في نظر السلفية: المغاربة ليسوا أهل سنة يا أهل السنة خذوا حذركم! يقول عبد الواحد بن عاشر*** مبتدئا باسم الإله القادر الحمد لله الذي علمنا *** من العلوم ما به كلفنا صلى و سلم على محمد *** و آله و صحبه و المقتدي و بعد فالعون من الله المجيد *** في نظم أبيات للأمي تفيد في عقد الأشعري و فقه مالك*** و في طريقة الجنيد السالك على هذا التثليث سارت قافلة السياسة الدينية في المغرب. وعلى أرضية هذا الاختيار أناخت الراحلة. وليس هناك مانع من أن تختار الأمم مدارسها الدينية ، بأي وجه اتفق. ومع أنني بدافع الفكر لا سواه لا زلت أتساءل عن سر هذه الخلطة ، وهل هي من وحي الجزاف أم التطريز التاريخي لا يهم فأسئلة الفكر لا نهائية؛ تخرق الأسوار ولا تستقر على قرار. غير أن الفكر ما لم يكن عدميا يؤهلك للفهم والتفهّم.. فالغاية اليوم أصبحت حقيقة وجب تفهمها. ولا يضيرني أن تستمر القافلة على هذا الطريق. وإذا توقف عليها النظام العام فذلك هو المطلوب. علينا أن لا نقول أن الدين أصبح سياسة. ففي اعتقادي ليس ثمة في الأمر جديد. كان الدين دائما سياسة وبالسياسة وللسياسة.. وإلا ما معنى أن يكون أول خرم في جسم الدين جاء من السياسة؟! إذا قيل لي هل تريد للمغرب غير هذا، قلت، هذا أفضل لاستقرار النفوس والعقول عليه. ولكن ما ليس مقبولا هو إنزال ذلك حقيقة على الضمائر الشخصية و الإساءة إلى الآخر وإلى المختلف، إسنادا لهذا الاختيار، ومنح فرصة للتكفيريين أن ينطلقوا من داخل المؤسسات وخارجها لتصفية حسابات عقائدية تقليدية ونشر ثقافة الظلام. لا خوف على المغرب من غير ذلك. فذلك خوف يستولي على أهل التبشير لا أهل التفكير. يهمني أن أعرف وأحلل ، ولا يهمني أن أقنع و أبشر. في عقد الأشعري وفقه مالك وفي طريق الجنيد السالك: هذا الثلاثي هو من أهل السنة بينما الميكساج هو اختيار مغربي بامتياز. أنا أتساءل إن كان المرء على نهج السنة فماذا يضيره أن تتكامل هذه الثلاثية عقدا وفقها وسلوكا مادام الأمر مؤلفا من ثلاث عناصر سنية ؟! هي عقدة من يا ترى.. بل عقدة من يا ترى ذلك الاختلاف بين مدارس الإسلام ؟! . لكن التكفيريين وإن لم يجرؤوا على طرد الثلاثة من عقائد السنة ، فإنهم يرون أن المغرب هو في الحقيقة في عقد أشعري سعد بن كلاب وليس أشعري الإنابة. وعلى فقه مالك مختلق غير مالك السلفي. وفي طريق تصوف غير طريق الجنيد. أي أن ما عليه المغرب اليوم هو نسخة مزورة عن هذا الثالوث. ولذلك كان المغرب في عيون التكفيريين خارجا عن أهل السنة والجماعة. ولا يغرنك تقية آحادهم وقد تغلغلوا في المؤسسات الدينية وهم سلفيون تكفيريون حتى النخاع. ينحنون للعاصفة تقية بينما قلوبهم مليئة بالجرأة على التكفير. لسانهم مع مالك وقلبهم مع ابن تيمية. وهم في دفاعهم عن السنة لا يفعلون أكثر من التستر خلف عناوينها. وقد فعلها كبير التكفيريين ، وفي ذلك يقول السبكي في افتتاح كتابه الدرر المضيئة :" أما بعد فإنه لما أحدث ابن تيمية ما أحدث في أصول العقائد ونقض من دعائم الإسلام الأركان والمعاقد بعد أن كان مستترا بتبعية الكتاب والسنة مظهرا أنه داع إلى الحق هاد إلى الجنة فخرج من الإتباع إلى الابتداع وشذ عن جماعة المسلمين بمخالفة الإجماع." إنها مشكلة تكفيريين مهما بدا الخلاف بين أهل