تعدّ مدينة بيوكرى، في الدرجة الأولى، مركزا إداريا لإقليم اشتوكة آيت باها، إذ احتضنت مقر عمالة الإقليم منذ إحداثه سنة 1995، وواكب ذلك إحداث مرافق ومؤسسات إقليمية تابعة لمختلف القطاعات الحكومية؛ كما شهدت، بفعل ذلك، تطورا عمرانيا وديموغرافيا ملحوظا، أسهم فيه هذا التحول، بالإضافة إلى اعتبارها مجال استقرار لعدد من اليد العاملة في الميدان الزراعي، حيث تطور عدد الأسر تطورا مهما، إذ انتقل من 2755 أسرة سنة 1994 إلى 6061 سنة 2004 ليصل في إحصاء 2014 إلى 9476 أسرة. وبالرجوع إلى أصل تسمية بيوكرى فقد اختلفت الروايات، إذ يرى البعض أنها سميت بأبي الضفادع، وهي ترجمة ل"بي إيكرى" بالأمازيغية. و"إيكرى" جمع "أكرو"، وهو الضفدع.. وذهب آخرون إلى القول إن التسمية تعني ذا الأبواب، أي "بي إيكورا" بالأمازيغية، وهي الأقرب تصديقا، لما كانت تتوفر عليه المدينة من مداخل أربعة، إلا أنها أزيلت فاندثرت المعالم التي ستقف شاهدة على الحقيقة. ورغم التحول الجليّ الذي شهدته المدينة، والذي شمل مختلف المناحي والبنيات الأساسية، غير أنها، وحسب إفادات متطابقة استقتها هسبريس من المكان، بقيت أشبه بعلب إسمنتية، تغيب فيها عدد من الفضاءات المهيأة حتى ترتقي إلى مصاف "المدن" بمفهومها الدقيق؛ ولا أدل على ذلك تلك الحركة الدؤوبة لعدد من الأطر والموظفين العاملين بمختلف القطاعات، الذين يضطرون إلى مغادرة المدينة يوميا، فور انتهاء مهامهم، صوب المدن المجاورة، التي توفر عددا من شروط السكن والاستقرار. سوق.. مخيم عشوائي أول ما يترآى للمرء وهو يلج بيوكرى، وتحديدا بجانب محطة سيارات الأجرة، في قلب المدينة، هو العشرات من الخيام المصطفة بشكل فوضوي، والتي حوّلت ساحة كبيرة إلى سوق عشوائي، أثر على حركة المرور، وجلب سلوكات شاذة، كتحويل تلك الخيام إلى أوكار ليلية لمعاقرة الخمور وقضاء الليالي الماجنة. كما تسبب الوضع في منع الولوج إلى حديقة عمومية، امتصت أموالا طائلة، فضلا عن انتشار ظاهر السرقة عن طريق النشل؛ وكل ذلك فرضه تساهل المصالح الجماعية والسلطات المحلية، وعجزها عن إيجاد بدائل واقعية لأحد أبرز تجليات الاحتلال الواضح للملك العمومي. مزبلة تخنق الأنفاس بعد تفويت تدبير قطاع النظافة لشركة خاصة، في إطار التدبير المفوض، تم اختيار مطرح عشوائي لا يبعد عن المدينة إلا بضعة كيلومترات؛ ويعني ذلك أن الساكنة تتخلص من النفايات المنزلية الصلبة نهارا، لتعود إليها أدخنة سامة ليلا، تحبس الأنفاس وتحول السماء إلى سحب ملبّدة بالغازات والروائح التي تزكم الأنوف، متسبّبة في تلويث المجال البيئي وتعذيب الساكنة المدينة، وحتى الدواوير المنتمية إلى جماعة واد الصفا. غياب الحدائق جولة بسيطة في مختلف دروب وشوارع وأحياء مدينة بيوكرى سيكتشف فيها المرء، بدون أدنى عناء، حجم الخصاص في الفضاءات الخضراء وفضاءات الألعاب الخاصة بالأطفال والمسابح، التي تشكل متنفسا للأسر. وغالبا ما تختار الساكنة جنبات معشوشبة، كحال جنبات سياج مقر عمالة الإقليم، ونافورة بوسط المدينة، من أجل الترويح عن النفس والخروج من روتين التواجد داخل تلك العلب الإسمنتية المغلقة. ويزداد الطلب على هذه الأماكن في الفترات الصيفية، حيث يتواصل السمر إلى ساعات متأخرة من الليل؛ لكن في الشوارع، في غياب شبه تام لأي بدائل. للثقافة عنوان لم ينكر فاعلون ثقافيون، في إفادات لهسبريس، أن المدينة شهدت في السنوات الأخيرة دينامية ثقافية مهمة، أثثها زخم من الأنشطة التي تنظمها فعاليات المجتمع المدني، غير أن هذه الدينامية لم يواكبها توفّر بنيات في المستوى لاستقبال الفعل الثقافي، خصوصا المركب الثقافي بالمدينة، الذي يفتقر إلى قاعات مجهزة وإلى تجهيزات وآليات تقنية قد تساهم في تسهيل احتضان مختلف الأنشطة الثقافية؛ فرغم أهمية هذه البناية، التي حملت اسم أحد رواد أغنية الروايس بسوس (سعيد أشتوك)، غير أن استغلالها من لدن الفعاليات الثقافية المحلية تواكبه صعوبات مادية ومعنوية، تؤثر بشكل ملحوظ على إشعاع هذه الأنشطة، وبالتالي على إشعاع المدينة على المستوى الثقافي. التهيئة..محسوبية لاحظ متتبعون للشأن المحلي، ضمن إفادات لجريدة هسبريس، أن المجلس الجماعي لبيوكرى ظل يكيل بمكيالين في مشاريع تهيئة الأحياء، موردين أمثلة مقلقة على ما وصفوه ب"التوجه السلبي" للمجلس الجماعي، منها تجزئة الإخلاص، التي ظل جزء منها فقط موصولا بشبكة تطهير السائل، كما لم تنل عملية تهيئة شوارعها ما نالته أحياء "محظوظة"، استفادت من مشاريع تبليط حتى مع انعدام الربط بشبكة الواد الحار، كحي تن بيوكرى؛ فضلا عن الإنارة العمومية وتمديد الشبكة الكهربائية التي حُرمت منها دروب وشوارع أخرى، كشوارع حي سوسون، الواقع وسط المدينة. مدينة الشارع الوحيد ظلت بيوكرى ولعهود مقرونة بشارع رئيسي وحيد، وهي الوضعية المستمرة إلى اليوم، إذ يُلاحظ أن غالبية مقرات المرافق ومؤسسات الدولة والأبناك والشركات الخاصة، بالإضافة إلى أهم الأنشطة التجارية، بقيت لصيقة بهذا الشارع الذي يخترق وسط المدينة؛ فرغم "الثورة الإسمنتية" التي عرفتها المدينة، والمجهودات في تنزيل عدد من برامج الدولة في الأحياء الهامشية وناقصة التجهيز، إلا أن الواقع الحالي لهذه المدينة لازال يستلزم تنزيل برامج تنموية وتأهيلية، من شأنها أن تحولها، فعليا، إلى حاضرة حقيقية لإقليم اشتوكة آيت باها. ومن أجل نيل رأي المجلس الجماعي حول ما سبق، ربطت هسبريس الاتصال برئيس الجماعة، الحسين فارسي، الذي وعد بإعطاء توضيحات في الموضوع، غير أن ذلك لم يتحقّق.