في مرحلة التباري الأخيرة على لقب "بطل الجاليات"، قضت لجنة التحكيم، صباح الاثنين بمكتبة محمد بن راشد في دبي، ساعات في التصفيات النهائية. ظلت تُنقّب عن "المُمسك بناصية بعض من اللغة العربية" في القارة الأوروبية والغرب بشكل عام. 22 طالبا وطالبة يمثلون 22 بلدا حول العالم، عرضوا "حماسهم" للغة الضاد أمام لجنة ستختار البطل ليُعلن عنه يوم الأربعاء المقبل في الحفل الختامي بحضور الشيخ محمد بن راشد، حاكم دبي. لجنة التحكيم، المكونة من المغربي توفيق عبد السلام بولحرير إلى جانب رولا المصري وأنس أحمد، بدا واضحا من خلال تواصلهم مع كل طالب متبارٍ أن "المترشحين يحتفظون بكنز كبير من اللغة التي صارت في بلدان كثيرة تتعرض للضياع والتفتت نتيجة قلة تداولها في نطاقات جغرافية معينة". لذلك، يرى كل طالب تواصل مع هسبريس أنه "جدير بأن يثبت أحقيته في حمل مشعل القراءة في بلدانٍ... غير ناطقة بها". إصرار ودعم توفيق عبد السلام بولحرير، الباحث والأكاديمي المغربي المقيم في الإمارات العربية المتحدة وعضو لجنة التحكيم، كشف أن "مستوى المشاركين في التحدي كان متميزا ومدهشا، لا سيما أن فئة أبناء الجاليات المشاركة من مختلف الدول العربية يمثلون دول إقامتهم من مختلف بقاع العالم، ويعيشون في بيئة تكاد تفتقر إلى حضور اللغة العربية في الفضاء العام"، مشيرا إلى أن "وجود اللغة كعنصر أساسي في بناء الهوية، والقراءة بها، يعزز بالضرورة عملية التعرف على الذات في عالم مليء بتعدد اللغات والرموز". في حديثه إلى هسبريس، أوضح بولحرير أن "غياب مشارك من أصول مغربية لا يعكس بالضرورة وجود ضعف لغوي بين أفراد الجالية المغربية في الخارج في علاقتهم مع اللغة الرسمية للبلد". وأضاف: "العديد من القُراء والنوابغ لا يشاركون في مثل هذه التحديات رغم كفاءتهم العالية"، مؤكدا أن "دور أولياء الأمور والتأطير التربوي يعدان عنصرين أساسيين في تشجيع الشباب على المشاركة في فعاليات قد تكون حاسمة في مسارهم. و'تحدي القراءة العربي' سيظل تجربة راسخة في حياة المتبارين"، وفق تعبيره. ولدى سؤاله عن كيفيات توطين مشاركة الوفود المغربية، مثلما حدث في السنة الماضية عندما كان وصيف بلجيكا من أصول مغربية، أبرز بولحرير، الذي أشرف على اختبار "المقدرات القرائية" ل22 طالبا في مكتبة محمد بن راشد في دبي، أن "الجهود يجب أن تكون مشتركة بين التمثيل الدبلوماسي والأسر"، معربا عن أمله في أن "يعزز الطلبة ارتباطهم باللغة العربية باعتبارها جزءا أساسيا من هويتهم وثقافتهم، وأن يجدوها مصدرا دائما للفخر والتعايش اليومي". مقترحا للتعاطي إذا كان بولحرير يبحث عن بطل بين 22 متباريا، فإن المغربي علي أربعين، منسق الوفد البلجيكي في "تحدي القراءة العربي"، يبحث بدوره عن المولعين بالمطالعة في هذا البلد الأوروبي؛ غير أنه تأسف لغياب التمثيل المغربي هذه المرة، ضمن عملية "التباري المبنية على استحقاق خالص"، مرجعا هذا الغياب إلى "تركيز الآباء على تعليم أبنائهم اللغة الأصلية حتى يتمكنوا من تلاوة القرآن والتواصل بها داخل البيت أو للإمساك بالروابط الوطنية. وهذا لا يمنح اللغة متسعا لتدخل غمار التنافس". وقال المتحدث ذاته إن "وجود مدارس بمواصفات متميزة تمنح مساحة للشرط اللغوي الأصلي (العربية) لم يخرج هذا اللسان العريق، الذي يتحدثه أزيد من 500 مليون نسمة حول العالم، من دائرة الاستحياء"، مشددا على "دور الآباء الاستراتيجي من خلال الرفع من تعاطي الأبناء مع لغة الضاد كأفق للإبداع، وأن يمشي كل