فيما استعادت حكومة عباس الفاسي أغلبيتها المفقودة منذ 29 ماي الماضي حين أعلن حزب الأصالة والمعاصرة عن سحب دعمه لها، بانضمام حزب الحركة الشعبية، أحد مكونات المعارضة التي تشكلت عقب تشكيل حكومة الفاسي في طبعتها الأولى، اعتبر محللون أن التحول الذي لحق صفوف المعارضة لن يؤثر على الأغلبية الحكومية ولا على المعارضة. فالقوى المعارضة لحكومة عباس الفاسي في طبعتها الثانية لن تكون مختلفة عن معارضة سابقتها، حيث سيجد حزب العدالة والتنمية إلى جانبه خصمه الأصالة والمعاصرة والاتحاد الدستوري وأحزاب اليسار ممثلة في الحزب الاشتراكي الموحد والحزب العمالي، بعد أن عاد حزب الحركة الشعبية إلى صف الحكومة، موقعه الطبيعي كحزب ارتبط تاريخيا بالأحزاب الإدارية التي تتم المناداة عليها في كل أزمة حكومية لترميم الأغلبية. وبالنسبة إلى سعد الدين العثماني، رئيس المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية، فإن التعديل الحكومي الجزئي الذي استهدف إشراك أحد أحزاب المعارضة في الحكومة لإكمال النصاب القانوني داخل البرلمان، لن يغير من موقف المعارضة الذي اتخذه حزبه منذ ميلاد حكومة الفاسي في أكتوبر 2007 بعد ولادة عسيرة. وقال في تصريحات ل«المساء»: «ليس هناك ما يبرر التغيير في موقفنا المعارض، فالحكومة لم تستطع معالجة الاختلالات الموجودة، والتي ستزداد بسبب الأزمة الاقتصادية العالمية التي ستلقي بظلالها القاتمة على الوضع خلال الفترة المقبلة، وعلى سبيل المثال، فإن قطاعا حيويا كالتعليم ما زال يعيش وضعا مزريا ولم يعرف أي تحسن في ظل الحكومة في طبعتها الأولى، ومن المنتظر ألا يشهد تحسنا السنة المقبلة، ما دامت الأسباب الحقيقية للاختلالات لم تتم معالجتها إلى حد الساعة. وهذا الوضع ينسحب على قطاعات عدة». وبينما أكد العثماني أن انضمام الحركة الشعبية إلى حكومة الفاسي، واصطفاف خصمه السياسي حزب الوزير المنتدب في الداخلية السابق فؤاد عالي الهمة إلى جانبه في المعارضة، لن يؤثر في معارضة إخوان بنكيران على اعتبار أنهم «لا يعارضون أشخاصا وإنما سياسات مستمرة على أرض الواقع»، وتوقع رئيس المجلس الوطني أن ترتفع وتيرة معارضته ابتداء من الدورة التشريعية المقبلة. من جهته، اعتبر محمد بنحمو، عضو المكتب الوطني لحزب الأصالة والمعاصرة، أن التعديل الجزئي الذي لحق الحكومة لن يغير من موقع الحزب داخل المعارضة، ومن طبيعة ونوعية المعارضة التي سينتهجها خلال الفترة المقبلة. وقال عضو المكتب الوطني للأصالة والمعاصرة في تصريحات ل«المساء»: «طبيعة المعارضة التي نبغي هي معارضة قوية بعمق أدائها وأساليبها وبما تقدمه من مقترحات وبدائل خاصة في تعاملها وتفاعلها مع الملفات والقطاعات، بعيدة عن السطحية، معارضة واعية فاعلة وقوية تقوم على البحث والتنقيب والتمحيص والمتابعة لمختلف القضايا، معارضة على واجهات وبأصوات مختلفة». القيادي في حزب الأصالة والمعاصرة استبعد أية إمكانية للتنسيق بين قطبي المعارضة الحالية بالقول: «ما ينبغي التأكيد عليه هو أنه من داخل موقعنا في المعارضة، لا نعتبر ذلك