دشنت حركة 20 فبراير سنتها الثالثة ، هذه الحركة التي تشكلت نواتها الأولى في رحم الموقع الاجتماعي "الفايسبوك" على غرار الولادة الأولى لثورات ما بات يعرف "بالربيع العربي" . وإذا وحّدت الولادة الأولى بين صيغ الاحتجاج لدى الشباب العربي في الشعارات والأهداف والمطالب من أجل الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، فإن مسارات الحركة ومآلاتها باعدت بين التجارب الشبابية لخصوصيات الواقع السياسي والثقافي لكل تجربة . جذير بالذكر أن حركة 20 فبراير بعثت الحياة في واقع سياسي كاد يقتله الروتين و الجمود نتيجة ممارسة سياسية يحكمها عدم الوضوح و لغة التبرير المقصودين في معظم الأحيان بقيادة نخب حزبية و نقابية و جمعوية يفتقد جزء كبير منها لسلطة القرار المستقل عن الدوائر المخزنية و لا يتحرك إلا على قاعدة التماهي مع مبادرات النظام ، و حتى التعاطي الايجابي للبعض منها مع حركة 20 فبراير في بدايتها فقد تأسس على منطق الاستثناء المغربي و الاعتقاد أن الحركة تندرج في سياق تقليد الربيع العربي أكثر منها إجابة موضوعية عن الحاجة إلى هدم أسس الفساد و الاستبداد و القهر الاجتماعي التي تميز النظام السياسي و الاقتصادي في بلادنا. كما أنها أكدت أن عزوف الشباب عن السياسة هو بشكل من الأشكال رفض قاطع لزمن القمع السياسي و الفساد و الإفساد و تمييع الحقل السياسي و شراء النخب ..، زمن امتد لأكثر من نصف قرن و المؤسف أن إرادة الإصرار في عدم القطع معه كانت واضحة من خلال الملابسات التي أحيطت بالاستفتاء على دستور الفاتح من يوليوز الأخير و استراتيجية المجابهة التي اعتمدتها الدولة في مواجهتها لحركة 20 فبراير و التي حكمتها جدلية القمع و "البلطجة" و استنهاض مكونات الحقل الديني و منطق الفتاوي وأنها شكلت قيمة مضافة سياسيا و ثقافيا في بلادنا و داخل مشهدنا السياسي و الاجتماعي على اعتبار أنها وضعت موضع مساءلة العديد من الأطروحات و شبه الحقائق التي كانت تعتبر أسسا ثابتة في اغلب مقاربات وتحاليل واقعنا، فان هذا لا يعفيها من أن تكون هي نفسها موضوع نظر و مناقشة مفتوحين باستمرار على آفاق الحركة التي تطمح إلى أن تتحول إلى حركة اجتماعية قوية تؤسس للحظة مفصلية في تاريخ بلادنا للانخراط في نادي الدول الديمقراطية. - في الواقع إن مطالب حركة 20 فبراير ليست جديدة من حيث أنها كانت حاضرة في برامج العديد من الإطارات السياسية و الجمعوية الديمقراطية و منها مطلب الملكية البرلمانية، إلا أن الجدة في هذا الشأن هو قدرة الحركة على التعبير عنها بجرأة سياسية واضحة و نزاهة فكرية لا مكان فيها للتملق و لغة التسويف و تبرير الفشل ، و كذلك قدرة الحركة على التنزيل الميداني لمطالبها في أفق تحويلها إلى مطالب جماهيرية تمتلك القوة المادية الضرورية لخلخلة ميزان القوى لتحقيق التغيير الذي يريده الشعب في ظل حراك شعبي مساعد في بعض الدول العربية. و لا شك أنه من الوهم و السذاجة الاعتقاد أنه من الممكن القطع مع نظام سياسي للحكم يقوم على الفساد و الاستبداد وتحقيق ملكية برلمانية وفق المعايير الكونية للديمقراطية على المدى القريب أو المتوسط الأمر الذي يضفي طابعا جذريا على هذا الأفق السياسي الحيوي الذي يمس مختلف مناحي التدبير السياسي للمجتمع و يفرض إعادة التوزيع العادل للسلطة و الثروة و رفع القداسة عن الدولة و إخضاعها لمنطق التطور البشري و بالتالي فالمعركة من أجل بلوغ هذا الأفق تحتاج إلى مزيد من التراكم النضالي و الضغط و تعبير المجتمع عن حاجته الملحة إلى الديمقراطية كفلسفة و قواعد للحكم يضمن نصا و ممارسة حقوق المواطنة و المشاركة الشعبية في الحياة العامة. و رغم إصرار النظام السياسي على احتكار الحقل السياسي فقد اضطر و تحت ضغط نضالات حركة 20 فبراير و تداعيات السياق الإقليمي العربي إلى فتح حوار سياسي غير مباشر مع الحركة من خلال خطاب 9 مارس و دستور الفاتح من يوليوز 2011 و من ثمة محاولة الظهور في شكل الراغب في إضفاء الطابع البرلماني على المؤسسة الملكية في اتجاه الدمقرطة و اقتسام القرار السياسي مع