لا أدري إن كان قد تناهى إلى سمع الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري "شرطي الإذاعة والتلفزيون" صوت الإعلامية الشهيرة سناء الزعيم على إذاعة أصوات، وهي تلعن وتسب مباشرة على الهواء.. ربما نسيت سناء أنها في "حديث ومغزل" على الإذاعة وليس في شرفة الشقة أو في صالون للتجميل.. فراحت تبكي تعاطفا مع مستمعة تشتكي عنف زوجها.. إلى هنا الأمر "مقبول" على اعتبار أن المنشط الإذاعي إنسان أيضا، قد تغلبه عواطفه ولا يلتزم الحياد المطلوب مهنيا بشكل كامل.. لكن السيدة المذيعة تجاوزت البكاء إلى كيل الدعوات على من يضرب النساء من الرجال، وتدعو الله أن يقطع أيديهم من خلاف.. بل وتوجه حديثها إلى المستمعين مباشرة "الرجال اللي كيسمعونا هاد الصباح بغيت ربي يقطعليكم اليدين اللي كيضربو البنات.." لست هنا بصدد تصيد هفوة الزميلة سناء الزعيم، التي أكن لها كل الاحترام وأعتبرها وأعتبرها من الإعلاميات المتميزات ببلادنا.. بقدر ما أود إثارة الانتباه إلى مسألة في غاية الأهمية؛ تتعلق بأخلاقيات المهنة، التي تفترض معالجة الأمور بموضوعية، وهي هنا تعني بث رسائل التوعية عبر خطاب عقلاني متزن، بعيدا عن الانفعالية والخطاب العنيف.. يقول فرانك غاردنر مراسل بي بي سي للشؤون الامنية: "أعتقد أن الحياد يعني أن تضع جانبا أفكارك المسبقة وتعالج القصة بموضوعية. في تجربتي، الحياد يعني أن أحاور أناسا وأبث المقابلات التي أجريها معهم رغم أفكارهم التي التي أراها مقيتة ومقززة، عليك أن تدع الجمهور يستمع إلى ما يريد هؤلاء قوله حتى وإن لم تتفق معهم، لا يجب أن تمنعهم لأن ذلك سيكون نوعا من مصادرة الرأي بأسلوب شمولي" لا أطلب من سناء الزعيم بث مقابلات مع أولئك الأزواج ممن يعنفون زوجاتهم، فتلك مهمة القضاء.. والعنف مدان في جميع الأحوال سواء أكان صادرا عن الرجال أو النساء في أشكال متعددة، من بينها العنف اللفظي الذي سقطت فيه المذيعة.. صدمت وأنا أستمع أستمع إلى المقطع، الذي أعادت الإذاعة بثه على موقعها بعنوان "لأول مرة في المغرب الإعلامية سناء الزعيم تثور مباشرة على أصوات"، وهو مقطع كان يجب بدل ترويجه تقديم اعتذار للمستمعين، لكن للأسف إعلامنا يحب الفضيحة وإثارة العواطف.. لأن الجمهور يريد ذلك !! صدمت مرة أخرى وأنا أطرح الموضوع للنقاش على فايسبوك، لأفاجأ بعديد الزملاء ممن أكن لهم الاحترام وهم يدافعون عن هفوة المذيعة، باعتبارها "إنسانا" لا يمكن أن يضبط عواطفه دائما، خصوصا أمام أمام حالة مؤثر لامرأة تحكي عن تعنيفها.. بهذا المنطق إذن، يمكن للصحفيين عبر العالم أن يلعنوا بشار الأسد وهم يرون جثث الأطفال المتفحمة في سوريا، ويدعو الله بأن يجمد الدم في عروق نتنياهو وهم ينقلون أخبار الشهداء في غزة!! مشكلتنا هو أننا نغلب العاطفة ونسلمها قيادنا حتى في حياتنا المهنية.. لذلك نحن متخلفون في كل جانب..