ككل سنة، طفا على السطح نقاش متجدد بعد دخول جامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء وحيدة تصنيف "شنغهاي" الشهير لأفضل 1000 جامعة عبر العالم لسنة 2024، محتلة المرتبة 901 الأخيرة، ملقية بذلك الضوء على واقع "التعليم العالي بالمغرب". وبين "ضعف" البحث العلمي و"طغيان" الفرنسية، تباينت آراء المتابعين للشأن الأكاديمي بالمغرب حول أسباب استمرار "تواضع" الجامعات المغربية في التصنيفات العالمية. وحلت جامعة الحسن الثاني في هذا التصنيف وحيدة من بين الجامعات المغربية الأخرى، فيما تصدرت السعودية عربيا بحضور 12 جامعة، حيث تقدمت جامعة الملك سعود الترتيب مقارنة بالعام الماضي، بحلولها في المرتبة ال90، متبوعة بجامعة الملك عبد العزيز وجامعة الملك عبد الله للعلوم والتكنولوجيا في المرتبة ال201. ودخلت ثماني جامعات مصرية هذا التصنيف، حيث حلت جامعة القاهرة في المرتبة ال301، وجامعة عين شمس المرتبة ال601. وبالنسبة للخبراء في مجال التعليم، فإن "استمرار ارتهان القطاع الأكاديمي للفرنسية أضحى آفة تلقي بظلالها على تقدّم المغرب في جميع المجالات". ونبّه بعضهم إلى "استمرار غياب التنزيل من قبل الوزارة الوصية لمرسوم تنظيم المجلس الوطني للبحث العلمي، الذي من المفروض أن يرسم استراتيجية البحث العلمي بالمغرب". خاسرون من البداية وقال محمد كديرة، خبير في السياسات العمومية التربوية: "لا أتفق مع منطق التصنيفات العالمية للجامعات، بسبب المعايير المعتمدة، على غرار وجود أستاذ له جائزة نوبل، يعطي الجامعة عشرين نقطة، وأيضا المنطق التجاري الغربي لضمّ أكبر عدد من الطلبة عبر العالم من خلال هذه التصنيفات". وأضاف كديرة، في تصريح لهسبريس، أن الجامعات المغربية لا تتوفر على أساتذة حصلوا على جائزة نوبل، وبالتالي "من البداية يبدؤون سباق التصنيف وهم خاسرون بشكل مؤكد". وأورد المتحدث أن تصنيف شنغهاي "لا يعني المغرب، فهذه دولة تحتاج أولا إلى تقوية التكوين، وتخصيص الدعم الكافي للبحث العلمي، وإنشاء المجلات المحكمة"، مبينا أنه مع استمرار غياب هذه الأمور، "من غير المنطقي الحديث عن تصنيف الجامعات المغربية على المستوى العالمي". وشدد الخبير في السياسات العمومية التربوية على أن "المغرب ليس له الإمكانيات لمقارعة الدول المتقدمة على مستوى البحث العلمي، وخطابات الوزير ميراوي لا يمكن أن تكون واقعية وهو لم يتخذ الإجراءات الفعلية لتقوية واقع التعليم العالي بالمغرب". وحذّر كديرة من استمرار "التعليم المغربي في الارتهان إلى الفرنسية"، مردفا أن "المملكة لها تبعية كبيرة للغة الفرنسية، على الرغم من أن فرنسا نفسها تحاول الهروب نحو الإنجليزية، ما يؤثر سلبا على تقدّمها عالميا"، مؤكدا أن "الوقت قد حان لإنهاء هذه التبعية، خاصة على المستوى العلمي، والبداية من المستوى الابتدائي والثانوي". "آفة الفرنسية" من جانبه، نبّه خالد الصمدي، كاتب الدولة السابق المكلف بالتعليم العالي والبحث العلمي، إلى "ضرورة إبعاد المصالح السياسية المغربية الفرنسية عن واقع تنزيل الإنجليزية بمجال التعليم". وقال الصمدي لهسبريس إن "الأساتذة بالمغرب يكوّنون في المجال العلمي بالفرنسية، ومع وجود أربع لغات للتدريس في المجال الأكاديمي بالمغرب، لا يتجه الأساتذة للإنجليزية لتدريسها، بل يختارون جميعا الفرنسية". وحذّر المتحدث من "غياب مخطط مغربي لتنزيل الإنجليزية في مجال التعليم بالمغرب، وتنزيل فعلي للقانون الإطار رقم 51.17 المتعلق بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي". وقال: "نرى أن عدم تنزيل هذا القانون الذي يدعو لتعزيز الإنجليزية وعدم الارتهان فقط للفرنسية، يبدو أنه أصبح رهين تطور التقارب المغربي الفرنسي الأخير"، مبينا أن "المغرب يجب ألّا يضع المصالح التربوية رهينة لحسابات سياسية، بما سيؤثر على مستقبل البلد". وعلى صعيد آخر، استحضر الصمدي "استمرار غياب التنزيل من قبل الوزارة الوصية لمرسوم تنظيم المجلس الوطني للبحث العلمي، الذي من المفروض أن يرسم استراتيجية البحث العلمي بالمغرب". وبخصوص التصنيف، اعتبر المتحدث أن "الأمر إيجابي بالنظر إلى صعوبات الدخول إلى هذه القائمة"، مستدركا بأن "الأمر غير مرضٍ بالنسبة لدولة كالمغرب، التي يجب أن تكون ممثلة بأكثر من 3 جامعات على الأقل". وكشف الصمدي أنه في فترة توليه المسؤولية بهذا القطاع لاحظ أن "العديد من الجامعات كانت ترحم نفسها من الترشيح لتصنيف شنغهاي بسبب أخطاء تقنية في ملفات ترشيحها، وذلك بسبب غياب خبراء في هذا المجال".