بداية أحييكم من سجني، وأريد أن أطمئنكم بأني بخير. هي محنةُ أيام من ألم الأصفاد وستزول، وسأعود إلى الأرض حتى أكون لكم عونا ونصيرا في الحرب التي تخوضون. طبعا لستُ سعيدا بهذه القيود التي تُبعدني عن أحبائي وأتباعي، وتُغيّبني عنهم إلى حين، غير أني واثق من إخلاصكم وخضوعكم لولايتي حتى أعود، كما أنتم يا أشدَّ المؤمنين برجوعي وأكثرَ الداعين لي بتعجيل سراحي واثقون من أني سأكون دائما القائدَ الوفيّ للمبادئ التي أقسمتُ في لحظة تحدٍّ هائلة ألّا أتزحزح عنها حتى تقوم الساعة. والذي نفسي بيده لأملأنّ الأرض بالدم شرقا وغربا. "" دعوني أرفعْ عمامتي تحية لكم على ما تصنعونه. لستُ أخفي يا أوليائي مدى سعادتي بالأخبار التي تصلني عنكم، وإني فخور بما تنجزونه منذ فترة في المغرب. فهذا البلدُ الذي استعصى علي قرونا أراه الآن بفضلكم يكاد يخضع وينهار. ولهذا أريدكم أن تركزوا على هذه الجهة البعيدة، ولا تنشغلوا بما يحدث جهة الشرق. فأنتم تعرفون أن سلطتي التي قامت هناك ستظل قائمة، لأن لي جنودا يحرسونها وقد تسلحوا بالقنبلة والعقل وأخضعوا أعدائي. فمنهم من رفع لواء ولايتي شامخا فوق بلدان، ومنهم من لا تفصله عن قيام مملكتي سوى حفر صغيرة تحت مسجد. فلا تنشغلوا كثيرا بما يحدث بين الفريقين، ولا تهتموا بالحروب الصغيرة التي تدور بينهما مستخدمَين فيها نارا أحيانا وخطباً في غالب الأحيان. إنهما معا من أوليائي يتسابقان؛ من منهما يرضيني أكثر كي تكون كلمتي هي العليا؟ فلْيتقاتلا، المهم أن تكون لي أنا الغلبة في النهاية. ونحن بما أرى الآن سنظل الغالبين. فاطمئنوا، وواصلوا الهجوم على المغرب، ولا تلتفتوا. إنّ ما تفعلونه يا أوليائي في هذا البلد أعظمُ مما فعلتُ. وقد فاجأني أنا أيضا. من كان يتصور أن تنهضوا بعد رقاد من المخابئ والسراديب وتشنوها حربا مفاجئة على هؤلاء المغاربة؟ كنتُ أوحيتُ إلى ملوك قبلكم على مدى القرون أن يدخلوا بلادهم الممتدة على الأطلسي ويُفسدوها، وفعلا أفسدوها، لكنهم لم يفسدوا كل الأمة. لأن فيها دائما بقية ممن يحفظون في صدورهم شيئا من النقاء به يعيدون إصلاح ما أفسد المفسدون. وجنّدتُ أُمماً أغرتْ وتُغري هذا الشعب الفقير بجنة في الأرض تمنحه من اللذات ما لا عين رأت ولا أذن سمعت كي يخضع، فيخضع الجميع لفترة، ولكن في كل مرة يقوم في هذه الأمة من يحتفظون في نفوسهم بشعلة الكبرياء، فيقودون الثورة. الثورة التي تعيد لهذه الأمة وحدتها وصلابتها من جديد. ولأني كنتُ أعرف أن وحدةَ المغاربة في إيمانهم الفطري، وصلابتَهم في إيمانهم الفطري، فقد سعيتُ في كل المعارك التي خضتها ضدهم إلى زعزعة عقيدتهم، ولم أنجح. كانت كل خططي تستهدف هذا الإيمان البسيط والعميق الذي يشترك فيه الطفل والشيخ، العجوز والمراهقة، المواطن والمسؤول، الأمي والمتعلم، ويمنع المغربي من أن يسأل أخاه عن عرقه أو مذهبه كي يحاكمه... لكني فشلتْ. ويبدو أنكم أنتم ستنجحون. يا أوليائي لا تكفوا خلال غيبتي هذه الأيام عن مواصلة المسير. واصلوا تحقيق ما عجزتُ أنا عنه طيلة قرون، اطعنوا في عقيدة هؤلاء الملايين وفي نقاء من يوالونه ويتبعونه، أدخِلوا الشك إلى قلوبهم من شرفات عقولهم حتى يكفروا بكل شيء. تعمّموا بعمائم المخَلّصين، استعيروا خطب الطاهرين وتنكّروا في عباءات الأتقياء. ابكوا الطُموا اندبوا تمرغوا في الطين والدم والفضيحة كي تَبدوا مظلومين، ثم اكشفوا أخطاءهم وعيوبهم التي تعيث في كتبهم ورواياتهم غموضا وتناقضَ. خلخلوا إيمانهم الفطري البسيط حتى ينهاروا، وسينهارون. إنكم اخترتم الطريقة التي إذا اخترتها أنا سيدكم وإمامكم ووليكم وقائدكم وملهمكم... فسأنكشف. أما أنتم، فإنكم أقدر مني على التخفي. طوبى لكم، يا العارفون بي، إذا لم ينهض أنقياء هذه الأمة بمنتهى الحزم لصدكم ولم يتسلح أشرافها بالحكمة لفضحكم، فإن لكم قريبا بعد المشرق في المغرب التمكينُ. [email protected]