سال كثير من المداد عن حركة 20 فبراير في ما يخص ماهيتها وأهدافها وسياق انطلاقاتها، باعتبارها النسخة المغربية من شرارة الربيع العربي الذي انطلق منذ أن اشتعل جسم البوعزيزي رحمه الله، ومنه إلى جسم العالم العربي والإسلامي برمته، شرارة أسقطت أنظمة ديكتاتورية عمرت طويلا وأفسدت الحرث والنسل، فأذاقت شعوبها آلام المعاناة جراء القبضة الحديدية، وحرماتها الحرية والتنمية والنهضة. يوم 20 فبراير خرجت الجماهير المغربية من أبناء هذا الشعب الأبي التواق لمستقبل ديمقراطي زاهر، فصدحت حناجرها بشعارات تدعو للحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، رافضة كما جاءت في أرضيتها التأسيسية واقع الفساد والاستبداد، وداعية إلى إسقاط الحكومة وحل البرلمان، مقابل إقرار دستور ديمقراطي يكرس ملكية برلمانية يسود فيها الملك ولا يحكم. تفاعل الكل مع هذا الحراك سلبا وإيجابا نظاما وهيئات سياسية ونقابية وحتى حقوقية ومدنية، تارة بالإشادة والدعم وتارة أخرى بالاختراق والالتفاف، وتارة ثالثة بالقمع والتعنيف، إلى أن جاء دستور فاتح يوليوز 2011 ومن بعده انتخابات 25 نونبر 2011 التشريعية التي اعتبرها البعض مجرد در للرماد على العيون، إصلاحات اعتبرت في نظر البعض مجرد إصلاحات صورية وشكلية، حافظت وكرست للملكية التنفيذية بصلاحيات أوسع وأوضح، في حين اعتبرها البعض إجابة حقيقية لمطلب الإصلاح والتغيير بالمغرب ونموذج يلزم أن يحتدى به في الاستجابة للمطالب الشعبية. ونحن على مشارف الذكرى السنوية الثانية لحركة 20 فبراير، لا بد أن نقف معها وقفة تأملية ونقدية وأن نسائل أنفسنا عن حصيلة هذا الحراك الشعبي ماذا تحقق وما الذي لم يتحقق، في ظل تراجع قوتها في الشارع. صحيح أن الكثيرين ممن حاولوا توظيف حركة 20 فبراير كل حسب موقعه وموقفه، وصحيح أن معارك سرية كثيرة قامت بين بعض القوى السياسية حول آفاق الحركة ونتائجها وحتى استمراريتها، حتى أن البعض وبعد خفوتها بدأ يلوح بعودة صداها إلى الشارع كلما أحس بمضايقات وتشويش من خصومه السياسيين أو من العفاريت والتماسيح التي تواجهه، في حين بدأ آخر يبشر ويلوح ببروز موجة جديدة من الاحتجاجات والغضب الشعبي الغير المسبوقة وبزخم أكبر وبمطالب أكثر جذرية خاصة مع ما تعرفه الساحة السياسية من جمود وتأزم للأوضاع الاجتماعية والاقتصادية، ووجود حالة من تعثر في تنزيل الإصلاح ومحاربة الفساد والكشف عن لوبياته وعدم احترام مقتضيات البناء الديمقراطي وحرية التعبير والتنظيم، واستمرار القمع وتعنيف المظاهرات، واستمرار الاعتقال السياسي عبر تلفيق التهم للنشطاء وتوظيف القضاء لمنع آخرين من حقوقهم السياسية وغيرها... وانطلاقا من التجربة الميدانية التي راكمتها حركة 20 فبراير طيلة هذه الفترة يمكن تسجيل مجموعة من الملاحظات ساهمت في ضعفها وتراجعها والحد من فرص تحقيق أهدافها: - انطلقت حركة 20 فبراير في أرضيتها التأسيسية