بتعيين أربعة وزراء في الحكومة الحالية، والذي جعل حزب الحركة الشعبية ينتقل من موقع المعارضة إلى الأغلبية، تكون حكومة عباس الفاسي قد رممت وضعها الداخلي، خاصة بعدما فقدت أغلبيتها يوم 29 ماي الماضي إبان إعلان حزب الأصالة والمعاصرة انسحابه من الحكومة وانضمامه إلى المعارضة، وبالتالي انفصاله داخل قبة البرلمان عن حزب التجمع الوطني للأحرار، واللذين كانا يشكلان فريقا واحدا يحمل اسم فريق «التجمع والمعاصرة». هذه التشكيلة الجديدة التي تدخل في إطار تعديل لا يخرج عن وصفه بالتقني، جاءت لتضمن للأغلبية استمرارية عملها، خاصة أن العديد من مشاريع القوانين ما زالت معروضة على البرلمان إضافة إلى التحضير للقانون المالي للسنة المقبلة، وكل هذا يتطلب أغلبية باتت مفقودة مباشرة بعد إعلان حزب «التراكتور» وقف دعمه للحكومة قبيل انطلاق الحملة الانتخابية الجماعية الأخيرة. هذا التعديل، الذي يروج أنه سيتبعه تعديل آخر يضمن لحزب الحركة الشعبية وضعا أكثر أهمية داخل الحكومة، على الأقل يكون قد أنقذ حكومة عباس الفاسي بضمانه للنصاب القانوني بالبرلمان والذي ينتظر من لجانه العمل الكثيف بسبب مشاريع القوانين المؤجلة. أثناء تشكيل حكومة عباس الفاسي، شهر أكتوبر 2007، تم استبعاد حزبي العدالة والتنمية والحركة الشعبية، اللذين احتلا المرتبة الثانية والثالثة في الانتخابات التشريعية، من المشاورات التي أجراها عباس الفاسي الذي ركز في مشاوراته على حليفه التاريخي، حزب الاتحاد الاشتراكي، الذي يعد صعب المراس، لكونه درس وناقش بإمعان عدد الحقائب المقترحة وطبيعتها، فيما قبل حزب التجمع الوطني للأحرار، الذي تقدم على الاتحاد الاشتراكي بمقعد واحد، بيسر، جميع المقترحات، بما فيها إلباس أشخاص غير منتمين إليه معطف الحزب. وفضل الفاسي عدم فتح أي نقاش مع حزب العدالة والتنمية، رغم أن لهذا الحزب قواسم مشتركة مع حزب الاستقلال، الذي يخندقه المحللون السياسيون في صفوف الأحزاب المسماة «محافظة»، إذ اكتفى بعقد لقاء واحد مع قيادة نفس الحزب، مثلما فعل مع حزب الإتحاد الدستوري المحتل للمرتبة السادسة، وذلك بعد أن التقط إشارة الملك محمد السادس، الذي استقبل قيادة الأحزاب الستة الأولى، عقب الإعلان عن نتائج الانتخابات التشريعية، فكانت منطلقا لبدء المفاوضات حول تشكيل الحكومة . وبالمقابل قدم الفاسي عرضا لحليفه الثاني في الكتلة الديمقراطية، حزب التقدم والاشتراكية، الذي اكتفى بتولي حقيبتين وزاريتين، على غرار ما وقع في الطبعة الثانية لحكومة عبد الرحمن اليوسفي، إذ لم يجد أية صعوبة تذكر، لكون الحزب ذاته لم يحسن من مرتبته الانتخابية. وقد فتح الفاسي مفاوضات مع حزب الحركة الشعبية، التي خاضت الانتخابات، بعد تجربة إندماجية قصيرة لثلاثة مكونات حزبية دامت مدة 5 سنوات، حيث وجد صعوبة كبيرة في إقناع قيادة حزب الحركة الشعبية، وخاصة رئيسها المحجوبي أحرضان، بقبول عروض الفاسي المتتالية، لأنها أرادت تطبيق نفس الخيار الذي قبله حزب التجمع الوطني للأحرار. وتأخر الفاسي في الإعلان عن تشكيلة حكومته، حتى باغثته الجلسة التشريعية الخريفية للبرلمان، ولم يكترث لمبدأ المنهجية الديمقراطية الذي نادت بتنفيذه أحزاب الكتلة الديمقراطية الثلاثة، رغم أن فصول الدستور لا تنص، صراحة أو تلميحا، على ضرورة تعيين الوزير الأول، من قبل الحزب المحتل للمرتبة الأولى في الانتخابات التشريعية، وأن يكون شخص الأمين العام، هو منسق العمل الحكومي، فكان بذلك أول خرق لشعار رفعته أحزاب الاستقلال، والاتحاد الاشتراكي، والتقدم والاشتراكية. وبما أن المنادين بالمشروع الحداثي