وليد كبير: نظام العسكر غاضب على ولد الغزواني بعدما رفض الانخراط في مخطط لعزل المغرب عن دول الجوار    مجلس الأمن.. بلينكن يشيد بالشراكة مع المغرب في مجال الذكاء الاصطناعي    ألمانيا.. توجيه اتهامات بالقتل للمشتبه به في هجوم سوق عيد الميلاد    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة        مقاييس الأمطار بالمغرب في 24 ساعة    تبييض الأموال في مشاريع عقارية جامدة يستنفر الهيئة الوطنية للمعلومات المالية    "اليونيسكو" تستفسر عن تأخر مشروع "جاهزية التسونامي" في الجديدة    حملة توقف 40 شخصا بجهة الشرق    ندوة تسائل تطورات واتجاهات الرواية والنقد الأدبي المعاصر    استيراد اللحوم الحمراء سبب زيارة وفد الاتحاد العام للمقاولات والمهن لإسبانيا    ارتفاع حصيلة ضحايا الحرب في قطاع غزة إلى 45259 قتيلا    رشاوى الكفاءة المهنية تدفع التنسيق النقابي الخماسي بجماعة الرباط إلى المطالبة بفتح تحقيق    القافلة الوطنية رياضة بدون منشطات تحط الرحال بسيدي قاسم    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الاثنين    نادي المغرب التطواني يقيل المدرب عزيز العامري من مهامه    العرائش: الأمين العام لحزب الاستقلال في زيارة عزاء لبيت "العتابي" عضو المجلس الوطني للحزب    سويسرا تعتمد استراتيجية جديدة لإفريقيا على قاعدة تعزيز الأمن والديمقراطية    ترامب يهدد باستعادة السيطرة على قناة بنما على خلفية النفوذ الاقتصادي المتنامي للصين    سمية زيوزيو جميلة عارضات الأزياء تشارك ببلجيكا في تنظيم أكبر الحفلات وفي حفل كعارضة أزياء    هجوم ماغدبورغ.. دوافع غامضة لمنفذ العملية بين معاداة الإسلام والاستياء من سياسات الهجرة الألمانية    بيدرو سانشيز: إسبانيا تثمن عاليا جهود جلالة الملك من أجل الاستقرار الإقليمي    تفكيك أطروحة انفصال الصحراء.. المفاهيم القانونية والحقائق السياسية    مجموعة بريد المغرب تصدر طابعا بريديا خاصا بفن الملحون    المجلس الأعلى للدولة في ليبيا ينتقد بيان خارجية حكومة الوحدة ويصفه ب"التدخل غير المبرر"    الأمن في طنجة يواجه خروقات الدراجات النارية بحملات صارمة    الأستاذة لطيفة الكندوز الباحثة في علم التاريخ في ذمة الله    السعودية .. ضبط 20 ألفا و159 مخالفا لأنظمة الإقامة والعمل خلال أسبوع    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    إسرائيل تتهم البابا فرنسيس ب"ازدواجية المعايير" على خلفية انتقاده ضرباتها في غزة    المغرب أتلتيك تطوان يتخذ قرارات هامة عقب سلسلة النتائج السلبية    أمسية فنية وتربوية لأبناء الأساتذة تنتصر لجدوى الموسيقى في التعليم    وفاة الممثل محمد الخلفي عن 87 عاما    سابينتو يكشف سبب مغادرة الرجاء    الممثل القدير محمد الخلفي في ذمة الله    الدرك الملكي يضبط كمية من اللحوم الفاسدة الموجهة للاستهلاك بالعرائش    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    المديرية العامة للضرائب تنشر مذكرة تلخيصية بشأن التدابير الجبائية لقانون المالية 2025    توقيف شخص بالناظور يشتبه ارتباطه بشبكة إجرامية تنشط في ترويج المخدرات والفرار وتغيير معالم حادثة سير    جلسة نقاش: المناظرة الوطنية للجهوية المتقدمة.. الدعوة إلى تعزيز القدرات التمويلية للجهات    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأحد    علوي تقر بعدم انخفاض أثمان المحروقات بالسوق المغربي رغم تراجع سعرها عالميا في 2024    بطولة انجلترا.. الإصابة تبعد البرتغالي دياش عن مانشستر سيتي حوالي 4 أسابيع        دراسة: إدراج الصحة النفسية ضمن السياسات المتعلقة بالتكيف مع تغير المناخ ضرورة ملحة    بريد المغرب يحتفي بفن الملحون    اصطدامات قوية في ختام شطر ذهاب الدوري..    