السنة والشيعة، فإنه لم يبلغ حد الشطط. أكثر النزاعات فجّرها قوم من الحنابلة في الماضي وفي الحاضر. فإذا كان بعض الحنابلة كفروا كل من ليس حنبليا ولو كان من أهل السنة، فأي كرم في الإنصاف تنتظره منهم تجاه الشيعة؟! ففي كل تاريخنا كان النزاع فكريا لم يمنع من أن يتتلمذ الشيعة على السنة والعكس. حتى في حقب كثيرة كان بعض الحكام من السنة ينتدبون فقهاء شيعة لمنصب القضاء على المذاهب المختلفة. ولكن النزاع الذي يؤدي إلى التكفير والعنف هو ما كان من التكفيريين الذين مارسوا العنف ضد كل أبناء الأمة وكفروا حتى أتباع المذاهب الأربعة. كان ذلك هو سبب ما سمي بمحنة ابن تيمية الذي لم يزج به في السجن لأنه كان عالما أو مصلحا أو ما شابه ، بل حدث ذلك بسبب تكفيره لكثير من علماء المذاهب الأربعة ونظرا لمواقفه التكفيرية التي كانت تزرع الفتنة وتؤلب المسلمين على قتال بعضهم البعض. وإذا وجدت اليوم من لم يهدأ له بال في الخصومة ضد الشيعة، فذلك ليس من شأن السنة التي تمثل أغلبية العالم العربي بل هو من شأن شرذمة من التكفيريين تعد ببضعة آلاف تمثل أقلية إزاء السنة والشيعة معا. ولأنهم يدركون أن دعوتهم محدودة الآفاق وأنهم أقلية داخل محيط سني كبير ، لجئوا إلى حيلة التلبيس على الأمة فيما احتفظوا بمواقفهم التكفيرية ضد مكونات المجتمعات العربية التي ينشطون فيها. إن إحدى كبرى الإحراجات التي يجب أن تذكر هو : ما هو موقف هؤلاء من المذهب المالكي .. وما هو موقفهم من الأشعري .. وما هو موقفهم من الجنيد وعموم المتصوفة؟ إنني أعتقد أن التشيع ليس دعوى تبشيرية ولا يمكن أن تكون كذلك. وما أكتبه اليوم ليس سوى دفاعا عن مدرسة موجودة وقد توجد في أي مكان آخر من عالمنا الإسلامي لا يهم. وموقف الشيعة من السنة ليس تكفيريا يقول بقتالهم وإخراجهم من الملة مهما بلغ الاختلاف. وموقفهم ليس شخصيا من هذا أو ذاك بل هو موقف عام. ومكانة أئمة السنة تزداد وتنقص في ميزان الشيعة بقدر موقفهم من أهل البيت. وحتى أكون صريحا ولا أركب خدعة التكفيريين، أقول ليس عندي مشكلة مع المالكية والأشعرية والجنيدية وما شابه. وهي عندي أفضل ألف مرة من دعاوى الحنابلة الجدد الذين انقلبوا حتى على ابن حنبل واخترعوا لهم نحلة التكفير وجعلوها عقيدة. قارن بين مسند أهل البيت لابن حنبل وبين منهاج السنة لابن تيمية لترى الفرق. فذاك يروي في فضائلهم ما يرفع من شأنهم ويؤكد على حقيقة أنهم أهل بيت لا يقاس بهم أحد ، بينما يسعى ابن تيمية إلى الخدش في كل فضائلهم ومناقبهم ونهج أسلوب التشكيك فيها حتى أنه في منهاج السنة مارس حربا على السنة نفسها. فهو منهاج الضلال لا منهاج السنة. ولقد وقفت على الكثير من أباطيله في هذا الكتاب المليء بالجهل والعناد والنيل من علي والزهراء ، مما ليس لنا متسع لبسط الكلام حوله. طبعا لا أحد يملك أن يفرض هذه الترسيمة على الضمائر. لكنها موجودة على كل حال. ولكنني أحمد الله أن أشعرية المغاربة ومالكيتهم وجنيديتهم ليست خصيمة لأهل البيت أو مستنقصة لمقامهم وإن حصل من شذوذ في ذلك في بلادنا ، فهو مما تسرب مع الطغمة التكفيرية التي عقدت قرانا سريا مع نصبها . إذ ليس النصب هو إظهار العداوة لأهل البيت فحسب، فهذا تحصيل حاصل ، بل من النصب أن يتلوّى الشخص في حجب كل