الديمقراطي لم تنفعهم حساباتهم الدقيقة، فإن أياد ما ساهمت في إخراج نسخة من الحكومة بشكل قيصري. وفي خضم الإعلان عن ولادة الحكومة بهذه الطريقة، استشاط الحركيون غضبا، ونزلوا إلى ساحة الإعلام، في سابقة غير معهودة في الحزب، ليتهموا الفاسي صراحة «بالغدر»، و«الإقصاء» ويشيروا بأصابعهم إلى مستشاري الملك محمد السادس، وخاصة المستشار عبد العزيز مزيان بلفقيه، الذي راج الحديث على أنه فضل وزراء تقنوقراط، بدلا من سياسيين. ولم يجد الفاسي بدا من تبريره لإغراق حكومته بوزراء غير منتمين حزبيا، سوى الإعلان عن تسمية جديدة دخلت إلى القاموس السياسي المغربي، وهي وزراء منتسبين إلى المجتمع المدني، حيث استفاض في شرح مبررات هيمنة التقنوقراط، بالتأكيد أنه لم يقص أحدا، ولم يتعامل بازدراء مع الأحزاب التي شكلت حكومته، مدافعا إلى حد الاحتجاج على أهمية وجود ممثلين عن المجتمع المدني، أو المنتسبين إليه، من خلال أنشطتهم التي تابعها المغاربة، سواء كانت رياضة أو مسرحا. وبدا أن لا أحد من العارفين بخبايا تشكيل الحكومات بالمغرب، أو الملاحظين لها عن كثب، أو مراقبيها عن قرب، فطن لشيء اسمه «وزراء المجتمع المدني»، إذ اتضح بعد تقديم الوزير الأول لبرنامجه الحكومي، وجود تناغم بينهم وبين نواب غير منتمين إلى الأحزاب المشاركة في الحكومة، بل منتسبين شتاتا، إلى سبعة أحزاب صغيرة، ولائحة مستقلة، تزعمها النائب فؤاد عالي الهمة، الوزير المنتدب السابق في الداخلية، حيث شكل فريق نيابي مشترك من هؤلاء النواب، سمي « الأصالة والمعاصرة» من أجل مساندة الحكومة. ولم يعبر الفاسي عن ندمه السياسي، كونه لم يضم إلى صفوف الأغلبية الحكومية، حزب الحركة الشعبية، لأنه اعتقد عن خطأ أن سبعة أحزاب ولائحة مستقلة شكلت فريقا نيابيا موحدا اسمه «الأصالة والمعاصرة»، والتي أعلنت عن نفسها حزبا شهر غشت 2008، ستسانده إلى غاية انتهاء مدة ولايته سنة 2012، خاصة وأن نوابها صادقوا على جميع مشاريع القوانين الحكومية، فيما كان حزب الاتحاد الاشتراكي، مزعجا إلى درجة تراشق قيادته مع قيادة حزب الاستقلال، على صفحات الجرائد. ولكن لم يدم ذلك الدعم السياسي، إذ صعد حزب الأصالة والمعاصرة من لهجته، على مقربة من الانتخابات الجماعية، حيث قرر، وبدون سابق إنذار، سحب مساندته لحكومة الفاسي، لأن مكوناتها احتجت بشدة على خرق حزب الأصالة والمعاصرة، الفصل 5 من قانون الأحزاب، والذي حدد شروط انتقال برلماني من حزب إلى آخر، كما وضع جزاءات مالية على المخالفين للقانون، فكان رد فعل قيادة الأصالة والمعاصرة سحب دعمها لحكومة الفاسي، رغم أنها أبقت على وزيرها في التربية، الذي اضطر إلى تجميد عضويته من الحزب، فتزعزع تماسك الحكومة، وصدرت روايات ذهبت إلى حد القول إن حزب الأصالة والمعاصرة، يهدد «بانقلاب أبيض» ضد حكومة الفاسي، أو على الأقل، سيخلق أزمة حكومية، على غرار ما يقع في بعض البلدان الأوربية، مثل إيطاليا، أو في المشرق مثل الكويت، لكن مكالمة هاتفية للملك محمد السادس، نزلت بردا وسلاما على الفاسي، حيث عجلت بوضع سيناريوهات جديدة لتشكيلة الحكومة، مهما كانت نتائج الانتخابات الجماعية. وكان للفاسي حل واحد هو طلب عودة الحركة الشعبية، التي تحسن دائما اللعب في الأنفاس الأخيرة، وأحيانا تسجل إصابات في مرمى الحكومة والمعارضة معا، إما بالانسحاب قبل موعد انتهاء مدتها، أو المطالبة بحقائب إضافية. ولم يصادف الفاسي صعوبة تذكر في إقناع الحركيين، إذ تمكن بسهولة من إقناعهم بتولي حقيبتين، وليس خمسا كما في السابق، وذلك بالاستناد إلى نتائج الانتخابات الجماعية، التي تراجع فيها الحزب.