العرض ما قبل الأول للفيلم الطويل "404.01" للمخرج يونس الركاب    جويطي: الرواية تُنقذ الإنسان البسيط من النسيان وتَكشف عن فظاعات الدكتاتوريين    مؤتمر "الترجمة والذكاء الاصطناعي"    كودار ينتقد تمركز القرار بيد الوزارات    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ترسيم اللغة الأمازيغية أم ترسيم الدولة الأمازيغية؟
نشر في هسبريس يوم 23 - 07 - 2009

يطلق عادة على الفعاليات والجمعيات المدافعة عن الحقوق الأمازيغية "الحركة الثقافية الأمازيغية". وصفة "الثقافية" تدل على أن هذه المطالب هي ذات طابع ثقافي لا تتعداه إلى ما هو سياسي. وقد كان خطاب أجدير لأكتوبر 2001، المعلن عن تأسيس المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، واضحا وصريحا في التأكيد على الطابع الثقافي للأمازيغية ومنع كل استعمال سياسي لها (جاء في الظهير: "لا يمكن اتخاذ الأمازيغية مطية لخدمة أغراض سياسية كيفما كانت طبيعتها")، وذلك بهدف قطع الطريق أمام أي إغراء لنقل المطالب الأمازيغية من مستواها الثقافي إلى مستوى سياسي. ""
اليوم تطالب الحركة الثقافية الأمازيغية بالترسيم الدستوري للغة الأمازيغية كأعلى سقف مطلبي لها. وهو ما أصبح يعتبر مطلبا ذا مضمون سياسي واضح، تجاوزت فيه الحركة الأمازيغية المطالبةَ برد الاعتبار للغة والثقافة والتراث والتاريخ الأمازيغيين إلى المطالبة بالترسيم الدستوري للغة الأمازيغية كأسمى اعتراف سياسي بالأمازيغية من طرف أسمى قانون في الدولة الذي هو الدستور.
لكن هل هذا المطلب ترسيم اللغة الأمازيغية هو فعلا مطلب سياسي؟ أم أنه لا يخرج، كغيره من المطالب الأخرى، عن دائرة ما هو ثقافي؟
المعروف أن المطالب السياسية هي تلك التي ترمي إلى الوصول إلى السلطة السياسية وممارسة الحكم، كما عند الأحزاب السياسية التي توصف ب"السياسية" لأن هدفها هو السلطة السياسية. فهل الرتسيم الدستوري للغة الأمازيغية يعني أن الحركة الأمازيغية ستصبح حاكمة ومالكة للسلطة السياسية؟ الجواب طبعا لا. إذن مطلب ترسيم اللغة الأمازيغية ليس في الحقيقة مطلبا سياسيا، بل هو مجرد وسيلة، ليس للوصول إلى السلطة السياسية كما في المطالب السياسية الحقيقية، بل لتوفير الحماية القانونية للغة الأمازيغية التي هي عنصر ثقافي ولا علاقة مباشرة له بالحكم والسياسية. وعليه، فإن هدف هذا المطلب "السياسي" الترسيم الدستوري للغة الأمازيغية ليس سياسيا، بل هو ثقافي ولغوي. ولهذا لا نستبعد أن تستجيب السلطة، طال الزمان أم قصر، لهذا المطلب وتقرر الترسيم الدستوري للغة الأمازيغية ما دام أن هذه الاستجابة لا يترتب عنها أي تغيير في الهوية العربية للسلطة السياسية الحاكمة بالمغرب، وإن كان سيشكل حماية دستورية قوية للغة الأمازيغية. فمطلب ترسيم اللغة الأمازيغية، إذن، يبقى مطلبا ثقافيا ولغويا في جوهره، بعيدا عن المضمون الحقيقي لما هو سياسي.