فضيلة لهم أو منقبة والاجتهاد في استنقاص مقامهم والخدش في شأنيتهم والكراهية العمياء لمحبيهم ، فذلك هو أخ النصب وابن عمه. فما أكثر التكفيريين الذين يلبسون الجلبان والطربوش الأحمر ، ولو شققت على قلوبهم لوجدت انتماءهم إلى الحنابلة الجدد لا إلى المالكية. لقد وجدنا ثمة خطة للتلبس بهذه العناوين من قبل رموز تكفيرية تمارس الخداع والتقية لاختراق الجسم والمؤسسات الدينية في بلادنا التي تدين بالأشعرية والمالكية والجنيدية. وهنا لا بد أن نذكّر بأن الإمام مالك ليس هو من يتشرف أهل البيت به ، بل إنه هو من يتشرف بهم كما أكّد ذلك في كلامه وكما يجب أن يقال. إن أهل البيت لا يقاس بهم أحد من هؤلاء الأئمة وهو موقف سني بامتياز. وإن آراء الأشعرية فيها الكثير مما تشترك فيه مع الاعتزال والتشيع في العقيدة. وأما التصوف فحدث ولا حرج. ولذلك استاء أمثال الزمزمي أحد التكفيريين المحترقين ودعا إلى محاربة التصوف المغربي حتى لا يكون حضنا للفكر الشيعي. وهو هنا يؤكد أن الأمر يتعلق بتقارب وتشابه بين التصوف والتشيع يجعل دعاوى التكفيريين وهواجسهم على الهامش . في كل الجدل الذي نشهده اليوم يظهر بعض التكفيريين ويختفون وراء عنوان أهل السنة كما قلنا، ليوحوا للناس أنهم هم المدافعون عن السنة وهم المعنيون بها أكثر من غيرهم. في مثل بلداننا يمارس التكفيريون التقية مرتين . فهم يمارسون التقية وفي الوقت نفسه يظهرون موقفا سلبيا من التقية. ولا يصرحون بما يصرحون به في البلاد التي يعربدون فيها. وأعني بذلك أن الناس يعتقدون أن هؤلاء سنيون ويدافعون عن السنة . فيما الواقع يقول أنهم يعتبرون أنفسهم هم السنة وأن هذا السواد الأعظم من الخلق ليسوا سنة وإنما هم أكياس رمل نختفي وراءها قبل أن تأتيهم النوبة لنهجم عليهم بالتكفير مثلما فعلوا دائما مع السنة في بلاد كثيرة. ومن أعجب ما رأيت أن بعض الذين يؤججون الخصومة ضد الشيعة ، يسعون لتصفية حسابهم مع هذا الفكر الذي يمنعهم من أن يصلوا إلى السنة نفسها. أي لو أن أهل السنة الحقيقيين أدركوا ما قدمه الشيعة في مواجهة هؤلاء التكفيريين ، لعرفوا أن الشيعة هم من منع التكفيريين من أن يسرقوا السنة من أهلها. وهم كذبا يعزفون المعزوفة نفسها ممالأة وليس قناعة: نحن في المغرب أهل سنة أشعريين في الاعتقاد مالكية في الفقه جنيدية في السلوك. يا سلام على الألعبان.. جميل ، لكن دعني أقول ، أن التكفيريين الذين يختبئون في عناوين السلفية العلمية أو غير العلمية ، هم ممن يكفر أهل السنة في العالم الإسلامي ويكفرون الأشاعرة كما يبدعون المذاهب الأربعة كما يكفرون عموم التصوف. موقف التكفيريين من ثلاثية ابن عاشر السلفيون يدافعون عن أهل سنة آخرين وليس عن أهل السنة الأشاعرة. خصوم الشيعة هم أنفسهم خصوم الأشاعرة والمذاهب الأربعة والتصوف. فهم بالأحرى لا يسلمون بثلاثية عقد الأشعري وفقه مالك وسلوك الجنيد. فعقيدتهم يأخذونها من ابن تيمية مكفر الأشاعرة. وفقههم يأخذونه من خلف الحنابلة حيث يرفضون المذاهب السنية الأخرى. وسلوكهم يأخذونه من مصادر مردت على تكفير أهل السلوك. ومهما استثنوا الجنيد كما فعل ابن تيمية ، فهو استثناء نظري ، لأنهم في مقام السلوك يكفرون مظاهر التصوف التي لم يكفرها الجنيد. إذا كان التكفيريون لن يعبئوا بالثلاثية المذكورة قطعا ، فهلاّ لمسنا عندهم ترجيحا لعناصرها على المفرد. بمعنى آخر ، إذا لم يكن التكفيريون يسلمون بهذا المزج بين الثلاثة فهل لهم نحو تقدير معتبر لكل منهم على حدة: أي ، موقفهم من مالك أو الأشعري أو الجنيد؟ الإمام مالك والمالكيون من أكبر الخدع التكفيرية أنهم يظهرون تبجيلا للإمام مالك على أساس أنه من أئمة السلف. ويتضخم هذا التبجيل فقط في البلاد التي يدين أهلها بهذا المذهب. أما مالك فلن تسمع به في الأوساط التي يذكر فيها ابن تيمية آلاف المرات في الثانية الواحدة إلاّ ناذرا. أتحدى أي تكفيري سلفي يقول من هو الأفضل: ابن حنبل أم مالك.. ابن تيمية أم سحنون.. ابن عبد الوهاب أم ابن عاشر ؟ تلك هي الأسئلة الحقيقية. إذا كان مالك إمام دار الهجرة وهو من قيل في حقه لا يفتى ومالك في المدينة، فلم يؤخذ الفقه من بن حنبل وليس منه إذن؟ والحق يقال أننا لا نجد في رياضتهم التكفيرية لا سيما خارج المغرب ما يصدّق هذا التبجيل. فهم دائما يتحدثون عن مالك السلفي وليس عن مالك والمالكية كما هي سائدة عند مالكية المغارب وسواهم. فلهم مالك خاص بهم كما لهم أشعري خاص بهم لا علاقة للأغلبية السنية بهما. وإلا إذا كان مالك إمام السلف فلماذا يقدم ابن تيمية عليه حتى لا نقول قدمتم ابن حنبل عليه. لماذا هذا الزهد إذن في إمام قيل عنه لا يفتى ومالك في المدينة. ثم ما موقف التكفيريين من المالكية في مختلف البلاد ويوم قام الوهابيون باستئصالهم والتضييق عليهم في أرض الحجاز. إنهم لا يعتبرون مالك فقيههم ولا مجددا. فالشيخ الجامي من كبار الأثرية السلفية يعتبر في نقضه على تجديد الترابي، بأن المجددين المشاهير وطبعا يعني الحقيقيين فقط هم ابن حنبل وابن تيمية وابن عبد الوهاب. وهذا هو اعتقاد الوهابيين في كل مكان. وإذن أين مالك من كل هذا؟ الحكاية مفهومة. وليتهم اعتبروا تلك مدرسة وكفى . بل اعتبروا الخارج عنها كافرا أو مبتدعا أو في أهون الحالات ، لا ينتمي إلى أهل السنة والجماعة. وإذا كان الشيعة يعتقدون في شرعية أئمتهم بناء على أدلة شرعية ملزمة ، فكيف يتم تكفير الناس فقط لأنهم لم يتبعوا نهج هؤلاء الرجال الذين لا يوجد ما يدل على أن طريقهم هو الطريق المطلوب شرعا على الأقل؟ وحيث تعذر عليهم تبديع الإمام مالك، عادوا وبدّعوا أتباعه واعتبروهم على نسخة غير أصلية من المالكية. فأصبح مالك على نهجهم السلفي لا على نهج غيرهم. فهو من أتباع بن حنبل وابن تيمية وليس العكس. فمالك في تصور التكفيريين ، لا شأن له بعلم الكلام. بل هو كما في تصريح ابن عبد البر بسنده عن ابن خويز منداد فقيه المالكية بالمشرق ، شارحا لقول مالك في كتاب الشهادات في عدم جواز شهادة أهل البدع والأهواء: أهل الأهواء عند مالك وسائر أصحابنا هم أهل الكلام، فكل متكلم فهو من أهل الأهواء والبدع أشعرياً كان أو غير أشعري، ولا تقبل له شهادة في الإسلام أبداً، ويهجر ويؤدب على بدعته فإن تمادى عليها استتيب منها[1] . وحيث الأشعري متكلم ، كان لا بد من الإنكار على هذا الربط بين المالكية والأشعرية لعدم التناسب بينهما. وعلى هذا يبدو للتكفيريين ، أن عقد الأشعري لا يركب على فقه مالك. فذاك متكلم وهذا يبدّع أهل الكلام. كتب أحدهم مقالا تحت عنوان : ما علاقة الإمام مالك بعقيدة أبي الحسن الأشعري، وطريقة الجنيد السالك[2] . يتساءل فضلا عن حقيقة هذا التثليث وجدواه ، عن حقيقة العلاقة بين مالك ومالكيتنا.. بين الجنيد وجنيديتنا.. يقول متسائلا: " من هو الإمام مالك بن أنس(المتوفى في سنة179 هجرية)، الذي ينتسب إليه المالكية؟ هل هو كما نراه في سلوك بعض المنتسبين إليه من المتأخرين الذين نراهم في زوايا المساجد على صورة دراويش، والذين يتنافسون في اقتناء أطول مسبحة، وكتابة أكبر عدد من التمائم، أو الذين نراهم على شاشات التلفزيون بالبنطال ورابطة العنق والخد الأملس، والذين يفتون في الأخضر واليابس بلا مراقب ولا حارس؟! أم حقيقة الإمام مالك رحمه الله تعالى ما نقرأه عنه في الطبقات الكبرى لابن سعد، وتاريخ يحي بن معين، والجرح والتعديل لابن أبي حاتم، سير أعلام النبلاء للذهبي، وترتيب المدارك للسبتي، والأنساب للسمعاني، وتهذيب الكمال للمزي، ومناقب مالك للزواوي، والبداية والنهاية لابن كثير، والدباج المذهب، وتزيين الممالك، وشذرات الذهب، وشجرة النور الزكية، و...و...؟ ".[3] فالمالكية في نظر عموم السلفية، طبعا كما في المغرب، لا علاقة لهم بمالك السلفي كما يراه الوهابيون دون أن يختاروه لهم إماما بدل الإمام أحمد. فمالكية المغرب أصحاب مسابح طويلة وهي بدعة حرام عند الوهابية ويلبسون البنطال وربطة العنق وهما محرمان عند الوهابية وخدودهم ملساء ، أي بدون لحا .. ويقرؤون القرآن جماعة وهو في نظرهم بدعة..ويقرؤون القرآن على القبور وهو كذلك في نظر القوم بدعة.. وهم يسدلون في الصلاة ولا يقبضون .. هؤلاء ليسوا على نهج مالك البتة. يقول الكاتب نفسه: "وحتى في الفروع على تقسيم المتأخرين، فهل المذهب المالكي يجيز حلق اللحى، وتزويج المرأة بلا ولي، والدعاء الجماعي وراء كل صلاة مفروضة، وقراءة القرآن على الأموات، وسدل اليدين في الصلاة؟!"[4]. وأنهم في ادعائهم اتباع الأشعري ، هل هم على عقده في الإبانة أم في عقده في اتباع سعيد بن كلاب وقوله بمقالة الجهمية المكفرة من قبل أئمة السلف. وهل مالكية مالك وأئمتها تقر ببناء الأضرحة والدروشة والبناء على قبور الصلحاء؟!.. فالمالكية كما يتصورها هؤلاء، يجب أن تكون تكفيرية متعصبة رافضة للكلام والخطاب العقلاني والصنائع العقلية كالمنطق والفلسفة وعلم أصول الفقه.. مالكية حشوية تكتفي بتحشيد الأخبار من دون دراية. ومالكيون يطلقون لحاهم ويقصرون ثيابهم حتى يلتقيا مثل عفاريت سيدنا سليمان.. ويتخللون بالسواك في السفر والحضر وفي كل مكان من دون ذوق بدل السينيال والكولغاط..ويرهبون الخلق ويقيمون الحدود على الناس ويحولون الساحات العامة إلى طقس جزارة لتقطيع الأيادي والأرجل والأعناق كما لو أننا لا نعيش عصر الدولة.. يتراكضون خلف الناس بعصيهم يفرضون عليهم بالقهر غلق دكاكينهم والصلاة بالقوة في المساجد.. يعتبرون عمل المرأة فسقا وتقحبا كما رأى أحد كبراءهم.. ويحرمونها من قيادة السيارة والرد على التليفون.. يكفرون بكروية الأرض ويعتبرون الشمس هي من يدور حول الأرض.. يعتقدون بإمكان إرضاع الرجال الكبار من أثداء النساء .. يحرمون كل شيء كما يكفرون كل الخلق..المالكية التي يريدها السلفيون، هي مالكية مطلبنة ، مالكية محنبلة تدمر التماثيل كما لو كانت أصناما تعبد من دون الله..