بعد أن خرج "الهمة" بحزبه من الحكومة إلى المعارضة قبيل بدء الحملة الانتخابية للاستحقاقات المحلية الجارية بالمغرب هذه الأيام، أعلن حزب الأصالة والمعاصرة، الذي يتزعمه "فؤاد علي الهمة"، الوزير المنتدب في الداخلية سابقا، تحوله إلى مقعد المعارضة احتجاجا على ما أسماه "بالحكرة"، التي أحس بها الحزب بتفعيل الفصل الخامس من القانون المنظم للأحزاب والذي يمنع على أي برلماني الترشح لأي مؤسسة انتخابية باسم حزب غير الحزب الذي انتدبه للبرلمان. "" القرار، الذي خفف من تأثيره العاجل تأكيد العاهل المغربي ثقته في الحكومة الحالية، التي يتزعمها حزب الاستقلال لمواصلة استكمال الأوراش، أحدث رجة سياسية في بعثرة أوراق اللعب الواضح بين حجم الأغلبية والمعارضة.
فقد كان حزب الأصالة والمعاصرة منذ ظهوره في صيف 2008 ومن خلال تصريحات زعيمه "فؤاد علي الهمة" يرى أن مشروعه السياسي يخالف مشروع الإسلاميين بزعامة العدالة والتنمية، فكيف تحولت الأمور ليكون الخصمان السياسيان جنبا إلى جنب على مقعد واحد؟، وهل ثمة تقارب بين عبد الإله بنكيران الأمين العام لحزب العدالة والتنمية الإسلامي وفؤاد الهمة لتشكيل معارضة قوية بعد نتائج الانتخابات المحلية؟
الافتراض بين الخيارين يبدو مفاجئا، خاصة باستحضار الحرب الإعلامية والسياسية الشرسة بين الحزبين، إلا أن وسائل إعلامية محلية تحدثت عن زيارة "الهمة" لمنزل زعيم حزب العدالة والتنمية في منزله قبل أزيد من أسبوعين من سحب دعمه للحكومة الحالية والتحول إلى المعارضة.
ورغم أن قرار الانسحاب أثر على الأغلبية الحالية مما يرجح التعجيل بإجراء تعديل حكومي بالمغرب، إلا أن التعديل، حسب مختصين بالشأن السياسي بالمغرب، لن يغير من وضع الإسلاميين في المعارضة، وإن كان سيخفف من حدة الهجومات المتبادلة بين الهمة وقيادي حزب العدالة والتنمية.
خروج وزيارة
بعد إعلان الشيخ محمد بيد الله، الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة، قرار حزبه الاصطفاف في صف المعارضة، توالت التحليلات الإعلامية عن سبب غضبة صديق الملك، بين قائل إنه سلوك سياسي يراد منه إحراج حكومة "عباس الفاسي" قبيل الانتخابات المحلية، التي ستجرى يوم 12 يونيو الجاري، وبين رأي يؤكد وجود ارتباك في حزب الأصالة، الذي تبعته "لعنة" القرار الخامس من قانون الأحزاب، وتحرك رجال في الداخلية في وجه الوزير السابق، مما أحس معه الحزب أنه حزب مثل بقية الأحزاب، وأن سابق هيبة الهمة لم تعد بالحجم المروج له إعلاميا.
افتراض وجود ارتباك داخل صفوف حزب "الهمة"، يؤشر عليه توقيت الخروج إلى المعارضة (عشية انطلاق الحملة الانتخابية)، حيث تصادف مع سفر العاهل المغربي إلى فرنسا والوزير الأول عباس الفاسي، غير أن زيارته لبيت الأمين العام لحزب العدالة والتنمية قبل أزيد من أسبوعين من إعلان الانتقال إلى كرسي المعارضة الذي يوجد فيه خصمه السياسي حزب العدالة والتنمية، يؤشر على تحول في طبيعة العلاقة بين الحزبين.
فقد كانت الهجومات الإعلامية المتبادلة بين الهمة وقياديين من حزب العدالة والتنمية كافية لتبين البون الشاسع بين مشروعي الحزبين، وجاءت زيارة "الهمة" لمنزل عبد الإله بنكيران لتلطف أجواء الخصومة الشرسة بين الحزبين.
وكشف بنكيران ليومية الجريدة الأولى يوم الإثنين فاتح يونيو الجاري خبر زيارة "الهمة" لمنزله، مشيرا إلى أن الزيارة هدفها "توضيح الكثير من الأمور فيما يتعلق بالعلاقة بين الحزبين".
وحول ما إذا كانت الزيارة خطوة لتنسيق مستقبلي بين الحزبين، عبر بنكيران عن "استحالة" وجود تنسيق بين الحزبين، وإن كانت الزيارة هدفت التوصل إلى هدنة إعلامية وسياسية بين الهمة وقياديي الحزب الإسلامي.
وجاء بلاغ الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية، الذي وصلت موقع "الإسلاميون" نسخة منه، ليؤكد طابع "الهدنة" وإعلان الموقف من تحركات الهمة الذي هاجم الإسلاميين ومشروعهم منذ خروجه من "العلبة السوداء" لوزارة الداخلية في غشت من سنة 2007.