صحيح أن الحركة الأمازيغية تقول وتردد باستمرار أن القضية الأمازيغية هي قضية سياسية في جوهرها. لكن بأي معنى وبأي مضمون تفهم هذه الحركة أن القضية الأمازيغية قضية سياسية؟ ترى هذه الحركة أن الأمازيغية قضية سياسية لأن إقصاءها كان بقرار سياسي، وبالتالي فإن الاعتراف بها ورد الاعتبار لها يمر كذلك عبر قرار سياسي. فالمضمون السياسي للقضية الأمازيغية، بالنسبة للحركة الأمازيغية، يتجلى في ارتباطها ب"قرار سياسي" سواء تعلق الأمر بإقصائها أو برد الاعتبار لها. لكن مرة أخرى، نلاحظ أن هذا الفهم للمضمون السياسي للقضية الأمازيغية بعيد عن حقيقة ما هو سياسي، والمتعلق أساسا وأصلا بالحكم والسلطة. أما "القرار السياسي"، فكما يتوقف عليه الاعتراف بالأمازيغية، تتوقف عليه كل الأعمال والإجراءات والمشاريع التي تقررها وتنجزها الدولة: فالزيادة في الأجور، التي هي مطلب اقتصادي ونقابي وليس سياسيا يحتاج إلى قرار سياسي من الملك أو البرلمان أو الحكومة أو الوزير المعني بالقطاع. وهذه كلها جهات سياسية تحكم الدولة وتمارس السلطة السياسية. تعديل مدونة الأسرة، الذي جاء كاستجابة لمطالب نسائية لكنها مطالب غير سياسية اتخذ بقرار سياسي من أعلى سلطة في البلاد. لكن ذلك لا يعني وصول المرأة إلى الحكم وممارسة السلطة السياسية التي هي جوهر السياسية كما سبقت الإشارة. ونفس الشيء فيما يخص الأمازيغية: فسواء تعلق الأمر بتدريسها أو إدماجها في الإعلام أو الاعتناء بثقافتها أو دسترتها وهو المطلب الذي يعتبر "سياسيا" فكل ذلك يتوقف على قرار سياسي من الجهات السياسية الحاكمة دون أن تعني تلك القرارات لصالح الأمازيغية، أن هذه الأخيرة ستصبح ذات سلطة سياسية تمارس بموجبها الحكم. وهو ما لا يختلف، من حيث الحاجة إلى قرار سياسي، عما رأيناه مع مدونة الأسرة أو الزيادة في الأجور مثلا.
إذن، مرة أخرى نجد أن هذا الفهم للمضمون "السياسي" للقضية الأمازيغية، كما هو شائع لدى الحركة الأمازيغية وكذلك عند خصومها ومعارضيها، لا علاقة له بمطلب سياسي حقيقي لأنه لا علاقة له بالحكم وممارسة السلطة الذي هو هدف المطالب السياسية الحقيقية. فهذا الفهم للمضمون السياسي للمطالب الأمازيغية، والذي يربط الطابع السياسي لهذه المطالب بعدم إمكان تحقيقها والاستجابة لها إلا من خلال "قرار سياسي"، يُبقي هذه المطالب في دائرة ما هو ثقافي، والذي لا يخرج عن مسائل اللغة والثقافة والتاريخ والتراث والهوية هوية الأمازيغيين وليس هوية الدولة بالمغرب التي تبقى عربية. والدليل على أن هذه المطالب تبقى ثقافية رغم حاجتها إلى قرار سياسي، هو صدور أسمى قرار سياسي من أسمى سلطة سياسية في البلاد يقضي بإنشاء معهد للأمازيغية، لكن لأهداف ثقافية وليست سياسية توصل الأمازيغية إلى الحكم والسلطة.
النتيجة أن الحركة الأمازيغية، رغم أنها واعية أن القضية الأمازيغية قضية سياسية، إلا أنها لا زالت تناضل دائما في إطار ثقافي لغوي ولم تنتقل بعدُ إلى المستوى السياسي. وإذا كانت القضية الأمازيغية قضية سياسية في جوهرها، فينبغي إذن التحول من المطالب ذات المضمون الثقافي إلى مطالب سياسية حقيقية. لكن كيف يتم هذا التحول؟
السياسة في تعريفها العام، كما شرحنا سابقا، هي كل ما له علاقة بالحكم والسلطة وتسيير شؤون الدولة. وبالتالي فإن صاحب المطالب السياسية الحقيقية هو من يسعى إلى الوصول إلى الحكم، أي تسيير شؤون الدولة، كما لدى الأحزاب السياسية، حسب ما سبقت الإشارة إليه. النتيجة أن الحركة الأمازيغية، حتى تنتقل من الثقافي إلى السياسي، ينبغي أن تكون لها مطالب في الحكم وتسيير شؤون الدولة، أي أن يصبح الحكم أمازيغيا. لكن بأي معنى وبأي مضمون؟