وأما مالكية المغرب التي تأبى هذه الحماقات السلفوية فهي عندهم مالكية مزيفة بدعية غير سنية، أي نسخة مزورة. فحتى لو احترمتهم فهم لن يحترموها. هل الأشعري من أهل السنة؟ إذا تلطف التكفيريون مع الأشعري ، نزهوه وبرؤوه من الأشاعرة ، وسلكوا رواية شاذة مفادها أن الأشعري الذي بين أيدينا ليس هو الأشعري الحقيقي. فالأشعري الحقيقي كما يذكر بن تيمية في رسائله وفي تأريخه العجيب ، أنه عاد إلى نهج السلف ولا شأن له بهذه العقائد الكلامية التي تعود إلى سعيد بن كلاب. نفهم من ذلك أن ما عليه عموم الأشاعرة اليوم ومنهم المغرب ، في عقد بن كلاب وليس عقد الأشعري. وقد تلقفها عموم خلف السلفية فرددوها تقليدا أعمى من دون تحقيق كما في رد الجامي على الأشعري كما نجد بعضهم كسفر الحوالي يعتبرهم من الفرقة الخامسة للمرجئة. وكان ابن تيمية قد نسب إليها القول بمقالة الجهمية. فهم بهذا المعنى أهل بدع مرجئة وجهمية وكلابية. ومع المدخلي فإنهم حتى في حدود ما يبدو من إثباتهم لقسم من الصفات بما يوحي بالاتفاق مع أهل السنة ، فهم لا يثبتونها بالكيفية نفسها التي تثبت عند أهل السنة. وهكذا أخرجوا الأشاعرة من عقيدة أهل السنة والجماعة. وهكذا بدا الأشاعرة في العالم الإسلامي لهؤلاء غير أهل السنة. وبالنسبة للمغرب ، اعتقد الكثير منهم أن الأشعرية دخيلة على المغاربة الذين كانوا في نظرهم على عقيدة السلف الصالح. يقصدون أنهم كانوا أهل حديث بعيدا عن علم العقيدة والكلام. وقد أرجعوا دخولها إلى المهدي بن تومرت . فحسب الناصري:" واستمر الحال على ذلك مدة إلى أن ظهر محمد بن تومرت مهدي الموحدين في صدر المائة السادسة ، فرحل إلى المشرق وأخذ عن علمائه . مذهب أبي الحسن الأشعري ومتأخري أصحابه" . وأيضا : "ثم عاد محمد بن تومرت إلى المغرب ودعا الناس إلى سلوك هذه الطريقة ، وجزم بتضليل من خالفها بل بتكفيره وسمى أتباعه الموحدين , - تعريضا بأن من خالف طريقته ليس بموحد - وجعل ذلك ذريعة إلى الإنتزاء على ملك المغرب .". ليس هذا فحسب ، بل نسب إليه مزج الأشعرية بالرافضية والخارجية لا أدري كيف ركب هذا المزج بين المتناقضات لتصبح الأشعرية حتى بعد دخولها إلى المغرب ، ليس كلابية فحسب كما ذهب ابن تيمية ، بل ستصبح خوارجية رافضية وما شابه. يقول: " لكنه ما أتى بطريقة الأشعري خالصة بل مزجها بشيء من الخارجية والشيعية حسبما يعلم ذلك بإمعان النظر في أقواله وأحواله وأحوال خلفائه من بعده ، ومن ذلك الوقت أقبل علماء المغرب على تعاطي مذهب الأشعري وتقريره وتحريره درسا وتأليفا إلى الآن ، وإن كان قد ظهر بالمغرب قبل ابن تومرت فظهورا ما . والله أعلم". قد تصلح هذه لمقاربتنا سالفة الذكر ، التي تجعل من الهوية المغربية حتى في أشعريتها متشيعة . لكن من باب التحقيق يبدو الحديث عن دخول الأشعرية مع المهدي بن تومرت فيه ما فيه من تأمل. فقد يكون هذا الأخير قد مكّن لها من خلال هجومه على المرابطين ووصفهم بالتجسيم ، لكن دخولها يبدو قبل ذلك كما تعكسه رسالة ابن أبي زيد القيرواني (ت386ه). والراجح ما ذهب إليه البعض من أن دخولها كان على يدي المرادي الحضرمي. وقد استند البعض إلى تفنيد ابن تاويت في مقدمته للمدارك دعوى ابن تومرت بأن أهل المغرب لم تكن لديهم العقائد. ويكشف أحد أبرز الوهابيين