من شعار: "كرامة حرية عدالة اجتماعية"، شعار لخصت به كافة مطالبها وأبرزت هويتها وطبيعتها التي تتقاطع مع أهداف مختلف الهيئات والإطارات المدنية، حيث تجمعت عندها ما تفرق لدى الإطار الحزبي والحقوقي والنقابي والثقافي. .. الأمر الذي صعب من مهمة تصنيفها وتحديد هويتها وطبيعتها بين من يراها حركة اجتماعية وسياسية وحقوقية، وبين من يراها غير ذلك بل هي حركة جماهيرية وشعبية مفتوحة. - عُرفت حركة 20 فبراير بالحركة المطلبية المستقلة التي ليس لها هيكلا أو قيادة ناطقة باسمها فهي مستقلة عن الهيئات الداعمة لها وليس لها أي لون سياسي أو ايديولوجي، غير أن واقعها الداخلي يبرز عكس ذلك بدءا بأعضائها وروادها الذين يغلب عليهم الولاء للانتماء السياسي والايديولوجي، ولا يستطيعون التجرد عنه في خطابهم وسلوكهم من داخل الحركة وخارجها، وما الصراعات التي كانت تبرز وتعرقل عمل الحركة في جموعها العامة ومسيراتها لخير دليل على ذلك. - طيلة مسيرة حركة 20 فبراير وعند جميع المحطات وخلال أغلب مسيراتها كان الحديث عن ديمقراطية الحركة، سواء في قراراتها التي تتخذ بشكل ديمقراطي من داخل الجموع العامة أو في غياب طابع الإقصاء، إلا أن المتتبع المجرب داخل الحركة ولجموعها العامة وأنشطتها يدرك أن هذا الأمر هو مجرد إدعاء بعيد كل البعد عن الحقيقة المرة، فأي قرار تتخذه الجموع العامة يتم مداولته وحسمه والتوافق عليه بين المكونات الداعمة للحركة في كواليس خاصة وخارج الجموع العامة ليتم تزكيتها من داخل الاجتماعات فقط. - بنى مداد 20 فبراير الحراك في المغرب على وهم، مفاده أن هناك زخم شعبي وتجاوب كبير مع الحركة ومطالبها، ويستدل على ذلك بحجم وعدد المسيرات والأشكال النضالية التي كانت تخرج طيلة الشهور اللاحقة لانطلاقتها، إلا أن الحقيقة المرة مرة أخرى هي أن هذه المسيرات لم تعرف تجاوبا كبيرا جماهيريا وشعبيا، فأكبر المسيرات كانت تخرج في مدينتي البيضاء وطنجة، ولم يتجاوز عدد المشاركين فيها في أحسن الظروف 200 ألف، ومقارنة مع عدد ساكنة هذه المدن الكبرى تظل هذه الأرقام بعيدة عن كل وصف شعبي أو جماهيري، الأمر الذي انكشف بشكل واضح بعد انسحاب جماعة العدل والإحسان، لتتحول المسيرات في بعض المدن إلى وقفات محتشمة من حيث عدد المشاركين. - عاشت حركة 20 فبراير وبعض رجالاتها على وهم الثورة، وأن هناك مرحلة جديدة تتطلب وعي جديد وفكر إصلاحي جديد وخطاب سياسي جديد، وأفق سياسي جديد...، معتبرين أن الكثير لا يزالون متخلفين عن وعي اللحظة، إلا أن الحقيقة هي أن المغرب لم يعش الثورة، بل عاش حلم الثورة، بل الثورة محلها مصر أو تونس أو ليبيا، أما عموم الشعب المغربي وقواه ونخبه، فلم يختاروا طريقها، بل اختاروا طريق التغيير والإصلاح التدريجي الآمن لمكاسبهم وأنفسهم ومصالحهم في بعض الأحيان. - لم تلتقط الهيئات الداعمة لحركة 20 فبراير تلك التحولات الإيجابية والمطالب التي تحققت في المجالات المختلفة وبعض الإشارت التي جاء بها الدستور الجديد، فلم تتعامل معها بإيجابية قصد تزكيتها والحفاظ عليها، والنضال من أجل توسيعها وتطويرها، باعتبارها أحد بركات الثورات العربية التي تجاوب معها النظام المغربي لتقديم بعض التنازلات وإشراك غيره في تدبير بعض الملفات..