أن يصبح الحكم أمازيغيا كمطلب للحركة الأمازيغية، لا يعني المطالبة بتغيير الحكام الحاليين باعتبارهم "عربا" واستبدالهم بآخرين ناطقين بالأمازيغية. فهذا التصور للحكم الأمازيغي ينطلق من مفهوم عرقي وعنصري للهوية يجد مصدره في الثقافة العربية التي تربط الهوية بالعرق والنسب، وهو المفهوم الذي ينبغي على الحركة الأمازيغية تجاوزه واستبداله بمفهوم ترابي للهوية يربط هذه الأخيرة، ليس بالعرق والنسب، بل بالأرض، وهو ما يدخل في تعريف الهوية ويشكل جوهرها وأساساها كما نجدها عند كافة الشعوب والدول. فما يجب أن تطالب به الحركة الأمازيغية إذن، لتنقل مطالبها إلى المستوى السياسي، ليس هو ترسيم اللغة الأمازيغية بل ترسيم الدولة الأمازيغية والذي يجسده الحكم الأمازيغي بالمفهوم الهوياتي الترابي، أي أن تصبح الدولة أمازيغية الهوية انسجاما مع هوية الأرض الأمازيغية التي تسود عليها هذه الدولة. فما لم تجعل الحركة الأمازيغية من ترسيم الدولة الأمازيغية بالمفهوم الهوياتي الترابي دائما وليس بالمفهوم العرقي مطلبها المرجعي والأصلي، تبقى كل مطالبها، في شكلها الحالي، مطالب ثقافية لا يمكن الاستجابة لها إلا ثقافويا مع بقاء هوية الدولة عربية يستمر معها الإقصاء السياسي للأمازيغية. وهو ما يدعم "السياسة البربرية" الجديدة التي تنهجها الدولة العربية بالمغرب تجاه المطالب الأمازيغية، هذه "السياسة البربرية" التي انطلقت مع إنشاء مؤسسة "ليركام" الممثلة لهذا السياسة. ففي إطار هذه "السياسة البربرية الجديدة"، لا تجد الدولة العربية بالمغرب حرجا في الاستجابة للمطالب الأمازيغية في شكلها الثقافي والتراثي واللغوي ما دام أن هذه المطالب لا تمس بالثوابت الهوياتية العروبية للدولة، هذه الثوابت التي تؤكد أن المغرب بلد عربي، دولته عربية وتحكمها سلطة عربية.
وبالفعل، لم يسبق، إلى حد الآن، للحركة الأمازيغية أن طالبت بتمزيغ هوية الدولة بالمغرب تبعا لهوية الأرض التي تحكمها هذه الدولة، ولو أن الاعتراف بالهوية الأمازيغية يشكل أحد المطالب الرئيسية لهذه الحركة، لكن بمعناها الثقافي والتراثي والأنتروبولوجي والعرقي الخاطئ، المتعلق بهوية الأمازيغيين كأفراد وجماعات لهم لغة وعادات وتاريخ وتراث خاص بهم، وليس بمعناها السياسي المتعلق بهوية الدولة بالمغرب. فلا نجد في أدبيات الحركة الأمازيغية ذِكرا لمطلب ذي علاقة بتمزيغ هوية الدولة والسلطة والحكم. واستمرار هذه الحركة في المطالبة بالاعتراف بالهوية الأمازيغية بهذا المعنى، غير السياسي، يحصر القضية الأمازيغية في إطار عرقي ضيق يختزلها في صراع بين أمازيغيين يطالبون بحقوقهم و"عرب" يرفضون هذه الحقوق. وهو ما يجعل "العرب" المفترضين يتخوفون من الأمازيغية لأنهم يرون فيها تهديدا لمصالحهم السياسية والاقتصادية والإثنية، وهو ما يزيد من عدائهم ورفضهم للأمازيغية. بل إن منهم من يغوّلون (من الغول) الأمر ويهوّلونه عندما يقولون بأن الأمازيغيين سيطردونهم من المغرب لو كانوا يملكون السلطة لتنفيذ هذا الطرد، محذّرين من مصير ينتظرهم لا يختلف عن مصير العرب الذين طردهم الإسبان من الأندلس. وهكذا تُفاقم المطالب الأمازيغية، المنطلقة من فهم عرقي عروبي للهوية، من التعارض والتنافر بين الهوية الأمازيغية والمنتمين إليها من الأمازيغيين، وبين الهوية "العربية" بالمغرب والمنتمين إليها من العرب. وهو تعارض وتنافر يتخذان في الغالب شكل عداء عرقي وصراع عنصري، خصوصا إذا عرفنا أن بعض النشطاء الأمازيغيين ينظرون إلى "العرب" المغاربة كمستعمرين ومحتلين استولوا على السلطة والثروة مع إقصاء للعنصر الأمازيغي. وهذا الصراع العرقي يجعل من الأمازيغيين أقلية إثنية تضطهدها أغلبية "عربية" استحوذت على خيراتها وأراضيها. وهذا ما يستغله الطرف "العربي" لتقديم "الدليل" على أن الحركة الأمازيغية حركة عرقية وعنصرية تهدد الوحدة الوطنية بزرع بذور التفرقة العنصرية بين مكونات الشعب المغربي.