المعاصرين الشيخ ربيع بن هادي المدخلي في إحدى محاضراته المعنونة ب"تحذير السلفيين من ألاعيب المتلونين" عن الموقف الحقيقي من الأشاعرة ، أي عموم أهل السنة. فما يدعيه الأشاعرة المعاصرون من أنهم على منهج أهل السنة هو مجرد خدعة. وهو صريح في إخراجهم من أهل السنة وبطلان آرائهم. يقول المدخلي وهو يعبر عن الرأي السائد عند الوهابية:" أما الأشاعرة فليسوا من أهل السنة ، ومن قال ذلك فقد جهل أو كذب ، ليسوا من أهل السنة والجماعة في قليل ولا كثير ولا قبيل ولا دبير ، ليسوا من أهل السنة و الجماعة فضلاً عن أن يكونوا هم أهل السنة و الجماعة ، بل هم ألد أعداء أهل السنة و الجماعة في هذا العصر الحاضر ، وقبله أيضاً ، فإن البدع جميعاً انضوت تحت مظلة الأشاعرة في حرب أهل السنة و الجماعة ، فالمعتزلة دخلوا تحتهم و الجهمية دخلوا تحتهم و الصوفية دخلوا تحتهم وكلهم اتحدوا تحت مظلة الأشاعرة ، ومن قال إن الأشاعرة إنهم من أهل السنة فهو مخذول ، الأشاعرة ليسوا من أهل السنة أبداً"[5]. ولا يكتفي المدخلي بهذا القدر ، بل يعتبر أن مزاعم الأشاعرة الجدد هي خدعة ومكيدة وجب الالتفات إليها. يقول المدخل: "اسمعوا يا جماعة ، انظروا إلى هذه المكيدة ، أول شيء بدؤوا قريبين وبعدين رجعوا من أهل السنة ثم جاءت الكتب الأشاعرة هم أهل السنة ، لا و الله ، فض الله فاك أيها الكاذب الأفاك ، كيف يكون الأشاعرة أهل السنة وهم أعدى لأهل السنة ، كيف يكونون ؟! هذا من العجاب !"[6]. وأكثر من ذلك ، الموقف شديد التكفير للأشاعرة مع الشيخ الفوزان. موقف تضمنه مقرر تعليمي للشباب في مقتبل العمر وفي مقتبل الدراسة. ففي قوله تعالى في سورة الفرقان: (وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن ، قالوا وما الرحمن) الفرقان/60، يعلق الفوزان قائلا: فهؤلاء المشركون هم سلف الجهمية والمعتزلة والأشاعرة. وكل من نفى عن الله ما أثبته لنفسه أو أثبته رسول الله (ص) من أسماء الله وصفاته. وبئس السلف لبئس الخلف[7]. ولقد أخذت هذه القضية مجالا واسعا للنقاش. وبلغت من الأهمية بالنسبة للتيار الوهابي مبلغا لم يعد يكتفى فيه ببعض المقالات، بل ألفت حوله مؤلفات وقدمت فيه محاضرات. هناك كتاب الشيخ الجامي في الرد على الأشاعرة .. كما كتب الشيخ المحمود : موقف ابن تيمية من الأشاعرة.. كما كتب سفر الحوالي: منهج الأشاعرة في العقيدة .. كما كتب خالد نور : منهج أهل السنة ومنهج الأشاعرة في توحيد الله تعالى" .. كما كتب صادق السفياني : الفروق في العقيدة بين أهل السنة والأشاعرة .. إطلالة سريعة ومن العنوان فقط ، يتأكد أن السلفية تنظر إلى الأشعرية كشيء آخر مقارنة بأهل السنة. في رد على ما نشر في موقع إسلام اليوم الذي يديره الشيخ سلمان العودة من الصحوة:"الأشاعرة والماتريدية من أهل السنة". يتساءل سليمان بن صالح الخراشي: هل الأشاعرة من أهل السنة. ولا يمضي طويلا حتى يقول: فالأشاعرة ليسوا من أهل السنة وإنما هم أهل كلام، عدادهم في أهل البدعة . وطبعا سيستشهد بكل هذا الرعيل من مشايخ السلفية المعاصرين. وآخرهم سفر الحوالي في قوله في منهج الأشاعرة : " الحكم الصحيح في الأشاعرة أنهم من أهل القبلة ، لا شك في ذلك ، أما أنهم من أهل السنة فلا " . ويتأكد ذلك صريحا في جملة