هل لا زال التدين الوراثي صالحا لإقناع هذه الطلائع الشبابية بضرورة تدينهم ...و هل يستطيع أسلوب ( اسمع و لا تسأل) ...( نفذ و لا تناقش) الإجابة عن كثير من الأسئلة التي تراود عقولهم...و الإشكاليات التي تتسلل لأذهانهم..... قد يكون هذا مقبولا حين كان العالم قرية كبيرة متباعدة الأطراف.....وكنا نغادر المدرسة على الساعة السادسة مساء لنجد قناتنا التلفزية الوحيدة قد افتتحت برامجها للتو بالنشيد الوطني و قراءة قرآنية للمرحوم بنموسى....و نلتهم قطعة من الخبز مغموسة في زيت الزيتون و نحن نتابع حلقة جديدة من ( غرناديزر)....نستمتع بمغامرات دايسكي و كوجي والضربة الصاعقة والضربة المزدوجة.....و ليس بعد ذلك ما يستحق المشاهدة إلا نشرة رتيبة أغلب وقتها تستهلكه الأنشطة الملكية و التدشينات الوزارية و أخبار السدود و الاستقبالات و الحفلات....ثم حلقة من مسلسل ( في المشمش) أو (جيمي القوية) ....ليختم الجهاز العجيب برامجه بعد نشرة موجزة على أنغام النشيد الوطني....كانت تلك النافذة الوحيدة لجيلنا على ما يقع في العالم...و أكثرنا ثقافة ذلك المدمن على نشرات ميدي 1 أو الذي فتح الله عليه بجهاز مذياع متطور يتمكن من التقاط البي بي سي و هي تضرب ناقوس الكنيسة على رأس الساعة مرفوقا بلازمة (هنا لندن)....... هل ينفع التدين التقليدي الوراثي الذي كان متلائما مع إعلام ضعيف و تواصل أضعف مع الخارج في وقت أصبح العالم فيه قرية صغيرة...وعدد منخرطي الفايسبوك جاوز المليار في عشر سنوات....وأكثر من بليون- بالباء و ليس بالميم- شخص يزورون موقع يوتوب شهريا، ويشاهدون أكثر من ستة بلايين ساعة فيديو في الشهر، بأكثر من ستين لغة، ويحملون أكثر من مائة ساعة في الدقيقة الواحدة...... هل ينفع ذلك التدين في هذا الوقت الذي أصبحت تستطيع فيه أن تتجول العالم كله، و تزور عجائبه السبع، و تتجول في أشهر متاحف باريس و لندن، و تتصفح الكتب بمكتبة الإسكندرية و داخل مكتبة الكونغرس و البيت الأبيض، و تشتري معطفا شتويا من هونغ كونغ، و ساعة روليكس من جنيف، و هاتفا ذكيا من سيول ، و تستطيع متابعة محاضرة بجامعة هارفارد ، و المشاركة بمداخلة في مؤتمر بكيب تاون، و لعب حصة من البلاي ستايشون مع صديق لك ببكين أو سيدني أو حتى بباماكو أو كراتشي.....ولو كانت الصلاة صحيحة خلف التلفاز رغم اختلاف الوقت لكان بإمكانك أداءها كل يوم خلف الحذيفي أو سعود الشريم........ تفعل ذلك كله وأنت في بيت من بيوت الصفيح بزحيليكة أو على رأس جبل من جبال الأطلس.... هل يقارن هذا بزمن كنا لا نعرف فيه شكل الأميركي أو الفرنسي أو شكل سيارته و بيته إلا من خلال الفيلم اليتيم الذي يبث ليلة كل أحد ، أو من خلال بطاقة بريدية عليها صورة برج ايفل أو تمثال الحرية يرسلها لك قريب أو صديق ينظر له العالم البئيس نظرة الإعجاب ويحسدونه على حظه الكبير..... هذا التدفق الكبير و التنقل السريع للمعلومة يفرض على المسلمين و خاصة المفكرين منهم و الدعاة تحديات كبيرة....لان هذا التقارب المعلوماتي يؤدي بالضرورة إلى التدافع الفكري والحضاري....و يمكن كل حضارة من تحدي مثيلتها و محاولة تعجيزها .......و الشاب المسلم إذا لم يكن محصنا بالأجوبة الدقيقة و المقنعة، مشحونا بالأدلة العلمية المنطقية، و ليس فقط بالفطريات و المواعظ الفضفاضة العاطفية، فسيبدو عاجزا أمام قرنائه و محاوريه ومناقشيه.... بل أكثر من ذلك...قد يبدو عاجزا أمام نفسه لا يستطيع أن يقنعها بما يراد له أن يقتنع به....ولا يجد إجابات صادقة للأسئلة التي تراود ذهنه و تشغل عقله.... علماؤنا المتقدمون...لما انفتحوا على الحضارات الأخرى من يونانية و غيرها.....و طرحت عليهم أسئلة الوجود....ابتكروا ما عرف بعلم الكلام....ومع كل المؤاخذات التي توجيهها لهذا العلم...إلا أنه كان استجابة للتغيرات السياسية و الاجتماعية....و إجابة على التساؤلات الفلسفية التي من شأنها التشويش على العقائد و الأصول..... معارك ذلك الزمن غير معاركنا اليوم....أثبتوا للشباب صحة مسلكهم حين اختاروا الإسلام دينا....أثبتوا لهم صحة و جود الإله و وجوب عبادته بما يروي عليلهم و يشفي غليلهم من أدلة العقل و المنطق.....إشرحوا لهم الغاية من وجودهم و جدوى خلقهم بما تستوعبه عقولهم و تلتقطه أفهامهم.....أجيبوهم عن كل الأسئلة الوجودية التي يرددونها بين أنفسهم سرا و لا يتجرؤون على البوح بها خوفا من تكفير مكفر أو زجر زاجر..... فإن لم تفعلوا فلا تتباكوا على موجات الإلحاد و التبشير و الانحراف الفكري.....فاللوم عليكم لا على من سعى لنشر نحلته و نثر مذهبه....لا تستدعوا شرطيا و لا دركيا ليحمي شبابكم....فلا سلطة على الفكر بعد اليوم....بل إن التسلط على الأفكار ما يزيدها عند هذه الطلائع الشبابية إلا قبولا و استجابة.....استدركوا قبل أن يفوت الأوان...و تندمون حين لا ينفع الندم...ألا هل بلغت ....اللهم فاشهد https://ar-ar.facebook.com/abohafss