فبمجرد إقرار الحركة الأمازيغية بوجود هويتين مختلفتين بالمغرب، أمازيغية وعربية، تصبح شروط الصراع العرقي متوفرة وقائمة. والسؤال الكبير، الذي لا تريد طرحه الحركة الأمازيغية، والمترتب عن اعترافها بوجود أمازيغيين وعرب بهويتين مختلفتين بالمغرب، هو التالي: ماذا ستفعل الحركة الأمازيغية بالعرب؟ هل ستطردهم إلى بلدانهم "الأصلية" كما يقول خصومها تهويلا وتغويلا من هذه الحركة كما سبقت الإشارة؟ هل ستطالبهم بأداء تعويض عما لحق الأمازيغيين على يد العرب من ضيم وظلم وعانوه من احتلال وغزو وإقصاء؟ هل ستشترط عليهم التناوب على السلطة واقتسام الثروة؟...
على ذكر موضوع السلطة والثروة، تجدر الإشارة إلى أن جزءا من الأدبيات المطلبية للحركة الأمازيغية تركز على ضرورة اقتسام السلطة والثروة بين العرب المستأثرين بهما وحدهم حاليا، وبين الأمازيغيين المحرومين منهما في الوقت الحاضر. وإذا كان هذا المطلب يبدو عادلا ومشروعا، إلا أنه ينطلق، هو كذلك، من تصور عرقي للهوية يقسم المغاربة إلى أمازيغيين وعرب. فبالإضافة إلى أن "العرب" سيردون على أن الأمازيغيين يتقاسمون السلطة والثروة مع "العرب" لأن منهم وزراء ورجال سلطة ورؤساء أحزاب سياسية كما أن فيهم من يملك ثروة تقدر بالمليارات، فإن مطلب اقتسام السلطة والثروة، بدل أن يؤدي إلى تجاوز الصراع الإثني والعرقي بين الأمازيغ والعرب، يرسّخه ويقر به عندما يطالب بهذا الاقتسام الذي يعكس الانقسام المفترض للمجتمع المغربي إلى هوية أمازيغية وهوية عربية. مع أن الهوية هي بالتعريف واحدة لا تعدد ولا اقتسام فيها لأنها نابعة من الأرض وتابعة لها. وبالتالي فإن الأرض الواحدة تنتج عن وحدتها وحدةُ هوية سكانها كحالة المغرب الذي لا ينقسم إلى أرض خاصة بالعرب وأخرى خاصة بالأمازيغ كما في العراق مثلا الذي يضم منطقة عربية وأخرى كردية، أو كما في بلجيكا المقسمة إلى أرض فلامانية وأرض أخرى فالونية نتج عنهما وجود هويتين مختلفتين ببلجيكا. المغرب أرض واحدة. وبالتالي فهويته واحدة كذلك. وبما أن هذه الأرض هي أصلا أرض أمازيغية، فهوية المغرب هي أمازيغية يتساوى جميع المغاربة في الانتماء إليها، مهما اختلفت وتنوعت أعراقهم وأصولهم ولغاتهم وثقافاتهم وأديانهم، لأن العبرة في الهوية بالأرض وليس باللغة أو النسب.
فالمطلوب إذن، ما دام المغرب ذا هوية أمازيغية واحدة، ليس تقاسم السلطة والثروة، بل إرجاعهما إلى مالكهما الشرعي والحقيقي. ومن هو هذا المالك الشرعي الحقيقي؟ إنه الهوية الأمازيغية التي هي هوية الأرض الأمازيغية بالمغرب. وهذا يعني أن السلطة ينبغي أن تنتقل إلى الأمازيغية كهوية ترابية وليس كعرق أو إثنية. وهو ما سيتحقق عندما تصبح الدولة أمازيغية انسجاما مع هوية الأرض الأمازيغية. ولا يهم بعد ذلك أن يكون الحكام، كأشخاص طبيعيين يمثلون تلك الدولة الأمازيغية، ينحدرون من أصول أمازيغية أو عربية أو يهودية أو رومانية أو فينيقية أو أندلسية أو غيرها، ما دام أنهم أبناء هذه الأرض الأمازيغية التي يستمدون منها هويتهم وليس من أنسابهم المفترضة.
