كنا نأمل كمغاربة أن تشكل لنا الانتخابات الجماعية الأخيرة مناسبة لتعزيز المسار الديمقراطي ببلادنا، وجسرا لإعادة الأمل لملايين المغاربة الذين استنكفوا عن المشاركة في انتخابات سبتمبر التشريعية لسنة 2007، لكن الذي حصل وبمرارة شديدة هو أن نظامنا السياسي خلف موعده مرة أخرى مع استحقاقات الانتقال الديمقراطي الذي دشنه الملك الراحل سنة 1998 مع أول حكومة تناوب توافقي ترأسها الزعيم الاتحادي عبد الرحمان اليوسفي، وعاد لممارسة بعض الأساليب القديمة في ضبط التوازنات السياسية كاستنساخ ظاهرة الحزب الأغلبي التي ميزت كل المناسبات الانتخابية في فترة الستينات والسبعينات والثمانينات من القرن الماضي، وإلا فما معنى أن يتربع حزب الأصالة والمعاصرة الذي لم يتجاوز عمره بضعة أشهر المشهد السياسي المغربي ويتفوق على أحزاب عريقة مثل حزب الاستقلال والإتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وحزب العدالة والتنمية الذي احتل المرتبة الأولى على الصعيد الوطني من حيث عدد الأصوات المحصل عليها في انتخابات سبتمبر التشريعية والمرتبة الثانية من حيث عدد المقاعد؟؟ إن لم يكن هناك دعم غير محدود لهذا الحزب من طرف جهات نافذة في السلطة، وإرادة قوية لإيصال هذا الوافد الجديد لأعلى مراكز القرار لاسيما بعد فقدان حكومة الفاسي للأغلبية النيابية. وهو الأمر الذي كان وراء ظاهرة ترحال أو " حريك " عدد كبير من نواب ومستشاري الأحزاب الأخرى نحو الحزب الوليد أملا في الحفاظ على امتيازاتهم التي راكموها لسنوات ضمن أحزاب أخرى، ضدا على المادة الخامسة من قانون الأحزاب التي منعت انتقال النواب من هيئة سياسية إلى أخرى خلال مرحلة انتدابهم الانتخابي. "" لقد برهنت هذه الانتخابات وبالملموس على استمرار عملية توظيف أساليب الغش والتضليل والفساد لولوج مراكز القرار بدل المنافسة السياسية الشريفة المبنية على أرضية المشاريع والأفكار، إذ لاحظنا استعمالا مكثفا للمال السياسي من قبل محترفي وتجار وسماسرة الانتخابات وخصوصا في بعض الدوائر الفقيرة والمهمشة التي اتخذها البعض من هؤلاء أوكارا وأعشاشا آمنة لهم يبيضون فيها بيضهم الفاسد مع حلول كل مناسبة انتخابية وذلك على مرئى ومسمع السلطات المعنية التي فضلت كعادتها نهج الحياد السلبي والتخلي عن مسؤوليتها في الحفاظ على نزاهة العملية الانتخابية، وقد تعددت أوجه استخدم هذا المال: فمن شراء ذمم بعض الناخبين، إلى شراء بطائق انتخابية من بعض الناخبين غير المضمون ولاءهم ومن تم حرقها حتى لايستفيد منها المرشح المنافس، إلى تنظيم الولائم والحفلات وحتى بعض الرحلات الجماعية الغريبة تجاه مقابر ومزارات الأولياء لأداء قسم الولاء لهذا المرشح أو ذاك، إلى استغلال بعض رؤساء الجماعات لوسائل الجماعة العمومية من سيارات وقاعات ولافتات في حملاتهم الانتخابية. لكل هذه الأسباب وغيرها التزم الناخبون المغاربة وخاصة بالمدن والحواضر منازلهم وقاطعوا بكثافة المهزلة الانتحابية الجديدة، على أمل أن تصل هذه المرة رسالتهم إلى السلطة العليا في البلاد، فتتدخل لتصويب الأمور قبل فوات الأوان، إذ لم تتجاوز نسبة الذين أدلوا بأصواتهم 30 في المائة من مجموع الكتلة الناخبة التي تقدر بحوالي 20 مليون ناخب وناخبة، أما نسبة 52 في المائة التي أعلن عنها وزير الداخلية المغربي السيد شكيب بنموسى فهي تهم فقط حوالي 7 ملايين من المسجلين في اللوائح الانتخابية وعددهم 13 مليون ناخب وناخبة وليس كل الكتلة الناخبة، ليصبح عدد الذين قاطعوا فعليا هذه الانتخابات في حدود 13 مليون (7 ملايين غير مسجلة أصلا في اللوائح زائد 6 ملايين من المسجلين الذين قاطعوا ).