مما لا شك فيه أن المساحات الخضراء تلعب دوراً مهماً في حياة قاطني المدن، غير أن اتساع الرقعة العمرانية على حساب المناطق المفتوحة والخضراء جعل المطالب تتعاظم بشأن الاعتناء بالمساحات الموجودة من جهة، وإحداث مزيد منها من جهة أخرى، وذلك بالنظر إلى أهميتها البيئية والمناخية والترفيهية في حياة المواطنين. إلا أن الاهتمام بتخطيط وتنظيم المناطق الخضراء داخل عدد من المدن المغربية ما زال دون المستوى المطلوب، ولم تكن مدينة بيوكرى، بإقليم اشتوكة آيت باها، الاستثناء؛ بحيث يُعدّ انخفاض نسبة المساحات الخضراء أحد المشاكل التي تؤرق بال القاطنين بها. الفاعل الجمعوي والأستاذ الباحث المهتم بقضايا إعداد المجال، المختار نايت القاضي، أورد، في تصريح لهسبريس، أن المتتبع لوضعية إعداد المجال الحضري في مدينة بيوكرى، بإقليم اشتوكة آيت باها، سوف تسترعي انتباهه ملاحظتان أساسيتان؛ تتعلق الأولى بغياب تصميم تهيئة واضح للمدينة، يحدد شكل التوسع العمراني بها، "فتطور المدينة و تزايد عدد أحيائها يطرح إشكاليات حقيقية في مجال التهيئة". أما الملاحظة الثانية، بحسب المتحدث، فترتبط بضعف المساحات الخضراء والحدائق العمومية، "رغم وجود بعض المجالات صغيرة المساحة بأرجاء متفرقة بالمدينة، غالبا ما تشهد اكتظاظا، مما يجعل الساكنة تبحث عن مجالات خضراء خارج المدينة، خصوصا خلال فصل الربيع وفي أيام العطل". وفي هذا الإطار، يضيف نايت القاضي، استفادت عدد من أحياء المدينة من إعادة الهيكلة، غير أن ما يلاحظ هو "غياب المساحات الخضراء بمداخل المدنية ووسط أحيائها وفي المجالات الترابية المجاورة لها، مما يجعل ساكنة بيوكرى تلجأ إلى الفضاءات الإسمنتية، سواء أمام القاعة الكبرى للرياضات، أو أمام المسجد المركزي، أو بمدخل المدينة، لاسيما خلال الأيام الأكثر حرارة، وفي شهر رمضان، باستثناء حديقة واحدة بجوار المسجد المركزي، والتي لا يمكن القول أنها تدخل ضمن المساحات الخضراء المفتوحة التي يمكن للساكنة الاستفادة منها، سواء للاستجمام أو ممارسة أشكال الرياضات المختلفة، وتبقى مخصصة للنساء والأطفال فقط". "صحيح أن هناك ضعف للوعاء العقاري للمدينة في ظل التوسع الحضري وانتشار ظاهرة السكن غير المنظم والعشوائي في بعض الأحياء، والذي جعل تخصيص مساحات خضراء للساكنة أمرا صعبا، خصوصا وأن عددا من التجزئات والتعاونيات السكنية لم تحترم إنشاء مساحات خضراء داخل فضاءاتها، وهذا ما جعل سكان المدينة لا يستفيدون من حاجياتهم الحقيقية في مجال المساحة الخضراء، والتي تحددها المؤشرات الدولية ما بين 10 إلى 15 مترا مربعا لكل مواطن كحق كوني"، يستطرد المتحدث القاطن بمدينة بيوكرى. ووفقا لقراءة الفاعل الجمعوي نايت القاضي، فإن حظ المواطن بمدينة بيوكرى من المساحة الخضراء هو صفر متر مربع، "إذا قسمنا عدد سكان المدينة على حجم المساحات الخضراء بها"، مقترحا على المجالس المنتخبة والجمعيات والمنعشين