ولد أو بنت إلى تخومها ليتشرب منها ويقبل عليها أكثر وأكثر حتى تنال استحسانه الكامل". وزاد أربعين، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية: "لغة القرآن بحر شاسع والغوص فيه ممتع". كما لم يُخف منسق الوفد البلجيكي في "تحدي القراءة العربي" ما "قام به من جهود"، حيث صرح بأنه "تواصل مع السلطات الدبلوماسية المغربية في الأراضي البلجيكية، ونالت مقترحاته إعجاب ممثلي المملكة الذين وعدوا بالتعاطي معها إيجابيا في الدورات المقبلة من تحدي القراءة العربي". وأضاف: "نريد لهذا الشباب المغربي الموجود هناك أن تكون طموحاتهم أكبر، وأن يتصدوا لتحامل العالم ورغبته في ابتلاع كل اللغات غير الأجنبية؛ لكن دون أي تقليل من أهمية اللغات الأخرى اليوم". وأشار أربعين بالأصبع إلى "ضعف التغطية الذي تتميز به المؤسسات الموجودة في الغرب. ومن ثم، تبدو الحاجة إلى تنسيق مكثف مع السلطات التربوية والتعليمية الوطنية، وكذلك الديبلوماسية"، مشددا على أن "التعبئة جهد مشترك. وبها نضمن للجالية من أصول مغربية مكانة خاصة حين يشاركون في أكبر مبادرة قرائية من نوعها: تحدي القراءة العربي". وختم قائلا: "المغرب لديه مشاركات مشرفة في تظاهرات كثيرة، ويجب أن تتواصل". حلم متقد في دبي لين المجذوب، 19 سنة، متبارية حائزة على المركز الأول بجمهورية النمسا، اعتبرت أن "مشاركتها في مبادرة من هذا النوع تجعلها ترفع سقف الطموحات لتكون في المرتبة الأولى وتنال لقب "بطل الجاليات"، خصوصا أنه يكرس ذلك الحرص الذي اشتغلنا عليه من تلقاء أنفسنا وبدعم أسرنا: الحفاظ على اللغة العربية.. فنحن نعيش في مجتمعات لا تتحدثها". وذكرت المجذوب لهسبريس أن "تمسكها باللغة ليس نتاجا لجهود رسمية، إنما تحصيل حاصل للانخراط في منظمات مختلفة تجمع الجاليات العربية الموجودة في فيينا كل يوم أحد. ويمكن أن يحضرها أيضا أشخاص من ثقافات أخرى". وزادت: "في هذه التجمعات نتقاسم الكتب ونتدارس أفكارها بيننا، ونتحدث عن المجتمع الغربي والأشياء التي يجب أخذها منه فضلا عن ما يجب الابتعاد عنه. هي مبادرة مهمة ومفيدة، بفضلها أنا هنا". بدوره، قال كومي أجمعي، (10 سنوات) الحائز على المركز الأول على مستوى مملكة الأراضي المنخفضة، إن وجوده في هذه المحطة النهائية "تحقيق لحلم، سيتكرس عند إعلانه فائزا باسم كل الجاليات". وأورد أجمعي: "يعني لي الكثير أن أكون بدبي؛ هذه المبادرة القرائية تعلمنا وتجعلنا نفهم الكثير، فهي تشجعنا على القراءة، التي نحن بدونها جاهلون، ولا نعرف أي شيء.. نسعى إلى أن نكون أمة عظيمة من خلال المطالعة والانفتاح على كل صنوف المعرفة". وكشف المتحدث لهسبريس أنه "يحاول التواصل بالعربية أيضا في المدرسة كي يتشبث بها؛ لكن بقية زملائه في هولندا لا يفهمونه جيدا مما يعطل عملية التواصل"، مشددا على أن "هذا المعطى يجعل لغة الضاد حاضرة في الفضاء الأسري ومع أصدقائه العرب، الذين يأمل أن يعود إليهم بلقب هذه السنة بحوزته"، وقال: "هكذا، نجعله انتصارا جماعيا لجالية عربية في الأراضي المنخفضة". في النهاية، لا بد من التذكير أن الفائز ضمن المركز الأول بالنسبة لجائزة بطل الجاليات سيحصل على مكافأة قدرها 100 ألف درهم إماراتي، و70 ألف درهم للمركز الثاني، ثم 50 ألف للمركز الثالث. وتم الإعلان عن استحداث هذه الفئة في تحدي القراءة العربي بعد فتح باب المشاركة في الفعالية للطلبة من خارج الدول العربية ومتعلمي اللغة العربية والناطقين بغيرها، مع اختتام دورته الثانية وانطلاق الثالثة.