لَا يُعتبر صيام رمضان بالأمر العسير في أية دولة إسلامية، حيث إن عموم الناس يفعلون ذلك، حيث يمتنعون عن الطعام والشراب (وسائر المفطِرات) من طلوع الفجر حتى غروب الشمس، أما في الولاياتالمتحدة فالأمر مختلف, فعموم الشعب يعيش حياته بشكل طبيعي، وغالبية الناس يأكلون ويشربون, ويكثرون من الذهاب إلى المطاعم، لذا فالصوم هناك ربما يكون أكثر تحدِّيًا مما هو في الدول العربية والإسلامية. "" والسؤال هو: كيف يتعامل المسلمون في الغرب مع هذه المغريات والمشاهد المحيِّرة؟ والكثير من الأسئلة؟ وقد قامت وكالة "أسوشيتد برس" بإجراء عدة حوارات مع عدد من طلاب الجامعات في أمريكا عن رمضان، عكست بعضًا مما يواجهونه من تحديات خلال هذا الشهر. في البداية تروي "صبا شهيد" قصتها, عمرها 17 عامًا من بلدة ناوجتوك, وتدرس في جامعة كوينبيك في ولاية هامدن في كونتيكت بالولاياتالمتحدة، فتقول: "أتذكَّر عندما كنت صغيرة كنت أتظاهر أنا وأخي بالصيام، فكنَّا نقول لوالدينا: نحن لا نريد أن نأكل فنحن صائمون مثلكم". وتقول: "لم يجبرنا آباؤنا على الصيام مطلقًا، ولكننا نشأنا وترعرعنا في سنٍّ مبكرة للغاية على العادات والتقاليد الإسلامية، وإنني أتذكر جيدًا إذ كنت في الصف الرابع أو الخامس عندما قمت بالصيام للمرة الأولى". وأضافت: "كنت أذهب إلى المدرسة الكاثوليكية الثانوية وكان جميع الأشخاص يساندونني, ولم يكن لديَّ أي صديق مسلم يصوم معي، لذلك كنت أحيانًا أذهب إلى الكافيتريا, أو إلى المكتبة في وقت الغداء". وفي نهاية الشهر يطلُّ علينا العيد (عيد الفطر)، فنذهب للصلاة في جماعة، ثم تقوم الأسرة بالإفطار معًا، ثم نقوم بالعودة إلى ديارنا ونقوم بتقديم الهدايا وزيارة الجيران، إنه نوع من التقييم لأعيادنا". أما "عبد الله الشمري"، 19 عامًا، من بومونا، كاليفورنيا، طالب بالسنة الثانية في جامعة كاليفورنيا في سان دييغو, يسرد لنا قصةَ صومِه فيقول: "إن الصوم يعتبر للعديد من الأطفال مثيرًا للغاية؛ فعندما كان عمري 6 أو 7 سنوات كنت أصوم في المدرسة ثم أُفطر عندما أعود إلى منزلي، أما هذه الأيام يمكنك أن ترى الأطفال في عمر ست أو سبع سنوات يصومون اليوم كله، وذلك بالرغم من أن والديهم لم يجبروهم على ذلك". واستطرد قائلًا: "لقد كان عمري يناهز إحدى عشر عامًا عندما بدأت في صيام يوم كامل، سوف تدركون المغزى عندما تكبر، هناك الكثير من المبادئ غير الامتناع عن الطعام التي يرسِّخها الصوم، فهو يرسِّخ مزيدًا من الأخلاق، فشهر الصوم يغيِّرك في جميع الجوانب، ربما تشعر بالجوع عند صيام أول يوم بعد عام كامل, وينتابك صداعٌ، وهذا ما يشبه حينما تكون في سباق طويل, فهناك دائمًا نقطة تريد تجاوزها، وبمجرد تجاوز هذه النقطة, فإنك ستحافظ على الاستمرار". وفي النهاية فإنك ستشعر بالفرح والسرور عندما تقوم بإنجاز شيء ما، حيث قمت بتغير سلوكك في منحًى ما، حتى لو كان قليلًا من الإقلاع عن عادة سيئة". ومن جانبها قالت "عائشة أظهر" (18 عاما) من مدينة أميس بولاية أيوا، وهي طالبة مبتدئة في السنة الأولى بجامعة ولاية أيوا: "انتقلت من باكستان إلى هنا عندما كان عمري تسعة أعوام, ولقد بدأت الصوم عندما كان عمري 12 عامًا حتى أعتاد عليه، وعندما أصبح عمري 14 عامًا، كان الصوم أمرًا