في مثل هذه الأيام من سنة 2011، خرج الألاف من أبناء شعبنا الأبي في شتى ربوع الوطن، في محاولة لاستعادة أسئلة الكرامة والحرية والعدالة الاجتماعية، بعد ما فقدوا الأمل في نخب لا تمثل إلا نفسها ومصالحها، ولم تقدم شيئا سوى الإسهام في إبعاد الناس عن السياسة، وإفقادهم الثقة في التغيير الممكن بالمغرب. لقد خرج الشعب المغربي أو لنقل جزء مهم من أبناء الشعب المغربي لإعادة ترتيب مفردات المجال السياسي العام، وإعادة رسم ملامح التناقضات الجوهرية المتمثلة أساسا في محاربة الاستبداد وتوزيع السلطة، ومحاربة الفساد وتدبير الثروة بما يضمن الكرامة والعدالة. 20 فبراير الانفجار المغربي الكبير الذي هز أركان الفساد والاستبداد، والانتفاض الشعبي المظفر الذي حرر الإرداة والوعي والنخب، وكسر الاستثناء حين عكس صدى الرجة الثورية ورياح التغيير وأحلام القومة والنهضة التي عصفت بإقليمنا العربي والإسلامي. 20 فبراير نصيبنا من الربيع، وصيغتنا المغربية في الانتفاض والاستيقاظ والصحوة، وصرختنا في وجه الحكرة والظلم والاستبداد. 20 فبراير تمرين انتفاضي طرح أرضية جديدة للنضال الديمقراطي بعد انسداد الأفق أمام كل الفاعلين بعد سنوات من فقدان البوصلة. إن تمجيد حالة 20 فبراير باعتبارها أعظم اللحظات تأثيرا في تاريخ المغرب الحديث، لن يمنعنا من ممارسة النقد اللازم اتجاه هذه الحالة بل واتخاذ المسافة المطلوبة اتجاهها، من أجل تقييمها وتقويمها، واجتراح مساقات انتفاضية جديدة تأمينا لمسارنا الديمقراطي وحلمنا في النهضة والتنمية. إن النتائج المقدرة للحراك المغربي التي فاقت توقعات أشد المتفائلين حول حالة المغرب، وتأثيراته في المشهد السياسي العام، لن يمنعنا من تسجيل حالة التردد التي طبعت تجربتنا الانتفاضية منذ بدايتها إلى يومنا هذا. إن ضعف خبرة النخب التي انحازت إلى خيار الممانعة والمقاومة الشعبية للمشروع السلطوي للمخزن، ضعف خبرتها في تدبير حركتها وتناقضاتها بأفق تجنيد المغاربة حول شعارات واضحة وسقف معلن منذ البداية تأمينا لمساراتالاحتجاج ضد الفساد والاستبداد، أدخل الحركة في نفق مظلم، وجرها إلى متاهات جرت ويلات عديدة على الحركة. إن طغيان نزوعات التطييف والانقسام المتوالي، وغيرية التضاد، كل ذلك أثر بشكل أو باخر على مسار الحراك الشعبي المغربي، وهو ما يمكن استقراؤه منخلال تراجع الالتفاف الشعبي حول حركة 20 فبراير التي سرعان ما أصبحت مجالا للصراع التقليدي بين فاعلين لم يعكسوا روح الربيع الديمقراطي الذي رتب الأولويات وخلق أجواء العمل الجبهوي المشترك بأفق إسقاط الاستبداد والفساد، وهو الشيء الذي يتغذى أولا وأخيرا بثقافة الوفاق الوطني والنفس الوحدوي عوض التنازع والصراع الإيديولوجي الذي أهمل أحلام المغاربة في الحرية والكرامة. كما أن حالة الغموض التي لفت سقف الحركة، أفقدها الكثير من المصداقية، وعدم التقدير الجاد والمسؤول لمقتضيات اللحظة أوردها عددا من المتاهات كان بالإمكان تفاديها عبر التواضع على أرضية مشتركة بين مختلف التيارات الأساسية والتي تشكلت من تنظيمات إسلامية ويسارية ونخب فكرية ورموز ثقافية في البلد، بأهداف واضحة وأجندات معلنة، مناطها تحرير المغرب من أقليات مصاصي الدماء والمستبدين برقاب العباد، واستئناف مسار الدمقرطة، وإدخال الدولة زمن الإصلاح. للتغيير كلفة لابد من تسديدها ثمنا للحرية وفداء للكرامة، وهو الشيء الذي وجب أن تستوعبه كل التيارات الديمقراطية بالمغرب، كما أن النظر إلى 20 فبراير كلحظة توقف فيها الزمن الانتفاضي قد يورث نوعا من الانهزامية، لأن أيام الله ستسع إرادتنا إذا ما أراد الشعب الحياة.