المجتمع لكن فقط من خلال تعديلات دستورية شكلية لم تمس الجوهر كتقسيم الفصل 19 الى فصلين 41 و 42 . في الحقيقة فإن قوة حركة 20 فبراير أقلقت و أرقت النظام السياسي في بلادنا و الذي جرب مختلف الأسلحة في حربه المفتوحة ضد الحركة قصد تفكيكها و تقويضها من خلال نهج قمعي قائم على جدلية العنف المادي ( اعتقالات و محاكمات، قرارات المنع، حصار أمني و احتلال ساحات الاحتجاج..) و العنف الاديولوجي ( احتكار الإعلام العمومي و الترويج لمواقف تستهدف تشويه الحركة و تقزيمها و تأليب المواطنين ضدها عبر ممارسة شكل متخلف من "البلطجية" و شن حرب أخلاقية رخيصة ضد نشطاء الحركة و استنفار جهات دينية ريعية تشكل جزء لا يتجزأ من مافيا الفساد السياسي و الديني . وبعد العامين من انطلاق الحركات الاحتجاجية ، يمكن مقاربتها على مستوى النتائج والمآلات التي انتهت إليها في كل بلد . وبهذا الخصوص ، يمكن القول إن التجربة المغربية التي تميزت بها حركة 20 فبراير يُحسبُ لها ما يلي : 1 نضج غالبية مكوناتها ، الذين خبروا النضال والتضحية من أجل الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية ويعرفون جسامتها وأهميتها . فهم أكثر تقديرا للمكاسب التي تحققت وأكثر حرصا على صيانتها وحمايتها من كل تراجع أو ردّة 2 تحديد سقف المطالب منذ الولادة حذرا من كل الانحرافات . ذلك أن الوعي الموضوعي بطبيعة التناقضات ، سواء فيما بين مكونات الحركة ، أو بينها وبين النظام الملكي ، جعل هذه المكونات على حرص شديد بتحديد الشعارات وتثبيت سقف المطالب حتى لا تعصف به الحسابات الضيقة أو تسطو عليه القوى الانقلابية. فكان من الذكاء السياسي تحديد سقف المطالب السياسية والدستورية عند "الملكية البرلمانية" كإطار يضمن سلطة الشعب وسيادة القانون دون تهديد للاستقرار السياسي أو تمزيق للحمة المجتمع . 3 وعي المكونات التي شكلت نواة الحركة بطبيعة التقاطبات السياسية وتباين الإستراتيجيات ، خصوصا لدى جماعة العدل والإحسان التي وضعت سلسلة من التكتيكات بغرض تحويل الحركة الاحتجاجية إلى نواة ثورة /قومة تندلع في عموم المغرب على غرار ما حدث في تونس ومصر ، ولا تتوقف إلا بإسقاط النظام . كانت حماسة العدليين واضحة وخططهم مكشوفة لبقية المكونات . الأمر الذي أفشل إستراتيجية الجماعة فقررت الانسحاب من الحركة ووقف الدعم لها . فالجماعة ظلت ترفض أن تكون قوة عددية لحركة 20 فبراير دون أن تكون قوة قائدة ومقررة لمسار الحركة ومآلها . وباعتبار الجماعة قوة تنظيمية وعقدية في ظل غياب قوى على نفس الدرجة لتكون منافسة ورادعة ، فإن أي ثورة تندلع ستؤول لصالح الجماعة طوعا أو كرها ، غلبة أو توافقا . 4 استقلالية المكونات عن القوى الخارجية التي دعّمت الثورات بالمال والإعلام ، وخاصة دولة قطر التي باتت إستراتيجيتها واضحة ومرفوضة حتى من الشعوب التي قامت بالثورة . 5 الاستفادة من أخطاء الثورات العربية التي أسقطت استبداد الأنظمة السياسية لتقيم نظم الاستبداد الإخواني . إذ كانت بوادر الركوب على الثورة واختطافها من طرف جماعة الإخوان ، سواء في مصر أو تونس ، بادية لا تحتاج تخمينا ولا افتراضا . ذلك أن رفض صياغة الدستور في مصر قبل الانتخابات الرئاسية كان تآمرا على الثورة واختطافا لها ، بل استغفالا للثوار الشباب . كما أن حالة الفوضى وانهيار الأمن جعل مكونات حركة 20 فبراير وقواعدها الشعبية أشد حذرا من الانزلاقات المحتملة وأقل اندفاعا وحماسة لركوب المغامرة. إذ لم تقدم ثورات الربيع العربي لحد الآن نموذجا مغريا يشجع على اعتماده أو استنساخه رغم مرور عامان على الثورات . 6 إن مكونات الحركة ليست حديثة عهد بالاحتجاج في الأماكن العمومية ؛ فهي تضبط آلياته التنظيمية والأدبية بما يجنبها الصدام والاستفزاز فتحافظ على سلمية حركتها الاحتجاجية حتى في الأماكن ذات الحساسية السياسية . إذ بفضل اليقظة والتجربة ، حمت الحركة نفسها من المندسين وعناصر التخريب التي من شأنها استعداء الشعب والدولة ضد الحركة . هذا البريد محمى من المتطفلين. تحتاج إلى تشغيل الجافا سكريبت لمشاهدته.