حزامها الأخضر المحيط بها. فإذا كانت مدينة مراكش الأكثر امتلاكًا للحدائق والمنتزهات، فإن الرباط تتفوق بحزامها الأخضر الواسع (أكثر من ألف هكتار). وقد وضعت الحكومة معدلًا وطنيًا للمساحات الخضراء هو المرجعية الدنيا، بما يساوي 20 مترًا لكل ساكن، وهو رقم غير متحقق اليوم. فكم يمتلك المواطن البيضاوي قياسًا بالمرجعية الوطنية؟ الجشع العمراني جعل المدينة تفقد الكثير من المساحات التي تحولت مع الزمن إلى إسمنت مسلح متعانق في السماء، حتى وجد المواطن البيضاوي نفسه بعيدًا عن المعدل الوطني، فلا يمتلك سوى 0.35 مترًا مربعًا، بعيدًا عن المواطن المراكشي الذي يتمتع – على الأقل – بسبعة أمتار مربعة. أي أن الدارالبيضاء هي أسوأ مدينة في المغرب توفر لسكانها مجالًا أخضر للفسحة والنزهة والترويح عن النفس. مركب محمد الخامس كان في الأصل ملعبًا بناه المستعمر سنة 1955 وسماه ملعب مارسيل ساردان (بطل العالم في الملاكمة وعشيق إديث بياف)، ثم سُمي الملعبَ الشرفيَّ بعد رحيل فرنسا. وقد بُني وسط المدينة، ولم تكن قد اكتظت بعد بالطرق والمباني. أما اليوم، فقد أصبح هذا الملعب خانقًا للدار البيضاء حد اللاّحتمال. كم يبلغ المتر المربع في محيط مركب محمد الخامس اليوم؟ عشرين ألف درهم؟ سبعين ألف؟ مهما بلغ، فهو لا يساوي مكان جذع شجرة تتنفس بها الدارالبيضاء وسط جنون البناء طولًا وعرضًا وارتفاعًا. لكن الطمع يعمي عيون الجميع، مسؤولين جماعيين ومنعشين عقاريين، وبما أن هذا العقار يسيل اللعاب، فإن احتمال بيعه أو تفويته بطريقة أو بأخرى ليس من المستحيل. أن يتحول هذا الملعب إلى حديقة كبرى ليس فكرة سيئة ولا مجانبة للصواب، بل هو بعض من الإنصاف للبيضاويين الذين ضاقوا بحديد العربات وحديد المباني. وستكون مساحة 12 هكتارًا هدية سارة لسكان الدارالبيضاء لا تقاس بثمن. تُقسَّمُ حديقة كبيرة وفضاء واسع بتشجير وممرات وملاعب قرب وغيرها. ولا يقتصر الأمر على مركب محمد الخامس، وإنما يجب توسيع هذه العقيدة الخضراء على باقي أطراف المدينة. فكم من الملاعب التي تخنق المدينة وتحوِّل المناسبات الرياضية إلى رهاب دائم للسكان؟ مع الحفاظ على المساحات غير المبنية داخل المدينة، ومنع التوسع العمراني فيها بأي ثمن. وما قُلناه عن الدارالبيضاء نقوله عن المدن المغربية الأخرى، سواء التي تشبه مراكشوالرباط أو التي تشبه الدارالبيضاء. هذه هي الحضارة والمدنية المتقدمة، دون الحديث عن المعيار الإيكولوجي الذي يفترض منع المحركات الحرارية في أفق 2035، كما في بعض الدول، خاصة الأوروبية منها. وإذا كنا نمتلك إرادة الإحسان إلى المواطن المغربي بتمكينه من فضاء مفتوح نقي من التلوث الكيميائي والصوتي، فإن ذلك هو أضعف الإيمان.