، مما فوت عليها كأداة للتغيير، الرفع من مطالبها وضمان ما تحقق، فكانت النتيجة التراجع عما تحقق، تراجع تزامن مع تراجعها الميداني مما أعطى انطباعا بضعفها وعدم جدية مكوناتها ومدعميها، وهذا ما فوت الفرصة عليها وجعلها تفشل في تقدير اللحظة وأفقها وممكناتها. - عجز حركة 20 فبراير بسبب توظيفها السياسي وأدلجتها بألوان مختلفة، عن استقطاب بعض الفئات الاجتماعية المتضررة والتي كانت تخرج للاحتجاج خارج عباءة 20 فبراير، ونذكر بالأخص مجموعة الطلبة المعطلين والأطر العليا... - فشل حركة 20 فبراير في حسم تناقضها أو حتى تحديد عدوها الرئيسي، هل هو الفساد أم الاستبداد أم النظام الحاكم أم أصحاب الصور التي رفعت في المسيرات أم ماذا؟، مما جعلها تسقط ضحية تناقضات مكوناتها والأفق السياسي الذي ترغب إليه، بل حتى شعار محاربة الفساد والاستبداد الذي كانت ترفعه الحركة في مسيراتها لم تسلم منه داخل مناضليها. .فلا خير في بديل لا يحمل بوادره في ذاته. - تجنب حركة 20 فبراير الغوص في التناقضات الرئيسية داخلها إيديولوجيا وسياسيا وفكريا وأخلاقيا...، جعلها غير منسجمة برأينا، وجعلها برأي بعض المتحمسين لها تناقضات ثانوية بدعوى تجنب إنهاكها والإجهاز عليها، وهي التناقضات التي تفجرت من الداخل فيما بعد، وما انسحاب جماعة العدل والإحسان إلا صورة عن عمق هذه الاختلافات والتناقضات التي كانت من داخل الحركة. - حركة 20 فبراير جعلت البعض يعتبر أن هذه الحركة تلخص كامل الحراك الشعبي، وأنها هي كل الحراك وليس بعضه، وأنها هي نهاية التاريخ، إلا أن المتأمل في التاريخ الحراك الشعبي المغربي وحاضره يخرج بنتيجة مفادها أن حركة 20 فبراير هي جزء من مسيرة طويلة من نضال الشعب المغربي قبل الاستقلال وبعده، إذ المغرب عرف مجموعة من الانتفاضات الشعبية بعد الاستقلال، وأن الشعب عندما يتضرر ويغضب يخرج بشكل تلقائي ليعبر عن غضبه، وقتها يكون المارد قد استيقظ، فلا ينتظر نخبة توجهه، ولا هيئات تدعمه. فالشعب قال لحركة 20 فبراير ولكل مكوناتها أن أفق الإصلاح والتغيير الجذري قد تأكد انسداده عن طريق الشارع بالمغرب في الأفق القريب، وتأكد معه أن حركة 20 فبراير الاحتجاجية قد استنفدت أغراضها، وتأكد معها ضعف النضج السياسي للهيئات المدعمة لها، الراغبة في توظيفها حسب أجندتها وأولوياتها، مما عجل من موتها وتراجعها، وعجل بالقول أن التغيير الديمقراطي التدريجي في ظل الاستقرار ممكن مغربيا. Najdi هذا البريد محمى من المتطفلين. تحتاج إلى تشغيل الجافا سكريبت لمشاهدته. مكناس في : 20/02/2012