بناء على مقالي المعنون ب"الخبث السياسي"، الذي نشر بالموقع الإلكترونية هسبريس بتاريخ 7 يوليوز 2024، كموضوع نظري عام، باعتباري باحثا في علم الاجتماع السياسي؛ يجب أن أوضح شيئا مهما، إذ يبدو أنه وقع لبس، حيث اعتبر البعض أن المقال موجه إليهم أو هم المقصودون بذلك. في واقع الأمر إن المقال بعيد كل البعد عن التشخيص؛ فالمقال هو مقال نظري عام، نابع من قناعتي الشخصية كمقيم بالديار الفرنسية، حيث تفاعلت بما يقع في المشهد الفرنسي. إن مقالي فيه حرقة مغترب، وهي حُرقة أتقاسمها في نقاشات يومية مع ابني المغترب، والخائف من ذلك المستقبل المضبب من جراء ما يقع بعد صعود خطاب الكراهية ضد الأجانب. إن مقالي جاء كرد فعل عن دعوة إريك سيوتي، رئيس حزب الجمهوريين اليميني، إلى إقامة تحالف غير مسبوق مع اليمين المتطرف صدمة داخل الحزب أولا، ثم لدى الرأي العام. وشكل هذا الفعل تطورا لافتا جديدا في فرنسا، وهو نوع من "الخبث السياسي"، سبب صدمة قوية داخل حزب الجمهوريين، حيث انهالت الانتقادات اللاذعة على إريك سيوتي متهمة إياه ب "الخبث السياسي" و"الخيانة" و"الكذب" ومراعاة "المصلحة الشخصية". وهذا ما دفع بمسؤولين منتخبين محليين، ونحو عشرة من أعضاء مجلس الشيوخ ينتمون إلى صفوفه، على إثر هذه التصريحات. حيث قال جيرار لارشيه، رئيس مجلس الشيوخ: "لن أوافق، بأية حجة كانت، على اتفاق مع التجمع الوطني يخالف مصلحة فرنسا وتاريخنا". أما جيرالد دارمانان، العضو السابق في حزب الجمهوريين، فذهب إلى أبعد من ذلك، إذ اعتبر إريك سيوتي بأنه بهذا التحالف يكون قد "وقع اتفاقات ميونخ" العائدة إلى عام 1938 وحملت يومها توقيع فرنسا وألمانيا النازية خصوصا، وأنه يمعن في "تلطيخ شرف العائلة الديغولية". كل هذا أدى إلى تشتيت "عائلة حزب الجمهوريين"؛ بل حتى "العائلة الديغولية" بصفة عامة عرفت تصدعا من جراء هذه الممارسة التي تدخل فيما أسميته ب"الخبث السياسي"، من خلال دعوته إلى التحالف في الانتخابات التشريعية، وقد اعتبره البعض ب"تحالف العار"؛ وهو ما استدعى انتقادات حادة كذلك من أطر عديدة في الحزب الجمهوري، ونددوا بهذه الانعطافة غير المسبوقة. أخيرا، أود أن أؤكد أنني لست مسؤولا عن سوء الفهم في قراءة مقالي الموسوم "الخبث السياسي". لا أنكر أن المقال صالح لكل زمكان؛ فالخبث السياسي موجود في كل زمان ومكان، وتبقى دوما وأبدا علاقة "ثنائية السياسة والأخلاق" حاضرة في كل الأوطان، إذ لم يسبق للسياسة أن ابتعدت عن الأخلاق بالدرجة التي عليها الآن، سواء بفرنسا أو في كل أرجاء العالم. مزيدا من العمل والاجتهاد لكسب الرهان في الحقل الأخلاقي السياسي.