الفتاوى حول الأشاعرة. ففي فتوى للشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين انظر رابط الفتوى في موقع الإسلام اليوم رقم الفتوى (10813) ، حول الصلاة خلف الأشعري. سؤال: لقد كان يصلي بنا رجل من سورية جاء إلى أمريكا للدراسة، وللأسف جعلناه إماما لنا وذلك لحفظه من كتاب الله الكثير، ثم وجدنا أنه على عقيدة أشعرية، ويقول: إن هذه العقيدة هي عقيدة أهل السنة والجماعة، فهل يجوز أن يصلي العبد خلف أشعري متعصب لعقيدته؟ ثم هل عقيدة الأشاعرة تخرج من الملة؟ ثم هل الأشاعرة يعتبرون فرقة ناجية، وهي من أهل السنة والجماعة؟ الجواب: عقيدة الأشاعرة فيها إنكار بعض الصفات دون بعض، وردها بنوع من التأويل والتكلف، وقد اعتنقها الكثير من أهل العلم المشهورين الذين لا يزال ذكرهم وعلمهم مشهورا منتشرا كالجويني و الباقلاني و ابن عساكر ونحوهم، فنحن لا نكفرهم، ولكن نخطئهم في اجتهادهم، وهم يخطئوننا ويعيبون علينا بعض تمسكنا بالظواهر ويصلون خلف أهل السنة مع أنهم يبدعونهم، وما زال أهل السنة يصلون خلف الأشاعرة إذا كان لهم نوع ولاية وعلم وأهلية، فعلى هذا فإن عقيدة الأشاعرة هي أقرب إلى عقيدة أهل السنة، وإنما المخالفة في نفيهم بعض الصفات، وإثبات بعضها، فإن وجدتم من هو من أهل السنة والجماعة في إثبات الصفات الواردة في الكتاب والسنة ونفى التشبيه عنها وهو مع ذلك قارئ للقرآن فهو أولى بالإمامة، وإلا فصلوا خلف هذا الأشعري، ولا يضركم كون عقيدته أشعرية، فإن الصلاة منعقدة وصحيحة إن شاء الله. والله أعلم.". في منتدى السلفيون فتوى في الأشعرية بصيغة : ما حكم الاشعرية في هذا الزمان ؟ الجواب : الاشعرية قسمان : 1 اشعرية قبورية وثنيين ؛ فهؤلاء مشركون . 2 أشعرية محضة ؛ ليس عندهم شيء من باب الشرك الأكبر ، فهؤلاء حكمهم حكم الأشاعرة السابقين لهم . والاشاعرة السابقين على قسمين 1 الاشعرية الأولى ؛ فهؤلاء كلابية ، وهم طائفة مبتدعة ولا تكفر . 2 الاشعرية الثانية ؛ وهؤلاء جمهور العلماء على عدم تكفيرهم للتأويل ، وذهب قليل من أهل العلم إلى كفرهم - منهم ابن حزم , وابن الجوزي , والدستي ، وبعض الحنابلة. والراجح انه يختلف باعتبار الزمان والمكان : فان كان الزمن زمن انتشار للسنة وظهورها ، أو المكان مكان سنة ظاهرة - كما في زمن الإمام مالك واحمد والشافعي - ثم تبنى الاشعرية فهذا كافر. وان كان الزمن زمن غلبة جهل وانتشار للبدعة وخفاء في السنة - كزمن ابن تيمية وزمن محمد بن عبد الوهاب - فلا تكفير حتى تزول الشبهة ويعاند ، والله أعلم . ملاحظة : هناك طائفة هم من أهل السنة في الجملة ، لكن وافقوا الأشاعرة وليس أحوالهم أحوال الأشاعرة ؛ من تقديم العقل على النقل ، بل أحوالهم تقديم الكتاب والسنة ونبذ تقديم العقل - أمثال البيهقي وابن فورك ونحوهما - فهؤلاء ما وقعوا فيه يسمى " زلات " ، فيرد ما معهم من باطل ، وتحفظ مكانتهم ويستفاد من علمهم[8] . الأشاعرة إذن ، ليسوا من أهل السنة. ولا يقبل بهم جمهور السلفية. وحينما يمارس بعضهم التقية ويتحدث بأن المغرب من أهل السنة ، يمارس خداعا وتلبيسا ، لأنهم يعتبرون المغاربة أهل بدع وليسوا من أهل السنة. فإذا ثبت ذلك في حق علمائهم ونخبهم ، فماذا سيقولون في حق ما يعتقد به عوامهم؟! وفي طريق الجنيد السالك