تكمن خطورة الفتوى في كونها مرسوما دينيا تتعدى حدود علاقة الإنسان بخالقه، فكثير من الفتاوى ساهمت في قتل العباد وخراب البلاد، وخصوصا الفتاوى الدينية المؤدلجة، أو إن صح التعبير الفتاوى السياسية التكفيرية؛ بحيث توجد عندنا في الفكر الإسلامي فجوة كبيرة بين الحاكم الإداري والسياسي للدولة، والحاكم الديني (المفتي) الناطق باسم الله وباسم شريعته، هذه الفجوة لم يحسم فيها الأمر بعد، ولم تحل مشكلة الديني والسياسي في الفقه الإسلامي إلى يوم الناس هذا، مما يدفع ببعض العلماء والمشايخ والمفتين إلى التطاول على بعض الدول والحكام بإصدار فتاوى الحلال والحرام، أو ما يجوز وما لا يجوز لتلك الدول فعله، ويعتبرون ذلك من صميم واجبهم الديني وحق من حقوقهم الشرعي؛ لأنهم ورثة الأنبياء حسب زعمهم، مع أنهم لا معرفة لهم بأحوال البلاد وشؤون العباد؛ بل هم أشبه بالأميين في العلوم السياسية والقانونية والعلاقات الدولية، فكيف يستطيعون إصدار فتاوى شرعية في أمور معاصرة معقدة لا يعرفون عنها أي شيء؟! مع أن الحكم على الشيء فرع عن تصوره كما يقول أهل المنطق. وفي هذا السياق أكد الإمام القرافي المالكي في كتابه "الفروق" في حديثه عن الفرق الثامن والعشرين: "أن القانون الواجب على أهل الفقه والفتوى مراعاته على طوال الأيام، هو: ملاحظة تغير الأعراف والعادات بتغير الزمان والبلدان. وقال: "فمهما تجدد من العرف اعتبره، ومهما سقط أسقطه، ولا تجمد على المسطور في الكتب طوال عمرك، بل إذا جاءك رجل من غير إقليمك يستفتيك، لا تجبره على عرف بلدك، واسأله عن عرف بلده، وأجره عليه، وأفته بذلك، دون عرف بلدك، والمقرر في كتبك، فهذا هو الحق الواضح، والجمود على المنقولات أبدا ضلال في الدين، وجهل بمقاصد علماء المسلمين، والسلف الماضين". هنا أتساءل: كيف يسمح لبعض المفتين وعبر قنوات فضائية يقدمون فتاواهم للجاليات المسلمة في الغرب؟ مع أن هذا المفتي لا يعرف شيئا عن أحوال المسلمين في هذه الدول، كما لا يعرف مشاكلهم وهمومهم وقضاياههم؛ لهذا للأسف، كم من أسرة تفككت؟ وكم من بيوت خربت؟ وكم من رؤوس قطعت لأبناء الجالية في ميادين "الجهاد" في سوريا وغيرها؟ وكم من طالب سجن؟ وكم من خطيب جمعة طرد من بلاد إقامته؟! كل هذا بسبب هذه الفتاوى العابرة للقارات، ومن مراجع وقنوات ومواقع مجهولة المصدر، الله وحده يعلم من أصدرها ومن وراءها؟. هنا تكمن خطورة الأمر في ما يتعلق بضبط قضايا الحقل الديني في الغرب، وفي هذا السياق يحذرنا فضيلة الشيخ العلامة عبد الله بن بيه في كتابه "صناعة الفتوى وفقه الأقليات" إذ يقول حفظه الله: "أعتقد أن عصر الفتاوى العامة التي يجوز تطبيقها في كل زمان ومكان قد انتهى. ويجب على كل مفتٍ أن يزن فتواه قبل أن الظروف..". يصدرها وأن يدرس المآلات