إذن الانتقال بالمطالب الأمازيغية إلى المستوى السياسي لا يمكن أن يحصل خارج مطلب ترسيم الهوية الأمازيغية للدولة لتصبح دولة أمازيغية بالمفهوم الترابي وليس العرقي. لماذا التأكيد على ضرورة تمزيغ السلطة والدولة؟ لأن المغرب أصبح، بعد الاستقلال، دولة عربية، ليس بأرضه وشعبه، بل بحكمه ودولته التي صنعتها فرنسا وأعطتها مضمونا عربيا وألحقتها بمجموعة البلدان العربية. فالأولوية إذن، ينبغي أن تعطى، ليس لترسيم اللغة الأمازيغية، وإنما لترسيم الدولة الأمازيغية. فما تحتاجه الأمازيغية، ليس قرارا سياسيا يمنحها حقوقها، بل أن تصبح هي صاحبة القرار السياسي بالمغرب.
منذ تأسيس "ليركام"، يروج خطاب مفاده أن المصالحة مع الأمازيغية قد بدأت تتحقق على أرض الواقع، وأن إنشاء هذه المؤسسة هو تجسيد لهذه المصالحة. لكن المشكل، ليس أن هذه المصالحة لم تتحقق بل هي مجرد خطاب للاستهلاك، وإنما المشكل أن هذه المصالحة تكرّس، مثل مطلب اقتسام السلطة، التعارض العرقي بين الأمازيغيين و"العرب" المفترضين بالمغرب، مع أن هذه المصالحة تزعم أنها جاءت لوضع حد لهذا الصراع. كيف تكرّس هذه "المصالحة" الصراع بين الطرفين "العربي" والأمازيغي في الوقت الذي جاءت فيها لتصالح بينهما؟
المصالحة مع الأمازيغية تعني أن المغرب يتكون من أمازيغ و"عرب" مع الاعتراف أن هؤلاء لم يكونوا يعترفون بالحقوق اللغوية والثقافية للأولين التي (الحقوق) كانت مهضومة ومقصاة. لكن اليوم، يعترف هذا الطرف "العربي" بالأمازيغية ك"مكون" و"رافد" للثقافة الوطنية. فالمصالحة إذن تنطلق من التعارض الثنائي بين "العرب" والأمازيغيين، لا بهدف تجاوزه والقضاء عليه، بل بهدف تأكيده والإقرار به، مع كل ما يتضمن ذلك من تعامل مع الأمازيغيين كأقلية لها حقوق لسانية وثقافية خاصة بها يجب احترامها والاعتراف بها.
المصالحة تعني إذن أن هناك طرفين ينتميان إلى هويتين مختلفتين، أمازيغية وعربية. وهو ما لا يمكن أن يضع حدا للصراع بينهما ما دام أن هذين الطرفين معترف بوجودهما ويحاول كل منهما أن تكون له الهيمنة على حساب الآخر: فالأمازيغيون يقولون إنهم السكان الأصليون أصحاب الأرض، أما العرب فدخلاء وافدون ولا ينبغي أن يكون لهم أكثر مما للدخلاء والوافدين. أما العرب فيقولون إنهم أسسوا أول دولة مغربية على يد إدريس الأول، والتي لا زالوا يتوارثونها، فضلا على أنهم أصحاب نسب شريف ولغتهم هي لغة أهل الجنة. إذن "المصالحة" لا يمكن إلا أن تباعد بين الطرفين لأنها تؤكد وتعترف بوجود مسافة هوياتية تفصل بينهما منطلقة (المصالحة) في ذلك من تصور عرقي خاطئ للهوية.
أما التصور الترابي للهوية، كما هو معمول به لدى جميع بلدان ودول المعمور، فيحقق المصالحة الحقيقية بين الأمازيغ و"العرب" المفترضين، ليس بإعطاء كل ذي حق حقه أو بتقسيم السلطة بين الطرفين، بل بإلغاء الطرفين كعنصرين هوياتين متمايزين وقائمين بذاتهما، وذلك بتوحيدهما في عنصر واحد هو الهوية الأمازيغية التي تحددها الأرض الأمازيغية التي يستمد منها المغاربة جميعهم هويتهم مهما اختلفت أعراقهم وأصولهم. وهكذا يكون كل المغاربة ذوي هوية أمازيغية واحدة نابعة من الأرض الواحدة التي هي أرض أمازيغية.
