لم يحررنا التقدم التكنولوجي من الأمراض، ولم ينجح في طمأنتنا، بقدر ما أجج خوف الموت فينا. أصبح الذهاب أكثر فأكثر إلى الأطباء، "فالجسم المعاصر أصبح جسمًا طبيًا بامتياز". ثم إن الحضارة المعاصرة، حضارة الرغبة، تتقن فن التسويق، تخلق الرغبات وتحولها إلى حاجات، بفضل ما يتأتى لها حاليًا من العدوى الخبرية. لقد تشكل نوع من الإنسان الرخو، الذي يحتاج إلى من يقوده، ليس فقط في بناء مصيره، بل حتى في تفاصيل حياته الشخصية. يتعلق الأمر بسيرورة تطفيلية، تمجد الكسل المعرفي، وتدمن على التسلية وتعضد القصور. إننا أمام إنسان قابل للانجراح بسهولة فائقة، لا يريد الموت، لا يتوقف عن الرغبة، لا يستطيع الخروج من الاستهلاك المتجدد، لا يتقبل الألم، لا يقدر على المعاناة، لا يستحمل الحزن، تهزمه الوضعيات الصعبة، يبحث عن الحلول الجاهزة... إنه إنسان يرى في خطابات "التنمية الذاتية" نوعًا من التنقية الذاتية من كل هذه الجروح. لقد كان الإنسان دائمًا في حاجة إلى وسطاء، سواء كانوا حكماء يعرضون أفكارًا ويبنون أنساقًا ملهمة للناس في مساراتهم الحياتية والشخصية، أو كانوا مجرد مرشدين يساهمون في تربيتهم وتكوينهم ويساعدونهم في السير في دروب ومنعرجات الحياة، أو كانوا ملهمين يمتلكون من الكاريزما ما يجعلهم يشكلون نماذج مثلى للآخرين، سواء كانوا زعماء سياسيين أو دينيين أو كتّابًا ومثقفين وعلماء. كل هؤلاء يلعبون دور "المؤثرين" في المسارات والمصائر الفردية والجماعية. لكن نحن الآن نعيش زمن نزع الوسائط، أو تحديدًا خلخلة الوسائط السالفة الذكر التي كان يقوم بها الكاتب والمدرس والمفكر والعالم. ولأنه لا يمكن الاستغناء عن الوسائط، فقد تم تعويض الوسائط السابقة بوسائط رقمية، أنفوديمية، بل تم خلق شخصية مفهومية: "المؤثرون" الجدد في جمهور المستهلكين، ومرجعيتهم الوحيدة هي صورتهم وعدد المشاهدات لديهم. في هذا السياق، يمكن أن نفهم ظهور "الكوتش" كوسيط جديد، بما هو امتداد لحضور الحكيم، أو المرشد أو الملهم، وبالتالي المؤثر الإيجابي. إن الحاجة تقتضي حضور هكذا توجه، لكن من يقوم بهذه المهمة؟ من المفروض أن يقوم بها من يملك الحكمة والمعرفة، من يتميز بتجربة غنية وناجحة، من يمتلك بالفطرة الحسنى والقدرة على التأثير. لقد كان الطبيب والمدرس والمهندس، وغيرهم من الفاعلين في المشهد المجتمعي، ليسوا فقط مجرد مهنيين أو حرفيين، بل حاملين لمشروع إنساني حول الصحة، حول التربية، حول المدينة، حول المجتمع، حول الإنسان. لكن أمام "نهاية المجتمع"، ونهاية المشاريع الكبرى، في اعتقادي أغلب المهن تعيش أزمة هوية، وتغييرًا في معنى الوظيفة، وتحولًا في دلالة الفعالية. لقد أصبح الهاجس التنفيذي والتقني هو المتحكم في هذه المجالات. إن المرافقة غدت منفذًا بالنسبة للإنسان المعاصر الجريح. لا يمكن أن نكون ضدها، ولا يمكن أن نوقف مدها، ولكن يمكن أن نرفض تسيبها ونفضح سطحيتها وننتقد فراغ محتواها. يمكن وضع إرساء الممارسة المهنية للمرافقة على مرجعية عقلانية، وخلفية نظرية، يمكن أن نعمق التفكير في العدد التقنية اللازمة والملائمة. لكن علينا أن نرفض التوظيف الإيديولوجي لخطابات "التنمية الذاتية" التي تغلب منطق الوسيلة على الغاية، وترسم قدرًا حتميًا واحدًا للإنسان ولمآله. إن إفراغ الإنسان من بعده الاجتماعي، وإغراقه في ذاته، واختزاله في الفرد، وقصفه بكل أنواع الإغراءات، واستغراقه في الإشباعات وتزايد أنواع الحرمان، وبحثه عن السعادة الموعودة، جعله يعيش وضعية سيزيفية. حقًا، إنه شبيه بسيزيف، يريد أن يتجاوز شرطه الإنساني، ويريد أن يصل إلى قمة المتعة والانتشاء والإشباع، لذا فعقوبته هي أن لا يصل. إنها عقوبة عبثية، أن يقود ذاته كما كان يحمل سيزيف صخرته إلى الأعلى، ويعود إلى التدحرج نحو الأسفل، فقدره أن يعيد الكرة. إنه بطل سيزيفي، منغمس في الاستهلاك، فقير في الروحانيات، يكره الموت وينشد الخلود، يعشق الحياة، لا يكمل شيئًا ويسعى إلى التجدد الدائم. إنه وضع تراجيدي لأنه يعي أنه لن يحقق الإشباع، مثلما يعي سيزيف أنه لن يستطيع وضع الحجرة في القمة. صحيح إن ما يقوم به عبثي، فليس هناك عبث أفظع من فقدان الأمل والإحساس باللاجدوى، وضياع المعنى. هذا هو ثمن التمرد على الشرط الإنساني: الحياة والموت، الفرح والحزن، الفرد والمجتمع...