العقاريين "التفكير في مقاربة جديدة"، تتجلي أساسا، في رأيه، في" البحث عن مجالات داخل المدينة وإحداث مساحات خضراء بها، وإعادة تهيئة بعض الحدائق، بالإضافة إلى الإبداع في ايجاد صيغ لإدماج المساحات الخضراء داخل المجال الحضري، مع إعداد مداخل المدينة وتخصيصها للمجال الأخضر، شأنها شان جميع المدن المغربية". ومن المقترحات التي أشار إليها الأستاذ الباحث، التفكير في إحداث منتزهات تضم مساحات خضراء مشتركة مع الجماعات المجاورة (وادي الصفاء- إمي مقورن)، ببعض أراضي الاحتياط الجماعي المجاور للمدينة، وإقامة مساحات خضراء بها، "تمكن ساكنة بيوكرى من ارتيادها، كما هو الحال بغابة "أدمين" بجماعة آيت ملول والقليعة، أو جماعات أخرى بالمغرب، مضيفا أنه يمكن تشجيع ساكنة المدينة والجمعيات على خلق فضاءات خضراء طبيعية داخل الأحياء، حتى "تمكن ساكنة المدينة من مجال أخضر، عوض الزحف الإسمنتي". وختم الأستاذ المختار نايت القاضي تصريحه لهسبريس بمطلب بناء هوية بيئية للمدينة، وذلك من خلال مساحات خضراء "تلبي حاجات المواطن ببيوكرى"، معتبرا هذا الطموح مسؤولية المجالس المنتخبة من خلال إعداد مخطط تنموي مستدام للمدينة تُراعى فيه العناصر البيئية الضرورية، ويمكن تحقيق ذلك ب"إرادة سياسية حقيقية، واعية بأهمية العنصر والثقافة البيئية التي ما لبثت المدرسة والإعلام يسعيان إلى تكريسها في نفوس الناشئة والمواطن على السواء"، يقول الأستاذ الباحث. الحسين فارسي، رئيس الجماعة الترابية لمدينة بيوكرى، قال، في تصريحه لجريدة هسبريس الإلكترونية، إن بيوكرى، حاضرة إقليم اشتوكة آيت باها، تدخل ضمن المدن المغربية التي تشهد نموا ديموغرافيا متزايدا، وحركة تمدّن واسعة، لطبيعة المنطقة الفلاحية؛ حيث تستقطب يدا عاملة مهمة، لاسيما في المجال الزراعي، تحوّلت معه المدينة إلى نقطة استقرار لهؤلاء، وهي تحوّلات "أضحى معها تدبير الشأن المحلي والتنموي يواجه صعوبات، بحكم تراكم الاختلالات والنواقص، خاصة في المجال البيئي". وأضاف المسؤول الجماعي: "بغية تجاوز هذه الوضعية، فالمجلس لم يدخر جهدا في هذا الجانب؛ بحيث عمل على تفويض تدبير قطاع النظافة لشركة خاصة، كما تمّ إحداث مناطق خضراء على مستوى الشارع الرئيسي (شارع الحسن الثاني)، بالإضافة إلى مساحة خضراء أمام القاعة المغطاة للرياضات، وفضاء أخضر قرب مسجد الجزولي بحي لشالي". وعن البرنامج المستقبلي، أوضح الفارسي أنه "تم وضع برنامج طموح، في إطار سياسة المدينة للتأهيل الحضري"، يضم في الشق المتعلق بالبيئة، تهيئة ساحات عمومية ومساحات خضراء، بكل من شوارع محمد السادس، محمد الخامس، سيدي سعيد، "إضافة إلى إحداث فضاء أخضر بمركز المدينة سيُعتبر متنفسا للساكنة، كما أُنجزت دراسة تهم إنجاز منتزه على مستوى غابة المرابطين، المعروفة بتكانت أوكرام، والبالغة مساحتها نحو 9 هكتارات، وسيضم مرافق رياضية وترفيهية لعموم الساكنة"، يقول رئيس المجلس.