الموقع فضاء للالتقاء مع حزب العدالة والتنمية، ومن ثم لا يمكن على الإطلاق تصور أي تنسيق، فلكل حزب معارضته، فنحن نعارض سياسة الحكومة ونعارض كذلك مشاريع سياسية بعينها». ولئن كان حزبا العدالة والتنمية الذي احترف المعارضة منذ تخليه عن المساندة النقدية لحكومة عبد الرحمان اليوسفي، والأصالة والمعاصرة الذي تحول إلى مقعد المعارضة احتجاجا على ما أسماه «بالحكرة»، التي أحس بها الحزب بتفعيل الفصل الخامس من القانون المنظم للأحزاب، قد استبعدا أي تغيير في موقفهما من الحكومة، فإن التغييرات التي شهدها جسم المعارضة مؤخرا، من خلال انتقال حزب «التراكتور» إلى المعارضة، وحزب «السنبلة» إلى الأغلبية، لن تؤثر، في رأي محمد ضريف، الباحث في العلوم السياسية، على الأغلبية الحكومية ولا على المعارضة، ما دام أن حكومة عباس الفاسي تضمن استمراريتها من ثقة الملك التي تجددت، وقبل التعديل الجزئي الذي طال صفوف الفريق الحكومي الأربعاء الماضي. ووفقا للباحث في العلوم السياسية، فإنه «من الصعب بعد التحاق حزب الأصالة والمعاصرة بالمعارضة أن نتحدث عن معارضة بالمفرد، بل نحن الآن أمام معارضات تناقضاتها هي أكثر وأكبر من التناقضات الموجودة بين أحزاب الأغلبية، معارضة لا تجمعها قواسم مشتركة على مستوى تحديد المواقف السياسية من الأغلبية، بل ما يجمعها هو أنها توجد في موقع المعارضة»، مشيرا إلى أن هذا الوضع يسري منذ تشكيل حكومة عبد الرحمان اليوسفي في 1998، حيث إن الحدود الفاصلة بشكل واضح بين المعارضة والأغلبية، يشرح ضريف، لم تعد موجودة، إذ «وجدنا أنفسنا أمام أحزاب تساند الحكومة، ولكن دون أن تشارك فيها، كما وقع مع حزب العدالة والتنمية باسم المساندة النقدية، فقد كان حزبا معارضا ومساندا في الوقت ذاته، وتكرر الأمر نفسه مع حكومة إدريس جطو من خلال مثال الاتحاد الاشتراكي والعدالة والتنمية والمعارضة النقدية». إلى ذلك، استبعد ضريف، إمكانية التنسيق بين حزب الأصالة والمعاصرة الذي يشكل الآن النواة الصلبة للمعارضة، والحزب الذي يزاحمه ويضايقه، ويعتبره خصما لدودا (حزب العدالة والتنمية)، مشيرا إلى أن الأحزاب سواء كانت في الأغلبية أو المعارضة لا تلتزم بمفهوم المعارضة الواضح والمتمثل في معارضة السياسات العمومية المنتهجة من قبل الأغلبية المشكلة للحكومة. وفي رأي الباحث في العلوم السياسة، فإن الوضع الذي تعيشه المعارضة الحالية قد تستفيد منه الأغلبية الحكومية التي حافظت على نوع من انسجامها، وقد يسهم في تعمق التناقضات بين الأحزاب المشكلة للمعارضة، متوقعا أن يستمر عدم الانسجام ووحدة الرؤية بين الكتل الثلاث المشكلة للمعارضة الحالية: كتلة الأصالة والمعاصرة والاتحاد الدستوري، وكتلة العدالة والتنمية، وكتلة الأحزاب ذات المرجعية اليسارية (الحزب الاشتراكي الموحد، الحزب العمالي). ويؤكد ضريف، في ختام حديثه ل«المساء»، على أن ما سيحكم الأحزاب في سلوكها واستراتيجياتها سواء كانت في الأغلبية أو المعارضة، ليس ما ينبغي أن ينجز في مغرب 2010 ولكن الاستعداد للانتخابات التشريعية المنتظرة في 2012.