ففي إطار هذا التصور الترابي للهوية، لن يعود هناك صراع هوياتي بين الأمازيغيين و"العرب" لأن الجميع ينتمون إلى هوية واحدة هي الهوية الأمازيغية للأرض الأمازيغية. وهو ما يستتبع أن هوية الدولة ينبغي أن تكون أمازيغية تبعا لهوية الأرض التي تسود عليها هذه الدولة كما سبقت الإشارة. فضمن هذا التصور الترابي للهوية، نلاحظ إذن أن أسباب الصراع بين المنتمين للهوية الأمازيغية والمنتمين للعروبة سيختفي نهائيا لأنه لن يكون هناك إلا انتماء واحد يشترك فيه الجميع وهو الانتماء إلى الأرض الأمازيغية. وهذه هي المصالحة الحقيقية لأنها توحد الطرفين بصفة نهائية في انتماء واحد مشترك هو الانتماء إلى الأرض الأمازيغية. فالمصالحة هنا حقيقية لأنها ليست مصالحة لهذا الطرف مع طرف آخر، بل لأنها مصالحة مع الأرض، منبع الهوية والانتماء. من هنا أسبقية ترسيم الدولة الأمازيغية على ترسيم اللغة الأمازيغية لأن هذا الترسيم الأخير متضمن تلقائيا في الترسيم الأول كجزء منه ونتيجة له.
لكن السؤال الكبير الذي يطرحه المعارضون لهذا التصور الترابي الوحدوي والدولتي للهوية هو التالي: ما الذي سيجعل "العرب" بالمغرب يتخلون عن عروبتهم ودولتهم العربية التي أصبحوا بفضلها ومن خلالها يحتكرون السلطة والثروة ليعلنوا عن دولة أمازيغية قد تكون إعلانا عن نهاية مصالحهم وامتيازاتهم السياسية والاقتصادية والإيديولوجية؟
الجواب يعطيه لنا الجواب عن السؤال التالي المعاكس للأول: لماذا يخاف "العرب" في المغرب من الأمازيغية ويرفضون بالتالي قيام دولة أمازيغية بالمفهوم الترابي الذي شرحناه، ويتمسكون بعروبتهم المزعومة ودولتهم "العربية" التي يعارضون استبدال هويتها العربية بهوية أمازيغية مستمدة من الأرض الأمازيغية للمغرب؟
لأن المطالب الأمازيغية وليس الهوية الأمازيغية بمفهومها الترابي تهدد بالفعل مصالحهم السياسية والاقتصادية ووجودهم الإثني والهوياتي واللغوي، بسبب التصور العرقي للهوية الذي تنطلق منه هذه المطالب، والذي يقسم المغرب إلى هويتين عربية وأمازيغية مختلفتين ومتمايزتين، وهو التصور الذي يعتقد العرب أنه ينظر إليهم كدخلاء وغزاة ومحتلين. وهذا ما يجعلهم يخافون بجدية من الأمازيغية ويعملون على محاربتها بجميع الوسائل حتى لا تشكل خطرا على وجودهم السياسي والهوياتي المرتبط بالدولة العربية التي يحتمون بها من الأمازيغية التي يتوجسون منها ويخشونها، فضلا عن تمسكهم بالعروبة التي يستقوون بها على الأمازيغية التي يرون فيها تهديدا لهم. وكل هذا نتيجة للمفهوم العرقي للهوية الذي يرى أن هناك هويتين بالمغرب تأخذ العلاقة بينهما شكل صراع عرقي وعنصري.