واجبًا". وتروي عائشة قائلة: "في بداية الصوم قد تشعر بالجوع، وربما تشتهي الأكل، خاصةً عند مشاهدة إعلانات الأغذية في التليفزيون، لذا أعمل على أن أظلَّ مشغولةً, لأنك ستفكِّر في الطعام إذا لم تكن مشغولًا". وتقول: "إن الأمر يمكن أن يكون محرجًا للغاية أكثر مع الأصدقاء، ولكنهم يدعمونني، وفي بعض الأحيان نقوم بتغيير برنامجنا، فنقوم بالذهاب إلى السينما بدلًا من أحد المطاعم، وعندما يسألونني عن شهر رمضان, أقول لهم: إنه شهر الصوم، أي الامتناع عن الطعام من شروق الشمس إلى غروبها، وبعد ذلك يسألونني لماذا؟ فأوضِّح لهم أن الإسلام يريد منَّا أن نشعر بما يشعر به الفقراء، وفي الوقت ذاته علينا أيضًا أن نعمل على تصحيح عيوب النفس". وأعرب "قاسم عجاز" 19 عامًا، من بيتسفورد، نيويورك، طالب مبتدئ في كلية مونرو الاجتماعية في روتشستر، نيويورك, عن مدى صعوبة الصوم في الولاياتالمتحدة، حيث قال: "لا يمكنك أن ترى أحدًا يأكل أثناء نهار رمضان في باكستان؛ لأن معظم الأشخاص من المسلمين, أما هنا نجد الجميع من حولك يقومون بتناول الطعام، لذلك من السهل جدًّا أن تفطر بدون أن يعرف أحدٌ, ولكني لم أفعل ذلك مطلقًا, لأن الله في كل مكان وهو يراقبنا". ويستطرد قائلًا: "في الحقيقة من الأشياء الحسنة أن أصدقائي لا يأكلون أمامي في رمضان, ونحاول أن نفعل شيئًا غير الطعام، مثل الذهاب إلى صالة البولينج, أو نذهب في نزهة على الأقدام أو بالسيارة، وأحيانًا أحاول أن أظلَّ مشغولًا بشيء آخر إذا كان هناك شخصٌ يأكل، وأحاول ألا أشاهده وهو يتناول الطعام، إذ إنه كلما قمتَ بمشاهدة المزيد من الناس يأكلون، كلما زادت رغبتك في الطعام، لذلك أشرع في قراءة كتاب، أو في العمل على جهاز الكمبيوتر، أو أقوم بالصلاة". ويقول قاسم: "إن رمضان هو أسمى من امتناع الناس عن الأكل أو التدخين أو الشرب، إنه أيضًا امتناع عن الكذب والغش، إنه امتناع وإمساك عن كل شيء غير أخلاقي، لقد وُجِّهت إليَّ عدة أسئلة العام الماضي عندما كنت نائبًا لرئيس النادي الإسلامي, لماذا تقومون بالصيام؟ أحب أن يقوم الناس بطرح الأسئلة, لأنها أفضل طريقة للقضاء على المفاهيم الخاطئة، ولكن الناس اعتادوا بعد ذلك على صيامنا شهر رمضان. وقالت "أسمهان وارفا" (21 عاما) من سان دييغو,كاليفورنيا، طالبة بجامعة كاليفورنيا في سان دييغو: "عندما أكون صائمةً يسألني بعض الناس هل تقومين بحمية؟ فالكثير من الناس يسيئون فهم صيام شهر رمضان, حيث يقولون إن المسلمين يجوِّعون أنفسهم دون داعٍ، والكثير من الناس يقومون بعمل نظام غذائي (حمية) لأنفسهم حتى يحصلوا على أجسام رشيقة , وبجانب أن الصوم يحقق هذا الغرض فهو يعلِّمنا التحكم في النفس". وتضيف أسمهان: "خلال هذا الشهر لا بدَّ أن تحاول أن يكون لديك سيطرة أفضل على لسانك، وأن تعامل الناسَ بِخُلق حسن، وأن تعطف على من هو أقل منك، وكثيرًا ما أحاسب نفسي وأودُّ تغيير بعض العيوب التي ستجعلني شخصًا أفضل، ولقد وضعت لنفسي هدفًا لحفظ صفحة من القرآن الكريم يوميًّا، وأن أطبِّق مفاهيمه على منهج حياتي". وفي نهاية الشهر أشعر بالحزن قليلًا, ولكني أستشعر فضل نعمة الصيام، وفي الوقت ذاته أشعر بالسعادة لأنني قمت بتحديد أهدافٍ لنفسي وزادي طوال العام بأكمله". ترجمة/ حسن شعيب