واعتبرت الأمانة العامة لحزب العدالة خروج حزب "الهمة" إلى المعارضة وسحب دعمه للحكومة قرارا: "يندرج في إطار الارتباك السياسي العام، الذي تشهده بلادنا منذ استحقاقات 2007، وما أفرزه من ممارسات تعيد إنتاج سياسات هجينة لم تعق انعتاقه من المسار التراجعي، الذي تم تشخيصه في التقرير الخمسيني (تقرير رسمي صدر بمناسبة مرور خمسين سنة عن استقلال المغرب).
واستغرب الحزب: "تبرير القرار بالانتصار لظاهرة الترحال السياسي مما يزيد المشهد السياسي الوطني ارتباكا يفقد العمل السياسي مصداقيته، ويعمق نفور المواطنين منه".
وهو ما قلل أبعاد الزيارة ووضعها في سياقها الطبيعي، باعتبار أن الزيارة لا يترتب عنها أي توافق سياسي بين الحزب، وإن كان خفف اللهجة في وصف تحركات الهمة وحزبه.
معارضة بوجهين
الدكتور منار أسليمي، أستاذ العلوم السياسية والمهتم بالشأن الديني، يرى أن تحول الهمة وحزبه إلى صف المعارضة لن يغير من طبيعة العلاقة بين الخصمين السياسيين وإن كان سيمنح المعارضة اختلافا يستدعي التنسيق بدل التحالف.
وقال منار أسليمي، في تصريح خاص لموقع "الإسلاميون.نت": "قبل إعلان حزب الهمة التحول إلى المعارضة سبق أن أرسل عدة رسائل مشفرة تبين دوره في الحياة السياسية وتراجعه عن أسلوب مواجهة العدالة والتنمية، ليس بهدف التحالف في صف المعارضة وإنما هي ترتيب للمجال، الذي سيجمعه بحزب العدالة والتنمية".
وأوضح أسليمي أن المجال سيعرف "تنافسا بين نوعين من المعارضات: معارضة احتجاجية ذات طابع أخلاقي وديني، ومعارضة لنمط التسيير وفرض قوة داخل الأغلبية، لأنه معارضة محسوبة".
وفي حين استبعد منار أسليمي دخول العدالة والتنمية إلى دائرة التدبير الحكومي، لأنه -حسب رأيه- حزب ذو طبيعة انعزالية، ويشتغل بطريقة تبعده عن أي تحالف مع الأطراف الأخرى، سواء من خلال بياناته أو تصريحات قيادييه، لم يستبعد أسليمي إمكانية التنسيق بين النوعين من المعارضة لنقد الأداء الحكومي، وليس التحالف؛ نظرا للاختلافات بينهما، وهو تنسيق قد يجنب حزب الهمة بعض الخسائر السياسية.
وبرر أسليمي استبعاد دخول العدالة والتنمية للحكومة لكون حزب العدالة والتنمية: "يجيد التموقعات الإستراتيجية في الحياة السياسية برغم المشاكل التي واجهته، مثل عزل رئيس بلدية مكناس "بلكورة"، وهو يعرف أنه من الصعب الدخول في حكومة ضعيفة وتفتقد أغلبية.
حساب انتخابي
الدكتور حامي الدين أستاذ العلوم السياسية بكلية الحقوق بطنجة، يؤكد رأي أسليمي في استبعاد أي تقارب بين الحزبين على المستوى الفوقي وإن كان التقارب واردا على مستوى الجماعات المحلية، التي تحكمه قواعد أخرى.
وقال حامي الدين، الذي يشغل أيضا عضوا في الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية، في تصريح ل"إسلاميون.نت": "أي تعديل حكومي مقبل، يبقى الحزب غير معني به لعدم وجود رغبة في إدماج الإسلاميين في التدبير الحكومي، وإنما سيكون الهدف منه إعطاء دفعة لتفعيل المشهد السياسي، كما حصل في عهد عبد الرحمن اليوسفي (وزير أول اشتراكي) وإدريس جطو (وزير تكنوقراطي).
وعن احتمال أن يكون مقعد المعارضة فرصة أمام الحزبين لتكوين معارضة قوية أو المشاركة في تدبير حكومي بعد ظهور نتائج الانتخابات الجماعية، يؤكد حامي الدين: "أن خروج الهمة من الأغلبية الحكومية ليس خروجا حقيقيا وإنما هو خروج تكتيكي لتفادي تحمل تركة الأغلبية أثناء الحملة الانتخابية الحالية، إذ إن هدف الانسحاب انتخابي والتشويش على الانتخابات لمرحلة ما بعد الاستحقاقات المحلية، التي قد يعقبها تعديل حكومي، مما يتيح لحزب الأصالة والمعاصرة الدخول إلى الحكومة المعدلة بحجم أقوى بدل الاقتصار على وزير واحد (وزير التربية الوطنية أحمد اخشيشن) لم ينسحب من الأغلبية إلى اليوم".