أما في إطار التصور الترابي التوحيدي للهوية، الذي يجعل كل المغاربة متساوين في انتمائهم الهوياتي إلى نفس الأرض الأمازيغية التي يعيشون فيها على وجه الدوام والاستقرار، والتي تمنحهم هويتهم الأمازيغية المستمدة من الأرض الأمازيغية، في إطار هذه الهوية الترابية لن يبقى هناك مبرر لدى "العرب" المغاربة للتخوف من الأمازيغية، كما لن يكون هناك أي مسوّغ للأمازيغيين ليهددوا مستقبل "العرب" بالمغرب. لماذا؟ لأن هؤلاء الذين يعتبرون أنفسهم "عربا" ويعتبرهم الأمازيغيون "عربا" يحملون هوية مختلفة عن هويتهم الأمازيغية، سيصبحون، في إطار التصور الترابي للهوية، هم أنفسهم ذوي انتماء هوياتي أمازيغي تبعا للأرض الأمازيغية، لا فرق بينهم وبين الأمازيغيين الأصليين، لأن الجميع ينتمون إلى نفس الأرض التي لهم فيها نفس الحق ولهم عليها نفس الواجبات. وعليه، ليس هناك ما يخافه "العرب" من الهوية الأمازيغية لأنها هويتهم هم أيضا. إذن إذا اختفت الأسباب اختفت معها نتائجها تلقائيا. وبالتالي عندما يختفي التصور العرقي للهوية يختفي معه الصراع الناتج عنه بين الأمازيغيين و"عرب" مفترضين، ولا يبقى هناك مبرر معقول لتوجس هذا الطرف من ذلك الطرف الآخر بعد اتحاد الطرفين في هوية واحدة، هي الهوية الأمازيغية للأرض الأمازيغية. النتيجة أنه لن يكون هناك سبب يجعل "العرب" يحاربون الأمازيغية ويرفضونها. بل على العكس من ذلك، سيشعرون معها بالثقة والأمان والسلام والاعتزاز وهو ما كانوا يفتقدونه وهم "عرب". لماذا كانوا يفتقدون ذلك؟
لأنه في إطار انتمائهم "العربي" العرقي المزعوم، كانوا كأولئك الذين يملكون شيئا مسروقا لا حق شرعيا لهم فيه، فيعملون دائما على حماية ما سرقوه من أصحابه الشرعيين الذين يحاولون باستمرار استرداده ممن استولوا عليه دون وجه حق. لهذا فهم دائما متوجسون ومتأهبون يتخوفون أن تصبح لأصحاب المِلك المسروق الإمكانات والقوة لتوقيفهم واستعادة ممتلكاتهم المسروقة. إنهم دائما قلقون على مصيرهم وممتلكاتهم لأنهم لا يتوفرون على سند شرعي يثبت حيازتهم لما يملكون. لكن في إطار الهوية الترابية التوحيدية للهوية الأمازيغية، كما شرحنا ذلك، سيصبح هؤلاء "العرب" مالكين شرعيين لما في أيديهم من سلطة أو ثروة، ولا يخافون على ما يملكون من استعادته من أصحابه الشرعيين لأن هؤلاء "العرب" أصبحوا هم مالكوه الشرعيون بعد أن أصبحت هويتهم أمازيغية تعطي لهم الحق في الحكم وممارسة السلطة بالمغرب باسم انتمائهم الأمازيغي. وهذا ما سيوفر لهم شروط الطمأنينة والأمان والسلام والاستقرار بعد اختفاء أسباب الصراع الناتجة عن تقسيم المغرب إلى هويتين عربية وأمازيغية. ففي هذه الحالة، سيكون من مصلحتهم تبني الهوية الأمازيغية والدفاع عنها في إطار دولة أمازيغية تعاملهم على قدم المساواة مع الأمازيغيين "الأصليين".
ونفس الشيء يقال عن الحكام والمسؤولين السياسيين الذين يتمسكون اليوم بالهوية العربية لأنها ملاذهم الوحيد أمام المطالب الأمازيغية التي تهدد وجودهم السياسي والاقتصادي والإثني. لكن في إطار الهوية الترابية للدولة الأمازيغية، فإنهم لن يخسروا شيئا من مناصبهم وامتيازاتهم السياسية كأشخاص طبيعيين يمثلون الدولة الأمازيغية ذات الهوية الأمازيغية. فكل ما يخسرونه هو هويتهم "العربية" المزعومة، والتي كانوا يتمسكون بها لحماية مصالحهم وامتيازاتهم من تهديدات الأمازيغية لها. أما الآن، وفي إطار الدولة الأمازيغية، فمصالحهم تحميها وتحافظ عليها الأمازيغية التي أصبحوا ينتمون إليها، مثلهم مثل بقية كل الأمازيغيين.
النتيجة أنه في إطار الدولة الأمازيغية ذات الهوية الأمازيغية، لا أحد يخسر شيئا من مصالحه وامتيازاته. لكن الجميع يربحون الانتماء المشترك إلى الأرض الأمازيغية مع ما يصاحب ذلك من شعور بالفخر والاعتزاز بالهوية الحقيقية النابعة من الأرض الأمازيغية. بل إن الحكام الذين سيسّهلون عملية الانتقال إلى الدولة الأمازيغية سيذكرهم التاريخ كقادة أبطال ووطنيين كانوا وراء حصول بلدانهم على الاستقلال الهوياتي وتحريرها من التبعية لهويات أجنبية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.